علي بن حسن الليثي:
شاعر مصري، من الندماء. صحب الخديوي إسماعيل في كثير من أسفاره، وعاش أيام توفيق كلها، ومات في أيام عباس. كان من أطيب أهل زمانه فكاهة وظرفا وحسن عشرة. وله نظم كثير. لم يكن راضيا عن جلّه لفظا وموضوعا. لقب بالليثي لمجاورته ضريح الإمام الليث، بالقاهرة. كان مولده ببولاق وتيم صغيرا فتحولت به أمه إلى جهة الإمام الليث. وقرأ بالأزهر مدة قصيرة لازم بعدها الشيخ علي بن عبد الحق القوصي، فتفقه وتأدب. وسافر إلى محمد بن علي السنوسي، بالجبل الأخضر في طرابلس الغرب، فتصوف.
وأقام نحو ثلاث سنوات يرعى الإبل والغنم ويساعد في بناء الزوايا ويتلقى علوم الحديث وغيره وعاد إلى مصر سنة 1262 فاشتهر. وكان طويل القامة جدا، أسود، يكاد يكون زنجيا. ووفاته كمولده بالقاهرة. له " ديوان شعر " يقال: إنه لعن من يطبعه! ورأيت له " رحلة إلى النمسا وألمانيا - خ " صغيرة صحب فيها أحد الأمراء، في مدة 33 يوما (26 يناير - 28 فبراير1875) اشتملت على ملحوظات وطرائف، منها قوله في وصف مسجد بنته الحكومة المصرية في قينة: " لم يفقد شيئا من محاسن المساجد إلا إقامة شعائره التي هي ثمرة بنائه " وفي كلامه على العربات: " وعربات تجرها الكلاب تعجز عن حمل ما يحمل مثله أشد حمار " وعن الثلج يتساقط على شباك القطار:
"إذا علا الثلج في وجه الزجاج ترى ... فتيت ماس على أطباق كافور".
وكلما ذكر اسما أجنبيا ضبطه بالشكل. وممن لقيهم في قينة يوسف ضياء الدين الخالديّ، وكان مدرسا للعربية بمدرسة اللغات الشرقية فيها. قلت وتيسرت لي رؤية مجموعة من أوراق الليثي وكتبه محفوظة في داره بمركز " الصف " عرفت منها أنه كان إلى جانب فكاهته ورقة طبعه، رجل جد وسياسة، قوي الاتصال بأمثال محمود سامي البارُودي ومحمد عبده وشكيب أرسلان ويوسف الأسير. وجلهم يلتمس رضاه
-الاعلام للزركلي-.
على الليثي
1236ه-1313ه
كان الشيخ علي الليثي في ابتداء أمره مقيما بمسجد الإمام الليثي، وكان ينزل إلى الأزهر لطلب العلم ويعود للمبيت هناك، وكان كريما على فقره، ثم ورد على مصر الشيخ السنوسي الكبير قاصدا الحج، فاتصل به وأخذ عنه الطريق وحج معه، ولما عاد إلى مصر لم يفارقه حتى سافر معه إلى «جغبوب»، وأقام هناك مدة لم يفتأ فيها يطلب العلم ويستفيد، ثم فارقه وعاد إلى مصر، واتصل بأم عباس الأول فجعلته شيئا على مجلس «دلائل الخيرات» عندها، ثم اتصل بالأمير السابق أحمد رفعت ابن إبراهيم باشا الكبير فاعتقد فيه وأطلعه على خزانة كتب عنده فاطلع على ما فيها واستفاد منها، وكان الاعتقاد فيه بسبب سفره إلى جهة المغرب وأخذه علم الزايرجة والأوفاق عن علمائه المشهورين، وتابعه في ذلك كثيرون لاعتقادهم فيه معرفته هذا العلم.
ولما تولى سعيد حكم مصر أمر عبده باشا ضابط القاهرة بجمع من يأكلون أموال الناس بالباطل بهذه الخزعبلات وما إليها ونفيهم إلى السودان، فسيق معهم الشيخ علي الليثي لما علق به من الاتهام بذلك، فبقي في السودان إلى أن عفى عنه وعاد إلى مصر.
ولما تولى الخديوي إسماعيل تلألأ نجم الشيخ علي الليثي وبدا سعده فاتصل به وقربه هو والشيخ عليا أبا النصر وجعلهما نديمين له كنديمي جذيمة وصار لا يصبر عنهما في مجالس أنسه، فكانا إذا حضر تلك المجالس أزاحا الكلفة وتبسطا معه في القول والتندير، فكانت لهما في ذلك من النوادر ما يملأ الأسفار.
وقد بلغ من شغفه بهما أن خصص لهما قاعة بديوانه يجلسان بها كأنهما من المستخدمين فيه، وحدث أن أمر بكتابة ألواح على باب كل قاعة من الديوان ليعرف من بها كقلم التشريفات وقلم التحريرات ونحوهما، وسألهما العامل ماذا يكتبه على قاعتهما، فقال له الشيخ الليثي: اكتب عليها: «إنما نطعكم لوجه الله.»
وبسبب تقترب المترجم من الخديوي قصده الناس في الشفاعات عند الكبراء، ونفع الله به خلقا كثيرين، جزاه الله عن مسعاه خير الجزاء.
ولما غزل الخديوي إسماعيل، وتولى بعده ولده محمد توفيق، شغف أيضا بالمترجم كوالده وقربه، وأحله محله من القبول، حتى قامت الثورة العرابية وسافر الخديوي إلى الإسكندرية، فانضم الشيخ علي الليثي للعرابيين اضطرارا أو اختيارا، فلما انتهت الثورة العرابية وعاد الخديوي للقاهرة لم يؤاخذه وصفح عنه.
واقتنى خزانة كتب نفيسة اجتمعت له بالإهداء والشراء والاستنساخ، وكان يبذل الأثمان العالية في الكتب النادرة، فجلبت له من الآفاق وعرفه تجار الكتب والوراقون فخصوه بكل نفيس منها، ثم لما مات اقتسمها ورثته.
حيث كانت وفاة سلطان باشا سنة 1301ه. ومما يؤثر عن الشيخ الليثي أنه كان له إلمام تام بالرثاء التاريخي على جاري عادة عصره، وفضلا عن أنه كان شاعرا أديبا فلم نقف له على ما دونه من الشعر. وأغلب الظن أنه لم يطبع منه ما كان مخطوطا ضمن مكتبته التي كانت تزخر بنفائس المخطوطات مما جلب إليه إهداء وشراء ونسخا واستنساځا، وما بذله في اقتنائها من المال الكثير، حتى اقتسمها من بقي بعده من ورثته ولعلها بقيت محبوسة تحت أيديهم لم ينتفع بها أحد.
وبالجملة: فقل أن يوجد مثله، أو يجتمع لإنسان ما اجتمع له من الورع والتقوى، خصوصا في أواخر أيامه، رحمه الله رحمة واسعة.
مقتطفات من كتاب: أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، تأليف: أحمد تيمور باشا.
الشيخ علي الليثي
(1820 ـ 1895م)
ولد سنة 1820م، وكان في ابتداء أمره مقيماً بمسجد الإمام الليث، وكان ينزل إلى الأزهر لطلب العلم ويعود للمبيت هناك، كان كريماً على فقره، ثم ورد على قصر الشيخ السنوسي الكبير قاصداً الحج، فاتصل به وأخذ منه الطريق وحج معه، ولما عاد إلى مصر لم يفارقه، بل سار معه إلى الجنوب وأقام هناك مدة لم يفتأ فيها يطلب العلم ويستفيد، ثم فارقه وعاد إلى مصر.
اتصل بأم عباس باشا الوالي فجعلته شيخاً على مجلس دلائل الخيرات عندها، ثم اتصل أيضاً بالأمير أحمد باشا رفعت بن إبراهيم باشا الكبير فاعتقد فيه، وأطلعه على خزانة كتب عنده، فاطلع على ما فيها من نفائس، واستفاد منها، وبسبب سفره إلى جهة الغرب اتهمه الكائدون بعلم الخزعبلات، فلما تولى سعيد باشا على مصر، أمر بجمع من يأكلون أموال الناس بالباطل بهذه الخزعبلات وبنفيهم إلى السودان، فسيق المترجم معهم لما علق به من هذه التهمة، فبقي في السودان إلى أن عفي عنه وعاد لمصر.
ولما تولى إسماعيل باشا الإمارة تلألأ نجم المترجم وبدا سعده، فاتصل به وقربه وجعله نديمه مع نديم آخر، فكانت لهما في ذلك من النوادر ما يملأ الأسفار، وقد بلغ من شغفه بهما، أن خصص لهما قاعة بديوانه يجلسان بها كأنهما من المستخدمين عنده، وقد تقرب الناس إليه وقصدوه في الشفاعات عند الكبراء، ونفع الله به خلقاً كثيراً.
ولما عزل الخديوي وتولى ولده محمد توفيق باشا شغف أيضاً بالمترجم، وأحله محله من القبول، ولما وقعت الفتنة العرابية وسافر الخديوي إلى الإسكندرية، انضم المترجم إلى العرابيين اضطراراً أو اختياراً، فلما عاد بعد الفتنة لم يؤاخذه وصفح عنه، وقابله المترجم بقصيدة مطلعها:
كل حال لضده يتحول | فالزم الصبر إذ عليه المعول |
وقد تبرأ في هذه القصيدة من الفتنة، وأبان عذره في الانضمام إلى العرابيين، وزاد بعد ذلك من الخديوي قرباً، وقد جنى المترجم ضيعة فغرس فيها البساتين والكروم، وبنى قصراً صغيراً لنزول الخديوي وحرمه وحاشيته، ولم يزل هذا شأنه حتى مات الخديوي، فلم يكن له حظ مع ولده عباس باشا كما كان له مع أبيه وجده، فجعل أكثر إقامته بتلك الضيعة يشتغل باستغلالها ومطالعة كتبه، فإذا حضر لمصر نزل بداره التي بجهة باب اللوق، فيقيم بها أياماً ثم يعود إلى قريته.
وفاته: اعتلت صحته وطال مرضه أشهراً، وتوفاه الله يوم السبت 10 شعبان سنة 1313ﻫ كانون الثاني سنة 1895م، وقد نال من العز والجاه إلى مماته ما لم ينله غيره.
أوصافه: كان آية في حسن المجالسة، محبباً إلى القلوب، أديباً شاعراً، حاضر الجواب، فكه الحديث، دميم الصورة، أطلس، ليس في وجهه إلا شارب خفيف وشعرات على ذقنه.
ولما حضر السلطان برغش ملك زنجبار إلى مصر ندبه الخديوي إسماعيل لمرافقته ومجالسته، فلازمه مدة مقامه بالقاهرة، وأعجب السلطان به إعجاباً شديداً، ولما عاد إلى بلاده صار يتعهده بالرسائل والهدايا كل سنة.
كان كريماً فيهدي ما ينتج ببساتينه من غرائب الفاكهة، وأصناف الأعناب النادرة، لا يبيع منه شيئاً، واقتنى خزانة كتب نفيسة اجتمعت له بالإهداء والشراء والاستنساخ، وبذل الأثمان الغالية فجلبت له من الآفاق، وعرفه تجار الكتب والوراقون فخصوه بكل نفيس منها، ولما مات اقتسمها ورثته، وبقيت محبوسة لا ينتفع بها.
وكان أدباء مصر وفضلائها يقصدونه في تلك الضيعة، فينزلهم على الرحب والسعة، ويقيمون عنده الأيام والأشهر، وهو مقبل عليهم بكرم خلقه ولطافته ومحاضراته المستحسنة، وقلّ أن يوجد مثله أو يجتمع لإنسان ما اجتمع له من الورع والتقوى.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الثاني – ص 429 -430.