قرواش بن مقلد بن المسيب بن رافع، الأَمِيْرُ؛ صَاحِبُ المَوْصِلِ، أَبُو المَنِيعِ، مُعْتَمِدُ الدَّوْلَةِ ابْنُ صَاحِبِ المَوْصِلِ حُسَامِ الدَّوْلَةِ أَبِي حَسَّانٍ العُقَيْلِيُّ.
تَمَلَّكَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فَطَالتْ أَيَّامُه، وَاتَّسَعَ مُلكُه؛ فَكَانَ لَهُ المَوْصِلُ وَالكُوْفَةُ وَالمَدَائِنُ، وَسَقْيُ الفرات.
وقد خطب في بلاده لِلْحَاكِمِ العُبَيْدِيِّ، ثُمَّ تَركَ، وَأَعَادَ الخُطبَةَ العَبَّاسِيَّةَ، فَغَضِبَ الحَاكِمُ، وَجَهَّزَ جَيْشاً لِحَرْبِهِ، وَأَتَوْا، وَنَهَبُوا داره بالموصل، وأخذوا له مائةي أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَاسْتَنجَدَ بِدُبَيْسٍ الأَسَدِيِّ، فَانتَصَرَ.
وَكَانَ أَدِيباً شَاعِراً، جَوَاداً مُمَدَّحاً، نَهَّاباً وَهَّاباً، فِيْهِ جَاهِلِيَّةُ وَطَبعُ الأَعرَابِ، يُقَالُ: إِنَّهُ جَمعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، فَلاَمُوهُ، فَقَالَ: حَدِّثُونِي مَا الَّذِي نَعْمَلُ بِالشَّرعِ حَتَّى تَذْكُرُوا هَذَا؟ وَقَالَ مَرَّةً: مَا فِي عُنُقِي غَيْرُ دَمِ خَمْسَةٍ سِتَّةٍ مِنَ العَرَبِ، فَأَمَّا الحَاضِرَةُ، فَمَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِم.
ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيْهِ بركة، فظفر به بركة، وحبسه، وَتَمَلَّكَ، وَتَلقَّبَ زَعِيمَ الدَّوْلَةِ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، فَلمْ تَطُلْ دَوْلَةُ بَرَكَةَ، وَمَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ ثَلاَثٍ، فَقَامَ بَعْدَهُ المَلِكُ أَبُو المَعَالِي قُرَيْشُ بنُ بَدْرَانَ بنِ مُقَلَّدٍ، فَأَخْرَجَ عَمَّه، وَذَبَحَه صَبراً فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ. وَقِيْلَ: بَلْ مَاتَ مَوتاً.
وَتَمكَّنَ قُرَيْشٌ، وَنَهضَ مَعَ البَسَاسِيْرِيِّ، وَنَهبَ دَارَ الخِلاَفَةِ، وَكَانَ هَلاَكُه بِالطَّاعُونِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ كَهْلاً، فتَمَلَّكَ بَعْدَهُ ابْنُه شَرَفُ الدَّوْلَةِ مُسْلِمُ بنُ قُرَيْشٍ، فَعظُمَ سُلطَانُه، وَاسْتَوْلَى عَلَى الجَزِيْرَةِ وَحَلَبَ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ، وَكَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا، وَأَخَذَ الإِتَاوَةَ مِنْ بِلاَدِ الرُّوْمِ، وَخَرَجَ عَلَيْهِ أَهْلُ حَرَّانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ، فَظَفِرَ بِهِم، وَقَتَلَ قَاضِيهَا، وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى الرَّعِيَّةِ مَهِيْباً، وَكَانَ يَصرِفُ جَمِيعَ الجِزيَةِ إِلَى الطَّالِبِينَ، وَأَنشَأَ سور الموصل.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
قرواش بن المقلد بن المسيب العقيلي، من هوازن، أبو المنيع، معتمد الدولة:
صاحب الموصل والكوفة والمدائن وسقي الفرات. وليها بعد مقتل أبيه (سنة 391 هـ وكان أديبا شاعرا. أحسن تدبير ملكه وسياسته، ودامت إمارته خمسين سنة. ووقع خصام بينه وبين أخيه بركة بن المقلد، فقبض عليه بركة سنة 441 وحبسه في إحدى قلاع الموصل. ثم نقله ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلد، إلى قلعة الجراحية، من أعمال الموصل، فتوفي بها .
-الاعلام للزركلي-