عبد الوهاب بن خلف بن بدر الشافعي تاج الدين

ابن بنت الأعز

تاريخ الولادة604 هـ
تاريخ الوفاة665 هـ
العمر61 سنة
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • مصر - مصر

نبذة

عبد الْوَهَّاب بن خلف بن بدر العلامي قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز. ولد فِي مستهل رَجَب سنة أَربع وسِتمِائَة وَسمع من جَعْفَر الهمذاني وَقَرَأَ سنَن أبي دَاوُد على الْحَافِظ زكي الدّين وَحدث. وَكَانَ رجلا فَاضلا ذكي الْفطْرَة حاد القريحة صَحِيح الذِّهْن رَئِيسا عفيفا نزها جميل الطَّرِيقَة حسن السِّيرَة.

الترجمة

عبد الْوَهَّاب بن خلف بن بدر العلامي قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين ابْن بنت الْأَعَز
ولد فِي مستهل رَجَب سنة أَربع وسِتمِائَة وَسمع من جَعْفَر الهمذاني وَقَرَأَ سنَن أبي دَاوُد على الْحَافِظ زكي الدّين وَحدث
وَكَانَ رجلا فَاضلا ذكي الْفطْرَة حاد القريحة صَحِيح الذِّهْن رَئِيسا عفيفا نزها جميل الطَّرِيقَة حسن السِّيرَة مقدما عِنْد الْمُلُوك ذَا رَأْي سديد وذهن ثاقب وَعلم جم
ولي قَضَاء الْقُضَاة بالديار المصرية والوزارة وَالنَّظَر وتدريس قبَّة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ والصالحية والخطابة والمشيخة وَاجْتمعَ لَهُ من المناصب مَا لم يجْتَمع لغيره وَكَانَ يُقَال إِنَّه آخر قُضَاة الْعدْل وَاتفقَ النَّاس على عدله وخيره وَكَانَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ يصفه بِصِحَّة الذِّهْن
وَعَن شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد أَنه قَالَ لَو تفرع ابْن بنت الْأَعَز للْعلم فاق ابْن عبد السَّلَام
وَعَن بعض الْكِبَار فِي عصره أَنه قَالَ قاضيان حجَّة الله على الْقُضَاة ابْن الْأَعَز وَابْن الْبَارِزِيّ قَاضِي حماة يَعْنِي جد قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين هبة الله
وَفِي أَيَّامه جدد الْملك الظَّاهِر الْقُضَاة الثَّلَاثَة فِي الْقَاهِرَة ثمَّ فِي دمشق وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَنه سَأَلَ القَاضِي تَاج الدّين فِي أَمر فَامْتنعَ من الدُّخُول فِيهِ فَقيل لَهُ مر نائبك الْحَنَفِيّ وَكَانَ القَاضِي وَهُوَ الشَّافِعِي يَسْتَنِيب من شَاءَ من الْمذَاهب الثَّلَاثَة فَامْتنعَ من ذَلِك أَيْضا فَجرى مَا جرى وَكَانَ الْأَمر متمحضا للشَّافِعِيَّة فَلَا يعرف أَن غَيرهم حكم فِي الديار المصرية مُنْذُ وَليهَا أَبُو زرْعَة مُحَمَّد بن عُثْمَان الدِّمَشْقِي فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى زمَان الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون نَائِب يستنيبه بعض قُضَاة الشَّافِعِيَّة فِي جزئية خَاصَّة وَكَذَا دمشق لم يلها بعد أبي زرْعَة الْمشَار إِلَيْهِ فَإِنَّهُ وَليهَا أَيْضا وَلم يلها بعده إِلَّا شَافِعِيّ غير التلاشاعوني التركي الَّذِي وَليهَا يويمات وَأَرَادَ أَن يجدد فِي جَامع بني أُميَّة إِمَامًا حنفيا فأغلق أهل دمشق الْجَامِع وعزل القَاضِي وَاسْتمرّ جَامع بني أُميَّة فِي يَد الشَّافِعِيَّة كَمَا كَانَ فِي زمن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يكن يَلِي قَضَاء الشَّام والخطابة والإمامة بِجَامِع بني أُميَّة إِلَّا من يكون على مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ إِلَى أَن انْتَشَر مَذْهَب الشَّافِعِي فَصَارَ لَا يَلِي ذَلِك إِلَّا الشَّافِعِيَّة
وَقَالَ أهل التجربة إِن هَذِه الأقاليم المصرية والشامية والحجازية مَتى كَانَت الْبَلَد فِيهَا لغير الشَّافِعِيَّة خربَتْ وَمَتى قدم سلطانها غير أَصْحَاب الشَّافِعِي زَالَت دولته سَرِيعا وَكَأن هَذَا السِّرّ جعله الله فِي هَذِه الْبِلَاد كَمَا جعل مثله لمَالِك فِي بِلَاد الْمغرب وَلأبي حنيفَة فِيمَا وَرَاء النَّهر
وَسمعت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد يَقُول سَمِعت صدر الدّين ابْن المرحل رَحمَه الله يَقُول مَا جلس على كرْسِي ملك مصر غير شَافِعِيّ إِلَّا وَقتل سَرِيعا وَهَذَا الْأَمر يظْهر بالتجربة فَلَا يعرف غير شَافِعِيّ إِلَّا قطز رَحمَه الله كَانَ حنفيا وَمكث يَسِيرا وَقتل وَأما الظَّاهِر فقلد الشَّافِعِي يَوْم ولَايَة السلطنة ثمَّ لما ضم الْقُضَاة إِلَى الشَّافِعِيَّة اسْتثْنى للشَّافِعِيَّة الْأَوْقَاف وَبَيت المَال والنواب وقضاة الْبر والأيتام وجعلهم الأرفعين وَمَعَ ذَلِك قيل إِنَّه نَدم وَقَالَ أندم على ثَلَاث ضم غير الشَّافِعِيَّة إِلَيْهِم والعبور بالجيوش إِلَى الْفُرَات وَعمارَة الْقصر الأبلق بِدِمَشْق
وَحكي أَن الظَّاهِر رأى الشَّافِعِي فِي النّوم لما ضم إِلَى مذْهبه بَقِيَّة الْمذَاهب وَهُوَ يَقُول تهين مذهبي الْبِلَاد لي أَو لَك أَنا قد عزلتك وعزلت ذريتك إِلَى يَوْم الدّين فَلم يمْكث إِلَّا يَسِيرا وَمَات وَلم يمْكث وَلَده السعيد إِلَّا يَسِيرا وزالت دولته وَذريته إِلَى الْآن فُقَرَاء وَجَاء بعده قلاوون وَكَانَ دونه تمَكنا وَمَعْرِفَة وَمَعَ ذَلِك مكث الْأَمر فِيهِ وَفِي ذُريَّته إِلَى هَذَا الْوَقْت وَللَّه تَعَالَى أسرار لَا يُدْرِكهَا إِلَّا خَواص عباده وللأئمة رَضِي الله عَنْهُم عِنْده مقامات لَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا عقول أمثالنا فَكَانَ الرَّأْي السديد لمن رأى قَوَاعِد الْبِلَاد مستمرة على شَيْء غير بَاطِل أَن يجْرِي النَّاس على مَا يعهدون وَلَكِن إِذا أَرَادَ الله أمرا هيأ أَسبَابه وَلَعَلَّ سَبَب زَوَال دولة الْمَذْكُور بِهَذَا السَّبَب
وَقد حُكيَ أَنه رئي فِي النّوم فَقيل مَا فعل الله بك قَالَ عذبني عذَابا شَدِيدا بِجعْل الْقُضَاة أَرْبَعَة وَقَالَ فرقت كلمة الْمُسلمين وَلَا يخفى على ذِي بَصِيرَة مَا حصل من تفرق الْكَلِمَة وتعدد الْأُمَرَاء واضطراب الآراء
وَقد قَالَ أَبُو شامة لما حكى ضم الْقُضَاة الثَّلَاثَة إِنَّه مَا يعْتَقد أَن هَذَا وَقع قطّ وَصدق فَلم يَقع هَذَا فِي وَقت من الْأَوْقَات وَبِه حصلت تعصبات الْمذَاهب والفتن بَين الْفُقَهَاء ويحكى أَن القَاضِي تَاج الدّين ركب وَتوجه إِلَى القرافة وَدخل على الْفَقِيه مفضل حَتَّى تولى عَنهُ الشرقية فَقيل لَهُ تروح إِلَى شخص حَتَّى توليه فَقَالَ لَو لم يفعل لقبلت رجله حَتَّى يقبل فَإِنَّهُ يسد عني ثلمة من جَهَنَّم
وَكَانَ الْأُمَرَاء الْكِبَار يشْهدُونَ عِنْده فَلَا يقبل شَهَادَتهم فَيُقَال إِن ذَلِك أَيْضا من جملَة الْحَوَامِل على ضم الْقُضَاة الثَّلَاثَة إِلَيْهِ
وَمِمَّا يحْكى من رياسة قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين وذكائه وَسُرْعَة إِدْرَاكه أَن أَبَا الْحُسَيْن الجزار الأديب كَانَ يَصْحَبهُ وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة لشدَّة تصلبه فِي الدّين يعرف النَّاس مِنْهُ أَنه لَا يرخص لأحد فظفر بعض أَعدَاء الجزار بِوَرَقَة بِخَط الجزار يَدْعُو فِيهَا شخصا إِلَى مجْلِس أنس وَوصف الْمجْلس وَوضع الورقة فِي نُسْخَة من صِحَاح الْجَوْهَرِي فِي الْقَائِمَة الأولى مِنْهَا وَأعْطى الْكتاب لدلال الْكتب وَقَالَ اعرضه على قَاضِي الْقُضَاة فَأحْضرهُ لَهُ فَقَرَأَ الورقة وَعرف خطّ الجزار وَقَالَ للدلال رد الْكتاب إِلَى صَاحبه فَإِنَّهُ مَا يَبِيعهُ فقد فهمنا مقْصده فَلَمَّا حضر الجزار نَاوَلَهُ قَاضِي القَاضِي الورقة ففهم وَقَالَ يَا مولَايَ هَذَا خطي من ثَلَاثِينَ سنة ثمَّ اشْتهى الجزار أَن يعرف مَا عِنْد القَاضِي وَهل تأثر بِالْوَرَقَةِ فأغفله أَيَّامًا ثمَّ حكى لَهُ فِي أثْنَاء مجْلِس أَن شخصا كَانَ يصحب قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين ابْن السكرِي فَوَقَعت لَهُ شَهَادَة على شخص فسابقه ذَلِك الشَّخْص وَادّعى عَلَيْهِ أَنه اسْتَأْجرهُ من مُدَّة كَذَا ليغني لَهُ فِي عرس بِكَذَا وَقبض الْأُجْرَة وَلم يغن فَأنْكر وانفصلت الْخُصُومَة ثمَّ وَقعت لَهُ الدَّعْوَى على الْمُدعى الْمَذْكُور وَشهد ذَلِك الشَّاهِد فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين مَا صنع ابْن السكرِي فَقَالَ لَهُ الجزار لم يقبل شَهَادَته فَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين مَا أنصف ابْن السكرِي فَعرف الجزار أَنه لم يتأثر بِالْوَرَقَةِ
توفّي رَحمَه الله لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ ورثاه بَعضهم بِأَبْيَات مِنْهَا
(يَا دهر بِعْ رتب الْمَعَالِي بعده ... بيع السماح ربحت أم لم تربح)
(قدم وَأخر من تشَاء وتشتهي ... مَاتَ الَّذِي قد كنت مِنْهُ تَسْتَحي)
والأعز الَّذِي ينْسب إِلَيْهِ قَرَأت بِخَط قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين الْآجُرِيّ رَحمَه الله أَن الْأَعَز ابْن شكر وَزِير الْملك الْكَامِل بن أبي بكر بن أَيُّوب قَالَ وَهُوَ أَبُو أم قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين
والعلامي بِالتَّخْفِيفِ نِسْبَة إِلَى عَلامَة وَهِي قَبيلَة من لخم عبد الْوَهَّاب بن الْحُسَيْن بن عبد الْوَهَّاب المهلبي القَاضِي وجيه الدّين البهنسي قَاضِي مصر أَبُو مُحَمَّد
كَانَ فَقِيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا
ولي قَضَاء الديار المصرية ثمَّ عزل عَن الْقَاهِرَة وَالْوَجْه البحري وَاسْتمرّ على قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي إِلَى أَن توفّي ودرس بالزاوية المجدية بالجامع الْعَتِيق بِمصْر وتناظر هُوَ والضياء بن عبد الرَّحِيم مرّة فَصَارَ يَعْلُو كَلَامه عَلَيْهِ وَكَانَ يتأكل فِي كَلَامه وَيدل بفضله
وَحكي أَن بعض الطّلبَة جلس بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ انْظُر فِي أَمْرِي لي أَربع سِنِين فِي هَذَا الْموضع وحفظت أَرْبَعَة كتب وجامكيتي أَرْبَعَة دَرَاهِم وَكسر الْهَاء فِي الْجَمِيع فَقَالَ لَهُ يَا فَقِيه من بنى أربعتك على الْكسر
وَحضر عِنْده الشَّيْخ شهَاب الدّين الْقَرَافِيّ مرّة وَقت التدريس وَهُوَ يتَكَلَّم فِي الْأُصُول فشرع الْقَرَافِيّ يناظره والوجيه يَعْلُو بِكَلَامِهِ عَلَيْهِ فَقَامَ طَالب يتَكَلَّم بَينهمَا فأسكته الْوَجِيه وَقَالَ لَهُ فروج يَصِيح بَين الديكة
توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي