السلطان محمود بن اللطيف الكجراتي
السلطان الشهيد السعيد محمود بن اللطيف بن المظفر بن محمود الكجراتي أبو الفتوحات سعد الدين محمود شاه الصغير قام بالملك في أوائل ربيع الأول سنة أربع وأربعين وتسعمائة وكان في سن لا يدرك المصلح من المفسد، فتولى الوكالة أفضل خان والنيابة المطلقة اختيار خان والوزارة صدر
خان، وصار أمير أمراء الجيوش عماد الملك، وكان اختيار خان شيخاً قد حنكته التجارب وكان ذا عقل وفضل، وأما عماد الملك فكان بمعزل عن الفكر وإنما هو من رجال الحرب، ولهذا بعد مدة يسيرة اعتزل أفضل خان وأشار على اختيار خان أن يستقيل ويعتزل أيضاً فلم يسمع قوله، وقتله عماد الملك وتغلب على السلطان وهو كالأسير له، فلما ضاق عليه الأمر خرج يوماً باسم الصيد وأبعد من البلد وكتب إلى عماد الملك أنه يخرج إلى ولايته، فامتثل أمره وعلم أنه من دريا خان أحد رجال الدولة، ثم حرض دريا خان السلطان أن يركب إلى عماد الملك ويحاربه، فسار إليه وقاتله وهزمه إلى برهانبور، فرجع محمود شاه ومعه دريا خان إلى دار ملكه وألقى بيده عنان السلطة، فاستبد بالأمر وضيق على محمود شاه، فاستعان محمود بعالم خان وخرج إلى ولايته سراً ورجع معه إلى دار الملك، وأخرج دريا خان إلى بلاد مندو، ثم استبد بالأمر عالم خان فأسر السلطان إلى مماليكه وخرج من الأسر وأخرج عالم خان من بلاده وألحقه بدريا خان، واستمر بالوزارة برهان الملك محمد العباسي زماناً، ثم تقلدها ابن أخيه أفضل خان المذكور، وولي النيابة المطلقة مجاهد خان، وبعث
السلطان عساكره لقتال الإفرنج بقيادة الخواجه صقر والرومي سنة ثلاث وخمسين، واستشهد خواجه صقر وقتل معه جمع كثير من رجال الدولة بقصة شرحتها في ترجمة الخواجه صقر وترجمة قرا حسن الرومي، فعزل محمود شاه وزير أفضل خان سنة أربع وخمسين لتقصيره في تجهيز الجيوش إرسال ما يكفي المؤنة لهم، ونصب مكانه عبد الحليم بن حميد الملك، وفي سنة خمس وخمسين ولي النيابة المطلقة المسند العالي عبد العزيز بن حميد الملك الكجراتي المشهور بآصف خان، فازداد محمود شاه بنيابته سعة في التمكين والإمكان، ووجد راحة في أوقاته وفتح قلعة ايدر سنة ست وخمسين، وكان لمحمود شاه شرابي اسمه برهان الدين يثق به، وإذا غاب إمامه يأتم به في الصلاة، ويلزمه في الرضا ويهينه في الغضب ويحتقره ويهزأ به ولا يتحاشى من قربه، فاتفق لتقصير أتاه الشرابي أن أقسم محمود شاه أن يعاقبه، فاستيقن الشرابي وعزم على أن يبعده ويعيش بعده فسمه، ولما شكى الحرارة وطلب شراب الصندل سمه فيه أيضاً، فدخل الخلوة ونام على سريره، فلما رآه الشرابي لا حراك به أمر بسدل الحجاب وذبحه، ثم جلس على سرير الملك وقتل وزراءه، كما شرحته في ترجمة آصف خان وأفضل خان.
وكان محمود شاه خاتمة سلاطين كجرات، وبه بعد حادثة المغل عمرت وتراجعت وأمها أهل الجهات، ومن أعماله الصالحة ما وقفه على الحرمين الشريفين من قرى بنواحي كنباية، منها قندهار بندر صغير على خورها، بلغ ارتفاعها مائة ألف ذهب، فيتعوض بها نيل وقماش، ويحمل ذلك في المركب السلطاني ببندر كهوكه، ومن حين يشترى إلى أن يباع بجدة، ما يلحقه من المصاريف الضرورية فهو من مال السلطنة ولا عشور عليه بجدة، فمن تأمل في الفائدة يجدها ربحاً عظيماً، ولهذا في أيامه توسع أهل الحرمين في المعيشة، ولم ترتهن ذممهم في دين يركبهم، فكانت الأوقاف العثمانية التي تصل مع أمير الحاج المصري تغنيهم عن الحج وبعض أشهر السنة، والأوقاف المحمودية تغنيهم عن القرض لباقي أشهرها.
ومن عمارته بمكة المباركة رباط بسوق الليل في جوار المولد الشريف النبوي عليه صلوات الله وسلامه، والعين القديمة جارية فيه، يشتمل على مدرسة وسبيل ومكتب الأيتام وخلاوي أرضية وسطحية ورباط بباب العمرة وسبيل بطريق جدة.
ومن سعادته حسن اعتقاده بالشيخ الأجل علي بن حسام الدين المتقي البرهانبوري المهاجر إلى مكة المشرفة، وقد وفد الشيخ عليه مرتين من مكة المشرفة، وللشعراء قصائد في رثائه منها ما قال بعضهم وفيه تاريخ الحادثة.
سلطان وقت خسرو محمود عاقبت رضوان بروضه نخل كلي جون قدش نشاند
ناكه به تيغ حادثه جون لاله شد شهيد رخش مراد جانب باغ بهشت راند باغ از بنفشه كشت بسوكش كبود بوش وز برك كل بماتم آن سرور خون فشاند تاريخ او جو خاستم از عندليب كفت با صد هزار ناله كه در روضة كل نماند
ومن الغرائب أنه اتفق وفاة السلطان محمود سليم شاه السوري وبرهان نظام شاه البحري في سنة واحدة، فقال في تاريخه مولانا غلام علي الاسترآبادي والد محمد قاسم صاحب تاريخ فرشته:
سه خسرو را زوال آمد بكيبار كه هند از عدل شان دار الأمان بود
يكي محمود شاهنشاه كجرات كه همجون دولت خود نوجوان بود
دوم اسليم شه سلطان دهلي كه در هندوستان صاحبقران بود
سوم آمد نظام آن شاه بحري كه در ملك دكن خسرو نشان بود
زمن تاريخ فوت اين سه خسرو جو مي برسي زوال خسروان بود
وكان قتله في أوائل ربيع الأول سنة إحدى وستين وتسعمائة بمحمود آباد، فنقل جسده إلى سركهيج
ودفنوه بها عند جدوده.
الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)