محمد بن سرور الصبان:
رائد الأدب الحديث في الحجاز، ومن كبار رجال المال والأعمال.
عصامي، صومالي الأصل. ولد في القنفدة ونقل إلى (جدة) في الرابعة من عمره فرباه آل الصبان، بها وبمكة وعين في هذه موظفا في البلدية (سنة 1336) والتف حوله شباب الأدب في أواخر أيام الأشراف بجدة وأوائل العهد السعودي. وأصدر كتابين صغيرين (سنة 1344) كان لهما شأن عند المتأدبين في أيامهما، وهما (أدب الحجاز - ط) و (المعرض - ط) واتهم في أيام الملك عبد العزيز، بعد دخوله الحجاز، بالميل الى الأشراف، فنفاه الى الأحساء (1346) اثنين وعشرين شهرا وأطلقه ورضي عنه فانصرف الى إنشاء الشركات وإدارتها. وتولى بعض الأعمال الحكومية المالية (1350) وجمع ثروة. وبعد وفاة الملك عبد العزيز عين وزيرا للمالية. وفي عهد الملك فيصل ابن عبد العزيز عين أمينا عاما لرابطة العالم الإسلامي، فاستمر الى أن توفي بمصر، مستشفيا. ودفن بمكة. كان أريحيا محسنا. وأنفق على نشر كتاب (العقد الثمين - ط) للتقي الفاسي، وجمع مكتبة احتوت على كثير من المخطوطات .
-الاعلام للزركلي-
محمد سرور الصبان
طويل بائن الطول، سمهري القوام، داكن البشرة، عظيم الشفتين، أقنى الأنف حلو النظرة، حسن الخلق رقيق أنيق يرتدي العباءة العربية والعقال، وهبه الله سماحة في النفس واليد فكان من أكرم من عرفت من الرجال، وكان يسع الناس ببذله وكرمه كما يسعهم بأخلاقه وحلمه حتى تبوأ مركز الزعامة بما بذل من نفسه وماله.
ولد الشيخ محمد سرور الصبان بمدينة جدة كما ورد في ترجمته التي كتبها عن نفسه في كتاب أدب الحجاز في أواخر عام 1316 هجرية وتعلم في مكة ثم في مكتب صادق بمدينة جدة بعد أن هاجر والده الحاج سرور الصبان إليها حيث كان يدير أعمال أسرة الصبان، وكانت يومها من أكبر البيوتات التجارية التي تخصصت في تصدير الجلود، وفى أوائل العهد السعودي كان موظفا بأمانة العاصمة بمكة الكرمة كما كانت له مكتبة لبيع الكتب يعمل فيها أخوه المرحوم الشيخ عبد الله سرور الصبان، وفي السنوات الأولى من العهد السعودي استقدمه جلالة المغفور له الملك عبد العزيز إلى الرياض وبقي بها بعض الوقت ثم عاد بمعية جلالته إلى الحجاز وكانت قد اتصلت أسبابه بأسباب المرحوم الشيخ محمد الطويل في الرياض وقد عادا معا إلى الحجاز بمعية الغفور له الملك عبد العزيز فأسند الشيخ محمد الطويل إلى الشيخ محمد سرور إدارة شركة القناعة للسيارات بمكة المكرمة والتي كانت رئاستها للشيخ محمد الطويل كما ورد في ترجمته المنشورة من قبل.
وفي شركة القناعة للسيارات اتصلت أسبابي بأسباب المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان فقد كان هو مديرا لإدارة الشركة بمكة الكرمة، وكنت أعمل بإدارتها في جدة، وبعد أن أسندت إلى الشيخ محمد الطويل رئاسة أموال وجمارك المنطقة الشرقية أصبح الشيخ محمد سرور هو القائم بإدارة شركة القناعة في جدة وأصبحت أعمل معه جنبا إلى جنب طيلة شهور الموسم، وما لبث الشيخ محمد سرور أن أسس شركة خاصة للسيارات باسمه واسم إخوانه أطلق عليها اسم شركة الفلاح وأسندت إدارتها إلى أخيه المرحوم الشيخ عوض سرور الصبان وكانت من أكبر شركات السيارات في ذاك الزمان - هذه الشركات جميعها توحدت فيما بعد في شركة واحدة هي الشركة العربية للسيارات - وفي النقابة الأولى للسيارات التي كان مركزها الرئيسي في مكة المكرمة تجلت عبقرية الشيخ محمد سرور وظهرت مواهبه، وكانت شؤون السيارات تهم الدولة إذ ذاك فوقع اختيار معالي المرحوم الشيخ عبد الله السليمان على الشيخ محمد سرور ليتولى إدارة قسم التحريرات في وزارة المالية وللأيام الأولى التي باشر الشيخ محمد سرور فيها هذا العمل ظهر أثره وتبين تأثيره، وكان معالي الشيخ عبد الله السليمان خبيرا بأقدار الرجال فما لبث أن أسند إليه منصب مدير عام وزارة المالية، وكانت وزارة المالية إذ ذاك هي كل وزارات الدولة تقريبا فوزارة المالية هي التي تقوم بأعباء وزارات المالية والأشغال والحج والواصلات والتجارة بينما كان ديوان النيابة العامة الذي كان يتولاه في ذلك العهد سمو الأمير فيصل نائب جلالة الملك في الحجاز إذ ذاك - جلالة الملك فيصل الأول فما بعد - تتولى الإشراف على الداخلية والأمن العام والمعارف ومجلس الشورى وهيئات الأمر بالمعروف والمحاكم الشرعية والبلديات، وهكذا وجد الشيخ محمد سرور في وزارة المالية المجال الرحب لإظهار مواهبه وقدراته فكان في ذلك العهد ولسنوات طويلة من أكبر الرجال تأثيرا وأعظمهم نفوذا فقد كان يستمد سلطاته القوية من أقوى رجل في الدولة بعد ولي العهد والنائب العام، وقد استطاع الشيخ محمد سرور أن يحسن العمل في وزارة المالية فالتحق بها في عهده صفوة المثقفين إذ ذاك فتحسنت لغة الكتابة في الدواوين بعد أن عمل فيها أدباء معروفون كالأساتذة عبد الوهاب آشي ومحمد حسن فقي ومحمد حسن كتبي وأحمد قنديل وكلهم كتاب وشعراء بارزون وكانوا جميعا يعملون بالتدريس في مدارس الفلاح بمكة وجدة وبالمدارس الحكومية وكلهم تولى رئاسة تحرير صوت الحجاز في وقت من الأوقات وللشيخ محمد سرور مأثرة أدبيه كبرى ينفرد بها حين يكتب التاريخ الأدبي للحجاز فقد كان أول من أصدر (كتاب أدب الحجاز وكتاب المعرض)، وكتاب (خواطر مصرحة) للأستاذ محمد حسن عواد، وكتاب أدب الحجاز بالذات كان أول مؤلف يضم شعر أدباء الحجاز في الأربعينات من هذا القرن الهجري كما كان أول صوت يسمع في داخل المملكة وخارجها عن الأدب والأدباء وقد جاء هذا الكتاب بعد فترة من الركود والخمول منذ أواخر العهد التركي وخلال العهد الهاشمي فكان ظهور أدب الحجاز بشيرا بفجر النهضة الأدبية في الحجاز وهو على صغر حجمه لم يكن إلا تعبيرا شديد الاختصار عن ولادة الأدب الحديث في هذه البلاد ولكن هذا التعبير جاء في وقته فكان له صدى قوي في داخل البلاد وبشارة حسنة لمن يترقبون الأحداث الأدبية في خارجها، وكتاب أدب الحجاز هو كتاب شعري بينما أن كتاب المعرض هو كتاب نثري فإذا كان الأول يعبر عن الشعر الحديث إذ ذاك في الحجاز فإن كتاب العرض هو تعبير عن لغة الكتابة في ذاك العهد، أما كتاب (خواطر مصرحة) فهو من تأليف الأستاذ محمد حسن عواد وقد أحدث في حينه ضجة واسعة، ومهما كان الرأي فيه فلقد كان حدثا قويا وجريئا في حينه، وللشيخ محمد سرور إلى جانب هذه المأثرة الأدبية الأولى مآثر كثيرة فقد طبع ونشر على نفقته كتبا كثيرة جليلة منها كتاب تفسير معاني كلمات القرآن للشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية وكتاب العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين للفاسي وغيرها من الكتب المفيدة الجليلة وكانت هذه الكتب تطبع وتوزع على نفقته بغير مقابل جزاه الله خير الجزاء، كما أن الشيخ محمد سرور كان مؤسس ورئيس الشركة العربية للطبع والنشر التي اشترت جريدة ومطبعة صوت الحجاز من صاحبها المرحوم الشيخ محمد صالح نصيف وقد كان الشيخ محمد صالح نصيف من أوائل السباقين إلى نشر الصحف فقد كان يصدر جريدة بريد الحجاز في جدة في أواخر العهد الهاشمي ثم أصدر جريدة صوت الحجاز بمكة في الخمسينات من هذا القرن الهجري وكانت جريدة صوت الحجاز أول جريدة وطنية في المملكة بعد جريدة أم القرى الرسمية وكانت في حينها حدثا عظيما لأنها كانت مجالا لآراء الكتاب والمفكرين من الرعيل الأول وكانت محل اهتمام كبير على جميع المستويات وهي تصدر الآن باسم جريدة البلاد، نعود بعد هذا الاستطراد لنواصل الحديث عن المرحوم الشيخ محمد سرور بعد توليه منصب مدير عام وزارة المالية، وقد كانت هذه الوزارة كما أسلفنا في ذلك العهد قطب الأعمال ومركز الآمال فالتجار كل التجار يتعاملون معها، إذ كانت تتولى كافة شؤون الدولة المالية والإنشائية والصناعية، وكانت الوظائف مرتبطة بها والصرف والقبض من أهم اختصاصاتها وبهذا أصبح الشيخ محمد سرور مقصدا للناس يقصدون إليه في قضاء أمورهم فلم يكن يخيب لهم أملا ولا يرد لهم مطلبا ما وسعه ذلك ولهذا كان يجلس إلى الناس بعد عصر كل يوم يستقبلهم ويستمع إليهم ويحاول قضاء مطلبهم، وكان هذا المجلس يمتد حتى صدر الليل، ولم يكن يعتريه سأم أو برم فقد وهبه الله نفسا سمحة وخلقا كريما فكان يهب من يهب ويقرض من يقرض ويعين من يعين كل هذا في صمت عجيب وتواضع جم ولقد عملت إلى جانبه تسع سنوات رأيت فيها العجب من إحسانه وحلمه وكثيرا ما أنقذ تجارة منهارة أو قضى دين كريم وكثيرا ما أقال العثرات وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وكثيرا ما أشفقت عليه مما أرى فكنت ألفت نظره بلطف إلى ما يفعل ولكن أنى للسيل العارم أن يرتد فقد جبله الله على الكرم والسخاء.
وكانت للشيخ محمد سرور مطامح اقتصادية واسعة فكان أول رئيس للعديد من المؤسسات والشركات الوطنية مثل مشروع القرش، الشركة العربية للتوفير والاقتصاد، الشركة العربية للصادرات، الشركة العربية للطبع والنشر، الشركة العربية للسيارات، شركة ملح وكهرباء جيزان، شركة الزهراء للعمارة، شركة مصحف مكة، وللأسف فإنه لم يبق من هذه الشركات جميعا سوى الشركة العربية للسيارات وشركة مصحف مكة، أما الشركات الأخرى فقد انتهت تماما ولعل الشيخ محمد سرور كان يتخذ من زعيم مصر الاقتصادي المرحوم طلعت حرب مثالا يحتذى في تأسيس هذه الشركات، والواقع أن البعض من هذه الشركات تعرض للصعوبات والمتاعب والبعض كانت تنقصه المهارة الإدارية والخبرة والكل كان في حاجة إلى التطوير والتمشي مع متغيرات العصر، ولعله مما يؤخذ على الشيخ محمد سرور أنه لم يكن يشرك الجمعيات العمومية للشركات في دراسة ما تتعرض له هذه الشركات من مشاكل لتكون القرارات المتخذة قرارات جماعية وليكون المساهمون على علم بتطورات الأمور في شركاتهم وهكذا انتهت هذه الشركات إلى الانقراض والفناء.
والواقع أن الشيخ محمد سرور يتصرف بمثل هذا في شؤونه الخاصة وكان رجلا واسع الخيال كبير الأحلام، وكانت هذه الصفات فيه مدعاة لاستغلاله من كثير من الناس فكان كل من تقدم له بمشروع وطلب منه المشاركة فيه استجاب إليه فأمده بالمال شراكة أو قرضا، وكثير من هذه المشروعات كان ظاهر التهافت ولم يبن على دراسة كما أن الكثير من أصحاب هذه المشاريع لم يكن التعامل معهم موحيا بالثقة والاطمئنان، كان البعض يفكر في مشروع يصوره له خياله ويأتي إلينا في دار الشيخ محمد سرور وهو نفسه غير متأكد من صحة تفكيره أو من نجاح مشروعه فما هي إلا ساعة أو بعض ساعة يجلس فيها إلى الشيخ محمد سرور حتى يخرج والبشر يطفح من وجهه والأمل يملأ جوانحه فقد وجد من الشيخ وتعضيده ما يحمله على الظن بأنه عبقري الدهر وواحد الزمان ويأخذ دفعة من المال يبدأ بها الخطوات الأولى لمشروعه العتيد وتمضي الأسابيع والشهور وإذا بهمة الشيخ تفتر عن السير مع أحلام الرجل ولكنه لا يصارحه بشيء وتبدأ الأمور في التعقيد وينقلب إعجاب الرجل بالشيخ محمد سرور وثناؤه عليه إلى نقد صارخ فيسبق إلى ذهنه أنه أساء إليه وأوقعه في ورطة ولا يجد الشيخ محمد سرور مفرا من تفادي المشكلة إلا بالتنازل عما دفع من مال بفدية أخرى يفتدي نفسه مما كان، وكان من المكن تفادي كل هذا الحرج وكل هذه الخسارة بصرف الرجل من البداية صرفا حسنا أو بالاعتذار المؤدب عن الدخول في هذه المشاريع، والواقع أني لست أدري حتى الآن وبعد معايشتي للشيخ محمد سرور السنين الطوال هل هو حب المجاملة للناس، أو الطموح الكبير هو الذي كان يدفع الشيخ محمد سرور إلى مثل هذه الواقف أو أنهما الصفتان معا كانتا الدافع إلى مثل هذه الأمور، وأستطيع أن أضيف إلى صفات الشيخ محمد سرور رحمه الله أنه كان كثير الحياء كاتما لأسرار الناس، وكانت هذه الصفات فيه تمنعه من مصارحتهم بما يكرهون، وبالإسراف في مجاملتهم وملاطفتهم، كما أن كتمانه لأسرار الناس كان يمنعه من تقصي أحوالهم والواقع أن هناك فرقا بين كتمان أسرار الناس وبين التقصي فيما يجب التقصي فيه خاصة في الأمور الاقتصادية، وقد جاء وقت أصبح فيه الكثير من الناس يدعون أنهم شركاء للشيخ محمد سرور فيما يقومون به من أعمال ومشاريع، والكثير من هؤلاء الناس لا يستحقون أن يقرن اسمهم إلى اسمه، فشتان بين مشرق ومغرب وقد انتهت هذه المشاركات كلها إلى التلاشي وفقد الشيخ محمد سرور رحمه الله أموالا طائلة فيها نتيجة لعدم التقصي عن أحوال هؤلاء الناس وعدم التروي في الدخول معهم في أي مشروع.
وكان الشيخ محمد سرور رحمه الله يقرض الكثيرين المال الكثير فلما ظهرت حاجته إليه وبدأ يطالب الناس به لم يجد منه إلا القليل أو أقل القليل، وقد شكا لي في آخر حياته من بعض الناس الذين كان إقراضه لهم بمثابة إنقاذ من الهاوية وستر من الفضائح وكنت أعرف سلفا أن هذا سيحدث وحينما كنت مديرا لأعماله من عام 1355 هـ - 1364 هـ كنت أنبهه إلى شيء من ذاك ولكن ما جبل عليه من حب للخير وإسداء للمعروف جعله يندفع في الطريق الذي يسير فيه.
هذا وقد بقي الشيخ محمد سرور في منصبه مديرا عاما لوزارة المالية وتقلبت به الأيام في هذا المنصب علوا وسفلا فإذا كان الرضا منه كانت له السلطة والتصرف، وإذا أغضي عنه وحل محله من ينال ثقة الوزير الشيخ عبد الله السليمان بقي مجمدا في منصبه أو سافر إلى الخارج ينتظر تغير الأحداث.
وبعد تولي الملك سعود العرش خلفا لجلالة المغفور له الملك عبد العزيز واستقالة الشيخ عبد الله السليمان الحمدان من وزارة المالية عين الشيخ محمد سرور وزيرا لها في أول وزارة رسمية يرأسها جلالة المغفور له الملك فيصل، وكان الإنفاق الضخم الذى صاحب بداية عهد الملك سعود في ولاية الشيخ محمد سرور لوزارة المالية سببا في الأزمة المالية التي حدثت في ذلك الوقت، وارتفاع أسعار العملات الأجنبية مع أن تسعين في المائة من واردات الدولة كان من العملات الأجنبية ولم يتمكن الشيخ محمد سرور من معالجة الوضع لأن العلاج كان يقضي حزما وسيطرة كاملتين على النفقات وخاصة فما يتعلق بالعملات الأجنبية وهذا هو الذي قام به جلالة المغفور له الملك فيصل شخصيا فما هو إلا عام أو بعض عام حتى استقرت الأمور وتحدد الصرف وتوازنت الميزانية، وكان الشيخ محمد سرور إذ ذاك قد سافر إلى أوربا في رحلة للعلاج ولكنه أقيل من منصبه قبل عودته إلى المملكة بسبب هذه الأحداث وبقي الشيخ محمد سرور في مصر فترة طويلة من الزمن حتى استدعاه جلالة الغفور له الملك فيصل للعودة إلى البلاد.
وخلال إقامة الشيخ محمد سرور في القاهرة كانت داره مفتوحة للناس ويده مبسوطة إليهم بالإنفاق الكثير فكان يبعث المرضى على نفقته إلى المستشفيات ويعين العائلات الكثيرة المهاجرة في مصر ممن يحتاجون إلى العون، وقد شمل كرمه الكثير من أحرار العرب المقيمين بالقاهرة وبيروت والذين شردتهم الأحداث السياسية عن بلادهم وهكذا كان المرحوم الشيخ محمد سرور كالغيث يعم نفعه أينما حل ويصل خيره إلى الكثيرين في صمت وتواضع وحياء.
وبعد عودة الشيخ محمد سرور الصبان أسندت إليه الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي حين تأسيسها فكانت ولايته لها خير استهلال للأمانة الوليدة وبمهارته وحذقه استطاع أن يخلق من الرابطة على قلة مواردها إذ ذاك كيانا كبيرا ضخما، وقد ساعد تأييد جلالة المغفور له الملك فيصل للرابطة على إنجاحها، كما ساعدت علاقات الشيخ محمد سرور الصبان الكبيرة والمتشعبة بالكثيرين من رجالات العالم الإسلامي على ترسيخ قواعد الرابطة وامتداد تأثيرها وللتاريخ فإن كلا من معالي الشيخ محمد سرور الصبان ومعالي الشيخ صالح قزاز كانا يعملان في الرابطة دون مقابل منذ بدء تأسيسها وحتى وفاة الشيخ محمد سرور رحمه الله وهو أمينها العام، وكذلك حتى استقالة الشيخ صالح قزاز بعد ذلك من أمانتها العامة بعد إسنادها إليه إذ كان الأمين العام المساعد منذ بداية التأسيس وتوفي الشيخ محمد سرور رحمه الله بالقاهرة بتاريخ الثاني من ذي الحجة 1391 هـ إثر نوبة قلبية وكان يشكو في السنوات الأخيرة من عمره من لغط في القلب وقد نصحه الأطباء في بريطانيا بإجراء عملية عاجلة ولكنه فضل التأجيل والتريث وكانت رنة حزن كبيرة لدى جميع عارفيه ومحبيه في شتى البلاد الإسلامية والعربية وفي وطنه خاصة وأرسلت الدولة طائرة خاصة لنقل جثمانه من القاهرة حيث صلى عليه في السجد الحرام ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة في الثالث من ذي الحجة سنة 1391 هـ واشترك في استقبال جثمانه وتشييعه كثير من الأمراء والأعيان والجموع الشعبية الكثيرة التي كانت تدين له بالحب والولاء.
رحمه الله رحمة واسعة وأحسن جزاءه في جنات الخلود فقد كان رجلا محبا للخير مقيلا للعثرات ساترا للعورات.
مكتبة الشيخ محمد سرور الصبان
هذا وقد ترك المرحوم الشيخ محمد سرور مكتبة قيمة تعد من أحسن المكتبات الخاصة في مكة الكرمة وهي تحتوي على كثير من أمهات الكتب المطبوعة وبعضها مخطوط ولعل أبناءه الأساتذة الأخوة عبد الرحمن وعبد الباري وسعدا يهتمون بها أو يضمونها إلى إحدى المكتبات العامة لينتفع بها الراغبون.
في الحلقة الخاصة بترجمة معالي الشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله ضمن تراجم أعلام القرن الرابع عشر ذكرت أن لديه مكتبة تعتبر من أكبر المكتبات الخاصة في الوقت الحاضر وأنها تحتوي على مجموعة ثمينة من الكتب إلى جانب المخطوطات القيمة التي تضمها المكتبة وتمنيت على أبنائه السادة الأخوة عبد الرحمن وعبد الباري وسعد أن يعملوا على إتاحة الفرصة للانتفاع بما تضمه هذه المكتبة بإهدائها إلى جامعة الملك عبد العزيز ولقد تلقيت خطابا من سعادة الأخ الشيخ عبد الرحمن سرور يذكر فيه أن المكتبة قد سبق أن قدمت من قبلهم إلى جامعة الملك عبد العزيز بتاريخ 19/ 7/ 1397 هـ وأرفق بخطابه صورة من محضر الاستلام والتسلم وهو يضم خمسة آلاف ومائة وستة وسبعين كتابا منها مائتان وثلاثة مخطوطات وقد رأيت إكمالا لترجمة معاليه أن أنوه بهذا العمل الطيب الذي قام به أبناء المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان ولا شك أنهم حققوا بهذا رغبة من أهم رغبات والدهم الكريم كما أنهم ساروا في هذا العمل على النهج الطيب الذى اتسمت به حياته وأعماله جزاهم الله خير الجزاء ووفق الجميع إلى ما فيه الخير .. ويسرني أن أثبت هنا صورة من المحضر الذى ثم به استلام هذه المكتبة من قبل مندوب الجامعة وهو بتاريخ 19/ 7/ 1397 هـ
محضر استلام وتسلم
إنه في يوم الثلاثاء الموافق 19/ 7/ 1397 هـ تحرر هذا المحضر بين الأستاذ عبد الحميد فهمي إسماعيل مندوبا عن ورثة المرحوم معالي الشيخ محمد سرور الصبان .. والأستاذ حلمي عيد العزب مندوبا عن جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة عن سعادة مدير عام المكتبة المركزية للجامعة وذك لتقرير استلام السيد مندوب الجامعة لكافة الكتب المخطوطة والمطبوعة والمصورة وغيرها والتي قام بجمعها الغفور له طيب الذكر معالي الشيخ محمد سرور الصبان وكانت بمكتبة معاليه بأم الدرج بمكة المكرمة وأهداها المكرمون ورثة معاليه للجامعة تحقيقا للنفع العام لطلبة وأساتذة الجامعة والناطقين بالضاد بما احتوت عليه في شتى العلوم والمعارف، وهي تراث من أمجاد العرب لتحفظه الأجيال عبر السنين.
وقام السيد مندوب ورثة المغفور له معالي الشيخ بتسليم تلك المجموعة من الكتب طبقا للكشوف التي أعدت ووقعت للسيد مندوب الجامعة تنفيذا للإهداء بادئ الإشارة إليه.
وبيان تلك المجموعات والكتب حسب الكشوف مع ملاحظة أن الكتب مرقمة على أساس العناوين وبعض العناوين يشمل أكثر من نسخة طبقا لما هو مقيد بالكشوف وبيانها كالآتي:
١ - دوائر المعارف من ١ إلى ٢
٢ - القرآن وعلومه من ١ إلى ١٩٢
٣ - الحديث وعلومه من ١ إلى ٢٤٦
٤ - الفقه وأصوله من ١ إلى ٦٢٣
٥ - الإسلاميات من ١ إلى ٨٠٦
٦ - اللغة العربية من ١ إلى ٢٣٢
٧ - الأدب من ١ إلى ٦٠٦
٨ - التاريخ والتراجم من ١ إلى ٨٥١
٩ - المتفرقات من ١ إلى ١٢٢٥
١٠ - مجموعة كتب الرابطة من ١ إلى ٢٧
١١ - المخطوطات من ١ إلى ٢٠٣
١٢ - المصورات من ١ إلى ١١
١٣ - كتب قديمة مطبوعة من ١ إلى ١١
١٤ - الدوريات من رقم ١ إلى ١٤١
وبعد مراجعة الكشوف مع مصادرها بمعرفة مندوب المكرمين ورثة معالي الشيخ قد نقلت تلك المجموعات والكتب بواسطة السيد مندوب الجامعة ومعاونيه إلى مقر الجامعة بمكة المكرمة على أن يتم إعادة فرزها وختمها بخاتم خاص وحفظها بمكتبة الجامعة.
أعلام الحجاز، تأليف محمد علي مغربي الجزء الأول – ص 222 - 234.