الإِمَامُ العَلاَّمَةُ البَلِيْغُ الحَافِظُ المُجَوِّدُ المُقْرِئُ مَجدُ العُلَمَاءِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي بَكْرٍ القُضَاعِيُّ الأَنْدَلُسِيُّ البَلَنْسِيُّ الكَاتِبُ المُنشِئُ، وَيُقَالُ لَهُ: الأَبَّارُ وَابْن الأَبَّارِ.
وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِيْهِ الإِمَام أَبِي مُحَمَّدٍ الأَبَّار، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ نُوْحٍ الغَافِقِيّ، وَأَبِي الخَطَّابِ بنِ وَاجِبٍ، وَأَبِي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بنِ حَوْطِ اللهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ سَعَادَةَ، وَحُسَيْنِ بنِ زلاَلٍ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ اليَتِيْمِ، وَالحَافِظِ أَبِي الرَّبِيْعِ بنِ سَالِمٍ، وَلاَزَمَهُ، وَتَخَرَّجَ بِهِ.
وَارْتَحَلَ فِي مَدَائِنِ الأَنْدَلُسِ، وَكَتَبَ العَالِيَ وَالنَّازلَ، وَكَانَتْ لَهُ إِجَازَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بنِ حَمْزَةَ، استجازه له أبوه.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَيَّانَ الأَوسِيُّ، وَطَائِفَةٌ.
وذكرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ: هُوَ مُحَدِّثٌ بارعٌ، حَافلٌ، ضَابطٌ، مُتْقِنٌ، كاتب بليغٌ، وَأَديبٌ حَافلٌ حَافِظٌ. رَوَى عَنْ أَبِيْهِ كَثِيْراً، وَسَمَّى جَمَاعَةً.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَاعْتَنَى بِبَابِ الرِّوَايَة اعتنَاءً كَثِيْراً، وَأَلَّفَ "مُعْجَمَه" وَكِتَابَ "تُحْفَةِ القَادِم"، وَوصل "صلَة" ابْنِ بَشْكُوَالَ، عَرفْتُ بِهِ بَعْد تَعليقِي هَذَا الكِتَاب بِمُدَّةٍ -يَعْنِي كِتَابَ "الصِّلَةِ" لابْنِ الزُّبَيْرِ- قَالَ: وَكَانَ مُتَفَنِّناً متقدمًا في الحديث والآداب، سنيًا، متخلفًا فَاضِلاً، قُتِلَ صَبْراً ظُلْماً وَبَغْياً، فِي أَوَاخِرِ عشر سنين وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: كَانَ بَصِيْراً بِالرِّجَالِ المُتَأَخِّرِيْنَ، مُؤرِّخاً، حُلوَ التَّتَرْجُمِ، فَصيحَ العبَارَة، وَافرَ الحِشْمَةِ، ظَاهِرَ التَّجَمُّلِ، مِنْ بُلغَاءِ الكَتَبَةِ، وَلَهُ تَصَانِيْفُ جمة منها "تكملة الصلة" في ثلاث أَسفَارٍ، اخْترتُ مِنْهَا نَفَائِسَ.
انْتقل مِنَ الأَنْدَلُسِ عِنْدَ اسْتيلاَءِ النَّصَارِى، فَنَزَلَ تُوْنس مُدَّة، فَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْض أَعدَائِهِ شَغبَ عَلَيْهِ عِنْد مَلِكَ تُوْنسَ، بِأَنَّهُ عَمل "تَارِيخاً" وَتَكلّم فِي جَمَاعَةٍ، وَقَالُوا: هُوَ فُضولِيٌّ يَتَكَلَّم فِي الكِبَار، فَأُخِذَ، فَلَمَّا أَحسّ بِالتَّلَفِ قَالَ لِغُلاَمَه: خُذِ البَغْلَة لَكَ، وَامضِ حَيْثُ شِئْتَ، فَلَمَّا أُدْخِلَ، أَمَرَ الملك بقتله، فتعوذ بِاللهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، هَذَا مَعْنَى مَا حَكَى لِي الإِمَامُ أَبُو الوَلِيْدِ ابن الحاج -رحمه الله- من قتله.
وَمِنْ تَوَالِيفِه "الأَرْبَعُوْنَ" عَنْ أَرْبَعِيْنَ شَيْخاً مِنْ أربعين تصنيفًا لأربعين عالمًا من أربعين طريقًا إلى أَرْبَعِيْنَ صَحَابِيّاً لَهُم أَرْبَعِونَ اسْماً مِنْ أَرْبَعِيْنَ قبيلَةً فِي أَرْبَعِيْنَ بَاباً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ جَابِرٍ المُقْرِئُ سَنَة 734، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَيَّانَ بتُونُسَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عبْدِ اللهِ ابْنُ الأَبَّار، حَدَّثَنَا أَبُو عامِرٍ نَذِيرُ بنُ وَهْبِ بنِ لُبّ الفِهْرِيّ بِقِرَاءتِي حَدَّثَنَا أَبِي أَبُو العَطَاءِ، حدثنا أبي القاضي أبو عيس لُبّ بن عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أبي أَبُو مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عِيْسَى الجُذَامِيّ صاحب الصلاة، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عِيْسَى الجُذَامِيّ صَاحِبُ الصَّلاَةِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي زمنينَ الإِلبيرِيّ فِي كِتَاب "أَدبِ الإِسْلاَمِ"، حَدَّثَنِي الفَقِيْه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الطليطلِيّ، عَنْ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ"
هَذَا حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ وَقَعَ لَنَا نَازلاً بِسَبْعِ دَرَجَاتٍ عَمَّا أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَغَيْرُهُ إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بِهَذَا.
وَقَدْ رَأَيْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَبَّارِ جُزْءاً سَمَّاهُ "دُرر السِّمط فِي خَبَر السِّبْط عَلَيْهِ السَّلاَمُ" يَعْنِي الحُسَيْنَ بِإِنشَاءٍ بَدِيْعٍ يَدلّ عَلَى تَشَيُّعٍ فِيْهِ ظَاهِرٍ، لأَنَّه يَصف عَلِيّاً -رَضِي اللهُ عَنْهُ- بِالوَصيِّ، وَيَنَالُ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَآلِهِ، وَأَيْضاً رأيت له أَوهَاماً فِي تِيكِ "الأَرْبَعِيْنَ" نَبَّهتُ عَلَيْهَا.
وَكَانَ مَصرَعُهُ فِي العِشْرِيْنَ مِنَ المُحَرَّمِ، عَامَ ثَمَانِيَةٍ وخمسين وست مائة، بتونس.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي، أبو عبد الله، ابن الأبَار:
من أعيان المؤرخين، أديب. من أهل بلنسية (بالأندلس) ومولده بها. رحل عنها لما احتلها الإفرنج، واستقر بتونس فقرّبه صاحبها السلطان أبوزكرياء، وولاه كتابة (علامته) في صدور الرسائل، مدة، ثم صرفه عنها، وأعاده. ومات ابو زكرياء وخلفه ابنه المستنصر، فرفع هذا مكانته.
ثم علم المستنصر أن ابن الأبار كان يزري عليه في مجالسه، وعزيت إليه أبيات في هجائه، فأمر به فقتل (قعصا بالرماح) في تونس.
من كتبه (التكملة لكتاب الصلة - ط) في تراجم علماء الأندلس، و (المعجم - ط) في التراجم، و (الحلة السيراء - ط) في تاريخ أمراء المغرب، و (إعتاب الكتاب - ط) في أخبار المنشئين، و (إيماض البرق في أدباء الشرق) و (الغصون اليانعة في محاسن شعراء المئة السابعة - ط) و (مظاهرة المسعى الجميل ومحاذرة المرعى الوبيل - ط) في معارضة ملقى السبيل، للمعري، و (تحفة القادم) نشرت مجلة المشرق مختصرا له، و (درر السمط في خبر السبط - خ) في الرباط (2081 ك) ينال فيه من بني أمية. وله شعر رقيق. ولعبد العزيز عبد المجيد كتاب (ابن الأبار، حياته وكتبه ) يرجع إليه .
-الاعلام للزركلي-
- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي: عرف بابن الأبار الإِمام الحافظ النظار الراوية المتبحر في العلوم الحامل لواء المنثور والمنظوم، كتب بإشبيلية ولما نزلها الطاغية قدم تونس على أميرها أبي زكرياء الحفصي مستصرخاً منشداً قصيدته السينية المشهورة التي أولها "أدرك بخيلك خيل الله أندلسا" كان بعض أهل عصره ممن يعاديه انتقد عليه في قصيدته هاته وانتصر له أبو إسحاق التجاني بكتابه مؤازرة الوافد ومبارزة الناقد في الانتصار لابن الأبار واستوطن بتونس مترشحاً للعلامة السلطانية. أخذ عن أعلام منهم والده وأبو عبد الله بن نوح وأبو الخطاب بن واجب وأبو سليمان بن حوط الله وأبو الربيع الكلاعي صحبه أكثر من عشرين سنة وأبو المطرف بن عميرة وابن غبلون وابن محرز وغيرهم مما هو كثير وأجازه جماعة من أهل المشرق والمغرب ومن اعتنائه بالرواية أنه لا يكاد كتاب من الكتب الموضوعة في الإِسلام إلا وله فيه رواية إمام بعموم أو بخصوص وذكر صاحب نفح الطيب رجال سنده إليه وعنه أخذ جماعة منهم ابن رشيد وأثنى عليه في رحلته وأبو عبد الله التجاني قريب صاحب الرحلة وأجازه وهذا العالم لا ينكر فضله ولا يجهل نبله. ألّف التآليف البديعة وهي نحو الخمسة وأربعين أخذت فأحرقت في موضع قتله منها معادن اللجين في مراثي الحسين ولو لم يكن له من التأليف إلا هو لكفاه في علو درجته في العلوم وسمو رتبته وكتاب في منتخب الأشعار سماه قطع الرياض وتكملة صلة ابن بشكوال وهداية المعترف في المؤتلف والمختلف وكتاب التاريخ وهو الحلة السيارة في أخبار المغرب والمعجم في أصحاب أبي علي الصدفي وفيه 315 ترجمة لطائفة من علماء الأندلس وغير ذلك. قال في نفح الطيب: ولابن الأبار ترجمة واسعة ذكرتها في أزهار الرياض. مولده ببلنسية سنة 595 هـ وقتل ظلماً بالرماح في المحرم سنة 658 هـ[1259 م] بتونس ثم أحرق شلوه وكتبه في خبر يطول جلبه.
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
ابن الأبّار (658 هـ / 1280 م)
الاسم الكامل والنسب والمولد والوفاة
محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن الأبّار القضاعي البلنسي، نزيل تونس.
أصل أسرته من أندة، وُلد ببلنسية من بلدان شرق الأندلس، المدينة الجميلة ذات الخصب والهواء المعتدل.
توفي في صبيحة يوم الثلاثاء 21 محرّم 658 هـ / 21 يناير 1260 م، بمقصورة المحتسب خارج باب ينتجمي بتونس، مرشوقًا بالرماح، وندم السلطان على قتله بعد فوات الأوان.
النشأة العلمية والتعليم
نشأ في وسط علمي، وكان والده من أهل العلم، ديّنًا تقيا، كثير التلاوة والتهجد، عارفًا بالقراءات.
قرأ ابن الأبّار على والده القرآن برواية نافع، وسمع منه أخبارًا وأشعارًا، وناوله كتبه.
لازم الحافظ الأديب أبو الربيع الكلاعي عشرين سنة، وتخرّج به في الحديث والكتابة.
جال في بلدان الأندلس للأخذ عن رجالها ثم استقر به المقام في بلنسية ثم انتقل لاحقًا إلى تونس.
حرص على الرواية عن كبار السن، ولقاء من علا إسنادهم، حتى بعد بلوغه طور التخصص.
المشايخ والأساتذة الذين أخذ عنهم، مع تحديد البلدان
أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الحميري (بلنسية)
أبو زكريا يحيى بن محمد البرقي المهدوي (تونس)
أبو الخطاب عمر بن حسن الكلبي المعروف بابن دحية
عبد المنعم بن عبد الرحيم الخزرجي المعروف بابن الفرس
الطلاب الذين تخرّجوا على يديه أو تأثروا به، بأسمائهم وبلدانهم
روى عنه:
صهره أبو الحسن عيسى بن لب
أبو بكر بن أحمد ابن سيد الناس
أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمد التجاني التونسي
محمد بن أبي القاسم بن رزين التجيبي نزيل تونس
محمد بن الجلاب نزيل تونس
أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن برطلة
عبد الله بن هارون الطائي القرطبي
ولم يُعرف عنه أنه درّس في مسجد أو مدرسة، ويبدو أن من سمعوا منه، التقوه في منزله بتونس.
النشاط الدعوي والتربوي
أُرسل سنة 636 هـ / ديسمبر 1238 ضمن وفد من أهل بلنسية إلى السلطان أبي زكريا الحفصي، وعيّن كاتبه ضمن أعضاء الوفد.
أنشد بين يدي السلطان قصيدته السينية الشهيرة التي بدأها بـ:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا … إن السبيل إلى منجاتها درسا
وتأثّر السلطان بها فأرسل أسطولًا محملًا بالسلاح والقوت، نزل بمدينة دانية بعدما تعذّر نزوله قرب بلنسية بسبب الحصار.
عمل لاحقًا كاتبًا لوالي بلنسية ثم لزيان بن مردنيش، ثم استُدعي إلى تونس وولّاه أبو زكريا كتابة العلامة، وهي التوقيعات السلطانية.
أخلاقه وسلوكه مع الطلاب والعامة والمحتاجين
كان محدّثًا بارعًا، أديبًا شاعرًا، واسع الثقافة، مكثرًا من التأليف، وموفور المادة.
لكن تميز بطبعٍ حاد، وسوء الخلق، وكبرياء واضح، مما أثار سخط خصومه وعداواته في البلاط الحفصي.
لم يتحرز من لسانه، وانتُقد بسبب سعايات قاسية، وسخريته بالناس، بل رُمي بلقب "الفأر"، قال خصمه ابن شلبون فيه:
لا تعجبوا لمضرة نالت جميع الخلق صادرة من الآبار أوليس فأرا خلقة وخليقة … والفأر مجبول على الأضرار
لا تعجبوا لمضرة نالت جميع الخلق صادرة من الآبار
أوليس فأرا خلقة وخليقة … والفأر مجبول على الأضرار
وأدى غروره إلى عزله عن خطة العلامة، ثم نفاه السلطان المستنصر لاحقًا إلى بجاية، قبل أن يعود ويُقتل في تونس.
مواقفه السياسية وخطبه
كان كاتبًا لولاة بلنسية، ثم لحاكمها زيان بن مردنيش، وشارك في كتابة عقد تسليم بلنسية بعد حصارها سنة 636 هـ / 1238 م.
وصف عقد التسليم بدقة، وموكب خروج الأمير، ونقل الناس برًا وبحرًا، وأظهر تأثرًا بالغًا بفقدان مدينته، وقال من رسالة له:
"أما الأوطان المحبب عهدها بحكم الشباب، المشبب فيها بمحاسن الأحباب، فقد ودعنا معاهدها وداع الأبد..."
المؤلفات والرسائل
ألف كثيرًا في الحديث والتاريخ والتراجم، واشتهر بمنهجه الموسوعي الأندلسي، ومن مؤلفاته:
التكملة لكتاب الصلة
إعتاب الكتّاب
معجم أصحاب أبي علي الصدفي
الحلة السيراء
المورد المسلسل
المأخذ الصالح
برنامج رواياته
أربعون حديثًا
تحفة القادم
إعصار الهبوب
إيماء إلى المنجبين
إيماض البرق
حضار المرهج
الانتداب للتنبيه
الاستدراك على أبي محمد القرطبي
كتاب التاريخ (كان سبب قتله حسب المقري)
ملاحظات منهجية على كتاب "التكملة"
اعتمد ترتيبًا مغربيًا للحروف، وراعاها طبقيًا دون دقة منهجية
خالف ابن الفرضي وابن بشكوال في طريقة العرض
اختلط عليه ترتيب الوفيات برواية التلاميذ، وأدرج عبادًا لا يُعرف لهم اشتغال بالعلم
وقع في قلب النسب وتكرار بعض التراجم، كما لاحظ ابن عبد الملك المراكشي
بالغ في التشبّع والاستكثار، وخلط بين الغرباء والأندلسيين، أحيانًا بدافع العصبية
ثناء العلماء عليه
قال ابن عبد الملك المراكشي:
"كان آخر رجال الأندلس براعة واتقانا وتوسعا في المعارف وافتنانا، محدّثًا مكثّرًا ضابطًا، عدلًا ثقة، ناقدًا يقظًا، كاتبًا بليغًا، شاعرًا مفلقًا مجيدًا..."
وقال عبد الحي الكتاني:
"هو عندي عديل ابن خلدون وابن الخطيب في الإنشاء وملكة الشعر، ويفوقهما في الحديث، وليس للتونسيين من يضارعه فيه."
الوفاة والتفاصيل الأخيرة قبلها
بعد عودته من بجاية إلى تونس، ألّف "إعتاب الكتّاب" متوسلًا العفو، لكنه بقي متأثرًا بخصومه في البلاط.
قُتل بسبب أبيات هجائية في تقاييده، منها:
طغى بتونس خلف … سموه ظلمًا خليفة عق أباه وجفا أمه … ولم يقل من عثرة عمه
أمر السلطان بقتله بالرماح وحرق كتبه، التي بلغ عددها خمسة وأربعين تأليفًا.
قيل أن السلطان ندم لاحقًا على قتله، وقال ابن أبي الضياف:
"وتركها شنعاء في ملوك الإطلاق"
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الأول - صفحة 12 - للكاتب محمد محفوظ