عبد الله بن عمرو بن علقمة الشامي أبي محمد البطال أبي يحيى
تاريخ الوفاة | 112 هـ |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
عَبْد اللَّه، أَبُو مُحَمَّد البطّال، ويقال: أَبُو يحيى [الوفاة: 111 - 120 ه]
أحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام، ومَن سارت بذِكْره الرُّكْبان، كَانَ أحد أمراء بني أُمّية، وكان عَلَى طلائع مَسْلَمةُ بْن عَبْد الملك، وكان ينزل بأنطاكية، شهد عدّةَ حُرُوب، وأوطأ الرومَ خوفًا وذُلا، ولكنْ ما يحدّ ولا يوصف، ما كذبوا عليه من الخرافات المستحيلات.
وعَنْ عَبْد الملك، أَنَّهُ أوصى مَسْلَمةُ، فَقَالَ: صَيِّر عَلَى طلائعك البطّال، وَمُرْهُ فلْيَعسّ باللّيل، فإنّه أمينٌ شجاع مِقْدام.
وقَالَ الوليد بْن مُسْلِم: حدّثني بعضُ شيوخنا أنّ مَسْلَمةُ عقد للبطال [ص:267] عَلَى عشرة آلاف، فجعلهم يَعْني يَزَكًا. وحدّثني أبو مروان الأنطاكي قال: كنت أغازي البطّال، وقد أَوْطأَ الرومَ ذُلا، قَالَ البطّال: فسألني بعض ولاةٍ بني أُميَّة عَنْ أعجب ما كَانَ مِنْ أمري، فقلت: خرجتُ فِي سَريّةٍ ليلا، فأتينا قريةً، وقلت لأصحابي: ارفعوا لجم خيولكم، ولا تُهَيِّجوا، ففعلوا واخترقوا فِي أزِقَّتِها، ودفعتُ فِي ناس مِنْ أصحابي إلى بيتٍ فيه سراجٌ وامرأة تُسْكِتُ ولَدَها مِنْ بُكائه وتقول: اسكُتْ أو لأَدّفَعَنَّك إلى البطّال، ثم انتَشَلَتْه مِنْ سريره وقالت: خذه يا بطّال، قَالَ: فأخذْتُه. وخرجت يومًا وحدي على فرسي لأصيب غفلةٍ، ومعي شواء وغيره، فأكلت، ودخلت بستانًا، وأسهلني بطني، فاختلفتُ مرارًا، وخفتُ مِنَ الضَّعف، فركبتُ وأسهلتُ عَلَى سرجي، كرهت أن أنزل فأضعفَ عَنِ الركوب، ولزِمتُ عُنُقَ الفَرَس، وذهب بي لا أدري إلى أَيْنَ، فسمِعت وَقْعَ حوافره عَلَى بلاطٍ، فأفتح عينيَّ فإذا دَيْر، وإذا نسوةٌ يتطلَّعن مِنْ أبواب الدَّير، فلما رأين حالي وضَعْفي، ووقوفَ فرسي، رَطَنَتْ واحدةٌ منهنّ، فنزعن عنّي ثيابي، وغسَّلْن ما بي وألبسنني ثيابي، وسَقْيَنني تِرْياقًا أو دواءً، ووُضعتُ على سريرٍ، فأقمت يوماً وليلةً مسبوتاً، وذهب عنّي ذَلِكَ ثاني يوم، وأنا ضعيف عَنِ الركوب، فجاءها فِي اليوم الثالث بطريقٌ أقبل فِي مركبه، فأمَرَتْ بفَرَسي فغُيِّبَ، وأغلقتْ عليَّ بيتًا، ودخل البَطْريقُ، فسَمعْتُ بعضَ النّسوَة تُخبر أنّه خاطب لها، فبلغه شأني، فَهَمَّ أن يهجم عَلَيَّ، فأَقسَمَتْ إنْ فَعَلَ لا نال حاجته، فأمسك، ثم تروح، وخرجتُ فدعوتُ بِفَرَسي، فقالت: لا آمن أن يَكْمُن لك، دعه يذهب، فأبيتُ وركبتُ وقَفَوْتُ الأثر حتى لَحِقتُه، وشدَدْتُ عَلَيْهِ، فانفرج عَنْه أصحابُه، فقتلته، وطلبت أصحابَه فهربوا، [ص:268] فأخذت فَرسَه وسمطْتُ رأسه، ورددت إلى الدَّير، فألقيت الرأس، ودعوتُها ومَن معها مِنَ النّساء والخَدَم، فوقفن بين يديّ، وأمرتها بالرحلة ومن معها عَلَى الدّوابّ، وسرت بها وبهنّ إلى العسكر، فتنفلت المرأة بعينها وسلَّمتُ سائرَ الغنيمة، واتّخذتُها، فهي أمّ بَنِيَّ.
قَالَ الوليد بْن مُسْلِم: سَمِعْتُ عَبْد اللَّه بْن راشد الخُزاعي يُخبر عمّن سَمِعَ مِنَ البطَّال، أَنَّهُ ولي المصِّيصة وما يليها، فبعث سَرِيَّةً، فأبطأ عَلَيْهِ خبرُها، فأشفق مِنْ مصيبة، قَالَ: فخرجتُ مُفْرَدًا، فلم أجد لهم خبرًا، ثم أُعْطِيتُ خَبَرَهم، فخفت عليهم مِنَ العدوّ، ولم أجد أحدًا يخبرني بشيءٍ، فسرتُ حتى أقف بباب عمورِيّة، فضربتُ بابها وقلت للبوّاب: افتح لفلانٍ سياف الملِك ورسولِه، وكنت أشبه بِهِ، فأعلمه، فأمره، ففتح لي، فصرت إلى بلاطها، وأمرت مِنْ يشتدّ بين يديّ إلى باب بَطْرِيقها، ففعل، ووافَيْتُه وقد جلس لي، فنزلت عَنْ فرسي وأنا متلثّم، فأذِن لي ورحَّب بي، فقلت: أَخْرِجْ هَؤُلاءِ فإنّي قد حملتُ إليك أمرًا، فأخرجهم، وشدَّدْتُ عَلَيْهِ حتى أغلق بابَ الكنيسة وأتى إليّ، فاخترطْتُ سيفي وقلت: قد وقعتُ بهذا الموضع، فأعطني عهدًا حتى أكلّمك بما أردت حتى أرجع مِنْ حيث جئت، ففعل، فقلت: أَنَا البطّال، فاصْدُقْني وانصحني، وإلا قتلتك، قَالَ: سل. فقلت: السّرِيّة. قَالَ: نعم، وافت البلاد غارةٌ لا يدفع أهلها يد لامس، فوغلوا في البلاد وملأوا أيديهم غنائم، وهذا آخر خبر جاءني بأنّهم بوادي كذا وكذا، قد صَدَقْتُك. فغمدت سيفي، وقلت: ادعُ لي بطعامٍ، فدعا به، ثم قمت وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت السّريّة وخرجت بهم وبما غنموا.
وعَنْ أَبِي بَكْر بْن عيّاش قَالَ: قِيلَ للبطّال: ما الشجاعة؟ قَالَ: صبرُ ساعة.
وقَالَ الوليد: أخبرني ابن جابر، قال: حدّثني مَن سَمِعَ البطّال يخبر مالك بْن شبيب أميرُ مُقَدِّمة الجيش الَّذِي قُتِل فيه. عَنْ خبر بَطْرِيق " أقرن " صهْر البطّال، أنّ ليُون طاغيةَ الروم قد أقبل نحوه فِي مائة ألف، فذكر قصّة، فيها إشارةُ البطّال عَلَيْهِ باللّحاق ببعض مدن الروم والتحصُّن بِهِ، حتى [ص:269] يلحقهم الأمير سُلَيْمَان بْن هشام، وذكر عصيان مالك فِي رأيه، قَالَ: ولقينا ليون، فقاتل مالك يومئذٍ ومن معه حتى قتل فِي جماعة، والبطّال عصمة لمن بقي، ووالٍ لهم قد أمرهم ألا يذكروا لَهُ اسمًا، فتجمَّعوا عَلَيْهِ، فحمل البطّال، فصاح بعضُ مَن معه باسمه وفداه، فشدّتْ عَلَيْهِ فرسانُ الروم حتى شالتْهُ برماحها عَنْ سَرْجه وألقتْه إلى الأرض، وأقبلت تشدّ عَلَى بقية النَّاسَ مَعَ اصفرار الشمس. قَالَ الوليد: قَالَ غير ابن جَابِر: وليون طاغيتُهم قد نزل، ورفعوا أيديهم يستنصرون على المسلمين، ورأوا من قلة المسلمين وقلة مِنْ بقي، فَقَالَ: نادِ يا غلام برفْع السيف، وترك بقيّة القوم لله وانصرفوا، قَالَ ابن جَابِر: فأمر البطّال مناديًا، فنادى: أيّها النَّاسَ، عليكم بسنادة، فتحصّنوا فيها، وأمر رجلا عَلَى مقدِّمتهم، وآخر عَلَى ساقتِهم يحمل الجريح والضعيف، وَثَبَتَ البطّال مكانه، ومعه قرابةٌ لَهُ فِي مواليه، وأمر مِنْ يسير فِي أوائلهم يَقُولُ: أيّها النَّاسَ الحقوا فإنّ البطّال يسير بأُخراكم، وأمر مِنْ ينادي في أُخراهم: الحقوا فإن البطال في أولاكم، فلم يصبحوا إلا وقد دخلوها، يعني سنادة، وأصبح البطّال فِي المعركة وبه رمق، فلما كَانَ مِنَ الغد، ركب ليون بجيشه، فأتى المعركة، فوجد البطال وأصحابه، فأخبر بِهِ، فأتى حتى وقف عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَبَا يحيى كيف رأيت؟ قَالَ: وما رأيت، كذلك الأبطال تقتُل وَتُقْتَلُ! فَقَالَ ليون: عليّ بالأطبّاء، فأتي بهم، فنظروا فِي جراحة، فوجدوه قد أنفذت مقاتله، فَقَالَ: هَلْ مِنْ حاجة؟ قَالَ: نعم، فأمُرْ مَن ثبت معي بولايتي وكَفني والصلاةِ عليّ، ثم تُخلي سبيلَهم، ففعل.
قَالَ أَبُو عُبَيْدة: قُتِل البطّال سنة اثنتي عشرة ومائة. وقَالَ أَبُو حسّان الزيادي: سنة ثلاث عشرة.
وقَالَ خليفة: سنة إحدى وعشرين.
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام - لشمس الدين أبو عبد الله بن قَايْماز الذهبي.
عبد الله البَطَّال، أَبو محمد:
قائد شجاع من أمراء الحرب الشاميين في زمن بني أمية.
قيل: اسم أبيه عمرو، واسم جده علقمة. كان مقره بأنطاكيّة. وكان على طلائع مسلمة بن عبد الملك بن مروان في غزواته: قال له أبوه عبد اللك: صيّر على طلائعك البطال ومره فليعسّ بالليل، فإنه أمير شجاع مقدام. وعقد له مسلمة على عشرة آلاف. قال ابن تغري بردي: " شهد عدة حروب وأوطأ الروم خوفا وذلة " وللعامة حكايات ترويها عنه، من مخترعات القصاصين. قال الذهبي: كذب عليه جهلة القصّاص وحكوا عنه من الخرافات ما لا يليق. واستشهد في معركة مع الروم .
-الاعلام للزركلي-