سليم بن موسى بسترس:
متأدب لبناني، من أهل بيروت. قام برحلة (سنة 1855) وكتب عنها (النزهة الشهية في الرحلة السليمية - ط) دعا فيها إلى الأسفار .
-الاعلام للزركلي-
سليم بسترس
إن عائلة بسترس من أشهر عائلات سوريا غنى ووجاهة، وقد نبغ منهم جماعة اشتُهروا بالذكاء والإقدام والمهارة في الشئون التجارية، نذكر اليوم ترجمة أحدهم المرحوم سليم بسترس بن موسى بسترس من نوابغ أواسط القرن الماضي، ومما دعانا إلى نشر ترجمة هذا الرجل بنوع خاص أنه كان على غناه ووجاهته ميالا إلى العلم، راغبا في اكتسابه ونشره، وذلك نادر في بلادنا؛ فهو يجدر أن يكون مثالا لأهل اليسار، وفيهم من يحسب العلم مهنة الفقراء، وإذا قيل لهم تعلموا قالوا وما ينفعنا العلم ونحن لا نحتاج إلى كسب - كأن العلم والغنى لا يتفقان، وهي أوهام تقادم عهدها وآن لنا أن ننزعها، وما من عاقل إلا وهو يعلم أن العلم زينة الغنى، ودعامة التمدن، وإكليل الملوك، بل هو نور العالم ودليل الإصلاح.
فنرجو أن تكون ترجمة سليم بسترس قدوة لهم حسنة، وإليك هي:
هو سليم بسترس بن موسى بسترس، ولد في بيروت في 29 من شهر آب (أغسطس) سنة 1839م، وكان الولد الذكر الوحيد لوالده موسى بسترس، وكان موسى عين قومه ورئيس أسرته ومؤسس اتحادها، وكان والده كثير الحسنات رحب الصدر، ممتازا بمحامد الصفات، توفي مأسوفا عليه سنة 1850م، فتربى ولده سليم في حجر والدته، فقامت بتهذيب أخلاقه، ولم يلبث أن حصل المعارف والآداب العربية، وأحرز بعض اللغات الأجنبية، وكان له شعر رقيق.
وكانت أحوال أوروبا في فتوته مجهولة لدى السواد الأعظم في سوريا، فسافر إليها سنة 1855م، وجاب بعض ممالكها، وألف في رحلته كتابا مفيدا سماه الرحلة السليمية، حرَّض فيه أبناء وطنه على طلب أسباب تقدم أوروبا، وضمنه كثيرا من النصائح والحكم، ومما قاله في تقدم الأمم: إنه يكون بالاتحاد والتعاضد والاجتهاد، وبتغيير عناصر التعصب، واتباع السنن العمومية؛ إذ هي مفتاح الترقي، وأن أفراد الرجال هم الذين يبثون الآراء الصحيحة بين الناس بكتاباتهم وكلامهم وقدوتهم.
وقد عرب عدة روايات قصد بها استصلاح العادات، وبث الآراء الصحيحة، والاحتفاظ بالآداب، جعلها أقاصيص يصبو الناس إلى مطالعتها.
وسنة 1860م استوطن الإسكندرية قصد الاتجار، وسافر سنة 1866م ثانية إلى أوروبا وأنشأ بيتا تجاريا في ليفربول، ثم جاء بيروت سنة 1869م لزيارة أهله وخلانه، ولما عاد إلى إنكلترا انتقل بيته التجاري إلى لندن، وسنة 1872م قدم بيروت زائرا، وفي أول أيلول (سبتمبر) سنة 1874م زفت إليه في مدينة لندن أدما ابنة ابن عمه حبيب جرجس بسترس، فرزق منها ولدين؛ البكر إسكندر موسى عرابه القيصر إسكندر الثاني إمبراطور روسيا الأسبق، والثاني فلديمير عرابه القيصر إسكندر الثالث والد القيصر الحالي، وهي حظوة يستدل بها على ما كان له من المكانة في البلاط الروسي.
وكان يهب جمعيات الإحسان الخيرية في سوريا وإنكلترا وغيرها من ممالك أوروبا، وكان عضوا في جملة جمعيات؛ منها الملجأ ببطرسبرج، وجمعية القديس يوحنا الأورشليمي في لندن، فقلدته وسامها المخصوص، ومنحته لقرينته بعد وفاته، وقد أحرز شهرة حسنة في سوريا وبلاد الإنكليز.
كان صادقا كريما، معروفا بالفضل والنبل وسعة المعارف، فنال الوسام المجيدي العالي الشأن من العواطف الشاهانية، ومنحه إمبراطور روسيا وسام سنت آن (القديسة حنة) الثالث، ووسام الصليب الأحمر، ووسام سان ستانسلاس الثاني، وكانت وفاته بعلة القلب في مصيفه في فلكستن قرب لندن في 3 شباط (فبراير) سنة 1883م، وقد نقلت جثته إلى بيروت، فدفن فيها سنة 1885م.
وقد عني بعضهم في جمع مراثيه وأقوال الجرائد فيه وصور الرسائل العديدة التي كانت ترد عليه من وزراء الروس وحجاب الإمبراطور الروسي، وطبعها في كتاب يسمى صدى الحسرات، طبع في بيروت في مطبعة القديس جاورجيوس سنة 1885م - فلتراجع فيه - وله ديوان شعر اسمه أنيس الجليس.
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/2 – ص: 183 – 185.