السَّيِّد جمال الدّين بن نور الدّين بن أبي الْحسن الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي الأديب الشَّاعِر الذيق كَانَ ألطف أَبنَاء وقته دماثه خلق وَخلق حسن معاشر لطيف الصُّحْبَة سهي النُّكْتَة والنادرة قَرَأَ بِدِمَشْق وَحصل وَحضر مجَالِس الْعَلامَة السَّيِّدمُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الْأَشْرَاف فَأخذ عَنهُ من المعارف مَا تنافست عَلَيْهِ بِهِ الآراء ثمَّ هاحر إِلَى مَكَّة وَأَبوهُ ثمَّة فِي الْأَحْيَاء فجاور بهَا مُدَّة ثمَّ دخل الْيمن أَيَّام الإِمَام أَحْمد بن الْحسن فَعرف حَقه من الْفضل وراجت عِنْده بضاعته ومدحه بِهَذِهِ القصيدة
(خليلي عود إِلَى فيا حبذا المطل ... إِذا كَانَ يُرْجَى فِي عواقبه الْوَصْل)
(خليلي عودا وأسعد إِنِّي فأنتما ... أَحَق من الأهلين بل أَنْتُمَا الْأَهْل)
(فقد طَال سيري واضمحلت جوارحي ... وَقد سئمت فرط السرى العيس وَالْإِبِل)
(فعادا وَقَالا صَحَّ مَا بك من جوى ... وَفِي بعض مَا لاقيته شَاهد عدل)
(وَلَكِن طول السّير لَيْسَ بضائر ... وغايته كنز الندى أَحْمد الشبل)
مِنْهَا (أبانت بِهِ الْأَيَّام كل عَجِيبَة ... يسير بهَا الركب الْيَمَانِيّ والقفل)
(فنيران بَأْس فِي بحار مَكَارِم ... وَمن فعله وصل وَفِي قَوْله فصل)
(أرانا عيَانًا ضعف أَضْعَاف سمعنَا ... وَعَن جودة قد صَحَّ بِالنّظرِ النَّقْل)
وَمِنْهَا (أَقُول وَقد طفت الْبِلَاد وَأَهْلهَا ... بلوتهم قولا يصدقهُ الْفِعْل)
(إِذا مَا جرى ذكر الْبِلَاد وحسنها ... فَتلك فروع وَالْغِرَاس هِيَ الأَصْل)
(وَإِن عد ذُو فضل ومجد مؤثل ... فَأَحْمَد من بَين الْأَنَام لَهُ الْفضل)
(فَلَا غروان قصرت طول مدائحي ... فَفِي الْبعد قصر الْفَرْض جَاءَ بِهِ النَّقْل)
(إِلَيْك صفي الدّين مني خريدة ... فريدة حسن لَا يصاب لَهَا مثل)
(وَأعظم مَا ترجو الْقبُول فَإِنَّمَا ... قبُول الثنا بَاب يتم بِهِ السُّؤَال)
(فحقق رجاها واحل عاطل جيدها ... بِمَا أَنْت يَا نجل الْكِرَام لَهُ أهل)
ثمَّ فَارق الْيمن وَدخل الْهِنْد فوصل إِلَى حيدر آباد وصاحبها يَوْمئِذٍ الْملك أَبُو الْحسن فاتخذه نديم مَجْلِسه وَأَقْبل عَلَيْهِ بكليته وَهَذَا الْملك كَمَا بَلغنِي فِي هَذَا الْعَصْر الْأَخير من أَفْرَاد الدُّنْيَا وفور كرم وميلا للأدب وَأَهله فَأَقَامَ عِنْده فِي بلهنية عَيْش وصفاء عشرَة حَتَّى طرقت أَبَا الْحسن النكباء من طرف سُلْطَان الْهِنْد الْأَعْظَم السُّلْطَان محيي الدّين مُحَمَّد الشهير بأورنك زيب وَقبض عَلَيْهِ وحبسه وأحسب أَنه الْآن لم يزل مَحْبُوسًا هُنَاكَ فَانْقَلَبَ الدَّهْر على السَّيِّد جمال الدّين فبقى مُدَّة فِي حيدر آباد وَقد ذهب أَنه إِلَى أَن مَاتَ بهَا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف كَمَا أَخْبرنِي بذلك أَخُوهُ روح الْأَدَب السَّيِّد عَليّ بِمَكَّة المشرفة حرسها الله تَعَالَى.
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.