بيبرس البرجي العثماني الجاشنكير
تاريخ الوفاة | 709 هـ |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
بيبرس الْبُرْجِي العثماني الجاشنكير الْملك المظفر كَانَ من مماليك الْمَنْصُور قلاون وترقى إِلَى أَن قَرَّرَهُ جاشنكير وَمَعْنَاهُ ... وَكَانَ أشقر اللَّوْن مستدير اللِّحْيَة مَوْصُوفا بِالْعقلِ التَّام والعفة وَأمر طبلخاناة فِي حَيَاة أستاذه وَاسْتمرّ فِي حَاله إِلَى أَن مَاتَ الْأَشْرَف فَقَامَ فِيمَن قَامَ فِي طلب ثَأْره وَقتلُوا بيدرا وَغَيره من قتلته وَأَقَامُوا النَّاصِر فِي السلطنة وَاسْتقر كتبغا مُدبر مَمْلَكَته فَصَارَ بيبرس من أكَابِر الْأُمَرَاء وَولي الإستادارية للناصر حِينَئِذٍ ثمَّ قبض عَلَيْهِ الشجاعي وسجنه بالإسكندرية إِلَى أَن تسلطن لاجين فَأمره ثمَّ لما عَاد النَّاصِر كَانَ مِمَّن قَامَ بتدبير المملكة والتفت عَلَيْهِ البرجية والتفت الصالحية على سلار وَاسْتقر بيبرس إستاداراً وسلار نَائِب السلطنة وَعظم قدره فِي أول الْقرن فاستناب فِي الإستادارية سنجر الجاولي حَتَّى أعطي الاسكندرية إقطاعاً لما خرج إِلَى الصَّيْد فِي أول سنة 701 وصحبته جمع كَبِير من الْأُمَرَاء إِلَى الحمايات وَحج بِالنَّاسِ سنة 701 فَصنعَ من الْمَعْرُوف مَا ضاهى بِهِ رَفِيقه سلار الْآتِي ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمته فَإِنَّهُ حج فِي السّنة الَّتِي قبلهَا وَلما حج بيبرس قلع المسمار الَّذِي فِي وسط الْكَعْبَة وَكَانَ الْعَوام يسمونه سرة الدُّنْيَا وينبطح الْوَاحِد مِنْهُم على وَجهه وَيَضَع سرته مكشوفة عَلَيْهِ ويعتقد أَن من فعل ذَلِك عتق من النَّار وَكَانَت بِدعَة شنيعة فأزالها الله على يَد بيبرس هَذَا فِي هَذَا الْعَام وَكَذَلِكَ الْحلقَة الَّتِي يسمونها العروة الوثقى وَهُوَ الَّذِي كَانَ السَّبَب فِي الْقيام على النَّصَارَى وَالْيَهُود حَتَّى منعُوا من ركُوب الْخَيل والملابس الفاخرة فَجمع الْعلمَاء والقضاة وَاسْتقر الْحَال على أَن النَّصْرَانِي يلبس الْعِمَامَة الزَّرْقَاء واليهودي يلبس الْعِمَامَة الصَّفْرَاء وَلَا يركب أحد مِنْهُم فرسا وَلَا يتظاهر بملبوس فاخر وَلَا يضاهي الْمُسلمين فِي شَيْء من ذَلِك وَكتب بذلك إلتزام من الريش لَهُ على الْيَهُود والبترك على النَّصَارَى وصمم بيبرس فِي ذَلِك بعد أَن بذلوا أَمْوَالًا كَثِيرَة فَامْتنعَ ومنعهم من الْمُبَاشرَة وضاق بهم الْأَمر جدا حَتَّى أسلم مِنْهُم عدد كثير وهدمت فِي هَذِه الكائنة عدَّة كنائس وَكَانَت لبيبرس فِي وَاقعَة شقحب الْيَد الْبَيْضَاء وباشر الْقِتَال بِنَفسِهِ فأبلى بلَاء عَظِيما عرف بِهِ وَهُوَ الَّذِي أبطل عيد الشَّهِيد وَكَانَ ثمَّ موسم من مواسيم النَّصَارَى يخرجُون إِلَى نَاحيَة شبْرًا فِي ثامن بشنس فيلقون فِي النّيل تابوتاً فِيهِ إِصْبَع لبَعض من سلف مِنْهُم يَزْعمُونَ أَن النّيل لَا يزِيد إِلَّا إِن وضع الإصبع فِيهِ فَكَانَ يحصل فِي ذَلِك الْعِيد من الْفُجُور وَالْفِسْق والمجاهرة بِالْمَعَاصِي أَمر عَظِيم فتجرد لَهُ بيبرس حَتَّى أبطلوه وتخيلوا عَلَيْهِ وخيلوه فِي توقف النّيل وَقَالَت هَذَا أَمر مجرب من قديم الزَّمَان فصمم على مخالفتهم وأبطله فَبَطل من حِينَئِذٍ وَكَانَ بيبرس فِي طول كَلَامه هُوَ وسلار فِي المملكة وحجرهما على النَّاصِر يُبَالغ فِي التأدب مَعَ سلار ويركب فِي موكبه وَوَقع بَينهمَا مرّة بِسَبَب التَّاج ابْن سعيد الدولة فَإِنَّهُ كَانَ صديقا لسلار وَكَانَت أُمُور بيبرس منوطة بِهِ فأمسكه وصادره فعز على سلار وشفع فِيهِ عِنْد بيبرس فَمَا قبل فَكَادَتْ تقع الْفِتْنَة ثمَّ اصطلحا وَأخرج الجاولي إِلَى الشَّام بطالاً وَمِمَّا فعله بيبرس مَنعه الرّكُوب فِي الخليج للنزهة بل لمن تكون لَهُ حَاجَة فَلَمَّا خرج النَّاصِر إِلَى الْحَج وَعدل من الطَّرِيق إِلَى الكرك وراسل الْأُمَرَاء بِمصْر بِأَنَّهُ قد ترك الْملك اضْطربَ الْأُمَرَاء وَكَانَ السَّبَب فِي حنق النَّاصِر استبداد بيبرس وسلار بالمملكة بِحَيْثُ لم يبْق للناصر سوى الِاسْم فتشاوروا فِيمَن يسْتَقرّ فِي السلطنة فَحسن سلار وَهُوَ نَائِب السلطنة لبيبرس أَن يتسلطن فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك بعد تمنع كَبِير وَأَفْتَاهُ جمَاعَة من الْعلمَاء بِجَوَاز ذَلِك مِنْهُم ابْن الْوَكِيل وَابْن عَدْلَانِ حَتَّى قيل فِي ذَلِك
(وَمن يكن ابْن عَدْلَانِ مدبره ... وَابْن المرحل قل لي كَيفَ ينتصر) فتسلطن وتلقب بالمظفر وَكتب عَهده عَن الْخَلِيفَة وَركب بالخلعة السَّوْدَاء والعمامة المدورة والتقليد على رَأس الْوَزير ضِيَاء الدّين النشائي وناب عَنهُ سلار على عَادَته وأطاعه أهل الشَّام وَذَلِكَ كُله فِي شَوَّال سنة 708 وَيُقَال أَن التشاريف الَّتِي أَعْطَاهَا الْأُمَرَاء وَغَيرهم كَانَت ألفا وَمِائَتَيْنِ قَالَ البرزالي وَفِي جُمَادَى الأولى أبطل ضَمَان الْخمر من طرابلس وَكَذَلِكَ الزواني وَخَربَتْ بُيُوتهم وَكسرت آلاتهم وَكَانَ ذَلِك من حَسَنَات بيبرس فَلَمَّا كَانَ وسط سنة 709 خامر عَلَيْهِ طغاي وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء وتوجهوا إِلَى النَّاصِر فَأَخَذُوهُ من الكرك فتوجهوا مَعَه إِلَى دمشق وَسَارُوا فِي عَسْكَر كَبِير فَلَمَّا تحقق بحركة النَّاصِر جرد إِلَيْهِ عسكراً كَبِيرا فخامر بَعضهم على بعض وَانْهَزَمَ أَتبَاع بيبرس ثمَّ لم يُرْسل أحدا إِلَّا خامر عَلَيْهِ حَتَّى صهره زوج ابْنَته وَفِي غُضُون ذَلِك زين لبيبرس بعض الْفُقَهَاء أَن يجدد لَهُ الْخَلِيفَة عهدا بالسلطنة فَفعل وَقُرِئَ تَقْلِيده فَأرْسل نسخته إِلَى الْأُمَرَاء المجردين وَكَانَ فِي أَوله {أَنه من سُلَيْمَان وَأَنه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} فَلَمَّا قرئَ على كَبِيرهمْ قَالَ و {ولسليمان الرّيح} وَحصل عَلَيْهِم الفشل وَكَانَ أَمر الخطباء أَن يقرؤا الْعَهْد يَوْم الْجُمُعَة على المنابر فَفَعَلُوا فَلَمَّا سَمعه الْعَامَّة يقْرَأ صاحوا من كل جَانب لما جرى ذكر النَّاصِر نَصره الله وَبَعْضهمْ صَار يَقُول يَا نَاصِر يَا مَنْصُور فاتفق أَنه فِي شهر رَمَضَان أَمر سَبْعَة وَعشْرين أَمِيرا وخلع عَلَيْهِم فجازوا من وسط الْقَاهِرَة على النَّاس فَكَانَ الْعَامَّة يَقُولُونَ لَا فرحة تمت وَكَذَا كَانَ ثمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ جمَاعَة مِمَّن تَأَخّر مَعَه أَن يشْهد عَلَيْهِ بالنزول عَن السلطنة وَيتَوَجَّهُ إِلَى أطفيح ويكاتبه ويستعطفه وينتظر جَوَابه فَفعل وَخرج عَلَيْهِ الْعَوام فسبوه وشتموه ورجموه بِالْحِجَارَةِ فَفرق فيهم دَرَاهِم فَلم يرجِعوا فسل مماليكه عَلَيْهِم السيوف فَرَجَعُوا عَنهُ فَأَقَامَ بأطفيح يَوْمَيْنِ ثمَّ رَحل طَالبا للصعيد فوصل إِلَى أخميم فَقدم عَلَيْهِ الْأمان من النَّاصِر وَأَنه أقطعه صهيون فَقبل ذَلِك وَرجع مُتَوَجها إِلَى غَزَّة فَلَمَّا وصل غَزَّة وجد هُنَاكَ نَائِب الشَّام وَغَيره فقبضوا عَلَيْهِ وسيروه إِلَى مصر فَلَمَّا كَانَ بالخطارة تلقاهم قَاصد النَّاصِر فقيده وأركبه بغلاً حَتَّى قدم بِهِ إِلَى القلعة فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة فوصل بِهِ قراسنقر إِلَى الخطارة وَسلمهُ لاسندمر فَرده النَّاصِر من ثمَّ وجهز يَقُول لَهُ توجه إِلَى صهيون فَهِيَ لَك فَتوجه فِي الْبَرِيد وَكَانَ قد كتب إِلَى النَّاصِر أنني رجعت إِلَيْك طَوْعًا لأقلدك بغيك فَإِن حبستني كَانَت خلْوَة وَإِن نفيتني كَانَت سياحة وَإِن قتلتني كَانَت شَهَادَة فَلم يفد ذَلِك وَأمر برده فَلَمَّا حضر بَين يَدَيْهِ وَعدد عَلَيْهِ ذنوباً فَيُقَال أَنه خنق بِحَضْرَتِهِ بِوتْر حَتَّى مَاتَ وَقيل سقَاهُ سما وَكَانَ مَوْصُوفا بِالْخَيرِ والديانة وَالتَّعَفُّف وَهُوَ الَّذِي جدد الْجَامِع الحاكمي بعد الزلزلة ووقف لَهُ وَقفا مُخْتَصًّا وَعمر لَهُ خزانَة كتب فِيهَا أَشْيَاء نفيسة من جُمْلَتهَا الْمُصحف الَّذِي كتبه ابْن الوحيد بِمَاء الذَّهَب بِخَطِّهِ الْمَنْسُوب فِي سَبْعَة أَجزَاء وَله الخانقاه الْمَشْهُورَة بِالْقربِ من بَاب النَّصْر وفيهَا أَرْبَعمِائَة صوفي مِنْهُم مائَة مُجَرّد وَكَانَ ابْتِدَاء إنشائه لَهَا أثْنَاء سنة 707 وَكَانَت أَولا دَار الوزارة للفاطميين وانتهت عمارتها وفراغ الْقبَّة الَّتِي بهَا فِي شهر رَمَضَان سنة 709 وأغلقت بعده مُدَّة وأخرجت أوقافها إقطاعات ثمَّ سعت بنته بعد مُدَّة حَتَّى أُعِيد لَهَا بعض أوقافها وَأذن لَهَا فِي فتحهَا ففتحت واستمرت وَكَانَت وَفَاته فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة سنة 709 وَكَانَ النَّاصِر لما تحرّك من الكرك وَدخل الشَّام وَقع على بيبرس الخذلان فَصَارَ كل مَا يدبره يخرج منعكساً وَلم يزل على ذَلِك حَتَّى خذل قَالَ البرزالي وَفِي نصف شعْبَان كملت عمَارَة الخانقاه المظفرية بيبرس وعلقت قناديلها وشرعوا فِي فتحهَا وقررت المشيخة والصوفية بهَا ثمَّ تَأَخّر ذَلِك لشغل نَالَ السُّلْطَان بِخُرُوج الْملك النَّاصِر من الكرك
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-