عبد الرحمن بن أحمد بن مسعود الكواكبي، ويلقب بالسيد الفراتي:
رحالة، من الكتاب الأدباء، ومن رجال الإصلاح الإسلامي. ولد وتعلم في حلب، وأنشأ فيها جريدة (الشهباء) فأقفلتها الحكومة، وجريدة (الاعتدال) فعطلت، وأسندت إليه مناصب عديدة. ثم حنق عليه أعداء الإصلاح، فسعوا به، فسجن وخسر جميع ماله، فرحل إلى مصر. وساح سياحتين عظيمتين إلى بلاد العرب وشرقي إفريقية وبعض بلاد الهند. واستقر في القاهرة إلى أن توفي. له من الكتب (أمّ القرى - ط) و (طبائع الاستبداد - ط) وكان لهما عند صدورهما دويّ. وكان كبيرا في عقله وهمته وعلمه، من كبار رجال النهضة الحديثة. ولسامي الدهان، كتاب (عبد الرحمن الكواكبي - ط) في سيرته .
-الاعلام للزركلي-
عبد الرحمن الكواكبي
(1849 ـ 1903م)
مولده ونشأته: ولد في حلب سنة 1265ﻫ ـ 1849م، وأبوه الشيخ أحمد بهائي محمد مسعود بن الحاج عبد الرحمن، وجده الأكبر محمد الشيخ أبو يحيى الكواكبي دفين الجامع المعروف باسمه في محلة الجلوم الصغرى، تلقى مبادئ العلم في بعض المدارس الأهلية، ودرس العلوم الشرعية في المدرسة الكواكبية، وأتقن العربية والتركية وبعض الفارسية، ووقف على العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحديثة، وكان ميالاً من حداثته إلى الأدب، فاشتغل في تحرير جريدة (فرات) التي كانت تصدر في حلب باسم الحكومة، وقد حررها خمس سنوات.
في الصحافة: وفي 10 أيار سنة 1877م أنشأ بالاشتراك مع هاشم عطار جريدة سماها (الشهباء)، ثم أصدر لنفسه في 25 تموز سنة 1879م جريدة سماها الاعتدال باللغتين العربية والتركية.
محنته في خدمة الدولة: وتقلب في وظائف علمية وإدارية وحقوقية، منها رئاسة بلدية حلب، ثم قاضياً شرعيًّا لقضاء راشيا، وكان حب الإصلاح وحرية القول والفكر باديين في كل عمل من أعماله، فلم يرق ذلك لبعض أرباب المناصب العليا فوشوا به، فتعمدت الحكومة حبسه، ثم جردوه من أملاكه، فلم يثن ذلك همته، وهكذا يضيع الحكام الرجال العظام.
نزوحه: وفي أوائل شهر مايس سنة 1898م نزح إلى مصر، ثم خرج منها سائحاً فطاف زنجبار والحبشة وأكثر شطوط شرقي آسيا وغربيها، ثم رجع إلى مصر.
ومما يذكر له ويؤسف لضياع ثماره أنه رحل رحلة لم يسبقه أحد إليها ويندر أن يستطيعها أحد غيره، وذلك أنه أوغل في أواسط جزيرة العرب، فأقام على متون الجمال نيفاً وثلاثين يوماً، فقطع صحراء الدهناء في اليمن، ولا ندري ما استطلعه من الآثار التاريخية أو الفوائد الاجتماعية، وتحول من هذه الرحلة إلى الهند فشرقي إفريقيا، وعاد وكان أجله ينتظره فيها.
صفاته: كان الكواكبي واسع الصدر، طويل الأناة، فصيح اللسان، معتدلاً في كل شيء، عطوفاً على الضعفاء، وكان له في حلب مكتب للمحاماة يصرف فيه معظم نهاره لرؤية مصالح الناس، ويبعث إلى المحكمة من يأمنهم من أصحابه ليدافعوا عن المظلومين والمستضعفين، كان واسع الاطلاع في تاريخ المشرق وتاريخ الممالك العثمانية، وله ولع في علم العمران.
مؤلفاتـه: ألف كتبـاً لـم ينشـر منهـا إلا كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) لم يكتب مثله فليسوف في الشرق ولا في الغرب، وهو فريد في بابه، وكتاب (أم القرى) الذي راجعه الشيخ محمد عبده، ومع تمسكه بالإسلامية والمطالبة بحقوقها والاستهلاك في سبيل نصرتها، فقد كان بعيداً عن التعصب، لأنه كان يرى رابطة الوطن فوق كل رابطة.
وفاته: لقد أنهكت قواه الجسمية الرحلة الشاقة التي قام بها في مجاهل إفريقيا، فلما عاد إلى مصر انتقل إلى عالم الخلود فجأة في يوم الجمعة 6 ربيع الأول سنة 1320ﻫ وحزيران سنة 1903م، ونعي إلى الخديوي، فأمر أن يجهز على نفقته، وأن يعجل بدفنه، وقد دفن في قرافة باب الوزير بمصر، ونقش على قبره بيتان من نظم شاعر النيل المرحوم محمد حافظ إبراهيم، وهما:
هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى
هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا
عليه فهذا القبر قبر الكواكبي
وقد أعقب من الأولاد: كاظم والدكتور أسعد والدكتور رشيد والصيدلي أحمد وفاضل وأربع كرائم، وقد توفوا ولم يبق منهم حيًّا إلا الدكتور رشيد.
ولابد من الإشارة إلى أنه أشيع بأن في ليلة وفاته دعي إلى وليمة العشاء عند الخديوي فذهب، ولما عاد إلى بيته أحس بألم في خاصرته الشمالية، فقضى نحبه فجأة، ومن المحتمل أن الخديوي تلقى من السلطان عبد الحميد أمراً بقتله بعد إصدار كتابه العظيم الذي هز أركان الدولة بمواضيعه الشهيرة عن الاستبداد في عصره.
له ترجمة في الكتاب المرفق: أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي – الجزء2. ص 12
السيد عبد الرحمن الكواكبي
السيد عبد الرحمن الكواكبي (وُلد سنة ١٢٦٥ﻫ وتُوفِّي سنة ١٣٢٠ﻫ).
العظمة والشهرة صديقتان يغلب أن تتصاحبا، فلا تكون إحداهما بدون الأخرى، ولكنهما كثيرًا ما تفترقان فتكون العظمة بلا شهرة، والشهرة بلا عظمة، فترى بين أهل الشهرة الواسعة من إذا لقيتهم وسبرت غورهم رأيتهم كالطبل يدوي صوته إلى بعيد وجوفه فارغ، وأنهم إنما نالوا تلك الشهرة بما طُبعوا عليه من الميل إلى نشر محامدهم في الصحف ليقرأها الناس ويتحدثوا بها، وقد ينفقون المال ويتحدَّون أوعر أسباب السعي في هذا السبيل، وترى بينهم من لا محمدة له فينتحل محامد غيره أو تكون له حبة منها فيجعلها قبة، فإذا نُشر ذلك عنه في صحيفة أو نشرة أو كتاب حمله وطاف به في الأهل والأصدقاء يترنم بقراءته عليهم، ويتلذذ بما يلقى من آيات الإعجاب، وخصوصًا في هذه البلاد، بلاد المجاملة التي يزداد فيها المغرور غرورًا إذ لا يسمع من الناس إلا إطراءً وإعجابًا، ولو كانت حاله تدعو إلى التقريع والتعنيف، ويعدون ذلك من آداب الحديث.
فما كل شهير عظيم، ولا عظيم شهير، فكم بين ظهرانينا من رجال توفرت فيهم شروط العظمة، ولو رافقتها الأسباب لأتوا بالأمور العظام، وقد تظهر مواهبهم من خلال أعمالهم وإن ضاقت دائرة العمل، ولكنهم لرغبتهم عن الشهرة لا يعرف أسماءهم إلا القليلون، فإذا أصابهم سوءٌ أذاع مريدوهم أخبارهم وتحدثوا بأفضالهم.
ومن هذا القبيل المرحوم السيد عبد الرحمن الكواكبي الحلبي، فقد جاء مصر سنة ١٣١٨ﻫ وأقام في قلب العاصمة، ومع سعة علمه وغزارة مادته لم يسمع بذكره أحد، ولا عرفه إلا الأصدقاء والأخصَّاء، وهناك أناس يقصرون عن إدراك بعض منزلته علمًا وفضلًا، ولكنهم لا تطأ أقدامهم مصر حتى تتناقل الصحف أخبارهم بما ينشرونه فيها من نفثات أقلامهم أو ثمار قرائحهم، وقد لا تكون تلك الثمار شهية، وإنما يعمدون إلى نشرها رغبة في الشهرة. فالكواكبي رحمه الله لم يكن من أولئك، ولكن همَّه كان منصرفًا إلى خدمة الوطن، ونشر المبادئ الصحيحة فيه بالتأليف والتلقين بعد أن قضى معظم العمر في خدمة الحكومة العثمانية في حلب، وقاسى أمورًا صعابًا من وشايات ذوي الأغراض، فلم يلقَ تربة تصلح لغرس مبادئه، فجاء مصر ونشر بعض كتبه، فعاجله الأجل فمضى ومضت معه أمانيه، وهي شبيهة بأماني المرحوم السيد جمال الدين الأفغاني، وقد استهلك في سبيلها كما استهلك ذاك من قبله.
(١) ترجمته
آل الكواكبي أسرة قديمة في حلب هاجر إليها أجدادهم منذ أربعة قرون، ولهم شهرة واسعة ومقام رفيع في حلب والآستانة. يرجعون بأنسابهم إلى السيد إبراهيم الصفوي أحد أمراء أردبيل العظماء، ولهم آثار مشهورة، منها المدرسة الكواكبية في حلب، ونبغ منهم جماعة كبيرة من العلماء ورجال الإدارة، ومنهم فقيد الأمس السيد عبد الرحمن، وقد وُلد في حلب سنة ١٢٦٥ﻫ، وأبوه الشيخ أحمد الكواكبي أحد مدرسي الجامع الأموي الكبير.
تلقى السيد عبد الرحمن مبادئ العلم في بعض المدارس الأهلية، ودرس العلوم الشرعية في المدرسة الكواكبية، وأتقن العربية والتركية وبعض الفارسية، ووقف على العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحديثة، وكان ميَّالًا من حداثته إلى صناعة القلم، فاشتغل في تحرير جريدة «فرات» التي كانت تصدر في حلب باسم الحكومة وهو في السابعة والعشرين من عمره. حررها خمس سنوات، وأنشأ في أثناء ذلك جريدة سماها «الشهباء» واشتغل بخدمة الحكومة، فتقلب في عدة مناصب علمية وإدارية وحقوقية، وأهل النقد يذكرون فضله في كل واحدة منها كبيرها وصغيرها؛ لأن اقتدار الرجل يظهر في الصغائر كما يظهر في الكبائر، وكان حب الإصلاح وحرية القول والفكر باديتين في كل عمل من أعماله، فلم يرُق ذلك لبعض أرباب المناصب العليا فوشوا به، فتعمدت الحكومة حبسه ثم جردوه من أملاكه، فلم يقلل ذلك شيئًا من علو همته، فغادر الوطن وطلب بلاد الله، فجاء مصر ثم خرج منها سائحًا فطاف زنجبار والحبشة وأكثر شطوط شرق آسيا وغربيها ثم رجع إلى مصر.
ومما يُذكر له ونأسف لضياع ثماره أنه رحل رحلة لم يسبقه أحد إليها ويندر أن يستطيعها أحدٌ غيره، وذلك أنه أوغل في أواسط جزيرة العرب فأقام على متون الجمال نيفًا وثلاثين يومًا، فقطع صحراء الدهناء في اليمن، ولا ندري ما استطلعه من الآثار التاريخية أو الفوائد الاجتماعية، فعسى أن يكون ذلك محفوظًا في جملة متخلفاته. وتحول من هذه الرحلة إلى الهند، فشرقي أفريقيا أيضًا وعاد إلى مصر وكان أجله ينتظره فيها.
كان الكواكبي واسع الصدر، طويل الأناة، معتدلًا في كل شيء، وكان عطوفًا على الضعفاء حتى سماه الحلبيون «أبا الضعفاء»، وجاء في الرائد المصري أنه كان له في بلده مكتب للمحاماة يصرف فيه معظم نهاره لرؤية مصالح الناس، ويبعث إلى المحاكم من يأمنهم من أصحابه ليدافعوا عن المظلومين والمستضعفين.
وكان واسع الاطلاع في تاريخ المشرق على العموم، وتاريخ الممالك العثمانية على الخصوص، وله ولع في علم العمران، وألَّف كتبًا لم ينشر منها إلا كتاب «طبائع الاستبداد» وهو فريد في بابه، قرَّظناه في الهلال، وكتاب «أم القرى»، ومع تمسكه بالإسلامية والمطالبة بحقوقها والاستهلاك في سبيل نصرتها، فقد كان بعيدًا عن التعصب يستأنس بمجلسه المسلم والمسيحي واليهودي على السواء؛ لأنه كان يرى رابطة الوطن فوق كل رابطة.
ومن يقرأ ترجمة الكواكبي والأفغاني وغيرهما من رجال هذه النهضة ويدرس أعمالهم والأحوال المحيطة بهم يعترف بفضلهم في نصرة الحقيقة وتأييد الحق والحرية.
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/1 – ص: 369 – 372.