محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم:
شاعر مصر القومي، ومدون أحداثها نيفا وربع قرن. ولد في ذهبية بالنيل كانت راسية أمام ديروط. وتوفي أبوه بعد عامين من ولادته. ثم ماتت أمّه بعد قليل، وقد جاءت به إلى القاهرة، فنشأ يتيما. ونظم الشعر في أثناء الدراسة. ولما شبّ أتلف شعر الحداثة جميعا. واشتغل مع بعض المحامين في طنطا، فالقاهرة، محاميا، ولم يكن للمحاماة يومئذ قانون يقيدها. ثم التحق بالمدرسة الحربية، وتخرج سنة 1891 برتبة ملازم ثان بالطوبجية. وسافر مع (حملة السودان) فأقام مدة في سواكن والخرطوم. وألف مع بعض الضباط المصريين (جمعية) سرية وطنية، اكتشفها الإنجليز فحاكموا أعضاءها ومنهم (حافظ) فأحيل إلى (الاستيداع) فلجأ إلى الشيخ محمد عبده، وكان يرعاه، فأعيد إلى الخدمة في البوليس. ثم أحيل إلى المعاش، فاشتغل (محررا) في جريدة (الأهرام) ولُقب بشاعر النيل، وطار صيته واشتهر شعره ونثره. وكانت مصر تغلي وتتحفز، ومصطفى كامل يوقد روح الثورة فيها، فضرب حافظ على وتيرته، فكان شاعر الوطنية والاجتماع والمناسبات الخطيرة. وانقطع للنظم والتأليف زمنا. وعين رئيسا للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية سنة 1911 (1329 هـ فاستمر إلى قبيل وفاته. وكان قويّ الحافظة راوية، سميرا، مرحا، حاضر النكتة، جهوريّ الصوت، بديع الإلقاء، كريم اليد في حالي بؤسه ورخائه، مهذّب النفس. وفي شعره إبداع في الصوغ امتاز به عن أكثر أقرانه. توفي بالقاهرة.
له (ديوان حافظ - ط) مجلدان، و (البؤساء - ط) ترجم به جزءين من ال Miserables لفيكتور هيجو، بتصرف، و (ليالي سطيح- ط) و (كتيب في الاقتصاد - ط) و (التربية الأولية - ط) مدرسيّ، مترجم. وشارك في ترجمة (الموجز في علم الاقتصاد - ط) عن الفرنسية.
ولإبراهيم عبد القادر المازني (شعر حافظ - ط) رسالة في نقده، ولأحمد عبيد، كتاب (ذكرى الشاعرين، حافظ وشوقي - ط) في سيرتهما والمختار من شعرهما وما قيل فيهما، ولروفائيل مسيحة (حافظ إبراهيم الشاعر السياسي - ط) ولحسين المهدي الغنام (حافظ إبراهيم: دراسة وتحليل ونقد - ط) ولأحمد الطاهر (محاضرات عن حافظ إبراهيم - ط) .
-الاعلام للزركلي-
محمد حافظ إبراهيم
(1872 ـ 1932م)
مولده ونشأته: هو محمد حافظ بن إبراهيم فهمي، ولد في ديروط سنة 1872م، وكان والده مهندساً يشرف على تشييد قناطر ديروط، وبعد أن أتم علومه في المدرسة الحربية، التحق بخدمة الجيش وظل به حتى أحيل إلى الاستيداع في سنة 1899م، ثم التحق بالخدمة في دار الكتب المصرية في سنة 1901م، وظل بها إلى أن توفي.
مواهبه وبؤسه: هو شاعر النيل الاجتماعي الكبير، وأديب مصر الشهير، كان آية بينة على ارتقاء في الأمة العربية في آدابها النفيسة والاجتماعية، يبشر بزوال العظمة الوهمية، عظمة الألقاب الموروثة، والثروة المادية، وإعقاب العظمة الحقيقية لها، وهي عظمة العلم والأدب وخدمة الأمة، وقد ترجم كتاب البؤساء، وقرظه الإمام محمد عبده.
كان هذا الشاعر يشكو البؤس، وينظم نفسه في سمط البائسين، وتلك شنشنة الأدباء والشعراء في كل حين، حتى كان من القضايا المسلمة أن حرفة الأدب علة للبؤس والعيشة والضيق، وما هي بعلة طبيعية ولا عقلية، ويتمثل بهذا البيت:
مذبذب الرزق لا فقر ولا جدة | حظ لعمرك لم يخفض ولم يكس |
وقد نال راتباً شهريًّا من الحكومة يكفي لنفقة أسرة تعيش عيشة معتدلة، وهو لا زوج له ولا ولد، لقد كان مسرفاً في الترف، وقد أوتي من الحظ المعنوي بأدبه وشعره مالم يؤت أديب في مصر في عصره غير أحمد شوقي، إذ كان شاعر الأمير فصار يدعى أمير الشعراء، ولعله لو نشأ في حجر الترف ونعمة العيش كشوقي؛ لما كان له من نفسه ما يبعثه إلى النبوغ في الأدب النافع، فأكثر حكماء الأدباء وحكماء العلماء وأصحاب الأفكار الإصلاحية الناضجة كانوا من أهل التقشف والبؤس في بدايتهم.
لقد رأى في الموت راحة أبدية، فودع الحياة في قصيدة رائعة، منها قوله:
سلام على الدنيا سلام مودّع | رأى في ظلام القبر أنساً ومغنما |
أضرت به الأولى فهام بأختها | وإن ساءت الأخرى فويلاه منهما |
فهبّي رياح الموت نكباء وأطفئي | سراج حياتي قبل أن يتحطما |
فما عصمتني في زماني فضائلي | ولكن رأيت الموت للحر أعصما |
فيا قلب لا تجزع إذا عضك الأسى | فإنك بعد اليوم لن تتألما |
ويا عين قد آن الجمود لمدمعي | فلا سيل دمع تسكبين ولا دما |
ويا يد ما كلفتك البسط مرة | لذي منَّةٍ أولى الجميل وأنعما |
فلله ما أحلاك في أنمل الردى | وإن كنت أحلى في الطروس وأكرما |
ويا قدمي ما سرت بي لمذلَّة | ولم ترتقي إلا إلى العز سلّما |
فلا تبطئي سيراً إلى الموت واعلمي | بأن كريم القوم من مات مُكرما |
ويا قبر لا تبخل بردّ تحية | على صاحب أوفى عليك وسلما |
مرضه: كان يشكو مرض الأمعاء الذي لازمه عدة سنوات دون أن يبرأ منه، ولم يكن هذا التعب يحجبه عن الخروج من منزله، أو يمنعه من مجالسة إخوانه ومنادمتهم ومزاحهم بما اشتهر به من ظرف ولطف.
وأراد أن يتخلص من مرضه فعمل عملية (أفرنوف) فلم تجد شيئاً، وزاد تعبه، وكان يدلك أمعائه وجسمه بآلة طبية خاصة، ويعتقد أن هذا المرض هو الذي سوف يودي بحياته لملازمته له، فكان يكافحه بما استطاع.
شبح الموت: واستمر الشاعر في نضال وصراع بينه وبين مرضه، حتى إذا كانت ليلة 21 تموز سنة 1932م سكن هذا المرض المعوي، وأحسن بارتياح كبير، واتسع أفق آماله في الصحة التامة على الرغم من تجاوزه الستين، ولكن لم يدر أن الموت قد كمن له في تلك الليلة التي أحس فيها بتمام الراحة، وحسبها أولى حياته في الصحة بعد تلك الليالي التي قضاها في مرض الأمعاء.
لم يدر أن الموت أراد أن يأخذه على غرة، فكمن في مرض (الحمى الشوكية) التي فاجأته في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، فلم يستطع أن يتحرك أو يتكلم.
وقد دخل في النزع الأخير، فلم تفده معجزة الطب، وأسلم الروح في ضحى ما كان أشده في الشرق عبوساً وظلاماً و أحزاناً.
وفاته: توفي في 17 شهر ربيع الأول 1351ﻫ ـ 1932م.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الثاني – ص 463 -464.