وَمِمَّنْ خَاضَ غمار المجاهدات واقتحم اخطار مشاق الْعِبَادَات وتسنم فِي طَرِيق الْحق على تلاله ووهاده وجاهد فِي الله حق جهاده وافنى عمره فِي زَاوِيَة الزّهْد وَالْعِبَادَة شَيخنَا الشَّيْخ مصلح الدّين ابْن الشَّيْخ عَلَاء الدّين المشتهر بجراح زَاده
ولد الشَّيْخ رَحمَه الله بِمَدِينَة ادرنه فِي شهر صفر سنة احدى وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ طَالبا للْعلم والمعارف وساعيا فِي اقتناء شوارد اللطائف وقرا رَحمَه الله مُدَّة كتاب الْمِفْتَاح باتقان وَتَحْقِيق على الْمولى لطف الله ابْن الْمولى شُجَاع وَهُوَ مدرس فِي مدرسة الْجَامِع الْعَتِيق ثمَّ افاض الله تَعَالَى عَلَيْهِ مجَال رَحمته من شآبيب لطفه ورأفته فَهبت عَلَيْهِ نسائم الزّهْد وَالصَّلَاح وناداه مُنَادِي الْفَوْز وَالصَّلَاح فَأَجَابَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَتحمل مشاق الْعِبَادَات بِقدر الِاسْتِطَاعَة وتبتل الى الله سُبْحَانَهُ وجد واجتهد حَتَّى علا اقرانه وَقد سَأَلته رَحمَه الله عَن سَبَب سلوكه ودخوله فِي طَرِيق الصُّوفِيَّة فَقَالَ رَحمَه الله كنت فِي اوائل حَالي واوان طلبي فِي غَايَة الاعراض عَن طَرِيق الصُّوفِيَّة وَاتفقَ اني اجْتمعت فِي بعض اللَّيَالِي مَعَ الاخوان والخلان وتجارينا فِي شجون الْكَلَام وقضينا الوطر عَمَّا يكون وَكَانَ فَنَامَ كل من فِي الْمجْلس فاذا بصيحة عَظِيمَة واصوات مزعجة من طرف السَّمَاء فَرفعت راسي فَرَأَيْت حجرا عَظِيم الْقدر نزل على الْبَيْت الَّذِي كُنَّا فِيهِ فَكسر السّقف وَنزل الى ساحة الْبَيْت وَغَابَ فِي الارض فَاسْتَيْقَظَ من هَذِه الصَّيْحَة الْعَظِيمَة كل نَائِم من اهل الْمجْلس واخذوا يتساءلون عَنْهَا وَلم يطلعوا على شَيْء وعادوا الى النّوم وَحصل لي من ذَلِك دهشة عَظِيمَة وكادت ان تذْهب بلبي فَقُمْت الى الْمجْلس مرتاعا وازداد تأثري فِي كل وَقت وَحين الى ان يفتر عَقْلِي وَلم يبْق لي من الروية الا الْقَلِيل فَنزلت الطَّرِيق وبعت جَمِيع ملابسي الفاخرة وَأَنا على هَذِه الْحَالة من الاعراض عَن طَرِيق الصُّوفِيَّة وَفِي اثناء ذَلِك دَعَاني ابي اليها وكلمني فِي الدُّخُول فِيهَا وقابلته بالانكار والاعراض قَالَ وَلم اذكر حَتَّى رفع الغطاء عَن بَصرِي وانكشف لي احوال الْقُبُور فَكنت الازم الْمَقَابِر وابيت عِنْدهَا وَكَانَ اصحابي واقاربي فِي العذل والملامة وانا فِي عدم
الِالْتِفَات اليهم والاعراض عَن كَلَامهم فَسَأَلته رَحمَه الله عَن كَيْفيَّة رُؤْيَته واطلاعه على اهل الْقُبُور فَقَالَ رَحمَه الله رَأَيْتهمْ قَاعِدين فِي قُبُورهم كالاحياء فِي بُيُوتهم فَمنهمْ من اتَّسع قَبره فَبَقيَ فِي السعَة والحبور والرفاهية وَالسُّرُور وَمِنْهُم من لَا يقدر على الْقيام لضيق الْمقَام وَمِنْهُم من امْتَلَأَ قَبره بالدخان وَمِنْهُم من احمي قَبره بالنيران وَرَأَيْت بَعضهم فِي غَايَة الضعْف وَالِاضْطِرَاب ويتألم ويضطرب كالسحاب والسراب وَأَنا اتكلم مَعَهم واستخبر حَالهم واستفسر اسباب مَوْتهمْ فيجيبون ويسالونني الدُّعَاء وانا اجد نَفسِي فِي اثناء ذَلِك تَارَة فِي قسطنطينية وَتارَة فِي بروسه وَتارَة فِي غَيرهمَا من الامكنة الَّتِي مَا رَأَيْتهَا قطّ وانا فِي جَمِيع ذَلِك كالهائم الولهان الَّذِي مَسّه الجان وَكنت فِي غَايَة الْعَجز عَن اكل الطَّعَام لظُهُور نَجَاسَته وانكشاف عدم طَهَارَته ودامت هَذِه الْحَالة لي مُدَّة سَبْعَة اشهر فَبينا انا مُقيم بدار وَالِدي وَقد انْتَشَر سَواد اللَّيْل فِي الافاق ونام كل من فِي الْبَيْت من الصَّغِير وَالْكَبِير اذ جَاءَ رجل فاخذ بيَدي وَذهب فَذَهَبت مَعَه فمررنا بمواضع غَرِيبَة وأمكنة عَجِيبَة مَا رَأَيْتهَا وَلَا سَمعتهَا من قبل حَتَّى وصلنا الى سفح جبل وَرَأَيْت فِيهِ شخصا قَاعِدا فَتقدم الرجل فِيهِ وَقَالَ جِئْت بطلبك وقدمني اليه فَجَلَست بحذائه فاخذ ذَلِك الشَّخْص بيَدي الْيُمْنَى فَوضع فِيهَا عَلامَة فاذا جِيءَ بشخص آخر فعل بِهِ مَا فعل بِي ثمَّ امرنا بِالْقيامِ وَالدُّخُول الى حَظِيرَة هُنَاكَ فَلَمَّا ذَهَبْنَا اليه فتح لنا بَاب الحظيرة فَنَظَرْنَا الى داخلها فرأيناها مَمْلُوءَة من النيرَان الصافية لَيْسَ فبها دُخان وَلَا سَواد فامتنعنا عَن الدُّخُول فاجبرنا عَلَيْهِ وأغلق الْبَاب من وَرَائِنَا فَعمِلت النَّار فِينَا مَا تعْمل فِي امثالنا واحترقنا بهَا بِحَيْثُ لم يبْق منا مَوضِع لَا فِي ظَاهر الْجَسَد وَلَا فِي بَاطِنه الا وَقد مسته النَّار ثمَّ فتح الْبَاب وأمرنا بِالْخرُوجِ وَجَاء الرجل وَأخذ بيَدي واوصلني الى مَكَاني الَّذِي اخذني مِنْهُ فَلَمَّا اصبحت وَقَامَ وَالِدي الى الصَّلَاة جَاءَ الي ورآني متنكرا مضطربا مِمَّا وَقع لي من شَدَائِد هَذِه اللَّيْلَة فَسَأَلَنِي عَن هَذِه الْحَالة فقصصت لَهُ الْوَاقِعَة فَقَالَ ان هَذِه النَّار جذبة من نيران الْمحبَّة والهيام ولمعة من حرارة الْعِشْق والغرام وان هَذِه الْوَاقِعَة تدل على انك ستصير طَالبا للحق ومحبا للتصوف واربابه قَالَ رَحمَه الله فَمن هَذِه اللَّيْلَة اخذ ولهي فِي الانتقاص وجنوني فِي الِارْتفَاع وَزَالَ عني بالتدريج مَا حصل لي من الْكَشْف والحركات الْمُخَالفَة للْعَادَة وَعَن لي الْميل الى التصوف وَاشْتَدَّ الانجذاب الى جناب رب الارباب وَدخلت فِي ربقة التَّسْلِيم وَالْعِبَادَة وَظهر فِي امري مَا شَاءَ الله واراده وتبت على يَد وَالِدي واخذت فِي المجاهدة والاشتغال وترقيت عِنْده من منزل الى منزل وَمن حَال الى حَال ثمَّ ارسلني الى قدوة ارباب الطَّرِيق ولي الله تَعَالَى على التَّحْقِيق صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة والاخبار المأثورة الشَّيْخ عبد الرحيم المؤيدي المشتهر بحاجي جلبي فخدمته مُدَّة وحصلت من فنون التصوف عدَّة وَكَانَ مني مَا كَانَ فَظهر مَا فِي حيّز الامكان ودمت على المصابرة وَالِاجْتِهَاد اثْنَتَيْ عشرَة سنة واجيز لي بالارشاد وَقد سَأَلته عَن آخر الْحَالَات الَّتِي وَقعت لَهُ عِنْد شَيْخه فَقَالَ رَحمَه الله كنت مُقيما فِي بعض الخلوات عندالشيخ عبد الرحيم المؤيدي وانا مداوم على الذّكر ومشتغل بِالتَّوْحِيدِ فاذا بشخص عَظِيم الهيبة دخل عَليّ وَقصد الي ومزق جَسَدِي بيدَيْهِ كل ممزق وَتَرَكَنِي فَعَاد جَسَدِي الى حَالَته الاولى فَعَاد فِي التمزيق وتكرر ذَلِك من الطَّرفَيْنِ وَاسْتمرّ سَاعَات وَعرض لي من ذَلِك انزعاج كلي واضطراب عَظِيم وَحصل لي من الفناء والسكون مَالا يُمكن تَعْبِيره فعرضت ذَلِك على الشَّيْخ ففرح بِهِ وبشرني بِحُصُول الْمَطْلُوب واجاز لي بعد ذَلِك
بالارشاد وارسلني الى وَالِدي قلت وَلما انْتقل وَالِده رَحمَه الله قَامَ هُوَ مقَامه فِي زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع واكب على الِاشْتِغَال ولازم التَّوَجُّه والاقبال الى جناب حَضْرَة المتعال وعامل الله فِي سره وجهره حَتَّى صَار فريد عصره ووحيد دهره وَفتح بَاب التربية والارشاد على ارباب السَّعْي وَالِاجْتِهَاد فَرب ساع قطع بصارم تَرْبِيَته صريمة الامل وَحصل بهمته الشَّرِيفَة طرفا صَالحا وكمل ثمَّ نقل الى زَاوِيَة الشَّيْخ محيي الدّين بقسطنطينية المحمية فشرفها بمقدمه الشريف ونورها بروائه اللَّطِيف وَأقَام بهَا مُدَّة سبع سِنِين وَقد اتَّصَلت بِهِ فِي اقامة ذَلِك وتبركت بمجالسته الشَّرِيفَة وانفاسه اللطيفة وَكلما يمر ذَلِك بالخاطر يذكرنِي قَول الشَّاعِر
.. وَكَانَت بالعراق لنا لَيَال ... سرقناهن من ايدي الزَّمَان
جعلناهن تَارِيخ اللَّيَالِي ... وعنوان المسرة والاماني ...
واكرر كثيرا مَا فِي البال مَا انشده بَعضهم وَقَالَ ... ليَالِي اللَّذَّات سقيا لَك ... مَا كنت الا فَرحا كلك
عودي كَمَا كنت لنا اولا ... نَحن ان عدت عبيد لَك ...
ثمَّ عَاد رَحمَه الله الى مَدِينَة ادرنه وانتقل بهَا الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَدفن بِقرب زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع وَكَانَ ذَلِك فِي شهر محرم من شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة
كَانَ رَحمَه الله بحرا من بحار الْحَقِيقَة وكهفا منيعا لارباب الطَّرِيقَة متخليا عَن العلائق الناسوتية متحليا فِي مفاخر الْحلَل اللاهوتية مهبطا للانوار السبحانية ومخزنا للاسرار الالهامية منجمعا عَن النَّاس معرضًا عَن تكلفاتهم وراغبا عَن بدعهم ومزخرفاتهم لَا يطوف بابواب الامراء وَلَا يطْرق مجَالِس الاغنياء مشتغلا بِنَفسِهِ فِي يَوْمه وامسه وَله كشوفات عَجِيبَة واشرافات على الخواطر غَرِيبَة وظني بِهِ كَونه محيطا بِجَمِيعِ احوال من استرشد بِهِ وتشبث بِسَبَبِهِ وَله الْيَد الطولي فِي تصريف قبُول المريدين وتربية المسترشدين وَلَوْلَا تَزْكِيَة النَّفس وَاحْتِمَال التبجح والرياء لذكرت مَا ظهر لي عِنْد اقامتي فِي زاويته الشَّرِيفَة فِي بعض الاوقات المنيفة بانفاسه الطّيبَة وهممه الصيبة وَحكى بعض من اثق بِهِ من الاشراف انه قَالَ كنت معتكفا عِنْده فِي بعض الايام وَلما صليت الصُّبْح جَلَست فِي الْمَسْجِد مشتغلا بِالذكر وَالشَّيْخ رَحمَه الله فِي الْجَانِب الاخر من الْمَسْجِد مُتَوَجها الى الْقبْلَة مراقبا وَكَانَ يلاحظني بنظره الشريف احيانا ويلتفت الي مرَارًا فَبينا انا على هَذِه الْحَالة اذ عرض لي انجذاب عَظِيم وَتوجه تَامّ وَغلب عَليّ الوجد وَالْحَال وَظهر لي امور غَرِيبَة وآثار عَجِيبَة كَادَت ان تذْهب بلبي وَمن الله تَعَالَى فِي اثناء ذَلِك بمنح لَا يَلِيق ذكرهَا وَاسْتمرّ ذَلِك لي مَا دَامَ الشَّيْخ جَالِسا فِي مَكَانَهُ دَائِما على الْوَصْف السَّابِق
وَله رَحمَه الله كرامات عَظِيمَة وافعال غَرِيبَة اتبرك مِنْهَا بِذكر نبذ
مِنْهَا مَا ذكره الْمولى الْمَعْرُوف بِالْفَضْلِ والاجادة محيي الدّين المشتهر باخي زَاده قَالَ كنت مدرسا بمدرسة الْجَامِع الْعَتِيق بِمَدِينَة أدرنه فَدخل عَليّ وَاحِد من الصُّوفِيَّة وَقَالَ جئْتُك مبشرا لَك وراجيا مِنْك شيأ استعين بِهِ على كفاف عيالي فَسَأَلته عَمَّا يبشر بِهِ فَقَالَ أَنَّك تكون مدرسا بمدرسة الْوَزير الْكَبِير رستم باشا الَّتِي بناها بقصبة خَيره بولِي فِي الْيَوْم
الْفُلَانِيّ ويأتيك الْخَبَر فِي السَّاعَة الْفُلَانِيَّة قَالَ سلمه الله فَعرض لي انكار عَظِيم وازدراء بشانه حَيْثُ اخبرني عَن الَّاتِي وَطلب عَلَيْهِ الاجر فقصدت الى ان لَا اتصدق عَلَيْهِ بِشَيْء وارده محروما ثمَّ بدا لي ان اساله عَن كَيْفيَّة حُصُول ذَلِك الْخَبَر فَسَأَلته فَقَالَ أَنِّي رجل من احياء الشَّيْخ مصلح الدّين الْمَعْرُوف بجراح زَاده ذُو عِيَال كَثِيرَة وَقد غلبني الْفقر وركبني الدُّيُون فشكوت اليه من ذَلِك وشرحت حَالي فَقَالَ لي اجْتمعت فِي هَذِه اللَّيْلَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخبرني بَان الْمولى محيي الدّين الْمدرس بمدرسة الْجَامِع الْعَتِيق سيوجه اليه مدرسة رستم باشا ويصل الْخَبَر اليه فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ فِي السَّاعَة الْفُلَانِيَّة وانا مَا رَأَيْت ذَلِك الْمدرسَة قطّ وَلَا اعرفه بِشَيْء فَاذْهَبْ اليه وبشره بذلك الْخَبَر فَلَعَلَّهُ يستأثرك بِشَيْء تستعين بِهِ على فقرك وتسد بِهِ بعض جوعتك فاعتمدت عَلَيْهِ وَجئْت اليك لذَلِك الْغَرَض قَالَ سلمه الله فَذهب عني بعض مَا عرض لي من الانكار والانتقاص لما سمعته قبل ذَلِك من محَاسِن الشَّيْخ الْمَزْبُور ومعارفه فاعطيته شيأ وَقلت لَهُ اذا كَانَ الامر كَمَا قلت وَحصل مَا بشرتني بِهِ زِدْت على ذَلِك واتكفل بِبَعْض مهماتك فَذهب الصُّوفِي وَبقيت فِي الامنية والرجاء الى ان وصلت الْبشَارَة فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي عينه الصُّوفِي وَكَانَ الامر كَمَا قَالَ وَقَالَ ايضا سلمه الله خرجنَا ذَات يَوْم من الْبَلدة المزبورة قَاصِدين الى بعض الْبِقَاع وَكَانَ الْيَوْم شَدِيد الْحر وفقدنا الطَّرِيق فبقينا فِي الْمضيق وغلبتنا الْحَرَارَة وركبنا الْعَطش وَلم يُوجد فِي الرحل مَاء وَلَا من يدلنا عَلَيْهِ فغلبنا الضعْف والحيرة وكدنا ان نموت من الْعَطش والحرارة قَالَ سلمه الله فَنزلت عَن دَابَّتي وَقَعَدت متفكرا فِي امري فاذا بسواد ظهر من بعيد فامعنت النّظر فِيهِ سَاعَة فتيقنت انه انسان يقْصد الينا فَاسْتَقْبلهُ وَاحِد منا وَجَاء بِهِ الينا فَلَمَّا وصل الينا انْزِلْ عَن ظَهره
غرارة واخرج مِنْهَا عدَّة بطاطيخ ووضعها بَين يَدي وَقَالَ ان الشَّيْخ مصلح الدّين المشتهر بجراح زَاده يسلم عَلَيْكُم وَيَقُول لتأكلوا من هَذِه ولتسيروا الى الطَّرِيق الْفُلَانِيّ وَلَا تخْرجُوا بعد ذَلِك الى السّفر بِغَيْر زَاد وعدة فَسَأَلته عَن مَكَانَهُ وَعَن سَبَب مَجِيئه فَقَالَ ان وَرَاء هَذَا الْجَبَل قَرْيَة للشَّيْخ فِيهِ ضَيْعَة وَكَانَ مُقيما فِيهَا اذ خرج من بَيته وَقَالَ ان الْمولى محيي الدّين مدرس الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة فقد الطَّرِيق وجهده الْعَطش وَوَقع فِي امْر عَظِيم فَليقمْ مِنْكُم اُحْدُ وليأخذ من هَذِه البطاطيخ مَا يتَحَمَّل وليسارع اليه وليدله على الطَّرِيق فانه مُقيم فِي الْموضع الْفُلَانِيّ فاجبت وقصدت نحوكم فَكَانَ الامر كَمَا رَأَيْتُمْ وَقد حكى وَاحِد من مريديه يُسمى عُثْمَان الرُّومِي قَالَ اوقدت شمعة فِي بعض اللَّيَالِي وادخلتها حُجْرَتي ووضعتها على اسطوانة واخذت فِي شغلي فاخذني النّوم فَلم اتنبه الا وقدا حترقت الاسطوانة وكادت الْحُجْرَة ان تحترق مِنْهَا فَدفعت النَّار وشكرت الله تَعَالَى فِي دَفعهَا وَلم يطلع على ذَلِك اُحْدُ وَمَا اخبرت بذلك احدا فَلَمَّا اصبحت وَحَضَرت مجْلِس الشَّيْخ عَاتَبَنِي وَقَالَ كدت ان تحترق بِالْبَيْتِ لَا تعد الى مثل ذَلِك وَكن على بَصِيرَة وَتحفظ فِي امرك
العقد المنظوم فِي ذكر افاضل الرّوم على هامش الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية - المؤلف: عصام الدين طاشْكُبْري زَادَهْ.