عبد المجيد بن محمد بن محمد الخاني الدمشقيّ الشافعيّ:
أديب، له اشتغال بالتأريخ والفقه. وله نظم وموشحات. مولده في دمشق، ووفاته في الآستانة.
صنف " الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية - ط " تراجم، جعل اسمه تاريخا لتأليفه (سنة 1306 هـ و " سبع مقامات " أسند روايتها إلى سعد بن بشير، ونشأتها إلى حفص المصري. وله " وجه الحل من جهد المقل - خ " ديوان شعره ورسائله، عندي .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ عبد المجيد بن الشيخ محمد بن الشيخ محمد الخاني النقشبندي
همام حظه من الأدب وافر، وإمام وجه أمانيه طلق سافر، ما زال من الرفعة في أعذبها شرعة، ومن الحظوة في أسوغها جرعة، له في اللطائف والطرائف من الروضان روضان، ومن بداعة النظم والنثر من المرجان مرجان.
ولد في حدود الستين والمائتين والألف. وبعد أن أتم القرآن وجوده قرأ النحو والصرف، وحضر جملة من العلوم على سادة لهم اليد الطولى في المنطوق والمفهوم، منها الأمير الكبير، والفاضل الشهير السيد عبد القادر الجزائري، ومنهم علامة الشام الشيخ محمد الطنطاوي، ومنهم والده، واشتغل في علم الأدب إلى أن حاز على الأرب. وفي عام ألف وثلاثمائة وأربعة عشر سافر إلى الآستانة وكان لجده معاش مقداره ألف وخمسمائة قرش في كل شهر، وبعد موت جده انتقلت لأبيه وما زالت تتناقص إلى أن صارت تسعمائة وخمسين قرشاً، فأراد المترجم إرجاعها إلى أصلها فلم يمكن، غير أنهم وجهوا على والده ثلاثمائة قرش قيد حياة، فجاء المترجم إلى الشام بعد ما مكث في الآستانة نحواً من سنتين، ولم يمض مدة بعد حضوره إلا وقد توفي والده، فانقطعت الثلاثمائة، وأما المعاش الأول فإنه تخاصم مع عمه الشيخ أحمد عليه، وكل منهما يدعيه لنفسه وأنه أحق به، وطال الخصوم إلى أن أصلح بينهما مفتي الشام صالح أفندي قطنا مناصفة، فيه وفي مشيخة التكة النقشية.
وللمترجم نظم ونثر كثير، ومن ذلك قصيدته الرائية المؤرخة في كل شطر، التي بارك بها لسمو خديوي مصر، بمسند الخديوية. ومطلعها:
اللطف في أرجاء مصر يشير ... أني بتوفيق العزيز بشير
1296 1296 - وما أرشق ما قال منها:
دانت إليه الآصفية منصباً ... ودنا سروراً منبر وسرور
1296 1296 - ومن القصائد الحماسية، قصيدته البهية البائية، ومطلعها:
تجلى من العلم الإلهي كواكبه ... لنا وبنا سارت إلينا مواكبه
ونحن وإن جر الخمول ذبوله ... علينا فإنا للوجود مناقبه
وما الكون إلا شاعر وصفاتنا ... مشارقه تشدو بها ومغاربه
وما أعلى ما قال منها:
توهم أهل الجهل إدراك شأونا ... ومن نال هذا الفضل تسمو مراتبه
وهب أنهم قد أمطروا منه قطرة ... فمن بعد ما انهلت علينا سحائبه
ومن ذلك قصيدته الغراء الرائية ومطلعها:
نحن الملوك على الأسره ... في دولة الفقر المسرة
م ساح في ساحاتنا ... نحمي من الأغيار سره
أو غاب عن غاباتنا ... حرم الحماة من المعرة
ومن غزلياته وحسن اقتباساته:
أما وليال من ذوائبها عشر ... وما نسخت بالفرق من صورة الفجر
وما كتبت بالمسك في وجناتها ... فخالاتها تختال بالشفع والوتر
وسين جبين فوق نون حواب ... على قمر والليل فيه إذا يسري
وما نفثت بالسحر من لحظاتها ... وذا قسم لا ريب فيه لذي حجر
إذا كان من أهواه عني راضياً ... فلا رضيت عني الأنام إلى الحشر
ومن موشحاته وطيب رشحاته:
سلم الله غزالاً سلما ... بعيون كحلت بالنعس
وفم أتقنه الله فما ... فيه عيب غير طيب اللعس دور
ربرب ربي في وادي زرود ... ما لوى الجيد إلى ماء اللوا
لو رآه البدر يهوى للسجود ... وهو لا يعلم ما معنى الهوى
ذو محيا خاله فوق الخدود ... ملك الزنج على العرش استوى
كل من علمه منع اللما ... جاهل قدر حياة الأنفس
ما له من مشبه نفسي وما ... لي فدا ذاك الرضاب الأنفس
ومن مقطفاته ما كتب به إلى أحد الفضلاء الكرام، وقد ذهب إلى بيت المقدس ووعده بالعود إلى دمشق الشام:
أسرت بآية الإسراء عبداً ... تلهى بالعهود إذا تلاما
وما قالوا له إيه إذا ما ... تحدث عنك إلا قال آها
ومن ذلك وقد عارض صاحب العقد الفريد في قوله:
إن يوم الفراق أفظع يوم ... ليتني مت قبل يوم الفراق
فقال:
من تمنى الممات قبل الفراق ... ما له في شرع الهوى من خلاق
كيفما كان قد تصبر حتى ... ذاق يوف الفراق بين الرفاق
لو يكن صادق المحبة مثلي ... مات خوفاً من ذكر يوم الفراق
ومن تطريزه في كل كلمة ما كتب إلى رئيس كتاب ولاية سورية الجليلة:
سلام على أقمار دهر ترى لهم ... وضاءة حسن ساطع يوم تلمح
حرقت لهم مستعطفاً يوم أقبلوا ... فؤادي نداً دائماً يتفوح
ومن ذلك ما أنشده عند دخوله إلى بيروت مقرظاً جرائدها السبع عام ثلاثمائة وألف فقال:
ثمرات مقتطف الجنان بشيرها ... بلسان مصباح التقدم قائل
ظل المعارف وارف في روض بيروت وحزب الفضل فيه قائل
وكان والده رحمه الله يقرأ في كل يوم ثلاثا وجمعة صحيح البخاري صباحاً في حجرته في جامع السويقة وبعد موته جلس المترجم في مكانه. ثم بعد موت عمه الشيخ أحمد سافر المترجم إلى الدار العلية لتكون المشيخة والمعاش له بمفرده فلم ينجح ووجهت المشيخة على الجامع والمعاش على عمه الشيخ عبد الله، وتوفي المترجم في الآستانة وذلك سنة ألف وثلاثمائة وخمس عشرة.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
الشيخ عبد المجيد الخاني
(1847 ـ 1900م)
انحدرت أسرة الخاني من قرية خان شيخون التابعة لقضاء معرة النعمان، وقد هاجر الجد الأكبر المرحوم الشيخ محمد بن عبد الله بن مصطفى الخاني إلى حماة سنة 1818م، وأقام فيها بضع سنين، ثم رحل عنها إلى دمشق سنة 1824م فاستوطنها، ورأت هذه الأسرة في ربوعها منهلاً سائغاً لإظهار مواهبها العلمية، فأنجبت أعلام العلماء العاملين والقضاة والأدباء، فحملوا في رؤوسهم العلم وفي قلوبهم الإيمان، ويعود الفضل إلى البيئة العلمية التي نشؤوا فيها وما اتصفوا به من أخلاق فاضلة.
ولولا نزوح الجد الأكبر من خان شيخون لبقيت هذه الأسرة كالدرر المكنونة في أصداف قاع البحر، ولكن شاء الله أن ينتفع الناس بعلمهم وفضائلهم ومآثرهم وآثارهم.
مولده ونشأته: هو المرحوم الشيخ عبد المجيد بن محمد بن محمد بن عبد الله ابن مصطفى الخاني الخالدي النقشبندي، بزغ نجمه بدمشق في التاسع من شهر صفر سنة 1263ﻫ وكانون الثاني سنة 1847م، نشأ في مهد جده الشيخ محمد الخاني الكبير، وعهد به إلى الشيخ علي الخدوري الحمصي لتعليمه القرآن وعلم التجويد، وأخذ عن جده طرفاً من النحو والفقه والتفسير ومصطلح الحديث والفتوحات والجامع الصغير، وتلقى العلوم النقلية والعقلية عن العلامة الشيخ محمد الطنطاوي الأزهري، وسمع منه بحضور الأمير عبد القادر الحسني الجزائريأكثر الفتوحات المكية الصحيحة، وكانت بينه وبين الأمير مودة.
مواهبه العلمية: لقد نبغ المترجم في عصر كان طافحاً بالظلم والاضطهاد، والفضل في نشر العلم كان لحلقات الدراسة التي كانت تعقد في الجوامع، فقد كان والده المرحوم الشيخ محمد الخاني من أعلام الشام وشيخ الطريقة النقشبندية يدرس في تكية مراد باشا وفي منزله بالقنوات، لقد كان خليقاً بصاحب هذه الترجمة أن يكون فقيهاً صوفيًّا، لا شاعراً كزهير بن أبي سلمى الذي نشأ في أسرة أصولها شعراء وفروعها شعراء، فأضحى شاعراً فذًّا، لكنه نشأ في أسرة دينية اختصت بالفقه والحديث والتصوف، ومن المستغرب أن يتيسر له نظم القريض، وأن تنقاد له أعنة البلاغة والبيان.
ومن أبرز فضائله أنه انبرى ينظم القصائد مشيداً فيها بالدعوة إلى الله ونبذ العنصرية والشعوبية في عصر سيطرت فيه الخرافات والجهل، لقد كان في الشام داعياً إلى التجدد، كما كان الإمام الشيخ محمد عبده في مصر داعياً مناضلاً، وكانت بينهما مراسلات وتقارباً روحيًّا، فاتحدا بالهدف والعقيدة والمبدأ والجهاد والنضال وإن لم يلتقيا، واتصل برجالات العرب يعلن مبادئه وغاياته وهو في حذر خائف يترقب، لقد مدح الملوك وأطرى الوزراء والولاة والرؤساء، فكان هذا المدح سبباً لرد عدوانهم والتخفيف من شرورهم، واعترف علماء الأتراك بفضله وعلو قدره.
كان رحمه الله كريماً عزيزاً في قومه، فأبت عليه عزة نفسه أن ينقاد إلى قيود الوظائف رغم تكليفه بالقضاء الشرعي، وقضى حياته في كفاح ونضال وجهاد، فقد رحل إلى فلسطين متنقلاً بين مدنها يجتمع إلى كبار رجالاتها، ويتبادلون الآراء تحت ستار كثيف من الكتمان الشديد خشية من رقباء السلطان وجواسيسه، وقد تنبأ المترجم بما سيحيق بالأرض المقدسة من شر مستطير، وصدقت فراسته.
ورحل إلى الأستانة فكان الداعية الأكبر إلى الوحدة الإسلامية، فتلقاه فضلاؤها يقتبسون من ينبوع معارفه ويستضيؤون بنور هديه، غير أن المنية عاجلته.
مؤلفاته: ومن مؤلفاته الشهيرة كتابه المسمى بـ(الحدائق الوردية)، ترجم فيه عدداً كبيراً من رجال العلم، والتقى من عرب وأعاجم، حتى إنه في سبيل نشر هذا السفر القيم اضطر إلى تعلم اللغة الفارسية، فأتقنها وأجاد فيها الكتابة نظماً ونثراً، وجمع شتات شعره وجيد قريضه في ديوان ضخم خطه بيده وأسماه (جهد المقل)، ولا يزال في مكتبة حفيده الأستاذ الشيخ عبد الرحمن الخاني لم تمتد إليه يد الطباعة، ضمنه فنوناً عدة من الشعر، وهذا نموذج من شعره الحماسي البليغ:
تجلى من العلم الإلهي كواكبه
لنا وبنا سارت إلينا كواكبه
ونحن وإن جر الخمول ذيوله
علينا فإنا للوجود مناقبه
وما الكون إلا شاعر وصفاتنا
مشارقه تشدو بها ومغاربه
توهم أهل الجهل إدراك شأونا
ومن نال هذا الفضل تسمو مراتبه
وهب أنهم قد أمطروا منه قطرة
فمن بعد ما انهلت علينا سحائبه
وله نظم بديع في الشعر الغزلي، ومن موشحاته الرائعة:
سلم الله غزالاً سلما
بعيون كحلت بالنعس
وفم أتقنه الله فما
فيه عيب غير طيب اللعس
دور
ربرب ربي في وادي زرود
مالوى الجيد إلى ماء اللوى
لو رآه البدر يهوي للسجود
وهو شيء لم يذق طعم الهوى
ذو محيا خاله فوق الخدود
ملك الزنج على العرش استوى
كل من علمه منع اللمى
جاهل قدر حياة الأنفس
ما له من مشبه نفسي وما
لي فدا ذاك الرضاب الألعس
وله قصائد طويلة فريدة في مدح الرسول الأعظم والتهائي وفي الغزل والرثاء والموشحات، وامتازت براعته في نوعي التطريز والتاريخ والنثر والخطابة.
وفاته: عصفت المنية بروحه الطاهرة وهو غريب عن أهله في الأستانة، وذلك سنة 1900م، ودفن في مقبرة (نيشان طاش)، وأنجب ذرية طبية منهم الشيخ رضا والشيخ عبد القادر، كان لهما في القضاء الشرعي قدم راسخة، ولم يقتصر النبوغ في هذه الأسرة الكريمة على الشاعر النابغة عبد المجيد، بل تعداه إلى أخويه العالمين الفاضلين الشيخ سيف الدين والشيخ محمد عزيز قاضي دمشق الممتاز ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ومن اللامعين في هذه الأسرة الأستاذ أحمد بن الشيخ ياسين الخاني رئيس مجلس التأديب، المولود في دمشق عام 1900م، الذي أشتغل وظائف مالية رفيعة.
أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي – الجزء 2 ص 116.