يحيى بن عبد الرَّزَّاق الزين القبطي القاهري الأستادار ابْن أُخْت نقيب الْجَيْش مُحَمَّد بن أبي الْفرج وَيعرف بالأشقر وبقريب ابْن أبي الْفرج. ولد فِي أَوَائِل الْقرن تخمينا بِالْقَاهِرَةِ وَنَشَأ بهَا فتدرب فِي الخدم الديوانية على كتبة الأقباط وخدم فِي جِهَات، وَولي نظر ديوَان الْمُفْرد غير مرّة فَلم ينْتج لَهُ فِيهِ أَمر وتكرر عَزله عَنهُ بِعَبْد الْعَظِيم بن صَدَقَة الْأَسْلَمِيّ وَكَانَا كفرسي رهان بل كَانَ خَصمه فِيهِ أرجح مِنْهُ وَآل الْأَمر إِلَى أَن تَركه لَهُ بعد اشتراكهما فِيهِ وَالشَّر قَائِم بيهما وَلم ينْفَصل مرّة إِلَّا وَعَلِيهِ من الدُّيُون الْكثير وَبعد تَركه سعى فِي نظر الإسطبل السلطاني بِمَال وعد بِهِ إِلَى أَن وليه فِي أثْنَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين عوضا عَن فرج كَاتب المماليك فَلم يلبث أَن عزل فِيهَا بِأبي الْمَنْصُور نصر الله الوزة وَلزِمَ دَاره فَقِيرا مملقا مديونا إِلَى أَن اسْتَقر فِي نظر الْمُفْرد حِين ولَايَة قيزطوغان العلائي الأستادارية باشتراطه عَلَيْهِم فاستقرا فِي الْمحرم سنة أَربع وَأَرْبَعين الأستادار عوضا عَن مُحَمَّد بن أبي الْفرج وَصَاحب التَّرْجَمَة عوضا عَن خَصمه عبد الْعَظِيم وتسلم فيزطوغان كلا مِنْهُمَا فأهانهما وَقرب صَاحب التَّرْجَمَة وركن إِلَيْهِ وَألقى إِلَيْهِ مقاليده وَصَارَ الْمعول عَلَيْهِ بِحَيْثُ قضى دُيُونه وترقع حَاله فَأخذ فِي مكيدته وَحسن إِلَيْهِ طلب الاستعفاء فَظن نصحه وَمَشى فِيهِ إِلَى أَن أُجِيب وَقرر عوضه فِيهَا الزين عبد الرَّحْمَن بن الكويز وَاسْتمرّ هَذَا مَعَه على عَادَته فِي الْمُفْرد ثمَّ لم يلبث أَن اسْتَقر هُوَ فِيهَا سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَأَقْبل سعده الدنيوي من ثمَّ وأضيفت إِلَيْهِ بعد الْحِسْبَة وأرخى الظَّاهِر جقمق لَهُ الْعَنَان فَلم يلْتَفت لكَلَام فِيهِ حَتَّى تمول جدا لشدَّة ظلمه وعسفه واستيلائه على أقاطيع ورزق مرصدة لمساجد نَحْوهَا ومصادرته لِذَوي الْأَمْوَال من الفلاحين والمشايخ وَغَيرهم بل اخترع مظالم وأمورا لم يَفْعَلهَا من قبله، وَبني من بعض فائض ذَلِك مدرسة بِجَانِب بَيته الَّذِي عمله بِالْقربِ من الْمدرسَة الفخرية بَين السورين بَالغ فِي شَأْنهَا ووقف فِيهَا كتبا هائلة وَعمل فِيهَا تصوفا وخطبة بل التمس من شَيخنَا الْمَجِيء إِلَيْهَا فِي يَوْم من الْأُسْبُوع وَفعل وَكَذَا أنشأ أُخْرَى بحذاء بَيته أَيْضا كَانَت مَسْجِدا قَدِيما وَعمل ببولاق جَامعا هائلا فِيهِ صوفية ودرس وَغير ذَلِك وحماما إِلَى غير ذَلِك من مدرسة بالحبانية وسحابة تحمل فِي الحجيج وسبل ومغاسل للموتى وربط وَمَا يفوق الْوَصْف من أَمْلَاك وأوقاف وَغَيرهَا، وَصَارَ إِلَى ضخامة وعظمة يحاكي فِيهَا الْجمال نَاظر الْخَاص وَلَكِن أَيْن الثرى من الثريا، وصاهره التَّاج بن المقسي على ابْنَته، وترقى من أَتْبَاعه غير وَاحِد وَرُبمَا أوذي من بَعضهم، ونكب بعد موت الظَّاهِر مرَارًا وصودر وعصر وَضرب وقاسى أهوالا وذلا ونفيا يطول شَرحه مَعَ بَسطه فِي الحوداث وَأحسن أَحْوَاله الْإِرْسَال بِهِ إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة فدام بهَا أشهرا وَكَانَت أول نكباته على يَد وَلَده الْمَنْصُور مَعَ مُبَالغَة أَبِيه الظَّاهِر فِي وَصيته بِجَمَاعَة هُوَ مِنْهُم وَأخذ مِنْهُ على دفعتين نَحْو مائَة ألف دِينَار ثمَّ لَا زَالَ الْأَخْذ مِنْهُ يتوالى بِحَيْثُ حل كثيرا من أوقافه كالكتب والبيوت، وصودر نَحْو عشْرين مرّة إِلَى أَن لزم بَيته وصادره أَيْضا الْأَشْرَف قايتباي مرّة بعد أُخْرَى وحبسه بالبرج من القلعة ثمَّ أعَاد ضربه إِلَى أَن أشرف على الْمَوْت وَحمل إِلَى البرج ودام بِهِ مَرِيضا يتداوى حَتَّى مَاتَ بِهِ فِي لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشرى ربيع الأول سنة ارْبَعْ وَسبعين وَقد زَاد على الثَّمَانِينَ وَدفن بمدرسته عَفا الله عَنهُ وَعَن الْمُسلمين.
ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي.