النابغة الجعدي أبي ليلى
تاريخ الوفاة | 50 هـ |
مكان الوفاة | أصبهان - إيران |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
النابغة الجعدي.
ذكرناه فِي باب النون لأنه غلب عَلَيْهِ النابغة، واختلف فِي اسمه، فقيل: قيس بْن عبد الله [بن عمر] وقيل: حبان بن قيس [بن عبد الله]بن عمرو بن عدس ابن ربيعة بن جعدة بن كعب ابن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة وقيل: اسمه حبان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بْن عدس بْن ربيعة بْن جعدة. وإنما قيل له النابغة فِيمَا يقولون لأنه قَالَ الشعر فِي الجاهلية ثم أقام مدة نحو ثلاثين سنة لا يقول الشعر، ثم نبغ فيه [بعد] فقاله، فسمي النابغة قَالُوا: وَكَانَ قديمًا شاعرًا محسنًا طويل البقاء فِي الجاهلية والإسلام، وَهُوَ عندهم أسن من النابغة الذبياني وأكبر واستدلوا عَلَى أنه أكبر من النابغة الذبياني لأن النابغة الذبياني كَانَ مَعَ النعمان بن المنذر فِي عصره. وَكَانَ النعمان بْن المنذر [بعد المنذر] بْن محرق، وقد أدرك النابغة الجعدي [المنذر بن محرق] ، ونادمه، ولكن النابغة الذبيانيّ مات قبله. وعمر الجعدي بعده عمرًا طويلًا. ذكره عمر بْن شبة عَنْ أشياخه أنه عمر مائة وثمانين سنة، وأنه أنشد عُمَر بن الخطاب:
لقيت أناسًا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وَكَانَ الإله هُوَ المستآسا
فَقَالَ له عمر: كم لبثت مَعَ كل أهل؟ قَالَ: ستين سنة. قَالَ ابْن قتيبة:
عمر النابغة الجعدي مائتين وعشرين سنة، ومات بأصبهان. وهذا أَيْضًا لا يدفع، لأنه قَالَ فِي الشعر السيني الَّذِي أنشده عمر أنه أفنى ثلاثة قرون كل قرن من القرون ستين سنة، فهذه مائة وثمانون سنة، ثم عمر إِلَى زمن ابْن الزُّبَيْر وإلى أن هاجى أوس بْن مغراء ثم ليلى الأخيلية، وَكَانَ يذكر فِي الجاهلية دين إِبْرَاهِيم والحنيفية، ويصوم ويستغفر فِيمَا ذكروا، وَقَالَ فِي الجاهلية كلمته التي أولها:
الحمد للَّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
وفيها ضروب من دلائل التوحيد، والإقرار بالبعث والجزاء، والجنة والنار. وصفه بعض ذلك عَلَى نحو شعر أمية بْن أبي الصلت. وقد قيل:
إن هَذَا الشعر لأمية، ولكنه قد صححه يونس بْن حبيب، وحماد الرواية، ومحمد بْن سلام، وعلي بْن سُلَيْمَانَ الأخفش للنابغة الجعدي.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وفد النابغة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلما. وأنشده، ودعا له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أول مَا أنشده قوله فِي قصيدته الرائية:
أَتَيْتُ رَسُولَ الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرة نيّرا قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنِ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الشَّمْسِ ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ النَّابِغَةَ الْجَعْدِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدْتُهُ قَوْلِي:
وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نُعَوِّدُ خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذَلِكَ مَظْهَرًا
وَفِي رُوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرَادٍ:
عَلَوْنَا عَلَى طُرِّ الْعِبَادِ تَكَرُّمًا ... وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا
وَفِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا، إِلا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُونَ: مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا لَيْلَى؟ قَالَ: فَقُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ: نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا أَنْشَدْتُهُ:
وَلا خَيْرَ فِي حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ. قال: وكان من أحسن الناس ثعرا. وَكَانَ إِذَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ نَبَتَتْ [أُخْرَى] . وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ جَرَادٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ كَأَنَّ فَاهُ الْبَرَدُ الْمُنْهَلُّ يَتَلَأْلَأُ وَيَبْرُقُ، مَا سَقَطَتْ لَهُ سِنٌّ وَلا تَفَلَّتَتْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: أَجَدْتَ لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ. قَالَ: وعاش النابغة بدعوة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أتت عَلَيْهِ. مائة واثنتا عشرة سنة، فَقَالَ فِي ذلك:
أتت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذلك واثنتان
وقد أبقت صروف الدهر مني ... كما أبقت من الذكر اليماني
ألا زعمت بنو سعد بأني ... وما كذبوا كبير السن فاني
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قد روينا هَذَا الخبر من وجوه كثيرة عَنِ النابغة الجعدي من طريق يَعْلَى بْن الأشدق وغيره، وليس فِي شيء منها من الأبيات مَا فِي هذه الرواية، وهذه أتمّها وأحسنها سياقة، إلا أنّ في رواية يعلى بن الأشدق وعبد الله بن جراد أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أجدت لا يفضض اللَّه فاك. وليس فِي هذه الرواية «أجدت» . وما أظن النابغة إلا وقد أنشد الشعر كله رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي قصيدة طويلة نحو مائتي بيت أولها:
خليلي غضا ساعة وتهجرا ... ولو مَا عَلَى مَا أحدث الدهر أَوْ ذرا
وقد ذكرت منها ما أنشده أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عبد السلام الخشني، عَنْ أبي الفضل الرياشي رحمة اللَّه عليهما فِي آخر باب النابغة هَذَا من هَذَا الكتاب، وَهُوَ من أحسن مَا قيل من الشعر فِي الفخر بالشجاعة سباطة ونقاوة وجزالة وحلاوة، وفي هَذَا الشعر مما أنشده رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرّة نيّرا
وجاهدت حتى ما أحسن ومن معى ... سهيلا إذا مَا لاح ثم تحورا
أقيم عَلَى التقوى وأرضى بفعلها ... وكنت من النار المخوفة أحذرا
وأسلم وحسن إسلامه، وَكَانَ يرد عَلَى الخلفاء، ورد عَلَى عمر، ثم عَلَى عُثْمَان، وله أخبار حسان.
وَقَالَ عمر بْن شبة: كَانَ النابغة الجعدي شاعرًا مغلبًا إلا أنه كَانَ إذا هاجى غلب. هاجى أوس بْن مغراء، وليلى الأخيلية، وكعب بْن جعيل، فغلبوه، وَهُوَ أشعر منهم مرارًا، ليس فيهم من يقرب منه، وكذلك قَالَ فيه ابْن سلام وغيره. وذكر الهيثم بْن عدي، قَالَ: رعت بنو عامر بالبصرة فِي الزروع، فبعث أَبُو مُوسَى الأشعري فِي طلبهم، فتصارخوا يَا آل عامر! فخرج النابغة الجعدي، ومعه عصبة له، فأتى به أَبُو مُوسَى، فَقَالَ له: مَا أخرجك؟
قال: سمعت داعية قومي. قال: فضربه أسواطا. فقال النابغة في ذلك:
رأيت البكر بكر بني ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعرينا
فإن تك لابن عفان أمينًا ... فلم يبعث بك البر الأمينا
فيا قبر النَّبِيّ وصاحبيه ... ألا يَا غوثنا لو تسمعونا
ألا صلى إلهكم عليكم ... ولا صلى عَلَى الأمراء فينا
فَأَمَّا خَبَرُهُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حدثنا زبير بن بكار، حدثني هارون ابن أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَهْزِيُّ، حدثنا سليمان بن محمد، عن يحيى ابن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: أَقْحَمْتِ السَّنَةُ نَابِغَةَ بَنِي جَعْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَنْشَدَهُ:
حَكَيْتَ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وَلِيتَنَا ... وَعَثْمَانَ وَالْفَارُوقَ فَارْتَاحَ معدم
وسويت بين الناس في الحق فاستووا ... فعاد صباحا حالك اللين مُظْلِمُ
أَتَاكَ أَبُو لَيْلَى تَجُوبُ بِهِ الدُّجَى ... دجى الليل جوّاب الفلاة عرموم
لِتَجْبُرَ مِنْهُ جَانِبًا دَعْدَعَتْ بِهِ ... صُرُوفُ اللَّيَالِي والزمان المصمّم
قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ يَا أَبَا لَيْلَى، فَإِنَّ الشِّعْرَ أَهْوَنُ وَسَائِلِكَ عِنْدَنَا. أَمَّا صَفْوَةُ مَالِنَا فَإِنَّ بَنِي أَسَدٍ شَغَلَتْنَا عَنْكَ، وَأَمَّا صَفْوَتُهُ فَلآلِ الزُّبَيْرِ، وَلَكِنْ لَكَ فِي مَالِ اللَّهِ حَقَّانِ: حَقٌّ لِرُؤْيَتِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَقٌّ لشركتك أهل الإسلام في فيتهم، ثُمَّ أَدْخَلَهُ دَارَ النَّعَمِ، فَأَعْطَاهُ قَلائِصَ سَبْعًا وَفَرَسًا [وَخَيْلا] ، وَأَوْقَرَ لَهُ الرِّكَابَ بُرًّا وَتَمْرًا وَثِيَابًا، فَجَعَلَ النَّابِغَةُ يَسْتَعْجِلُ وَيَأْكُلُ الْحَبَّ صِرْفًا، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ:
وَيْحَ أَبِي لَيْلَى! لَقَدْ بَلَغَ مِنْهُ الْجَهْدُ. فَقَالَ النَّابِغَةُ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَا وَلِيَتْ قُرَيْشٌ فَعَدَلَتْ، وَاسْتَرْحَمَتْ فَرَحِمَتْ، وَحَدَّثَتْ فصدقت، ووعدت خير فَأَنْجَزَتْ، فَأَنَا وَالنَّبِيُّونَ فُرَّاطُ الْقَادِمِينَ أَلا ... وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَنَّهُمْ تَحْتَ النَّبِيِّينَ بِدَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ الزُّبَيْر: كتب يَحْيَى بْن معين هَذَا الحديث عَنْ أخي. وذكر أَبُو الفرج الأصبهاني هَذَا الحديث، فَقَالَ: حدثني به مُحَمَّد بْن جرير الطبري من حفظه عَنْ أَحْمَد بْن زهير بإسناده. ومما يستحسن ويستجاد للنابغة الجعدي:
فتى كملت خيراته غير أنه ... جواد فلا يبقى من المال باقيا
فتى تم فيه مَا يسر صديقه ... عَلَى أن فيه ما يسوء الأعاديا
وأنشدني أَبُو عُثْمَان سعد بْن نصر، قَالَ: أنشدنا أَبُو مُحَمَّد قَاسِم بْن أَصْبَغَ اليماني ، قَالَ: أنشدنا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عبد السلام الخشني، قَالَ: هَذَا مَا أنشدنا أَبُو العقيل الرياشي من قصيدة النابغة الجعدي:
تذكرت والذكرى تهيج للفتى ... ومن حاجة المحزون أن يتذكرا
نداماي عند المنذر بْن محرق ... أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا
تقضى زمان الوصل بيني وبينها ... ولم ينقض الشوق الَّذِي كَانَ أكثرا
وإني لأستشفي برؤية جارها ... إذا مَا لقائيها علي تعذرا
وألقي عَلَى جيرانها مسحة الهوى ... وإن لم يكونوا لي قبيلًا ومعشرا
ترديت ثوب الذل يوم لقيتها ... وَكَانَ ردائي نخوة وتجبرا
حسبنا زمانًا كل بيضاء شحمة ... ليالي إذ نغزو جذاما وحميرا
إِلَى أن لقينا الحي بكر بْن وائل ... ثمانين ألفًا دارعين وحسرا
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه ... ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكننا كنا عَلَى الموت أصبرا
بنفسي وأهلي عصبة سلمية ... يعدون للهيجا عناجيج ضمرا
وقالوا لنا أحيوا لنا من قتلتم ... لقد جئتم إدًا من الأمر منكرا
ولسنا نرد الروح فِي جسم ميت ... وكنا نسيل الروح ممن تنشرا
نميت ولا نحيي كذلك صنعنا ... إذا البطل الحامي إِلَى الموت أهجرا
ملكنا فلم نكشف قنا لحرة ... ولم نستلب إلا الحديد المسمرا
ولو أننا شئنا سوى ذاك أصبحت ... كرائمهم فينا تباع وتشترى
ولكن أحسابًا نمتنا إِلَى العلا ... وآباء صدق أن يروم المحقرا
وإنا لقوم ما نعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا
أتيت رَسُول اللَّهِ إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابًا كالمجرة نيرا
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جَهْلٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إِذَا مَا أورد الأمر أصدرا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أَحْمَد بْن زهير، قَالَ: وقد روى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشعراء حسان بن ثابت، وكعب ابن مالك، وعبد اللَّهِ بْن رواحة، وعدي بْن حاتم الطائي، وعباس بْن مرداس السلمي، وأبو سُفْيَان بْن الحارث بْن المطلب، وحميد بْن ثور الهلالي، وأبو الطفيل عامر بْن وائلة، وأيمن بْن خريم الأسدي، وأعشى بني مازن، والأسود بْن سريع.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قد روى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشعراء المحسنين ممن لم يذكره أَحْمَد بْن زهير فِي الشعراء الرواة الحارث- بْن هشام، وعمرو ابن شاس، وضرار بْن الأزور، وخفاف بْن ندبة، وكلّ هؤلاء شاعر له صحبة ورواية، ولم يذكر أَحْمَد بْن زهير لبيد بْن ربيعة، ولا ضرار بْن الخطاب، ولا ابْن الزبعري، لأنهم ليست لهم رواية، وكذلك أَبُو ذؤيب الهذلي، والشماخ بْن ضرار، وأخوه مزرد بْن ضرار.
قَالَ مُحَمَّد بْن سلام: النابغة الجعدي، والشماخ بْن ضرار، ولبيد بْن ربيعة، وأبو ذؤيب الهذلي طبقة. قَالَ: وَكَانَ الشماخ أشد متونًا من لبيد، ولبيد أحسن منه منطقا.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عاصم النمري القرطبي.
النابغة الجعدي
النابغة الجعدي وقد اختلف فِي اسمه، فقيل: قيس بْن عَبْد اللَّهِ، وقيل: عَبْد اللَّهِ بْن قيس، وقيل: حيان بْن قيس بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عدس بْن ربيعة بْن جعدة بْن كعب بْن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة العامري الجعدي، نسبه هكذا أَبُو عمر.
وقال الكلبي: هُوَ قيس بْن عَبْد اللَّهِ بْن عدس بْن ربيعة.
واختلف أيضا فِي نسبه، وَالَّذِي ذكرناه أشهر ما قيل فِيه، وَإِنما قيل لَهُ: النابغة، لأنه قَالَ الشعر فِي الجاهلية، ثُمَّ أقام مدة نحو ثلاثين سنة، لا يقول الشعر، ثُمَّ نبغ فِيهِ فقاله، فسمي النابغة، وطال عمره فِي الجاهلية والإسلام، وهو أسن من النابغة الذبياني، وَإِنما مات الذبياني قبله، وعمر الجعدي بعده طويلا، وقيل: عاش مائة وثمانين سنة.
وقال ابن قُتَيْبَة: عاش النابغة الجعدي مائتين وأربعين سنة، وهذا لا يبعد، لأنه أنشد عمر بْن الخطاب:
ثلاثة أهلين أفنيتهم وَكَانَ الإله هُوَ المستآسا
فقال لَهُ عمر: كم لبثت مع كل أهل؟ قَالَ: ستين سنة، فذلك مائة وثمانون سنة، ثُمَّ عاش بعد ذَلِكَ إِلَى أيام ابن الزبير، وَإِلى أن هاجى أوس بْن مغراء، وليلى الأخيلية.
وَكَانَ يذكر فِي الجاهلية دين إِبْرَاهِيم والحنيفية، ويصوم ويستغفر، وله قصيدة أولها:
الحمد لله لا شريك لَهُ من لَمْ يقلها فنفسه ظلما
وفيها ضروب من دلائل التوحيد، والإقرار بالبعث والجزاء، والجنة والنار، وقيل: إن هَذَا الشعر لأمية بْن أَبِي الصلت، وقد صححه يونس بْن حبيب، وحماد الراوية، وَمُحَمَّد بْن سلام، وَعَليّ بْن سُلَيْمَان الأخفش للنابغة الجعدي.
ووفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، وأنشده قصيدته الرائية، وفيها:
أتيت رَسُول اللَّهِ إِذْ جَاءَ بِالْهُدَى ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
أَخْبَرَنَا فِتْيَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُودَانَ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ الطُّوسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ النَّقُّورِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الدَّقَّاقُ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، حدثنا دَاوُدُ وَهُوَ ابْنُ رُشَيْدٍ، حدثنا يَعْلَى بْنُ الأَشْدَقِ، قَالَ: سمعت النَّابِغَةَ، يَقُولُ: أَنْشَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلَغْنَا السَّمَاءَ، مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فَقَالَ: " أَيْنَ الْمَظْهُر يَا أَبَا لَيْلَى؟ " قُلْتُ: الْجَنَّةُ، قَالَ: " أَجَلْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ "، ثُمَّ قُلْتُ:
وَلا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَلِيمٌ إِذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَدْتَ لا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ "، مَرَّتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ الأَصْفَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْجَنْزَرُوذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، حدثنا أَيُّوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَزَّانُ، حدثنا يَعْلَى بْنُ الأَشْدَقِ الْعُقَيْلِيُّ، قَالَ: سمعت قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْدَةَ، وَهُوَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدْتُهُ..
وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ إِلَى آخِرِهِ، وَهِيَ قَصِيدَةٌ طَوِيلَةٌ، وَهِيَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ مِنَ الشِّعْرِ ولم يزل يرد عَلَى الخلفاء بعد النَّبِيّ، وَكَانَ شاعرا محسنا، إلا أَنَّهُ كَانَ رديء الهجاء، لا يزال يغلبه من يهاجيه، وهو أشعر منهم، لَيْسَ فيهم من يقرب مِنْه، فمن ذَلِكَ أَنَّهُ هجا ليلة الأخيلية، فقال:
ألا حييا ليلى وقولا لَهَا: هلا
فأجابته ليلى فقالت:
وعيرتني داء بأمك مثله وأي حصان لا يقال لَهَا: هلا؟
ووفد إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الزبير بمكة، وقصته معه مشهورة.
وقد روى عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى يَحْيَى بْن عروة بْن الزبير، عن أبيه، عن عمه عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، عن النابغة، أَنَّهُ قَالَ: " سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما وليت قريش فعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدثت فصدقت، ووعدت فأنجزت، إلا وذكر كلمة معناها، أنهم تحت النبيين بدرجة فِي الجنة ".
أخرجه الثلاثة.
أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين ابن الأثير.
النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ حِصْنٍ وَقَدْ أَخْرَجْتُ نَسَبَهُ فِي الْقَافِ وَحَدِيثَهُ
-معجم الصحابة - أبي الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي-
النابغة الجعديّ: الشاعر المشهور المعمّر.
اختلف في اسمه، فقيل: هو قيس بن عبد اللَّه بن عدس بن ربيعة بن جعدة. وقيل بدل عدس وحوح. وجعدة هو ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وقيل اسم النابغة عبد اللَّه. وقيل حبان بن قيس بن عمرو بن عدس. وقيل حبان بن قيس بن عبد اللَّه بن قيس، وقيل بتقديم قيس على عبد اللَّه، وبه جزم القحذمي، وأبو الفرج الأصبهانيّ، وبالأول جزم ابن الكلبيّ، وأبو حاتم السجستاني، وأبو عبيدة، ومحمد بن سلام الجمحيّ، وغيرهم.
وحكاه البغوي عنه، وحكى أبو الفرج الأصبهانيّ أنه غلط، لأنه كان له أخ اسمه وحوح بن قيس قتل في الجاهلية فرثاه النابغة.
قلت: ويحتمل أن يكون وحوح أخاه لأمه، وقد أخرج الحسن بن سفيان في مسندة، عن أبي وهب الوليد بن عبد الملك، عن يعلي بن الأشدق: حدّثني قيس ابن عبد اللَّه بن عدس بن ربيعة نابغة بني جعدة، فذكر حديثا، قال أبو الفرج: أقام مدة لا يقول الشعر ثم قاله فقيل نبغ، وقيل: كان يقول الشعر ثم تركه في الجاهلية، ثم عاد إليه بعد أن أسلم، فقيل نبغ.
وقال القحذميّ: كان النابغة قديما شاعرا مفلقا طويل العمر في الجاهلية وفي الإسلام، قال: وكان أسنّ من النابغة الذبياني، ومن شعره الدال على طول عمره:
ألا زعمت بنو أسد بأنّي ... أبو ولد كبير السّنّ فاني
فمن يك سائلا عنّي فإنّي ... من الفتيان أيّام الختان
أتت مائة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذاك وحجّتان
وقد أبقت صروف الدّهر منّي ... كما أبقت من السّيف اليماني
[الوافر] وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين: عاش مائتي سنة، وهو القائل:
قالت أمامة كم عمرت زمانة ... وذبحت من عتر على الأوثان
ولقد شهدت عكاظ قبل محلّها ... فيها وكنت أعدّ م الفتيان
والمنذر بن محرّق في ملكه ... وشهدت يوم هجائن النّعمان
وعمرت حتّى جاء أحمد بالهدى ... وقوارع تتلى من القرآن
ولبست م الإسلام ثوبا واسعا ... من سيب لا حرم ولا منّان
[الكامل] قال ابن عبد البرّ: استدلوا بهذا على أنه كان أسن من النابغة الذبيانيّ، لأنه ذكر أنه شهد المنذر بن محرق، والنابغة الذبيانيّ إنما أدرك النعمان بن المنذر، وتقدمت وفاة النابغة الذبيانيّ قبله بمدة، ولذلك كان يظنّ أن النابغة الذبيانيّ أكبر من الجعديّ وذكر عمر بن شبة عن أشياخه أنه عمر مائة وثمانين سنة، وأنه أنشد عمر بن الخطاب:
لبست أناسا فأفنيتهم ... وأفنيت بعد أناس أناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكان الإله هو المستآسا
[المتقارب]
فقال له عمر: كم لبثت مع كل أهل؟ قال: ستين سنة.
وقال ابن قتيبة: عمّر بعد ذلك إلى زمن ابن الزبير، ومات بأصبهان وله مائتان وعشرون سنة. وذكر المرزباني نحوه إلا قدر عمره، وزاد أنه كان من أصحاب عليّ، وله مع معاوية أخبار. وعن الأصمعيّ أنه عاش مائتين وثلاثين سنة، وروينا في كتاب الحاكم من طريق النضر بن شميل أنه سئل عن أكبر شيخ لقيه المنتجع الأعرابيّ قال:
قلت: له من أكبر من لقيت؟ قال: النابغة الجعديّ. قال: قلت له: كم عشت في الجاهلية؟ قال: دارين. قال النضر: يعني مائتي سنة.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى: كان النابغة ممن فكر في الجاهلية، وأنكر الخمر والسّكر، وهجر الأزلام، واجتنب الأوثان، وذكر دين إبراهيم، وهو القائل القصيدة التي فيها:
الحمد للَّه لا شريك له ... من لم يقلها فنفسه ظلما
[المنسرح] قال أبو عمر: في هذه القصيدة: ضروب من التوحيد، والإقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار على نحو شعر أمية بن أبي الصلت، وقد قيل: إنها لأمية، لكن صححها حماد الراوية، ويونس بن حبيب، ومحمد بن سلام الجمحيّ، وعلي بن سليمان الأخفش للنابغة،
قرأت على علي بن محمد الدمشقيّ بالقاهرة، عن سليمان بن حمزة، أنبأنا علي بن الحسين شفاها، أنبأنا أبو القاسم بن البناء كتابة، أنبأنا أبو النصر الطوسي، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أبو القاسم البغويّ، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا يعلي بن الأشدق، قال: سمعت النابغة الجعديّ يقول: أنشدت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم:
بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا
[الطويل] فقال: «أين المظهر يا أبا ليلى؟» قلت: الجنة. قال: «أجل إن شاء اللَّه تعالى» . ثم قال:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوة أن يكدّرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
[الطويل]
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: «لا يفضض اللَّه فاك» - مرتين.
وهكذا أخرجه البزّار، والحسن بن سفيان في مسنديهما، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان، والشيرازي في الألقاب، كلّهم من رواية يعلى بن الأشدق، قال: وهو ساقط الحديث.
قال أبو نعيم: رواه عن يعلى جماعة منهم هاشم بن القاسم الحرّاني، وأبو بكر الباهليّ، وعروة العرقيّ، لكنه توبع، فقد وقعت لنا قصة في غريب الحديث للخطابيّ، وفي كتاب العلم للمرهبيّ وغيرهما، من طريق مهاجرين بن سليم، عن عبد اللَّه بن جراد: سمعت نابغة بني جعدة يقول: أنشدت النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قولي: علونا السماء ...
البيت، فغضب، وقال: «أين المظهر يا أبا ليلى؟» قلت: الجنة. قال: «أجل إن شاء اللَّه» .
ثم قال: أنشدني من قولك. فأنشدته البيتين: ولا خير في حلم، فقال لي: «أجدت، لا يفضض اللَّه فاك» . فرأيت أسنانه كالبرد المنهل، ما انفصمت له سنّ ولا انفلتت.
ورويناه في المؤتلف والمختلف للدّارقطنيّ، وفي الصحابة لابن السكن، وفي غيرهما من طريق الرحال بن المنذر: حدثني أبي، عن أبيه كرز بن أسامة، وكانت له وفادة مع النابغة الجعديّ، فذكرها بنحوه، ورويناها في الأربعين البلدانية للسلفي، من طريق أبي عمرو بن العلاء، عن نصر بن عاصم الليثيّ، عن أبيه: سمعت النابغة يقول: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأنشدته قولي: أتيت رسول اللَّه ... البيت، وبعده: بلغنا السماء ... البيت، فقال: «إلى أين يا أبا ليلى؟» قال: إلى الجنة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم: «إن شاء اللَّه» ... فلما أنشدته ولا خير في جهل ... البيت: ولا خير في حلم ... البيت- فقال لي: «صدقت لا يفضض اللَّه فاك» ، فبقي عمره أحسن الناس ثغرا، كلما سقطت سنّ عادت أخرى، وكان معمّرا.
ورويناه في مسند الحارث بن أبي أسامة، من طريق الحسن بن عبيد اللَّه العنبريّ، قال: حدّثني من سمع النابغة الجعديّ يقول: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأنشدته:
وإنّا لقوم ما نعوّد خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا
وننكر يوم الرّوع ألوان خيلنا ... من الطّعن حتّى نحسب الجون أشقرا
وليس بمعروف لنا أن نردّها ... صحاحا ولا مستنكرا أن تعقّرا
[الطويل]
بلغنا السماء ... البيت، وبقية القصيدة نحوه.
ورويناها مسلسلة بالشعراء من رواية دعبل بن علي الشّاعر، عن أبي نواس، عن والبة بن الحباب، عن الفرزدق، عن الطرماح، عن النّابغة، وهي في كتاب الشّعراء لأبي زرعة الرّازي المتأخر.
وقد طولت ترجمته في كتاب من جاوز المائة مما دار بينه وبين من هاجاه من الماجريات كليلى الأخيلية صاحبة توبة، وأوس المزنيّ، وغيرهما.
وذكر أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» أنه قيس بن عبد اللَّه، وأنه مات بأصبهان، قال:
وكان معاوية سيّره إليها مع الحارث بن عبد اللَّه بن عبد عوف بن أصرم، وكان ولي أصبهان من قبل علي، ثم أسند من طريق الأصمعيّ، عن هانئ بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن صفوان، قال: عاش النابغة مائة وعشرين سنة.
قال ابن عبد البرّ: قصيدة النابغة مطوّلة نحو مائتي بيت، أولها:
خليليّ غضّا ساعة وتهجّرا ... ولو ما على ما أحدث الدّهر أو ذرا
[الطويل] يقول فيها:
أتيت رسول اللَّه إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرّة نيّرا
[الطويل] ومنها:
وجاهدت حتّى ما أحسّ ومن معي ... سهيلا إذا ما لاح ثمّ تحوّرا
أقيم على التّقوى وأرضى بفعلها ... وكنت من النّار المخوفة أحذرا
[الطويل] قال: وما أظنّه إلا أنشدها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم كلها.
ثم أورد أبو عمر بإسناده إلى أبي الفرج الرياشي منها أربعة وعشرين بيتا.
وذكر عمر بن شبّة عن مسلمة بن محارب أنّ النابغة الجعديّ دخل على عليّ فذكر قصّة.
وذكر أبو نعيم في تاريخ أصبهان: وأخرج ابن أبي خيثمة في تاريخه عن الزبير بن بكّار، وحدّثني أخي هارون بن أبي بكر، عن يحيى بن أبي قتيلة، عن سليمان بن محمّد بن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عمه عبد اللَّه بن عروة، قال: ألحت السنة على نابغة بني جعدة، فدخل على ابن الزبير في المسجد الحرام فأنشده:
حكيت لنا الصّدّيق لمّا وليتنا ... وعثمان والفاروق فارتاح معدم
وسوّيت بين النّاس في الحقّ فاستووا ... فعاد صباحا حالك اللّيل مظلم
أتاك أبو ليلى تجوب به الدّجى ... دجى اللّيل جوّاب الفلاة عرمرم»
لتجبر منه جانبا دعدعت به ... صروف اللّيالي والزّمان المصمّم
[الطويل] فقال ابن الزّبير: هوّن عليك يا أبا ليلى، فإن الشّعر أيسر وسائلك عندنا، لك في مال اللَّه حقّان: حقّ لرؤيتك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم، وحقّ لشركتك أهل الإسلام في فيئهم، ثم أخذه بيده فدخل به دار النّعم، وأعطاه سبع قلائص وحملا وخيلا، وأوقر الركاب برّا وتمرا وثيابا، فجعل النابغة يستعجل ويأكل الحبّ صرفا، فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلى! لقد بلغ به الجهد.
فقال النّابغة: أشهد لسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول: «ما وليت قريش فعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدّثت فصدقت، ووعدت خيرا فأنجزت، فأنا والنبيون فرّاط التابعين (أخرجه الطبراني في الكبير 18/ 365 وأورده ابن حجر في المطالب العالية حديث رقم 2056 والهيثمي في الزوائد 10/ 28، عن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير بزيادة في أول الحديث قال الهيثمي رواه الطبراني وفيه راو لم أعرفه ورجال مختلف فيهم وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 33827، 33828، 37986).
وقد وقع لنا عاليا جدّا من حديث ابن الزّبير موافقة، قرأت على فاطمة بنت محمد بن المنجي بدمشق، عن سليمان بن حمزة، أنبأنا محمود بن إبراهيم في كتابه، أنبأنا مسعود بن الحسن، أنبأنا أبو بكر السمسار، أنبأنا أبو إسحاق بن خرشة، أنبأنا أبو الحسن المخزومي، حدّثنا الزّبير بن بكّار بن بتمامه.
وأخرجه ابن جرير في تاريخه، عن ابن أبي خيثمة. وأخرجه أبو الفرج الأصبهانيّ في الأغاني عن ابن جرير. وأخرجه ابن أبي عمر في مسندة عن هارون. وأخرجه ابن السكن عن محمد بن إبراهيم الأنماطيّ، والطّبرانيّ في الصّغير عن حسين بن الفهم، وأبو الفجر الأصبهانيّ عن حرمي بن العلاء، ثلاثتهم عن الزّبير، فوقع لنا بدلا عاليا. وأخرج أبو نعيم عن الطّبرانيّ طرفا منه.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
حيان أو حبان بن قيس بن عَبْد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة [بن معاوية] بن بكر بن هوازن،
هو النابغة الجعدي الشاعر، أبو ليلى، اختلف في اسمه وفى سياق نسبه على ما نذكره مجودًا في باب النون إن شاء الله تعالى
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عاصم النمري القرطبي.
النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ قَيْسُ بْنُ حِصْنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُطَيَّنٌ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ، نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، نا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ، سَمِعَ النَّابِغَةَ الْجَعْدِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَنْشِدْنِي» , نَشَدْتُهُ:
[البحر الطويل]
بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدَنَا وَسِنَانَا ... وَإِنَّا لَنَبْغِي فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرَا
فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى أَيْنَ يَا أَبَا لَيْلَى؟» قُلْتُ: إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: «نَعَمْ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ: «لَا يَغْضِضِ اللَّهُ فَاكَ» , فَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ شِعْرًا
-معجم الصحابة - أبي الحسين عبد الباقي بن قانع البغدادي-
قيس بن عبد الله النابغة الجعدي
قيس بْن عَبْد اللَّه بْن عدس النابغة الجعدي الشَّاعِر المشهور بلقبه النابغة.
ونذكره إن شاء اللَّه فِي النون أتم من هذا، أَخْرَجَهُ الثلاثة.
أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين ابن الأثير.
قيس: بن عبد اللَّه بن عدس ، الجعديّ، قيل: هو اسم النابغة، يأتي في النون.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
قيس الجعديّ: هو النابغة.
اختلف في اسم أبيه. وستأتي ترجمته في النون.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
قيس بن عبد اللَّه: الجعديّ: يأتي في النابغة الجعديّ في حرف النون.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
قيس الجعديّ.
أفرده الذّهبيّ في «التجريد» بالذكر، وعزاه لمسند بقي بن مخلد، وهذا هو النابغة الجعديّ، وقد ذكر في قيس بن عبد اللَّه بن عدس.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
نَابِغَةُ بْنُ جَعْدَةَ الشَّاعِرُ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُدُسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَعْدَةَ
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ قَطَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتَيٍّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِلنَّابِغَةِ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ: «أَنْشِدْنَا مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» ، فَأَسْمَعَهُ كَلِمَةً، قَالَ: وَإِنَّكَ لَقَائِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ " قَالَ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْقَصِيدَةَ كَلِمَةً
-طبقات ابن سعد الطبقة الرابعة من الصحابة ممن أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك-
قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بْن رَبِيعَة بْن جعدة، هُوَ النابغة الجعدي الشاعر
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عاصم النمري القرطبي.
أَبُو ليلى النابغة الجعدي الشاعر.
واسمه قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، له صحبة. روينا عنه من وجوه أنه قَالَ: أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بلغنا السماء مجدنا وسناءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقلت، إِلَى الجنة، فَقَالَ:
إن شاء الله، فلما بلغت:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير فِي أمر إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسنت يَا أبا ليلى، لا يفضض اللَّه فاك. قَالَ: فأتى عَلَيْهِ أكثر من مائة سنة، وَكَانَ أحسن الناس ثغرًا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قد عاش نحو مائتي سنة فِيمَا ذكر عمر بن شبة وابن قتيبة. وقد ذكرنا عيون أخباره فِي باب النون من هَذَا الكتاب. يقال: إن مولده قبل مولد النابغة الذبياني، وعاش حَتَّى مدح ابْن الزُّبَيْر وَهُوَ خليفة، دخل عليه الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَأَنْشَدَهُ:
حَكَيْتَ لَنَا الصِّدِّيقَ لَمَّا وليتنا ... وعثمان والفاروق فأتاح معدم
وسويت بين الناس في الحق فاستووا ... فعاد صباحا حالك الليل مظلم
أتاك أَبُو ليلى يجوب به الدجى ... دجى الليل جواب الفلاة عثمثم
لتجبر منه جانبًا زعزعت به ... صروف الليالي والزمان المصمم
وقد ذكرت هَذَا الخبر بتمامه وغيره من أخباره وذكرت الاختلاف فِي اسمه ونسبه [إلى جعدة] فِي باب اسمه من هَذَا الكتاب.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عاصم النمري القرطبي.
أبو ليلى النابغة الجعدي
أبو ليلى النابغة الجعدي الشاعر، واسمه: قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
له صحبة.
وهو الذي أنشد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين ابن الأثير.
قيس بن حصين: بن قيس بن عمرو الجعديّ المعروف بالنابغة. كذا نسبه ابن قانع.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
قيس بن سعد: بن عدس الجعديّ، هو النابغة.
سماه هكذا ابن أبي حاتم، ووقع ذلك في مسند الحسن بن سفيان، حدثنا سفيان، حدّثنا أبو وهب الحراني، حدثنا يعلي بن الأشدق، حدثني قيس بن سعد بن عبد اللَّه بن جعدة بن نابغة عن جعدة.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
حيان بن قيس
حيان بْن قيس بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمرو ابن عدس بْن ربيعة بْن جعدة بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة النابغة الجعدي الشاعر، كنيته أَبُو ليلى اختلف في اسمه، فقيل: حيان، وقيل: حنان، وسيذكر في باب النون إن شاء اللَّه تعالى.
أخرجه أَبُو عمر.
أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين ابن الأثير.
أبو ليلى:
هو النابغة الجعديّ.
الإصابة في تمييز الصحابة - أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني.
قيس بن عبد الله بن عُدَس بن ربيعة الجعديّ العامري، أبو ليلى:
شاعر مفلق، صحابي: من المعمرين. اشتهر في الجاهلية. وسمي " النابغة " لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقوم الشعر ثم نبغ فقاله.
وكان ممن هجر الأوثان، ونهى عن الخمر، قبل ظهور الإسلام. ووفد على النبي صلى الله عليه وآله فأسلم، وأدرك صفين، فشهدها مع علي. ثم سكن الكوفة، فسيره معاوية إلى أصبهان مع أحد ولاتها، فمات فيها وقد كف بصره، وجاوز المئة. وأخباره كثيرة، وجمعت الآنسة المستشرقة مارية نلينو Maria Nallino ما وجدت من متفرق شعره، في " ديوان - ط " مع ترجمة إلى الإيطالية وتحقيقات .
-الاعلام للزركلي- (تاريخ الوفاة غير دقيق)
يوجد له ترجمة في كتاب: (بغية الطلب في تاريخ حلب - لكمال الدين ابن العديم)