ماري بنت إلياس زيادة، المعروفة بميّ:
أديبة، كاتبة، نابغة، قال فيها مصطفى عبد الرزاق: " أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحيانا، وكانت نصيرة ممتازة للأدب، تعقد لادباء في دارها مجلسا أسبوعيا، لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء، في غير جدل ولا مراء " كان والدها من أهل كسروان بها " ماري " وتعلمت في إحدى مدارسها الابتدائية، ثم تعلمت بمدرسة عين طورة، بلبنان. وانتقلت إلى مصر مع أبويها. وكتبت في جريدة " المحروسة " وفي مجلة " الزهور " وأحسنت مع العربية اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.
أشهر كتبها " باحثة البادية - ط " و " بين المد والجزر - ط " و " سوانح فتاة - ط " و " الصحائف - ط " و " كلمات وإشارات - ط " و " ظلمات وأشعة - ط " و " ابتسامات ودموع - ط " ولها شعر بالفرنسية، وعلم بالتصوير والموسيقى. وفي مجلسها - أيام الثلاثاء - يقول إسماعيل صبري " باشا " من قصيدة:
" إن لم أمتع بميّ ناظريّ غدا ... أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء! "
ومات أبوها ثم أمها ولم تتزوج، فشعرت بالوحدة، وغلبها الحزن، فاعتزلت الناس، وانقطعت عن الكتابة والتأليف، وتغلبت عليها " الوساوس " فمرضت بها سنة 1936 وظلت في اضطراب
عقلي نحو عامين، وتعافت، ثم عاودها المرض، فتوفيت في مستشفى المعادي (من ضواحي القاهرة " ودفنت في القاهرة. قالت السيدة هدى شعراوي في تأبينها: " كانت ميّ المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة ". ولجميل جبر كتاب " ميّ في حياتها المضطربة - ط " ولمحمد بن عبد الغني حسن " حياة ميّ - ط " وللدكتور منصور فهمي " محاضرات عن مي زيادة مع زائدات النهضة النسائية الحديثة - ط " وانظر " ميّ زيادة في مذكراتها - ط " .
-الاعلام للزركلي-
مي زيادة
(1895 ـ 1941م)
مولدها ونشأتها: ولدت (مي) بالناصرة (فلسطين) سنة 1895م، واسمها الحقيقي ماري بنت إلياس زيادة صاحب جريدة المحرومة، واختارت لنفسها اسم (مي) الذي اشتهرت به في عالم الأدب، وهي من أشهر أدبيات الشرق وكاتبة موهوبة وخطيبة فسيحة الباع.
تلقت دروسها الابتدائية في مدرسة عين طوره، وجاء بها والدها وهي دون البلوغ إلى مصر حيث عكفت على المطالعة والتحصيل والتضلع من مختلف العلوم والفنون، وعرفت من اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية، وأتقنتها، فاستكملت ثقافتها، وتميزت بالذهن البارع والذوق السليم.
مآثرها الأدبية: كانت تنشر فيض قريحتها في مجلات: الزهور، والمقتطف، والهلال، وجرائد: المحروسة، والسياسة، والرسالة، ولما سطع نجمها في سماء الأدب العربي؛ كان يجتمع بعد ظهر الثلاثاء من كل أسبوع في دارها نخبة من العلماء والشعراء وقادة الفكر من أهل مصر، وهم يخوضون في الحديث ويتبارون في مختلف البحوث العلمية والفنية، وكانت (مي) مالكة عنانه، توجه المناقشات والأحاديث بلفظها الرشيق وبيانها الناصع، وأصبحت دارها منتدى أدبيًّا حافلاً، وكان أكثرهم تردداً عليها الشعراء: إسماعيل صبري، ومصطفى صادق الرافعي، وولي الدين يكن، وأحمد شوقي، وخليل مطران، وشبلي شميل رحمهم الله، وغيرهم، وظلت دارها كدار بنت المستكفي منتدًى للنوابغ، وكانت بمواهبها وفتنتها مبعث الوحي والإلهام لقرائحهم؛ لأنها جعلت قلوب هؤلاء النوابغ تنفعل بموحياتها الأنوثية الناعمة وسحر الجمال، وقد نظم المرحوم إسماعيل صبري باشا أبياتاً نفيسة، نذكر منها قوله:
روحي على بعض دور الحيّ حائمة | كظامئ الطير إذ يهفو على الماء |
إن لم أمتّع بميّ ناظري غدا | أنكرت صحبك يا يوم الثلاثاء |
مؤلفاتها: كان أول كتاب وضعته باسم مستعار (ايزيس كوبيا)، وهو مجموعة من الأشعار باللغة الفرنسية، ثم وضعت مؤلفاتها: باحثة البادية، وكلمات وإرشادات، ظلمات وأشعة، سوانح فتاة، بين المد والجزر، الصحائف والرسائل، وردة اليازجي، عائشة تيمور، الحب في العذاب، رجوع الموجة، ابتسامات ودموع، وقامت بعدة رحلات إلى أوروبا، وغذتِ المكتبة العربية بطائفة من الكتب الممتعة موضوعة ومنقولة، وبلغت من غايتها في الأدب والعلم والفن، فاستفاض ذكرها على الألسنة.
وكانت تميل إلى فني التصوير والموسيقى، وكانت إذا وضعت قصة تجعل ذكرى قديمة تثيرها رؤية لون أو منظر من المناظر، أو حادثة من الحوادث، وقد يكون إيحاءً بما تشعر به وتراه في حياتها، فتدفعها هذه الذكرى ويستنفرها هذا الإيحاء إلى كتابة القصة، وقد تستيقظ في الفجر لتؤلف القصة، ومن عادتها أن تضع تصميماً أوليًّا للموضوع، ثم تعود فتصوغ القصة وتتم بناءها، وإن الوقت الذي تستغرقه في كتابة القصة قد يكون ساعة أو أسابيع أو شهور حسب الظروف، وهي ترى أنه ليس هناك قصص خيالية مما يكتبه القصصيون، وكل ما ألفته هذه النابغة هو واقعي كسائر ما تسمع به وتراه من حوادث الحياة، فالمؤلف القصصي لا يبدع من خياله ما ليس موجوداً، بل هو يستمد من الحياة وحوادثها، ويصور بقالبه الفني الحوادث التي وقعت للأفراد، وكل ما تكتب هو تصوير لبعض جوانب الحياة، لا وهمٌّ من الأوهام لا نصيب لها من حقيقة الحياة.
لقد ظلت سنوات طويلة تغرس في القلوب أجمل الشعر وأرفع النثر، وتتهادى بروائعها ومؤلفاتها في دنيا الأدب إلى أن عصفت المنية في روحها، وهي في سن الكهولة المبكرة، وذلك في يوم الأحد التاسع عشر من شهر تشرين الأول سنة 1941م في المعادي بمصر، وتركت وراءها مكتبة نادرة لا تزال محفوظة بالقاهرة، وتراثاً أدبيًّا خالداً إلى الأبد.
ولقيت في أواخر عهدها أشد العنت والكيد من أنسبائها، فقد تآمروا عليها وأدخلوها العصفورية في بيروت، وبقيت فيها مدة سنتين حتى أنقذها وأخرجها منه أحفاد الأمير عبد القادر الجزائري، وقد زارها في مستشفى العصفورية دولة العلامة فارس الخوري والأمير عادل أرسلان، وشاهداها بحالة عقلية تامة، ولكن صحتها الجسدية ضعيفة جدًّا، واحتجا على ما لاقته إلى مجلس النواب اللبناني.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الثاني – ص 534 - 535.