أَبُو يزِيد بن مرادباك بن أرخان بن أردن عَليّ بن عُثْمَان بن سُلَيْمَان بن عُثْمَان خوند كار سُلْطَان الرّوم وَيعرف بيلدرم بايزيد وَهُوَ بالتركي الْبَرْق ويكنى بِهِ عَن الصاعقة أقيم فِي ممالك الرّوم الَّتِي كرسيها برصا بعد موت أَبِيه فِي سنة سِتّ وَتِسْعين بِعَهْد مِنْهُ فأربى على سلفه وَعمر جَامع برصا ورخم ظَاهره وباطنه وَجعل المَاء فِي سطحه ينزل مِنْهُ فَيجْرِي فِي عدَّة أَمَاكِن وَعمر البيمارستان وَأَنْشَأَ نَحْو ثلثمِائة غراب وملأها بالأسلحة والأزودة واشتهر بِالْجِهَادِ فِي الْكفَّار حَتَّى بعد صيته وكاتبه الظَّاهِر برقوق وهاداه وَكَانَ يَقُول لَا أَخَاف من اللنك فَكل أحد يساعدني عَلَيْهِ إِنَّمَا أَخَاف من ابْن عُثْمَان وَكَانَ ملكا عادلا عَاقِلا شفوقا على الرّعية كثير الْغَزْو واتسعت مَمْلَكَته وَأمن النَّاس فِي بِلَاده وخفف عَنْهُم المكس بل يُقَال أَنه أبْطلهُ إِلَى أَن كَانَ كَسره على يَد تمر لنك وأسره وَأخذ بِرِضا وَبَعض بِلَاد الرّوم وخربها وَاسْتمرّ مَعَه فِي الْأسر حَتَّى مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس عَن نَحْو خمسين سنة كَانَ تسع سِنِين مِنْهَا فِي المملكة واضطربت بِمَوْتِهِ مملكة الرّوم حَتَّى قَامَ بِالْأَمر ابْنه مُحَمَّد كرشجي ثمَّ مَاتَ فاستقر بعده حفيده مُرَاد باك ثمَّ بعد مَوته وَقع الْخلف بَين أَوْلَاده وَكلهمْ من خِيَار مُلُوك الدُّنْيَا وَمن محَاسِن الزَّمَان وسياج لِلْإِسْلَامِ قَدِيما وحديثا وَقد طول ابْن خطيب الناصرية وَغَيره تَرْجَمته وَكَذَا شَيخنَا فِي حوادث سنة خمس من انبائه وَيُقَال إِن أصلهم من الْحجاز وَإِن عُثْمَان الاول قدم من الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة إِلَى بِلَاد قرمان وَنزل قونية فَارًّا من غلاء كَانَ بالحجاز وَالشَّام واتصل ببني قرمان وبأتباع السُّلْطَان فِي سنة نَيف وَخمسين وسِتمِائَة وتزيا بزِي أهل قونية فولد لَهُ سُلَيْمَان فسلك طَرِيق أَبِيه فِي خدم القرمانية والسلجوقية وَعرف بالشجاعة وَتَوَلَّى بعض الْحُصُون وَصَارَت لَهُ أَتبَاع وَأَعْوَان كَثِيرَة وَخرج عَن طَاعَة الْمشَار إِلَيْهِم وَأخذ فِي غَزْو الْكفَّار حَتَّى افْتتح عدَّة حصون وافتتح برصافي حُدُود الثَّلَاثِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ مَا يَليهَا وانتشرت عساكره وتزايدت أَمْوَاله وَمَات عَن حفيده أردن عَليّ بن عُثْمَان فَملك بعده واستفحل أمره وواصل غَزْو الْكفَّار أَيْضا وافتتح عدَّة حصون تلى خليج قسطنطينية فحسده مُلُوك الرّوم وخافوا تسلطه عَلَيْهِم وَكَانَت ممالكهم منقسمة بَين جمَاعَة فَكَانَ كل يروم قِتَاله فيكفه أَرْبَاب دولته لعلمهم بِعَدَمِ مقاومته وَرُبمَا قَاتله بَعضهم وَانْهَزَمَ غير مرّة ولازال ملكه يعظم وجنده يتزايد وَهُوَ قَائِم بنشر الْعدْل فِي رَعيته وبتقريب الْعلمَاء والصلحاء إِلَى أَن مَاتَ وَخَلفه ابْنه أرخان سالكا طَرِيقَته ثمَّ ابْنه مُرَاد وَكَانَ شجاعا مقداما طوَالًا أسمر اللَّوْن أقنى الْأنف وَلم يقْتَصر على مَا بيدَيْهِ بل ركب الْبَحْر وَلم يركبه أحد من آبَائِهِ وغزا مَا يُقَابل كالى بولى فَأَخذهَا وَهِي الَّتِي تلى قبلى خليج قسطنطينية ثمَّ أَخذ كالى بولى أَيْضا وَفتح أَرَاضِي قسطنطينية شَيْئا بعد شَيْء وحاصر الفرنج والأفلاق والانكرس وَغَيرهَا حَتَّى أذعنوا لحمل الْجِزْيَة وَأخذ فِي إِظْهَار الْعدْل وَجعل سَائِر الْأُمُور معذوقة بقضاة الشَّرْع واستكثر من العساكر إِلَى أَن انتدب لقتاله بعض مُلُوك الفرنج وَسَار لحربه فِي نَحْو ثلثمِائة ألف فَلَمَّا التقى الْجَمْعَانِ قصد مُرَاد ملك الفرنج بِنَفسِهِ وَحمل عَلَيْهِ بِمن مَعَه إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ وصارا يتعالجان على فرسيهما والعسكران يتقابلان فَألْقى الْكَافِر مرَادا عَن فرسه وَوَقع عَلَيْهِ وضربه بخنجر كَانَ مَعَه فَلم يتَمَكَّن مِنْهُ ثمَّ أَخذ يضْرب وَجهه بِمَا على رَأسه من الخوذة حَتَّى أثخن جراحه وَأخذت الْكَافِر سيوف أَصْحَاب ابْن عُثْمَان فدقته دقا إِلَى أَن تلف وحملوا أَمِيرهمْ إِلَى مخيمه وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ فَأَشَارَ بِولَايَة ابْنه أبي يزِيد صَاحب التَّرْجَمَة من بعده وبإمساك صوجى ابْنه الآخر وَقَتله لِأَن أمه نَصْرَانِيَّة وَقد دخل بِلَاد الْكفْر مرَارًا وَتَنصر ثمَّ بعد مَاتَ بعد نَحْو عشْرين سنه فِي المملكة وَاسْتقر ابْنه وَقتل الآخر فَكَانَ مَا أُشير إِلَيْهِ من نشر الْعدْل وَقد طول المقريزي فِي عقوده تَرْجَمَة أبي يزِيد فِي نَحْو نصف كراس وَالله أعلم.
ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي.