محمد بن إيل رسلان ابن أتسز ابن محمد الخوارزمي
علاء الدين
تاريخ الوفاة | 617 هـ |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
خوارزمشاه
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ عَلاَءُ الدِّيْنِ خُوَارِزْمشَاه مُحَمَّدُ ابْنُ السُّلْطَانِ خُوَارِزْمشَاه إِيْل رِسْلاَن ابْنِ خُوَارِزْمشَاه أَتْسِزَ ابْنِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ نُوشْتِكِيْن الخُوَارِزْمِيُّ.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: نَسَبُ عَلاَء الدِّيْنِ يَنْتهِي إِلَى إِيلتَكين مَمْلُوْك السُّلْطَان أَلب أَرْسَلاَن بن جغرِيبك السَّلْجُوْقِيّ.
قُلْتُ: قَدْ سُقت مِنْ أَخْبَاره فِي "التَّارِيْخ الكَبِيْر" فِي الحوَادث، وَأَنَّهُ أَبَاد ملوكاً، وَاسْتَوْلَى عَلَى عِدَّة أَقَالِيم، وَخَضَعَت لَهُ الرِّقَاب، وَقَدْ حَارب الخَطَا غَيْرَ مَرَّةٍ، فَانْهَزَم جَيْشُهُ فِي نَوْبَة وَثبتَ هُوَ، فَأُسر هُوَ وَأَمِيْر؛ أَسَرَهُمَا خَطائِيّ، فَصَيَّرَ نَفْسَهُ مَمْلُوْكاً لِذَلِكَ الأَمِيْر، وَبَقِيَ يَقف فِي خِدْمَته، فَقَالَ الأَمِيْر لِلْخَطَائِيِّ: ابْعَثْ رَسُوْلَكَ مَعَ غُلاَمِي هَذَا إِلَى أَهْلِي لِيُرسلُوا مَالاً فِي فكَاكِي، فَفَعَل وَتَمَّت الحِيلَة، وعاد خوارزمشاه إلى ملكه، ثم عرف الخطَائِي فَسَارَ مَعَ ذَلِكَ الأَمِيْر إِلَى خدمَة السُّلْطَان فَأَكْرَمَه وَأَعْطَاهُ أَشيَاء.
قَالَ عِزّ الدِّيْنِ عَلِيّ ابْن الأَثِيْرِ: كَانَ صَبُوْراً عَلَى التَّعب وَإِدمَان السَّير، غَيْر مُتَنَعِّم وَلاَ مُتَلَذِّذٍ، إِنَّمَا نَهمَته الْملك، وَكَانَ فَاضِلاً، عَالِماً بِالفِقْه وَالأُصُوْل، مُكرِماً لِلْعُلَمَاء يُحبّ منَاظرتهُم، وَيَتبرّك بِأَهْلِ الدِّيْنِ، قَالَ لِي خَادم الحُجْرَة النَّبويَّةِ: أَتيتُه فَاعْتنقنِي، وَمَشَى لِي وَقَالَ: أَنْتَ تخْدم حُجْرَة النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ? قُلْتُ: نَعم، فَأَخَذَ يَدِي وَأَمَرَّهَا عَلَى وَجهه، وَأَعْطَانِي جُمْلَةً.
قَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ: أَفنَى مُلُوْكَ خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهْر، وَأَخلَى البِلاَد وَاسْتقلَّ بِهَا فَكَانَ سَبَباً لِهَلاَكه، وَلَمَّا نَزل هَمَذَانَ كَاتَبَ ابْنُ القُمِّيّ نَائِبُ الوزَارَة أُمَرَاءهُ وَوعدَهُم بِالبِلاَد، فَرَامُوا قَتله، فَعرفَ وَسَارَ إِلَى مَرْو وَكَانَ مَعَهُ مِنَ الخَطَا سَبْعُوْنَ أَلْفاً، وَكَانَ خَاله مِنْهُم، فَنمَّ عَلَيْهِ فَاخْتَفَى فَنهبُوا خَزَائِنه، فَيُقَالُ: كَانَ فِيْهَا عشرة آلاف ألف دِيْنَار، وَلَهُ عَشْرَة آلاَف مَمْلُوْك، فَرَكِبَ إِلَى جَزِيْرَةٍ هَارباً.
قُلْتُ: تَسَلَّطن فِي سَنَةِ 596.
وَقَالَ المُوَفَّقُ: كَانَ أَبُوْهُ تِكش أَعْوَر قمِيئاً، كَثِيْر اللّعب بِالملاَهِي، بَعَثَ بِرَأْس طُغْرِل إِلَى بَغْدَادَ، وَطلب السّلطنَة، فَتحركت الخَطَا، فَاحتَاج أَنْ يَرِدَ خُوَارِزْمَ، فَتولَّى بَعْدَهُ ابْنه مُحَمَّد، وَكَانَ مُحَمَّدٌ شُجَاعاً، شَهْماً، مغوَاراً، غَزاءً، سعيداً، يَقطع المسَافَات الشاسعة بسرعة، وكان هجامًا، فَاتكاً، أُتِيَ بِرَأْس أَخِيْهِ فَلَمْ يَكترث، وَكَانَ قَلِيْلَ النّوم، طَوِيْل النّصب، يَخدم أَصْحَابه، وَيَحرس، وَثيَابه وَعِدَّة فَرسه لاَ تَبلغ دِيْنَاراً، وَكَانَ كَثِيْرَ الإِنفَاق، لَهُ مُشَاركَة لِلْعُلَمَاء، صَحِبَ الفَخْر الرَّازِيّ قَبْل المُلْكِ، وَلَكِنَّهُ أَفسده العُجْب، وَالثِّقَة بِالسَّلاَمَة، وَاسْتهَانَ بِالأَعْدَاء، وَكَانَ يَقُوْلُ: "مُحَمَّدٌ يَنْصر دِينَ مُحَمَّدٍ"، قطع خُطبَة الخَلِيْفَة وَجَاهر، وَأَرَادَ أن يشتبه بِالإِسْكَنْدَر، وَأَيْنَ الوَلِيّ مِنْ رَجُلٍ تُركِيّ، فُكُلُّ ملك لاَ يَكُوْن قصدهُ إِقَامَة الحَقّ فَهُوَ وَشيك الزّوَال، جَاهر هَذَا أُمَّة الخَطَا، فَنَازلهُم بِأُمَّة التّتر وَاسْتَأْصلهُم إلَّا مَنْ خدم مَعَهُ، ثُمَّ انْتقل إِلَى التّتر.
ثُمَّ ذَكَرَ المُوَفَّق أَشيَاء، وَقَالَ: فَكَانَتْ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر فِي طَاعَة الخَطَا، وَمُلُوْك بُخَارَى وَسَمَرْقَنْد يُؤدُّوْنَ الأَتَاوَة إِلَى الخَطَا، وَكَانَتْ هَذِهِ الأُمَمُ سَدّاً بَيْنَ تُرك الصّين وَبيننَا، فَفَتَحَ هَذَا السَّد الْوَثِيق وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يُقَاوِمُه، فَانْتقلَ إِلَى كِرْمَان، ثُمَّ العِرَاق، ثُمَّ أَذْرَبِيْجَان، وَطمع فِي الشَّام وَمِصْر، وَكَانَ عَلَيْهِ سهلاً لَوْ قدّر. بَات صَاحِب حَلَب ليله مَهْمُوْماً لما اتَّصل بِهِ مِنْ أَخْبَار هَذَا وَطمعه فِي الشَّام، وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ يَبْقَى أَرْبَعَة أَيَّام عَلَى ظَهْرِ فَرسه لاَ يَنْزِل إِنَّمَا يَنْتقل مِنْ فَرَس إِلَى فَرَس وَيطوِي البِلاَد ويهجم المدينة في نفر يسير، ثم يصحبه من عسكره عشر آلاَف وَيُمسِّيه عِشْرُوْنَ أَلْفاً، وَرُبَّمَا هَجَمَ البَلَد فِي مائَة، فَيقضِي الشُّغل قَبْلُ. قتل عِدَّة مُلُوْك، وَإِنَّمَا أَخْذُه البِلاَد بِالرُّعْبِ وَالهَيْبَةِ. وَبعد موت الظاهر غازي جاء رَسُوْله إِلَى حَلَب، فَقَالَ: سُلْطَانُ السَّلاَطِيْن يُسلِّم عَلَيْكُم وَيَعتب إِذْ لَمْ تُهنِّئوهُ بِفَتح العِرَاق وَأَذْرَبِيْجَان، وَإِنَّ عدد جَيْشه سَبْعُ مائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ تَوجّه رَسُوْله إِلَى العَادل بِدِمَشْقَ يَقُوْلُ: تعَالَ إِلَى الخدمَة فَقَدِ ارْتضينَاك أَنْ تَكُوْن مقدم الركاب! فبقي الناس يهرؤون مِنْهُ. وَسَمِعنَا أَنَّهُ جَعَلَ صَاحِب الرُّوْم أَمِيْر عَلَم لَهُ وَالخَلِيْفَة خَطِيْباً لَهُ! وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَة أَوْلاَد: جَلاَل الدِّيْنِ الَّذِي قَامَ بَعْدَهُ، وَغِيَاث الدِّيْنِ تترشَاه، وَقُطْب الدِّيْنِ أَزلاغ، وَرُكْن الدِّيْنِ غُورشَاه يَحْيَى، وَكَانَ أَحْسَنهُم، وَضُربت النَّوبَة بِأَمره لَهُم فِي أَوقَات الصَّلَوَات الخَمْس، عَلَى عَادَة المُلُوْك السَّلْجُوْقيَّة، وَانْفَرَدَ هُوَ بنَوْبَة الإِسْكَنْدَر، فَيَضرب وَقت المَطْلع وَالمَغِيب، وَكَانَتْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ دبدبَة مِنَ الذّهب الْمُرَصَّع بِالجَوْهَر. وَأَمَّا المُلُوْك الَّذِيْنَ كَانُوا فِي خِدْمَته فَكَانَ يُذلهم وَيُهينهُم، وجعلهم يضربون به طبُول الذَّهَب. ثُمَّ إِنَّهُ نَزل بِهَمَذَانَ وَانتشرت جُمُوْعه، فَاختلت عَلَيْهِ بلاَد مَا وَرَاء النَّهْر، فَرَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَهْلكهُم الثَّلج، وَلَمَّا أَبَاد أُمَّتَيّ الخَطَا وَالتَّتَر وَهُم أَصْحَاب تُركستَان وَجَنْد وَتَنْكُت ظَهرت أُمَّة يُسَمَّوْنَ التّتر أَيْضاً، وَهُم صنفَان، وَطمعُوا فِي البِلاَد، فَجمعَ، وَعَزَمَ عَلَى لقائهم، فوقع جنكزخان رَأْس الطمغَاجيَّة عَلَى كَمِينه، فَطَحنوهُ، وَانْهَزَم جَلاَل الدِّيْنِ ابْنه إِلَيْهِ، وَخيل إِلَيْهِ تَعس الجدّ أَنَّ فِي أُمَرَائِهِ مُخَامِرِيْنَ، فَمسَّكهُم، وَضربَ مَعَ التَّتَار مَصَافّاً بَعْد آخر، فَتطحطح، وَردّ إِلَى بُخَارَى مُنْهَزِماً. ثُمَّ جَاءَ مِنْ بُخَارَى ليجْمَع العَسَاكِر بِنَيْسَابُوْرَ، فَأَخَذت التَّتَار بُخَارَى، وَهجمُوا خُرَاسَان، فَفَرَّ، فَمَا وَصلَ إِلَى الرَّيِّ إلَّا وَطلاَئِعُهُم عَلَى رَأْسه، فَانْهَزَم إِلَى قَلْعَة بَرَجِيْنَ، وَمَعَهُ ثَلاَث مائَة فَارِس عُرَاة مضهم الجوع فاستطعموا من أكراد فلم يَحتفلُوا بِهِم، ثُمَّ أَعْطوهُم شَاتين وَقصعتِي لَبَن، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى نهَاوَنْد، ثُمَّ إِلَى مَازِندرَان وَقعقعَة سلاَحهُم قَدْ ملأَت سَمْعَهُ وَبصره، فَنَزَلَ بِبحيرَة هُنَاكَ فَانسَهَلَ، وَطَلَبَ دوَاءً، فَأَعوزه الخُبز، وَمَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ عِدَّة جَيْشه فِي الدِّيْوَان ثَلاَث مائَة أَلْف فَارِس، وَقِيْلَ: إِنَّهُ اسْتولَى عَلَى نَحْو أَرْبَع مائَة مدينَة، وَكَانَتْ أُمُّه تُرْكَانُ فِي عظمَةٍ مَا سُمِعَ قَطُّ بِمِثْلِهَا، وفي جبروت، فأسرها جنكزخان، وَذَاقت ذُلاًّ وَجُوعاً، وَفِي الآخَرِ دَاخَلَهُ رُعب زَائِد مِنَ التَّتَارِ، كَبَسَهُ التَّتَار، فَبَادر إِلَى مركب فَوَقَعت عِنْدَهُ سهَامهُم وَخَاضُوا فَمَا قدرُوا، وَكَانَ هُوَ فِي علَّة ذَات الْجنب:
أَتَتْهُ المَنِيَّةُ مُغْتَاظَةً ... وَسَلَّتْ عَلَيْهِ حُسَاماً ثَقِيلا
فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُ حُمَاةُ الرِّجَالِ ... وَلَمْ يُجْدِ فِيل عَلَيْهِ فَتِيلا
كَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالشَّامِتِينَ ... وَيُفْنِيهِمُ الدَّهْرُ جيلاً فَجِيلا
مَاتَ فِي الجَزِيْرَةِ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكُفِّن فِي عِمَامَةٍ لفِرَّاشِهِ.
وَكَانَتْ أُمُّه تُجيد الخَطَّ، وَتُعَلِّم، اعْتَصَمْت بِاللهِ وَحْدَه، وَحُكمهَا يُسَاوِي حكم ابْنهَا، فَمنْ أَلْقَابِهَا: عِصْمَةُ الدُّنْيَا وَالدِّيْنِ أَلْغِ تُرْكَان سَيِّدَةُ نِسَاء العَالِمِينَ. وَكَانَتْ سَفَّاكَةً لِلدّمَاء وَهِيَ مِنْ بنَات مُلُوْك التُّرك، وَلَهَا مِنَ الأَمْوَال وَالجَوَاهِر مَا يَقصر الوَصْف عَنْهُ، فَأخذت التَّتَار الجَمِيْع، وَمِمَّا أخذُوا لابنهَا صُنْدُوْقين كَانَ هُوَ يَقُوْلُ: فِيْهِمَا ما يساوي خراج الأرض.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.