قطب الدين الأيبك سلطان الهند
الملك الكبير قطب الدين الأيبك السلطان العادل الباذل، جلب من تركستان في صغر سنه،
فاشتراه القاضي فخر الدين بن عبد العزيز الكوفي بمدينة نيسابور، وعلمه القرآن والخط
وغير ذلك، ولما توفي القاضي المذكور اشتراه واحد من التجار المسلمين من أبناء القاضي
وعرضه على شهاب الدين الغوري، فاشتراه وجعله من خواصه فتدرج إلى الإمارة.
ولما سار نحو الهند في سنة ثمان وثمانين وخمسمائة أمره على عساكره وأقطعه سرستي،
وسامانة، وكهرام وما والاها من البلاد والقلاع، فقام قطب الدين بالملك وأحسن السيرة في
رعيته، ثم شن الغارة إلى ميرله فملكها، ثم سار إلى دهلي وقاتل صاحبها أشد قتال فهزمه
ودخل دهلي وجعلها دار ملكه، ثم سار إلى قلعة كول في سنة تسعين وخمسمائة ففتحها
عنوة وأخذ الغنائم الكثيرة.
ولحق بشهاب الدين حين قدومه إلى الهند فجعله شهاب الدين طليعة لعساكره وبعثه إلى
قنوج فلقيه ملكها جي جند فقاتله أشد قتال حتى قتله وأقام بقلعة أسنى مدة من الزمان،
فلما استقر أمره بتلك البلاد أراد أن يرجع إلى دهلي فسمع أن هيمراج خرج على كوله بن
برتهي راج، وانتزع بلاد أجمير من يده، فسار نحوه بعساكره في إحدى وتسعين وخمسمائة
فانهزم هيمراج وولي قطب الدين على أجمير أحد خواصه، ثم سار إلى كجرات ووصل إلى
نهرواله فلقيه عساكر صاحبها قريباً من بلدة نهرواله، فقاتلها أشد قتال فقتل مقدم العساكر،
وخرج صاحبها بهيم ديو إلى ناحية من نواحيها فغنم كثيراً من المال، ورحل إلى غزنة
فمكث بها برهة من الزمان، ثم عاد إلى الهند وأتم بناء الجامع الكبير ببلدة دهلي في سنة
اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ولما قدم شهاب الدين سار في ركابه إلى تهنكر الذي سموها بعد ذلك بيانه ففتحها، ثم
بعثه شهاب الدين إلى قلعة كواليار فصالح صاحبها سلكمن على مال يؤديه، وفي سنة سبع
وتسعين سار إلى كجرات فوصلها سنة ثمان وتسعين فلقيه عسكر الهنود فقاتلوه قتالاً
شديداً، فهزمهم أيبك واستباح معسكرهم وما لهم فيها من الدواب وغيرها، وتقدم إلى
نهرواله فملكها عنوة وهرب ملكها بهيم ديو فجمع وحشد فكثر جمعه، ولما علم أيبك أنه
لا يقدر على حفظها إلا بأن يقيم هو فيها ويخليها من أهلها فيتعذر عليه ذلك فصالح
صاحبها على مال يؤديه عاجلاً وآجلاً، وقيل: إنه دخل بها وملكها وولي عليها أحد
خواصه ثم رجع إلى دهلي، وفي سنة تسع وتسعين سار إلى قلعة كالنجر فتحصن بها
صاحبها فحاصرها وأدام الحصار وضيق على أهلها فصالحه صاحبها على مال يؤديه
عاجلاً وآجلاً.
ثم سار إلى مهوبة فملكها ثم سار إلى بدايون فملكها أيضاً. ولما توفي شهاب الدين وقام بالملك بعده ابن أخيه غياث الدين محمود الغوري أعتق قطب
الدين وأرسل إليه جتر- المظلة الملوكية- وغيرها من أمارات السلطنة، فجلس على سرير
الملك بلاهور يوم الثلاثاء الثامن عشر من ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وستمائة، وكانت مدة
إمارته عشرين سنة ومدة سلطنته أربع سنين وبضعة أشهر.
وكان عادلاً باذلاً كريماً باسلاً مقداماً يضرب به المثل في الشجاعة والكرم، وكان يعطي
الناس أكثر مما يستحقونه ولذلك سموه لك بخش أي معطي مائة ألف، وصنف في أخباره
نظام الدين الحسن النظامي كتابه تاج المآثر، وكانت وفاته في سنة سبع وستمائة ببلدة لاهور
فدفن بها، كما في تاريخ فرشته.
الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)