محمد بن عبد العزيز بن محمد بن حسن جان القسطنطيني
البهائي
تاريخ الولادة | 1010 هـ |
تاريخ الوفاة | 1064 هـ |
العمر | 54 سنة |
مكان الوفاة | استانبول - تركيا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن حسن جَان الشهير بالبهائى مفتي الديار الرومية وَاحِد أَفْرَاد الدُّنْيَا ذكره والدى المرحوم فى ذيله فَقَالَ فى وَصفه عَزِيز الرّوم وَابْن عزيزها وَبدر افق المعالى الْحَائِز قصبات السَّبق فى مضمار العلى وتبريزها وَمن أَطَاعَته البلاغة ففتحت لَهُ عَن كنوزها واطلع على دقائق حقائقها ورموزها الحرى بِمَا قَالَه فِيهِ خَاله الْمولى ابْن ابى السُّعُود النبيه
(ابْن عبد الْعَزِيز فى آل سعد ... كَابْن عبد الْعَزِيز بَين أُمِّيّه)
نَشأ فى حجر الْعِزّ العالى وتربى فى مهد الْعِزّ والمعالى وارتضع من أفاويق الْفضل أخلافها وانتجع من الفواضل أكنافها فَهُوَ كريم الجدين ومحبوك الْمجد من الطَّرفَيْنِ أما جده لابيه فَهُوَ شيخ الاسلام الخواجة سعد الدّين وَأما جده لوالدته فَهُوَ الْمولى مصطفى بن شيخ الاسلام أَبى السُّعُود الْمُفَسّر اشْتغل بِطَلَب الْعلم وجد فَوجدَ وَمد بَاعه الى أقْصَى الْفَضَائِل فنالها فى أقصر أمد ولازم الْقِرَاءَة أَولا على بعض الافاضل ثمَّ قَرَأَ على شيخ الاسلام عبد الرَّحِيم وَسبق فى تَرْجَمَة عبد الرَّحِيم الْمَذْكُور أَن وَالِد البهائى كَانَ اتَّخذهُ لتعليمه أستاذا وفى حل مشكلات الْعُلُوم ملاذا وَاعْتمد فى ذَلِك عَلَيْهِ وفوض أَمر قِرَاءَته اليه وأنزله وَأكْرم نزله وَرفع قدره بَين أقرانه وأجله فَأَقْرَأهُ قِرَاءَة من طب لمن حب وبذل فى ذَلِك جهده وأتى فى النصح بأقصى مَا عِنْده وَكَانَ لَهُ نفس مبارك فى الْقِرَاءَة والتعليم والتقرير والتفهيم وَلما اشْتهر فَضله وشاع كَمَاله ونبله تحاسدت عَلَيْهِ الْعُيُون والآذان وحقق الْخَبَر فى فضائله العيان حكى بعض الْفُضَلَاء انه لما بلغت شهرته الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْغنى قاضى العساكر وفاضل الرّوم ظن ان النَّاس يبالغون فى وَصفه فَطلب الِاجْتِمَاع من شَيْخه الْمشَار اليه فجَاء بِهِ فَلَمَّا ذاكره رَآهُ فَوق مَا وصف فَالْتَفت الى عبد الرَّحِيم وَقَالَ لَهُ سرا كنت أَظُنك فطنا فاذا أَنْت غبى وَسبب ذَلِك انك بالغت فى النصح مَعَ شخص يصير عَلَيْك نقمة لانه من آل حسن جَان وهم أولو المناصب الْعَالِيَة وَلَهُم الْغيرَة الْعَظِيمَة على طَرِيق أسلافهم وَقد وَقع مَا قَالَه فانه كَانَ سَببا لعزل الاستاذ عَن قَضَاء روم ايلى والفتيا ووليهما مَكَانَهُ وَحكى بَعضهم أَيْضا ان البهائى دخل الى مجْلِس ابْن عبد الْغنى الْمَذْكُور وَكَانَ عِنْده قاضى الْعَسْكَر صنوه فى الْفضل الْمولى مصطفى بن عزمى فتباحث الصدران الْمَذْكُورَان فى بحث مغلق فشاركهما البهائى مُشَاركَة جَيِّدَة فشهدا تفوقه على جَمِيع المخاديم من أهل بلدتهم وَلما حج أَبوهُ فى سنة خمس وَعشْرين وَألف حج فى خدمته ولازم من عَمه الاوسط شيخ الاسلام أسعد ونظم الشّعْر فى طَلِيعَة عمره وَحكى انه لما ابْتَدَأَ النّظم نظم ربَاعِية بالتركية ورفعها الى شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا يطْلب مِنْهُ أَن يضع لَهُ مخلصا على عَادَتهم فَوضع لَهُ لفظ بهائى وَأفَاد أَنهم من نسل الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ بهاء الدّين نقشبند وَشعر البهائى فى الذرْوَة الْعليا من المتانة وَحسن التخيل والمضامين العجيبة لكنه قلق التراكيب يسْتَعْمل فِيهِ الالفاظ الغريبة وَلِهَذَا كَانَ يَقُول عَنهُ الْمولى يحيى الْمَذْكُور من أَرَادَ أَن يطالع شعر البهائى فليهيئ الْقَامُوس ولغة الدشيشة الفارسية ثمَّ ينظر فِيهِ وَلما شاع أمره أعْطى مدرسة بقسطنطينة وَلم يزل يدرس فى مدرسة اثر مدرسة حَتَّى وصل الى مدرسة شهرزاده فنظم قصيدة للسُّلْطَان مُرَاد وأوصلها اليه على يَد بعض أَرْكَان الدولة من المقربين فَوَقَعت من السُّلْطَان فى أتم موقع فَوجه اليه قَضَاء سلانيك ثمَّ نقل مِنْهَا الى حلب ثمَّ عزل مِنْهَا وَنفى الى جَزِيرَة قبرق فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ أُعِيد مكرما وَلما سَافر السُّلْطَان مُرَاد الى بَغْدَاد صَحبه فى خدمته وولاه فى الطَّرِيق قَضَاء الشأم وَذَلِكَ فى الْمحرم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَقَالَ أَبُو بكر بن مَنْصُور الْعُمْرَى فى تَارِيخ قَضَائِهِ
(لَا تقل لى فى الْعدْل زيد وَعَمْرو ... وَخذ الصدْق بالْكلَام الْوَجِيز)
(انما الْعدْل يَا أَخا الْفَهم أرخ ... عدل هَذَا مُحَمَّد بن عَزِيز)
ثمَّ عزل عَنْهَا فى ذى الْقعدَة سنة خمسين ثمَّ ولى قَضَاء أدرنه وقسطنطينية وَقَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى ثمَّ ترثى الى روم ايلى فى عشرى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وعزل ثمَّ أُعِيد فى ثامن من جُمَادَى الاولى سنة سبع وَخمسين ثمَّ ولى الافتاء فى ثامن رَجَب سنة تسع وَخمسين وَأنْشد والدى فِيهِ عِنْد ذكر تَوليته الافتاء
(زَان الرياسة وهى زين للورى ... فازداد رونق وَجههَا بعلائه)
(كالدر يحسن لطفه وبهاؤه ... فى لبة الْحَسْنَاء ضعف بهائه)
وارخ عَام فتواه ابْن عمى مُحَمَّد بن عبد الباقى القاضى الْمَار ذكره بقوله
(وَلما تولى مفتى الْعَصْر من غَدَتْ ... فضائله تسمو بغرب وتبريز)
(وشيد بَيت السعد أَرْكَان مجده ... فَسَاد بهاء بافتخار وتمييز)
(تباشرت الدُّنْيَا بفتواه فازدهت ... وأضحت بِهِ الايام عيدا كنوروز)
(هفا هَاتِف للبشر قَالَ مؤرخا ... فطوبى لفتوى الرّوم بِابْن عَزِيز)
ومدحه الامير بقصيدته البائية الَّتِى // لم يقل أَجود مِنْهَا وَلَا أحسن // ومستهلها
(يعد على أنفاسى ذنوبا ... اذا مَا قلت أفديه حبيبا)
(وَأبْعد مَا يكون الود مِنْهُ ... اذا مَا بَات من أمْلى قَرِيبا)
(حبيب كلما يلقاه صب ... يصير عَلَيْهِ من يهوى رقيبا)
(سقَاهُ الْحسن مَاء الدل حَتَّى ... من الكافور أَنْبَتَهُ قَضِيبًا)
(يعاف منَازِل العشاق كبرا ... وَلَو فرشت مسالكها قلوبا)
(فَلَو حمل النسيم اليه منى ... سَلاما رَاح يمنعهُ الهبوبا)
(أغار على الجفا مِنْهُ لغيرى ... فليت جفاه لى أضحى نَصِيبا)
(وأعشق أعين الرقباء فِيهِ ... وَلَو ملئت عيونهم عيوبا)
(لقد أَخذ الْهوى بزمام قلبى ... وصير دمع أجفانى جنيبا)
(وَمَا أملت فى أهلى نَصِيرًا ... فَكيف الْآن أطلبه غَرِيبا)
(وأقصد أَن يُعِيد روا شبابى ... زمَان غادر الْولدَان شيبا)
(وَمَا خفيت على النَّاس حَتَّى ... أروم الْيَوْم من رخم حليبا)
(اذا ظن الذُّبَاب خشيت مِنْهُ ... لفقد مساعد يلفى مجيبا)
(وهب أَنى حكيت الشَّاة ضعفا ... فمالى أَحسب السنور ذيبا)
(عَسى يَوْمًا يراش جنَاح خطى ... فأغدو قَاصِدا شهما وهوبا)
(عَزِيزًا مستفادا من عَزِيز ... كورد أكسب الايام طيبا)
(لَئِن سعدت وَلَو فى النّوم عين ... برؤياه لتِلْك الْعين طُوبَى)
(وان ضن السَّحَاب فَلَا أبالى ... وفيض نداه قد أضحى سكوبا)
(وَهل أبغى وفى النادى سناه ... طُلُوع الشَّمْس أَو أخْشَى المغيبا)
(ظَفرت بمدحه فعلوت قدرا ... وسمانى الزَّمَان بِهِ أديبا)
(وغادر روض أفكارى جنيا ... وصير غُصْن آمالى رطيبا)
(اذا تليت مآثره بِأَرْض ... غَدا الْفلك الْمدَار بهَا طروبا)
قلت ولهذه القصيدة خبر عَجِيب أَحسب أَنى سمعته من فَم الامير وَذَلِكَ انه لما نظمها دَفعهَا لبَعض المتأدبين المقيمين بدار الْخلَافَة من أهل دمشق ليبيضها لَهُ بِخَطِّهِ وَكَانَ حسن الْخط فَأخذ نسختها وبيضها ونسبها لنَفسِهِ وَدفعهَا الى البهائى فأعجب بهَا ونالت ذَلِك الرجل شَفَاعَته عِنْد قاضى الْعَسْكَر بِمنْصب فَحصل على طول واشتهر بِحسن الشّعْر وَقبُول البهائى وَكَانَ بعض أَصْحَاب الامير وقف على جلية الامر وَذكره لَهُ وَأَرَادَ أَن يظْهر زيف الرجل فَأَعْرض عَنهُ الامير وَقَالَ لَا نخيب من توسل بِنَا فى حَال وللرجل نصيب ناله على يدنا فَالله يمتعه ويزيده وَهُوَ غَايَة فى مَكَارِم الاخلاق رَجَعَ ثمَّ عزل البهائى وَأمر بِالْمَسِيرِ الى بعض القصبات الْقَرِيبَة وأعيد ثَانِيًا فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وأرخ عوده الاديب يُوسُف البديعى بقوله
(تشيد الْمجد بالمعالى ... وَصَارَ فى الارض كالسماء)
(والدهر قد سر قَالَ أرخ ... فتواى عَادَتْ الى البهائى)
وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ رونق عُلَمَاء الدولة علما وكرما وسماحة ويحكى عَنهُ فى الْكَرم أَشْيَاء غَرِيبَة جدا مِنْهَا انه كَانَ يجود بِثَوْبِهِ الذى يستره كَمَا قيل وَقس عَلَيْهِ غَيره وَالْكَرم الى حد يذكر من قبيل الْمَعْدُوم فى الرّوم ولطف طبعه وظرفه مِمَّا يقْضى مِنْهُمَا بالعجب حَتَّى يرْوى أَنه كَانَ اذا جَاءَ رَمَضَان اسْتعْمل خادمين نَصْرَانِيين اشفاقا على خدمته الْمُسلمين من تأذيهم بِالْخدمَةِ من قبل أَن يستوعبوا المأكل وَالْمشْرَب وآلاتهما وَلم يكن فِيهِ عيب يسند اليه الا اسْتِعْمَاله المكيفات من الافيون والبرش ونوادره وأشعاره وآثاره كَثِيرَة وَلم أَقف لَهُ من آثاره الْعَرَبيَّة الاعلى مَا كتبه على نِسْبَة أدهمية يَقُول فِيهِ حمد الْمَنّ جعل الانتساب إِلَى بعض الانساب من واكد الْأَسْبَاب الناجحة فى انشاء ذخائر الْحَمد والثنا وأباح لاقدام المتشبثين بأذيالها موطئ الْعِزّ ومدارج الْعلَا وَنصب لَهُم سلما يرفعون فِيهِ الى سَمَاء السمو وفلك الارتقا
(مرابع قدس نالها كل أقدس ... سما من سما من نائليها الى السما)
وَصَلَاة وَسلَامًا على من بِهِ بدئت نُسْخَة الْجُود والعطا كَمَا بِهِ ختمت رسائل النُّبُوَّة والاصطفا وعَلى آله وَأَصْحَابه الكرماء النجبا وَبعد فَهَذِهِ شَجَرَة طيبَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السما تُؤْتى أكلهَا كل حِين بِأَمْر رَبهَا وتفوح من كل زهرَة مِنْهَا رَوَائِح كَأَنَّهَا نوافج النوافج حسنا وطيبا ويبدو من محاسنها مَا يخاله الانسان غصنا طيبا كَأَنَّهَا اتَّصَلت بأفواه عروقها عين الْحَيَاة اذا انسجمت عَلَيْهَا أذيال نفحات الْجنان بِتِلْكَ الْحَسَنَات يَا لَهَا من شَجَرَة زكية تسد عين الشَّمْس بأوراقها وتعطر أعماق الثرى بِطيب أعراقها ثَابِتَة فى تربة طالما ربت غصونا طاميات ودوحا ناميات من أَسْفَل سافلين الى أعلا عليين وجنة عالية قطوفها دانية وثمارها يانعة غير فانية تورد أخدُود خدودها حَيَاء وخجلاً حَيْثُ تشرفت بلثم انامل السَّيِّد الاجل ملك أقاليم الاطلاق على الاطلاق وَارِث أسرة مقامات الكمل بِالِاسْتِحْقَاقِ الذى أتحف الضرتين بِطَلَاق وَقَامَ فى مقَام الْجد على سَاق فطوبى لمن لَهُ نصيب فى تِلْكَ الشَّجَرَة الرفيعة الشان السامية الْمَكَان المورقة الاغصان المشرقة الانوار المزهرة الازهار اليانعة الاثمار طُوبَى لَهُ طُوبَى لَهُ كالشيخ الاجل والصاحب الامجد الاكمل فلَان فان فِيهِ مِمَّا يشْهد لَهُ أَلْسِنَة الاقلام من أجلة الْعلمَاء الاعلام بِصِحَّة هَذَا النّسَب الباذخ والحسب الْعَاطِس من انف شامخ دَلَائِل تدل على تلألؤ نور السِّيَادَة من غربَة وانبلاج صبح السَّعَادَة عَن مفرق طرته قَالَه بفمه وَكتبه بقلمه مُسْتَيْقنًا بِصِحَّة هَذَا النّسَب الاخطر وحاكما بهَا على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع المطهر فلَان انْتهى وَسُئِلَ عَن صَاحب كتاب اخوان الصَّفَا وَحكم قرَاءَتهَا فَكتب أَنا الْفَقِير رَأَيْتهَا منسوبة للمجريطى وَمَا تحققت من هُوَ وَمَا
أخباره وَحَاصِل تِلْكَ الرسائل لَيْسَ الا مَذْهَب الباطنية الاسماعيلية وهم على أنحاء شَتَّى ومعظم القَوْل فى هَذِه الشعبة من شِعْبهمْ تناسخ الارواح وادعاء حُلُول البارى جلّ وَعلا عَمَّا يَقُوله المبطلون فى الانبياء الْمَشْهُورين من آدم الى مُحَمَّد عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وفى أَئِمَّة آل الْبَيْت وَآخرهمْ المهدى ويعظمونه على الْجَمِيع والاسماعيلية يوافقون الامامية فى ذَلِك فى الصَّادِق وَمن قبله ويخالفونهم فى الكاظم وَيَقُولُونَ بامامة اسمعيل بن جَعْفَر الصَّادِق واليه ينسبون بالسبعية لقَولهم بسبعة أَئِمَّة وَمِمَّنْ ذمّ من يقْرَأ كتب اخوان الصَّفَا مُحَمَّد بن الْمحلى الطَّبِيب الْمَعْرُوف بالعنترى بقوله
(رسائل اخواننا فى الصَّفَا ... هم أَصْبحُوا كأفاعى الصَّفَا)
(اذا جئتهم لم تجدهم سوى ... أراقم من تَحت شوك السفا)
(عناصرهم كدارت الطباع ... وَمن كدر كَيفَ يُرْجَى الصَّفَا)
(وَكَانُوا ظباء الربى بالنقا ... فصاروا ذئاب الفضا بالفلا)
(طلبت فَلم أر مِنْهُم سوى ... عقارب فى منزل قد عَفا)
(تمرد كل امْرِئ مِنْهُم ... على الله مذ عبد القرقعا)
(لقد رسبوا فى بحار الْهوى ... فلست ترى مِنْهُم من طفا)
( ... وَمَا فى بنى آدم صَادِق ... يَدُوم على وده الوفا)
(خَلِيل صفا لَيْسَ فِيهِ قذا ... جواد جدير بِأَن يصطفى)
(سوى الْعقل عَن حكم بالنجاة يلقبهن وَكتب الشفا ... )
(سقى الله نفس الرئيس الذى ... هدَانَا من الْعقل غيث الْهدى)
(فَتلك مُقَدَّسَة بالجنان ... قد اتحدث بنفوس السما)
(فَلَا تفش لله سرا وَلَا ... تبث البرايا عُلُوم الحجى)
(فلولا الشَّرَائِع قيد النهى ... لضل الْمُهَيْمِن كل الورى)
(فان كنت متخذا صاحبا ... لدنياك فليك رب التقى)
(فَذَلِك خير من اللوذعى اللَّئِيم الطباع الْكثير المرا ... )
قلت وَرَأَيْت فى بعض المجاميع مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الرسائل أَن الْوَزير صمصام الدولة ابْن عضد الدولة سَأَلَ أَبَا حَيَّان التوحيدى عَن زيد بن رِفَاعَة وَقَالَ لَا أَزَال أسمع عَن زيد مقَالا يريبنى ومذهبا لَا عهد لى بِهِ وَقد بلغنى أَنَّك تعاشره كثيرا وتجلس اليه وَعِنْده دَائِما وَمن طَالَتْ عشرته لانسان أمكنه اطِّلَاعه على مستكن رَأْيه فَقلت لَهُ أَيهَا الْوَزير هُنَاكَ ذكاء غَالب وذهن وقاد فَقَالَ فعلى هَذَا مَا مذْهبه قلت لَا ينْسب الى شئ لكنه أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ زَمَانا طَويلا وصادف بهَا جمَاعَة عِنْدهم أَصْنَاف الْعلم فصحبهم وخدمهم وَكَانَت هَذِه الْعِصَابَة قد تآلفت بِالْعشرَةِ وتصافت بالصداقة وَاجْتمعت على الْقُدس وَالطَّهَارَة والنصيحة فوضعوا بَينهم مذهبا زَعَمُوا انهم قربوا بِهِ الطَّرِيق الى الْفَوْز برضوان الله تَعَالَى وَذَلِكَ انهم قَالُوا ان الشَّرِيعَة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات وَلَا سَبِيل الى غسلهَا وتطهيرها الا بالفلسفة وَزَعَمُوا انه مَتى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة الْعَرَبيَّة فقد حصل الْكَمَال فصنفوا خمسين رِسَالَة فى خمسين نوعا من الْحِكْمَة ومقالة حادية وَخمسين جَامِعَة لانواع المقالات على طَرِيق الِاخْتِصَار والايجاز وسموها رسائل اخوان الصَّفَا وكتموا فِيهَا أَسْمَاءَهُم وبثوها فى الوراقين ووهبوها لاكثر النَّاس فحشوا هَذِه الرسائل بالكلمات الدِّينِيَّة والامثال الشَّرْعِيَّة والحروف المحتملة والطرق المموهة وهى محشوة من كل فن بِلَا اشباع وَلَا كِفَايَة وفيهَا خرافات وكنايات وتلفيقات وتلزيقات فتعبوا وَمَا طربوا وعنوا وَمَا أغنوا ونسجوا فهلهلوا ومشطوا فغلغلوا وَبِالْجُمْلَةِ فهى مقالات مشوقات غير مستقصاة والا ظَاهِرَة الادلة والاحتجاج وَلما كتم مصنفوها أَسْمَاءَهُم اخْتلف النَّاس فى الذى وَضعهَا فَكل قوم قَالُوا قولا بطرِيق الحدس والتخمين قوم قَالُوا هى من كَلَام بعض الائمة العلويين وَقَالَ آخَرُونَ هى تصنيف بعض متكلمى الْمُعْتَزلَة فى الْعَصْر الاول وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال انْتهى ثمَّ رَأَيْت ابْن حجر المكى ذكر فى فَتَاوِيهِ وَقد سُئِلَ من صَاحب رسائل اخوان الصَّفَا وَمَا تَرْجَمته وَمَا حَال كِتَابه فَأجَاب بقوله نَسَبهَا كثير الى جَعْفَر الصَّادِق وَهُوَ بَاطِل وانما الصَّوَاب أَن مؤلفها مسلمة بن أَحْمد بن قَاسم بن عبد الله المجريطى وَيُقَال المرجيطى ومجريط من قرى الاندلس ويكنى أَبَا الْقسم كَانَ جَامعا لعلوم الْحِكْمَة من الالهيات وطبائع الاحجار وخواص النَّبَات واليه انْتهى علم الْحِكْمَة بالاندلس وَعنهُ أَخذ حكماء ذَلِك الاقليم وَتوفى بهَا فى آخر جُمَادَى سنة ثَلَاث وَخمسين وثلثمائة وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة وَمِمَّنْ ذكره ابْن بشكوال وَغَيره وَكتابه فِيهِ أَشْيَاء حكمِيَّة وفلسفية وشرعية وَمِمَّنْ شدد عَلَيْهِ ابْن تَيْمِية لكنه يفرط فى كَلَامه فَلَا تغتر بِجَمِيعِ مَا يَقُوله انْتهى وَكَانَت ولادَة البهائى فى سنة عشرَة وَألف وَتوفى فى ثَالِث عشر صفر سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن قبالة دَاره فى تربة مَخْصُوصَة عمرها لنَفسِهِ بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد الفاتح من جِهَة قرمان الصَّغِيرَة وَقَالَ والدى يرثيه
(الرّوم قد محيت محَاسِن أُنْسُهَا ... وَغدا بهَا رسم الْعلَا كهباء)
( ... وتعطلت لما نأى ابْن عزيزها ... اذ لَا بهاء لَهَا بِغَيْر بهائى)
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.