أبي جعفر عبد الله ابن القادر بالله أحمد بن إسحاق ابن المقتدر جعفر العباسي

القائم بأمر الله

تاريخ الولادة391 هـ
تاريخ الوفاة467 هـ
العمر76 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةغير معروف
أماكن الإقامة
  • العراق - العراق

نبذة

القائم بأمر الله: الخَلِيْفَةُ أبي جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ القَادِرِ بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِر جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.

الترجمة

القائم بأمر الله:
الخَلِيْفَةُ أبي جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ ابنُ القَادِرِ بِاللهِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِر جَعْفَرٍ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فِي نِصْفِ ذِي القَعْدَةِ، وَأُمُّه بَدْر الدجَى الأَرْمنيَّةُ. وَقِيْلَ: قَطْر النَّدَى بقيت إِلَى أَثْنَاء خِلاَفته.
وَكَانَ مَلِيحاً وَسِيْماً أَبيضَ بحُمرَة، قويَّ النَّفْسِ، ديِّناً وَرِعاً متصدِّقاً. لَهُ يدٌ فِي الكِتَابَةِ وَالأَدبِ، وَفِيْهِ عَدْلٌ وَسمَاحَةٌ.
بُوْيِعَ يَوْم موتِ أَبِيْهِ بعهدٍ لَهُ مِنْهُ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. وَأبيهُ هُوَ الَّذِي لقَّبهُ.
وَلَمْ يَزَلْ أَمرُهُ مُسْتَقِيْماً إِلَى أَنْ قُبِضَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ خمسين وأربع مائة، لأن أرسلان
التُّركِيَّ البَسَاسِيرِيَّ، عَظُمَ شَأْنُهُ لعدمِ نَظِيْرٍ لَهُ. وَتهيبتْه أُمرَاءُ العَرَب وَالعَجَم، وَدُعِي لَهُ عَلَى المَنَابر. وَظَلَمَ وَخرَّب القُرَى، وَانقهرَ مَعَهُ القَائِمُ، ثُمَّ تحُدِّثَ بِأَنَّهُ يُرِيْدُ نهبَ دَارِ الخِلاَفَةِ، وَعَزْلَ القَائِمِ. فَكَاتَب القَائِم طُغْرُلْبَك مَلِكَ الغُزّ يَسْتَنهضه، وَكَانَ بِالرَّيّ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ دَارُ البَسَاسِيرِي، وَهَرَبَ، وَقَدِمَ طُغْرُلبك فِي سَنَةِ 447، وَذَهبَ البَسَاسِيرِيُّ إِلَى الرَّحْبَة وَمَعَهُ عَسْكَر، فَكَاتَبَ المُسْتَنْصِرَ فَأَمدَّه مِنْ مِصْرَ بِالأَمْوَالِ، وَمَضَى طُغْرلْبَك سنَةَ تِسْعٍ إِلَى نِصيبينَ وَمَعَهُ أَخُوْهُ ينَال، فَكَاتِب البَسَاسِيرِيُّ ينَالَ فَأَفسدَه، وَطَمعَ بِمنصِب أَخِيْهِ. فَسَارَ بجيشٍ ضَخم إِلَى الرَّي، فَسَارَ أَخُوْهُ فِي أَثَرِهِ، وَتفرَّقت الكَلِمَة. وَالتُّقَى الأَخوَان بِهَمَذَانَ. وَظَهَر ينَال، وَاضطرب أَمرُ بَغْدَاد، وَوَقَعَ النَّهب، وَفرّتْ زَوْجَةُ طُغْرُلْبَك فِي جَيْشٍ نَحْو هَمَذَان. فَوَصَلَ البَسَاسِيرِيُّ فِي ذِي القَعْدَةِ إِلَى الأَنْبَار. وَبُطِّلتِ الجُمُعَة، وَدَخَلَ شَاليش عَسْكَره، ثُمَّ دَخَلَ هُوَ بَغْدَاد فِي الرَّايَاتِ المِصْرِيَّة، وضرَبَ سُرَادِقَه عَلَى دِجْلَة، وَنصَرَتْه الشِّيْعَة. وَكَانَ قَدْ جَمَعَ العَيَّارين وَالفلاَّحين، وَأَطمَعَهُم فِي النَّهب. وَعظُم القَحْطُ، وَاقْتَتَلُوا فِي السُّفُنِ. ثُمَّ فِي الجُمُعَةِ المقبلَة دُعِيَ لصَاحِبِ مِصْرَ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَأَذَّنُوا: بحيَّ عَلَى خَيْرِ العَمَلِ. وَخندَقَ الخَلِيْفَةُ حولَ دَارِه، ثُمَّ نهَضَ البَسَاسِيرِيُّ فِي أَهْل الكَرْخ وَغَيْرهم إِلَى حَرْبِ القَائِم، فَاقتلُوا يَوْمِيْنِ، وَكَثُرت القَتْلَى، وَأُحرقت الأَسوَاق، وَدخلُوا الدَّارَ فَانتهبُوهَا، وَتذمِّم القَائِمُ إِلَى الأَمِيْر قُرَيْش العُقَيْلِيِّ. وَكَانَ مِمَّنْ قَامَ مَعَ البَسَاسِيرِيُّ -فَأَذمَّه، وَقبَّل بَيْنَ يَدَيْهِ. فَخَرَجَ القَائِم رَاكباً، بَيْنَ يَدَيْهِ الرَّايَة، وَالأَترَاكُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأُنزل فِي خَيْمَة، ثُمَّ قَبَضَ البَسَاسِيرِيُّ عَلَى الوَزِيْر أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بن المُسْلمَة، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّامَغَانِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، فصَلبَ الوَزِيْرَ فَهَلَكَ.
وَكَانَ القَائِمُ فِيْهِ خَيْرٌ وَاهتمَام بِالرَّعيَة، وَقضَاءٌ لِلْحَوَائِجِ. وَقِيْلَ: أَنَّهُ لمَا بَقِيَ مُعتقلاً عِنْد العَرَبِ كتبَ قِصَّةً، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى بَيْتِ اللهِ مستَعْدِياً مِمَّن ظَلَمَهُ وَهِيَ: إِلَى اللهِ العَظِيْمِ مِنَ المِسْكِيْنِ عَبده: اللَّهُمَّ إِنَّك العَالِمُ بِالسَّرَائِر، المطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِر. اللَّهُمَّ إِنَّك غَنِيٌ بِعِلْمِكَ وَاطِّلاعِكَ عليَّ عَنْ إِعلاَمِي، هَذَا عبدُكَ قَدْ كَفَر نِعَمَكَ وَمَا شَكَرهَا، أَطْغَاهُ حِلْمُكَ حَتَّى تعدَّى عَلَيْنَا بَغْياً. اللَّهَّم قَلَّ النَّاصِر وَاعتزَّ الظَالِمُ، وَأَنْتَ المطَّلِعُ الحَاكِم، بِكَ نعتز عَلَيْهِ، وَإِليك نهرُب مَنْ يَدَيْهِ، فَقَدْ حَاكَمْنَاهُ إِلَيْكَ، وَتوكلْنَا فِي إِنصَافِنَا مِنْهُ عَلَيْكَ، وَرفَعْنَا ظُلاَمَتَنَا إِلَى حَرَمك، وَوثِقْنَا فِي كَشْفهَا بكَرَمِك. فَاحكمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الحَاكمِين.
وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ طُغْرُلْبَك، فَإِنَّهُ ظَفِرَ بِأَخِيْهِ وَقَتَله. ثُمَّ كَاتِب مُتَوَلِّي عَانَة فِي أَنْ يَرُدَّ القَائِمَ إِلَى مَقرِّ عزّه.
وَقِيْلَ: إِنَّ البَسَاسِيرِيَّ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَه السُّلْطَان طُغْرُلْبَك، فَحَصَّلَ القَائِمَ فِي مقرّ دَوْلته فِي الخَامِس وَالعِشْرِيْنَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ.
ثمَّ جهَّز طُغْرُلْبَك عَسْكَراً قَاتلُوا البَسَاسِيرِيَّ فَقُتل وَطيف بِرَأْسِهِ. فكَانَتِ الخُطْبَة لِلْمستنصر بِبَغْدَادَ سنة كاملة.
تُوُفِّيَ القَائِمُ فِي ثَالث عشر شَعْبَانَ سَنَةَ سبع وستين وأربع مائة.

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ القَائِمُ بِأَمْرِ اللهِ أَبُو جَعْفَرٍ عبد الله بن القَادِرُ بِاللهِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ المُقْتَدِرِ بِاللهِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ البَغْدَادِيُّ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَأُمُّه أَرمنِيَّة تسمَّى بدرَ الدُّجَى، وَقِيْلَ: قطرَ النَّدَى. وَقَدْ مرَّ ذِكْرُهُ اسْتطرَاداً بَعْد العِشْرِيْنَ وَالثَّلاَثِ مائَة وَأَنَّهُ كَانَ جَمِيْلاً وَسِيماً أَبيضَ بِحُمرَة ذَا دِينٍ وَخيرٍ وَبرٍّ وَعلم وَعدل بُوْيِع سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَأَنَّهُ نُكِبَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ فِي كَائِنَة البَسَاسِيرِي فَفَرَّ إلى البرية فِي ذِمَام أَمِيْرٍ لِلعرب ثُمَّ عَادَ إِلَى خِلاَفَته بَعْد عَامٍ بهمَّة السُّلْطَان طُغْرُلْبَك وَأُزِيلت خُطبَة خَلِيْفَة مِصْر المُسْتنصر بِاللهِ مِنَ العِرَاقِ وَقُتِلَ البسَاسيرِي. وَلَمَّا أَن فَرَّ القَائِمُ إِلَى البرِّيَة رفع قِصَّةً إِلَى رَبّ العَالِمِين مُسْتعدياً عَلَى مَنْ ظلمه وَنَفَّذَ بِهَا إِلَى البَيْتِ الحَرَام فَنَفعتْ وَأَخَذَ الله بِيَدِهِ وَردَّه إِلَى مَقَرِّ عِزه. فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ قُهِرَ وَبُغِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِاللهِ تَعَالَى وَإِنْ صَبر وَغفر فَإِنَّ فِي الله كفَايَةً وَوِقَايَةً.
وَكَانَ أَبْيَضَ وَسِيماً، عَالِماً مَهِيْباً فِيْهِ دينٌ وَعدل. ظهر عَلَيْهِ مَاشَرَا، فَافْتصد وَنَام فَانْفجر فِصَادُه، وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيْر، وَضَعُف، وَخَارت قِوَاهُ.
وَكَانَ ذَا حظٍّ مِنْ تَعَبُّدٍ وَصيَام وَتهجُّد، لَمَّا أَنْ أُعيد إِلَى خِلاَفَته قِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْتَرد شَيْئاً مِمَّا نُهب مِنْ قصره، وَلاَ عَاقب مَنْ آذَاهُ، وَاحتسب وَصبر. وَكَانَ تَاركاً لِلملاَهِي، رَحِمَهُ اللهُ وَكَانَتْ خِلاَفَته خَمْساً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَغسَّله شَيْخُ الحنَابلَة أَبُو جَعْفَرٍ بنُ أَبِي مُوْسَى الهَاشِمِيّ.
وَعَاشَ ستّاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَبُوْيِع بَعْدَهُ ابْنُ ابْنِهِ المُقْتَدِي بِاللهِ.
وَوَزَرَ لِلقَائِم أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بن أَيُّوْبَ وَأَبُو الفَتْحِ بن دَارست وَأَبُو القَاسِمِ بنُ المُسلمَة وَأَبُو نَصْرٍ بنُ جَهير.
وَكَانَ مُلْكُ بنِي بُوَيْه فِي خِلاَفَتِهِ ضَعِيْفاً بِحَيْثُ إِن جَلاَل الدَّوْلَة بَاعَ مِنْ ثيَابه الملبوسَة بِبَغْدَادَ وَقلَّ مَا بِيَدِهِ وَخَلَتْ دَارُه مِنْ حَاجِب وَفَرَّاش وَقُطعت النوبَةُ عَلَى بَابه لذهَاب الطَّبالين وَثَارَ عَلَيْهِ جُنْدُه ثُمَّ كَاشرُوا لَهُ رَحْمَةً ثُمَّ جرت فِتْنَةُ البسَاسيرِي ثُمَّ بدتِ الدَّوْلَةُ السَّلْجُوْقيَّة وَأَوّل مَا ملكُوا خُرَاسَان ثُمَّ الْجَبَل وعسفوا ونهبوا وقتلوا وفعلوا القبائح وهم تُركمَان. وَمَاتَ جَلاَلُ الدَّوْلَة سَنَة 435 وَلَهُ نَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً وَكَانَ عَلَى ذُنُوبه يُعتقد فِي الصُّلَحَاء. وَخَلَّف أَوْلاَداً. وَدَخَلَ أَبُو كَالَيْجَار بَغْدَاد وَتعَاظم وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِضَرْب الطّبلِ لَهُ فِي أَوقَات الصَّلَوَات الخَمْس وَكَانَ جَدُّهم عَضُد الدَّوْلَة مَعَ علو شَأْنه لَمْ تُضرب لَهُ إلَّا ثَلاَثَة أَوقَات. وَمَاتَ أَبُو كَالَيْجَار سَنَة أَرْبَعِيْنَ فَولِي المُلكَ بَعْدَهُ وَلَدُه الْملك الرَّحِيْم أبو نصر بن السُّلْطَانِ أَبِي كَالَيْجَار بن سُلْطَان الدَّوْلَة بن بَهَاء الدَّوْلَة بن عَضُدِ الدَّوْلَةِ.
وَفِيْهَا غَزَا يَنَال السَّلْجُوْقِي أَخُو طُغْرُلْبَك بِجُيُوشِهِ وَوَغل فِي بلاَد الرُّوْم وَغنم مَا لاَ يُعبَّر عَنْهُ وَكَانَتْ غَزْوَةً مَشْهُوْدَةً وَفتحاً مبيناً. فَهَذَا هُوَ أَوّلُ اسْتيلاَء آل سَلْجُوْق مُلُوْكِ الرُّوْم عَلَى الرُّوْم وَفِي هَذَا الْحِين خَطَبَ مُتَوَلِّي القَيْرَوَان المُعز بنُ بَادِيس لِلقَائِم بِأَمْرِ اللهِ وَقَطَع خُطبَة العُبَيْدِيَّة فَبعثَوا مَنْ حَارَبّه فَتمت فَصولٌ طَوِيْلَة.
وَفِي سَنَةِ (441) : عُملت بِبَغْدَادَ مآتمُ عَاشُورَاء فَجرت فِتْنَةٌ بَيْنَ السّنَة وَالشِّيْعَة تَفوتُ الوَصْفَ مِنَ الْقَتْل وَالجرَاح وَنُدب أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ النَّسوِي لِشحنكية بَغْدَاد فَثَارت العَامَّةُ كلهُم وَاصطلح السّنَةُ وَالشِّيْعَةُ وَتوَادُّوا وَصَاحُوا: مَتَى وَلِي ابْنُ النَّسَوِي أَحرقنَا الأَسواقَ وَنزحنَا. وَترحَّم أَهْلُ الْكَرْخِ عَلَى الصَّحَابَة وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُعهد. وَكَانَ الرخاء ببغداد بحيث إنه أبيع الكُرُّ بِسَبْعَة دَنَانِيْر. وَمَاتَ صَاحِبُ المَوْصِل مُعتمِد الدَّوْلَة أَبُو المَنِيع ثُمَّ بَعْدَ سَنَة فَسد مَا بَيْنَ السُّنَّة وَالشِّيْعَة وَعَمِلَت الشِّيْعَة سوراً عَلَى الْكَرْخِ وَكتبُوا عَلَيْهِ بِالذَّهَبِ: مُحَمَّد وَعلِيٌّ خَيْرُ البَشَر فَمَنْ أَبى فَقَدْ كَفَر. ثُمَّ وَقَعَ القِتَالُ وَالنَّهبُ وَقَوِيَتِ السّنَةُ وَفَعَلُوا العظَائِم وَنُبِشَت قُبُوْر وَأُحرقت عظَامُ العَوْنِيّ وَالنَّاشِي وَالجذوعِي وَقُتِلَ مُدَرِّس الحَنَفِيَّة السَّرْخَسِيّ وَعجزت الدَّوْلَةُ عَنْهُم. وَأَخَذَ طُغْرُلْبَك أَصْبَهَانَ وَجَعَلهَا دَارَ مُلكه. وَاقتتل المغَاربَةُ وَجَيْشُ مِصْر فَقُتل مِنَ المغَاربَة ثَلاَثُونَ أَلْفاً.
وَفِي سَنَةِ (444) : هَاجت السّنَةُ عَلَى أَهْلِ الْكَرْخِ وَأَحرقُوا وَقتلُوا وَهلك يَوْمَئِذٍ فِي الزَّحمَة نَيِّفٌ وَأَرْبَعُوْنَ نَفْساً أَكْثَرهم نسَاء نَظَّارَة وَجَرَتْ حُرُوْب كَثِيْرَة بَيْنَ جَيْش خُرَاسَان وَبَيْنَ الغُزِّ عَلَى المُلك وَحَاصَرَ المَلِكُ الرَّحِيْم وَالبسَاسيرِيُّ البَصْرَةَ وَأَخَذَهَا مِنْ وَلد أَبِي كَالَيْجَار ثُمَّ اسْتولَى عَسْكَرُ المَلكِ الرَّحِيْم عَلَى شيرَاز بَعْد حِصَارٍ طَوِيْل وَقَحْطٍ وَبلاَء حَتَّى قِيْلَ: لَمْ يَبْقَ فِيْهَا إلَّا نَحْو أَلف نَفْس وَدَورُ سُورِهَا اثْنَا عَشرَ أَلف ذِرَاع وَلَهَا أَحَدَ عشرَ بَاباً.
وَفِي سَنَةِ "447": قبض طُغْرُلْبَك عَلَى الْملك الرَّحِيْم وَانقضتْ أَيَّامُ بنِي بُويه وَكَانَ فِيْهَا دُخُوْلُ طُغْرُلْبَك بَغْدَاد وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً بَيْنَ يَدَيْهِ ثَمَانِيَةَ عشرَ فِيلاً مُظهِراً أَنَّهُ يَحُجُّ وَيَغزو الشَّام وَمِصْر وَيُزِيلُ الدَّوْلَة العبيدية. ومات ذخيرَةُ الدِّين مُحَمَّدُ بنُ الخَلِيْفَةِ وَلِيُّ عهد أَبِيْهِ وَخلَّف وَلداً طِفْلاً وَهُوَ المُقتدي وَعَاثت جيوشُ طُغْرُلْبَك بِالقُرَى بِحَيْثُ لأُبِيعَ الثَّوْرُ بِعَشْرَةِ درَاهم وَالحِمَارُ بدِرْهَمَيْنِ. وَوَقَعَتِ الفِتْنَةُ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الحنَابلَة وَالشَّافِعِيَّة. وَتَزَوَّجَ الخَلِيْفَةُ بِبنت طُغْرُلْبَك عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: مبدَأُ فِتْنَة البسَاسيرِي، وَخَطَبَ بِالكُوْفَةِ وَوَاسط وَبَعْضِ القرَى لِلمُسْتنصر العُبيدي وَكَانَ القَحْطُ عَظِيْماً بِمِصْرَ وَبَالأَنْدَلُس وَمَا عُهِدَ قَحْطٌ وَلاَ وَبَاءٌ مِثْله بقُرْطُبَة حَتَّى بَقِيَت المَسَاجِدُ مغلقَة بِلاَ مُصَلٍّ وَسُمِّيَ عَام الْجُوع الكَبِيْر.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ: أَخَذَ طُغْرُلْبَك المَوْصِل، وَسلَّمَهَا إِلَى أَخِيْهِ يَنَال وَكَتَبَ فِي أَلقَابه: ملك المَشْرِق وَالمَغْرِب. وَفِيْهَا كَانَ الجوعُ المُفرط بِبَغْدَادَ وَالفنَاء وَكَذَلِكَ بِبُخَارَى وَسَمَرْقَنْد حَتَّى يُقَالَ: هَلَكَ بِمَا وَرَاء النَّهْر أَلفُ أَلفٍ وَسِتُّ مائَةِ أَلْف.
وَفِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ: أَخَذَ البسَاسيرِيُّ بَغْدَاد كَمَا قَدَّمْنَا، وَخَطَبَ لصَاحِب مِصْر فَأَقْبَل فِي أَرْبَعِ مائَة فَارِس فِي وَهْنٍ وَضَعف وَمَعَهُ قُرَيْش أَمِيْر العَرَب فِي مائةي فَارِس بَعْدَ أَنْ حَاصرَا المَوْصِل وَأَخَذَاهَا وَهَدَمَا قلعتهَا. وَاشْتَغَل طُغْرُلْبَك بِحَرب أَخِيْهِ فَمَالتِ العَامَّة إِلَى البسَاسيرِي لِمَا فَعَلت بِهِم الغُّز وَفَرِحتْ بِهِ الرَّافِضَّةُ فَحضر الهَمَذَانِيُّ عِنْد رَئِيْس الرُّؤَسَاء الوَزِيْر وَاسْتَأْذَنَه فِي الحَرْب وَضمن لَهُ قتل البسَاسيرِي فَأَذن لَهُ. وَكَانَ رَأْيُ عَمِيْدِ العِرَاق المُطَاولَة رَجَاءَ نَجدَةِ طُغْرُلْبَك فَبرز الهَمَذَانِيُّ بِالهَاشِمِيين وَالخدم وَالعوَام إِلَى الحلبَة فَتقهقر البسَاسيرِيُّ وَاسْتجرَّهُم ثُمَّ كرَّ عَلَيْهِم فَهَرَبُوا وَقُتِلَ عِدَّة وَنُهِبَ بَابُ الأَزج وَأَغلقَ الوَزِيْرُ عَلَيْهِم وَلطم العَمِيْد كَيْفَ اسْتبدَ الوَزِيْرُ بِالأَمْرِ وَلاَ مَعْرِفَةَ لهُ بِالحَرْب فَطَلبَ الخَلِيْفَةُ العَمِيْدَ وَأَمرهُ بِالقِتَال عَلَى سور الحرِيْم فَلَمْ يَرُعْهم إلَّا الصرِيخُ وَنهبُ الحرِيْم وَدخلُوا مِنْ بَاب النوبَى فَرَكِبَ الخَلِيْفَةُ وَعَلَى كَتِفِهِ البُرْدَة وَبِيَدِهِ السَّيْفُ وَحَوْلَهُ عددٌ فَرَجَعَ نَحْو العَمِيْد فَوَجَدهُ قَدِ اسْتَأْمن إِلَى قُرَيْش فَصَعِدَ المَنْظَرَة فَصَاح رَئِيْس الرُّؤَسَاء بِقُرَيْش: يَا عَلَمَ الدِّين: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَسْتَدنِيكَ. فَدنَا فَقَالَ: قَدْ أَنَالكَ الله رُتْبَةً لَمْ يُنِلهَا أَحَد، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَسْتَذِمُّ مِنْكَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ بذمَام الله وَرَسُوْله وَذمَامِ العَرَب. قَالَ: نَعَمْ. وَخلعَ قَلَنْسَوَتَهُ فَأَعْطَاهَا الخَلِيْفَةَ وَأَعْطَى الوَزِيْر مِخْصَرَتَهُ فَنَزَلاَ إِلَيْهِ وَذَهَبَا مَعَهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ البسَاسيرِي: أَتخَالفُ مَا تَقرَّر بَيْنَنَا؟ قَالَ: لاَ. ثُمَّ اتفقَا عَلَى تَسْلِيم الوَزِيْر فَلَمَّا أَتَاهُ؛ قَالَ: مَرْحَباً بِمُهلك الدُّول. قَالَ: العفوُ عِنْدَ القُدرَة. قَالَ: أَنْتَ قدرتَ فَمَا عَفْوتَ وَركبتَ الْقَبِيح مَعَ أَطفَالِي فَكَيْفَ أَعفُو وَأَنَا رَبُّ سَيْف! ?. وَحَمَلَ قُرَيْشٌ الخَلِيْفَةَ إِلَى مُخَيَّمه وَسَلَّمَ زوجَتَه إِلَى ابْنِ جَرْدَة وَنُهبت دورُ الخِلاَفَة فَسَلَّمَ قُرَيْشٌ الخَلِيْفَةَ إِلَى ابْنِ عَمّه مهَارش بنُ مجلِّي فَسَارَ بِهِ فِي هودجٍ إِلَى الحَدِيْثَة وَسَارَ حَاشيَة الخليفة على حمية إلى طغرلبك وشكى الخَلِيْفَةُ البردَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُتَوَلِّي الأَنبار جُبَّةً وَلحَافاً. وَلاَ رِيب أَنَّ اللهَ لطَفَ بِالقَائِم لدينِهِ.
حكَى المُحَدِّثُ أَبُو الحَسَنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم: سَمِعْتُ الأُسْتَاذ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيِّ بنِ عَامِرٍ قَالَ: دَخَلْتُ إِلَى الخزَانَة، فَأَعْطونِي عِدَّة قصَص، حَتَّى امتلأَ كُمِّي فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ الخَلِيْفَةُ أَخِي لضَجر مِنِّي وَأَلقيتُهَا فِي البركَة. وَكَانَ القَائِمُ يَنْظُرُ وَلَمْ أَدرِ. قَالَ: فَأَمر بِأَخَذِ الرِّقَاع فَنُشِرَتْ فِي الشَّمْسِ ثُمَّ وَقَّعَ عَلَى الجمِيْع وَقَالَ: يَا عَامِّيُّ! لِمَ فَعَلتَ هَذَا؟ قَالَ: فَاعْتذرتُ فَقَالَ: مَا أَطْلَقْنَا شَيْئاً مِنْ أَمْوَالنَا بَلْ نَحْنُ خُزَّانُهُم.
نعم، وَأَحْسَنَ البسَاسيرِيُّ السِّيرَةَ، وَوَصل الفُقَهَاء، وَلَمْ يَتعصب لِلشيعَة، وَرَتَّبَ لأُمِّ الخَلِيْفَةِ رَاتباً. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّام أُخرج الوَزِيْر مُقَيَّداً عَلَيْهِ طُرْطُور وَفِي رقبته قِلاَدَةُ جُلُود وَهُوَ يَقرَأُ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ} [آل عِمْرَان:26] فَبصق فِي وَجْهِهِ أَهْلُ الرَّفض فَالأَمْر للهِ ثُمَّ صُلِبَ وَجُعِلَ فِي فَكَّيه كَلُّوبَانِ فَمَاتَ ليَوْمه وَقتلُوا العَمِيْد أَيْضاً وَهُوَ الَّذِي بَنَى رِبَاط شَيْخِ الشُّيُوْخ ثُمَّ سَارَ البسَاسيرِيُّ فَحكم عَلَى البَصْرَةِ وَوَاسط وَخَطَبَ بِهَا لِلمُسْتنصر وَلَكِن قَطَعَ المُسْتنصر مُكَاتَبته خَوَّفه وَزِيْرُه أَبُو الفَرَجِ ابْنُ أَخِي الوَزِيْر المَغْرِبِيّ وَكَانَ قَدْ هَرَبَ مِنَ البسَاسيرِي فَذَمَّ أَفعَاله وَخَوَّف مِنْ عَوَاقِبه. وَبِكُلِّ حَالٍ فَنَالَهُ مِنَ المصريين نحو ألف ألف دينار.
وَفِي سَنَةِ "454": زوَّج القَائِم بِنْته بِطُغْرُلْبَك بَعْد اسْتَعفَاء وَكُرْهٍ وَغَرِقت بَغْدَاد؛ وَبلغ المَاء أَحَداً وَعِشْرِيْنَ ذرَاعاً.
وَفِي سَنَةِ "456": قبض السُّلْطَان أَلب آرسلاَن عَلَى وَزِيْره عَمِيْد الْملك الكُندرِي وَاسْتَوْزَرَ نِظَامَ المُلْك وَكَانَ المَصَافُّ بِالرَّيِّ بَيْنَ أَلب آرسلاَن وَقَرَابَته قُتُلْمِش فَقُتل قُتُلْمِش وَنَدِمَ السُّلْطَانُ وَعَمِلَ عزَاءهُ ثُمَّ سَارَ يَغْزُو الرُّوْم. وَأُنشِئْت مدينَة بِجَايَة بنَاهَا النَّاصرُ بنُ عَلنَاس وَكَانَتْ مرعىً للدواب.

وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ: أُنشِئْت نِظَامِيَّةُ بَغْدَاد وَسلطنَ أَلب آرسلاَن ابْنه مَلِكْشَاه وَجَعَله وَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَارَ إِلَيْهِ مُسْلِمُ بنُ قُرَيْش بن بَدْرَان صَاحِب المَوْصِل فَأَقطعه هِيت وَحَرْبَا وَبنُوا عَلَى قَبْر أَبِي حَنِيْفَةَ قُبَّة عَظِيْمَة.
وَفِي سَنَةِ "461": احْتَرَقَ جَامِعُ دِمَشْق كُلُّه وَدَارُ السّلطنَة الَّتِي بِالخَضْرَاء وَذَهَبت مَحَاسِنُ الجَامِع وَزخرفتُهُ الَّتِي تُضرب بِهَا الأَمثَال مِنْ حَربٍ وَقَعَ بَيْنَ جَيْش مِصْر وَجَيْش العِرَاق.
وَفِي سَنَةِ "62": أَقْبَل طَاغِيَةُ الرُّوْم فِي جَيْش لَجِبٍ حَتَّى أَنَاخَ بِمَنْبِج فَاسْتبَاحهَا وَأَسرع الكَرَّةَ لِلغلاَءِ أُبيع فِي عَسْكَرِهِ رطلُ الْخبز بدِيْنَار وَكَانَ بِمِصْرَ الغلاَءُ الْمُفرط وَهِيَ النوبَة الَّتِي قَالَ فِيْهَا صَاحِبُ المرَآة: فَخَرَجتِ امْرَأَة بِالقَاهِرَةِ بِيَدِهَا مُدُّ جَوْهَرٍ فَقَالَتْ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِمُدِّ قَمْحٍ؟ فَمَا الْتَفَت إِلَيْهَا أَحَد فَرمته وَقَالَتْ: مَا نَفعنِي وَقتَ الحَاجَة فَلاَ أُرِيْدُهُ. فَمَا كَانَ لَهُ مَنْ يَأْخُذُه وَكَادَ الخرَابُ أَنْ يَشمَلَ الإِقْلِيْم حَتَّى بِيعَ كلبٌ بِخَمْسَةِ دَنَانِيْر وَالهرُّ بِثَلاَثَة وَبلغ ثمن الإِرْدَبِّ مائَةَ دِيْنَارٍ وَأَكل النَّاسُ بَعْضهم بَعْضاً وَتَشَتَّتَ أَهْل مِصْرَ فِي البِلاَد.
وَفِي سَنَةِ "63": كَانَتِ المَلْحَمَة العُظْمَى بَيْنَ الإِسْلاَم وَالنَّصَارَى.
قَالَ ابن الأثير: خرج أرمانوس في مائةي أَلف وَقصد الإِسْلاَم وَوصل إِلَى بلاَد خِلاَط. وَكَانَ السُّلْطَان أَلب آرسلاَن بخُوَيّ فَبَلَغَهُ كَثْرَةُ العَدُوّ وَهُوَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارِس فقال: أنا ألتقيهم فإن سلمت فَبنعمَةِ الله وَإِن قُتلت فَمَلِكْشَاه وَلِيُّ عَهْدي. فَوَقَعت طلاَئِعُهُ عَلَى طلاَئِعِهِم فَانْكَسَرَ العَدُوُّ وَأُسِرَ مُقَدَّمُهُم فَلَمَّا التَّقَى الجمعَان؛ بَعَثَ السُّلْطَانُ يَطلب الهُدْنَةَ فَقَالَ أَرمَانوس: لاَ هُدْنَة إلَّا بِبذلِ الرَّيِّ. فَانزعج السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ إِمَامُهُ أَبُو نَصْرٍ: إِنَّك تُقَاتلُ عَنْ، دينٍ وَعَدَ اللهُ بِنصرِهِ وَإِظهَارِهِ عَلَى الأَديَان فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ الله قَدْ كتب باسمِكَ هَذَا الفَتْحَ وَالْقهم يَوْمَ الجُمُعَةِ وَالسَّاعَةَ يَكُوْن الخُطَبَاءُ عَلَى المَنَابِر يَدعُوْنَ لِلمُجَاهِدينَ فَصَلَّى بِهِ وَبَكَى السُّلْطَان وَبَكَى النَّاسُ وَدَعَا وَأَمَّنُوا وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصرفَ فَلينصرف فَمَا ثَمَّ سُلْطَانٌ يَأْمرُ وَلاَ يَنَهَى وَرَمَى القوسَ وَسلَّ السَّيْفَ وَعَقَدَ بِيَدِهِ ذَنَبَ فَرسِهِ وَفَعَلَ الجُنْدُ كَذَلِكَ وَلَبِسَ البيَاضَ وَتحنَّط وَقَالَ: إِن قُتلتُ فَهَذَا كَفَنِي. ثُمَّ حَمَلَ فَلَمَّا لاَطخ العَدُوّ تَرَجَّل وَعَفَّر وَجهَهُ فِي التُّرَاب وَأَكْثَر التَّضَرُّع ثُمَّ ركب وَحصل المُسْلِمُوْنَ فِي الْوسط فَقتلُوا فِي الرُّوْم كَيْفَ شَاؤُوا وَنَزَلَ النَّصْرُ وَتطَايرت الرُّؤُوسُ وَأُسَرَ مَلِكُ الرُّوْم وَأُحضر بَيْنَ يَدي السُّلْطَان فَضَرَبَه بِالمِقْرَعَة وَقَالَ: أَلَمْ أَسَأَلك الهُدْنَة؟ قَالَ: لاَ تَوَبِّخْ وَافعل مَا تُرِيْد. قَالَ: مَا كُنْتَ تَفْعَلُ لَوْ أَسَرْتَنِي؟ قَالَ: أَفْعَلُ القَبيح. قَالَ: فَمَا تظن بِي؟ قَالَ: تَقتُلُنِي أَوْ تُشَهِّرنِي فِي بلاَدك وَالثَّالِثَةُ بعيدَةٌ أَنْ تَعفوَ وَتَأْخَذَ الأَمْوَالَ. قَالَ: مَا عَزَمْتُ عَلَى غَيْرهَا. فَفَكَّ نَفْسَهُ بِأَلفِ أَلفِ دِيْنَار وَخَمْس مائَة أَلْفِ دِيْنَار وَبِكُلِّ أَسيرٍ فِي مَمْلَكَته، فَنَزَّله فِي خيمَةٍ، وَخلعَ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ لَهُ عَشْرَةَ آلاَفِ دِيْنَار يَتَجَهَّز بِهَا، وَأَطلق لَهُ عِدَّة بَطَارِقَة، وَهَادَنَهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، وَشيَّعه، وَأَمَّا جَيْشُهُ فَمَلَّكُوا مِيخَائِيْل. وَمَضَى أَرمَانوس فَبَلَغَهُ ذهَابُ مُلْكِهِ فَتَرَهَّب وَلَبِسَ الصُّوف وَجَمَعَ مَا قدر عَلَيْهِ مِنَ الذَّهب فَكَانَ نَحْو ثَلاَثَ مائَة أَلْف دِيْنَار، فَبَعَثَهَا، وَاعْتَذَرَ.
وَفِيْهَا تَمَلَّكَ الشَّام أَتْسِز الخُوَارِزْمِي، وَبدَّع وَأَفسد، وَعثَّر الرَّعِيَّة.
وَفِي سَنَةِ "65": قُتل السُّلْطَان أَلب آرسلاَن. وَفِيْهَا اخْتَلَفَ جَيْشُ مِصْر وَتحَاربُوا مَرَّات وَقَوِيَتِ الأَترَاكُ وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنْ عرب مِصْر وَاضمحَلَّ دَسْتُ المُسْتنصر وَذَاق ذُلاًّ وَحَاجَة وَبَالَغَ فِي إِهَانته نَاصِرُ الدَّوْلَة الحَمْدَانِي وَعظُمَ وَجَرَتْ أُمُوْرٌ مُزعجَة.
وَفِي سَنَةِ "66": غَرِقَتْ بَغْدَاد وَأُقيمت الجُمُعَةُ فِي السُّفن مرَّتين وَهَلَكَ خَلْقٌ لاَ يُحصَوْنَ حَتَّى لقيل: إِنَّ المَاء بلغَ ثَلاَثِيْنَ ذرَاعاً. حَتَّى لقَالَ سِبْطُ ابْنِ الجَوْزِيّ: وَانهدمت مائَةُ أَلْفِ دَار وَبقيت بَغْدَادُ مَلَقَةً وَاحِدَة.
وَفِي سَنَةِ "67": بَعَثَ المُسْتنصر إِلَى سَاحل الشَّام إِلَى بدر الجمَالِي ليُغِيثه فَسَارَ مِنْ عَكَّا فِي البَحْر زَمَن الشِّتَاء وَخَاطر وَهجم مِصْر بغتَةً وَسَمَّاهُ المُسْتنصر أَمِيْر الجُيُوْش فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ بَعَثَ إِلَى كُلّ أَمِيْر مِنْ أَعْيَانِ الأُمَرَاء طَائِفَةً أَتوهُ بِرَأْسِهِ وَأَخَذَ أَمْوَالَهم إِلَى قصر المُسْتنصر وَأَضَاءت حَالُه وَسَارَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّة فَحَاصَرَهَا مُدَّةً وَأَخَذَهَا وَقُتِلَ طَائِفَةً اسْتولُوا وَسَارَ إِلَى دمِيَاط فَفَعَل كَذَلِكَ وَسَارَ إِلَى الصّعيدِ فَقَتَلَ بِهِ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّام اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً وَنهب وَبدَّع فَتَجْمَّعُوا لَهُ بِالصعيد فِي سِتِّيْنَ أَلْفاً مِنْ بَيْنِ فَارِس وَرَاجل فَبَيَّتَهم ليلاً فَهَزمَهُم وَقُتِلَ خَلْقٌ كَثِيْر وَغَرِقَ مِثْلُهُم وَغُنِمَتْ أَمْوَالهُم. ثُمَّ التَقَوا ثَانِيَةً وَنُصِرَ عَلَيْهِم وَوَقَعَ بِبَغْدَادَ حَرِيْقٌ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وذهب الأموال.
وَمَاتَ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ: فِي شَعْبَانَ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، وَبَايَعُوا حَفِيْدَهُ، فَنذكُرُه استطرادًا.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

عبد الله بن أحمد القادر باللَّه بن الأمير إسحاق ابن المقتدر العباسي، أبو جعفر، القائم بأمر الله:
خليفة، من العباسيين في العراق، ولي الخلافة بعد وفاة أبيه (سنة 422 هـ بعهد منه. وكان ورعا، عادلا، كثير الرّفق بالرعية. له فضل، وعناية بالأدب والإنشاء. وفي أيامه كانت فتنة البساسيري (سنة 450 هـ وحديثها مستوفى في تاريخ ابن الأثير وغيره. أمه أرمنية .

-الاعلام للزركلي-