رفيق بن محمود بن خليل العَظْم:
عالم بحاث من رجال النهضة الفكرية في سورية. ولد في دمشق، ونشأ مقبلا على كتب التاريخ والأدب. وزار مصر في صباه، ثم استقرّ فيها سنة 1316 هـ واشترك في كثير من الأعمال والجمعيات الإصلاحية والسياسية والعلمية، ونشر بحوثا قيمة في كبريات الصحف والمجلات، وصنف (أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة - ط) أربعة أجزاء، ولم يكمل، و (البيان في كيفية انتشار الأديان - ط) و (الدروس الحكمية للناشئة الإسلامية - ط) و (البيان في أسباب التمدن والعمران) رسالة، و (تنبيه الأفهام إلى مطالب الحياة الاجتماعية في الإسلام - ط) و (الجامعة الإسلامية وأوروبا - ط) وله شعر قليل. وقد جمع شقيقه (عثمان بك) بعد وفاته طائفة من مقالاته في كتاب سماه (مجموعة آثار رفيق بك العظم - ط) يشتمل على (السوانح الفكرية، في المباحث العلمية) و (تاريخ السياسة الإسلامية) ورسائل أخرى. ومن مآثره إهداؤه إلى المجمع العلمي العربيّ في دمشق خزانة كتبه وهي نحوه ألف مجلد. وكان أبيَّ النفس، لين الطبع، مهذب الأخلاق شريف السيرة والسريرة. وتوفي بالقاهرة .
-الاعلام للزركلي-
رفيق بك بن المرحوم محمود بك بن المرحوم خليل بك العظم
الهمام الذي يتناول المعالي بثاقب حزمه، ويصيب الأغراض بصائب سهمه، ذو الشمائل الناطقة بسمو فضله، والدلائل الدالة على علوه ونبله، من تناولت حديثه الألسن العادلة، وتناقلت نفيسه الأندية الحافلة، وهو من بيت لهم في الشام مجد معلوم، وقدر في سلك الرفعة منظوم، ولد في دمشق الشام سنة ألف ومائتين واثنتين وثمانين، وتربى في حجر والده إلى أن بلغ التاسعة من عمره وضعه في مدرسة من مدارس الروم لتعليم اللغتين العربية والفرنساوية بقواعدهما، وبعد سنة خرج منها لوفاة والده، وكفله شقيقه الأكبر خليل بك فأحسن تأديبه، إلا أنه لم يستطع حسن تعليمه لأنه كان ضابطاً في الجندية كثير التنقل من بلد إلى بلد، فوضعه في مكتب من مكاتب دمشق لتتميم قواعد اللغتين التركية والعربية، وحسن التكلم بهما، فمكث به نحو ثلاث سنين فأتقن بها التركية والعربية والكتابة، ثم إنه فتر عن التعلم إلى أن بلغ السنة الثامنة عشرة، وتحرك في نفسه حب التعلم ومال إلى الانكباب على المطالعة، خصوصاً في كتب الفلسفة والتاريخ، اقتداء بشقيقه الأكبر الذي كان شديد الميل إلى التاريخ والفلسفة وعنده كتب كثيرة منها، فلازم بعض الدروس العربية على بعض الأساتذة مدة قصيرة، وفي غضونها مال كل الميل إلى الشعر والأدب فدأب على مطاعة كتب الشعر، وحفظ من ومجالس العلماء. القصائد والمقاطيع مقداراً وافراً، ثم اشتغل في نظم الشعر قبل سن العشرين وكثر تردده على أهل الأدب وفي سنة ألف وثلاثمائة وواحدة أخذه المرحوم خالد عبد الله بك إلى مصر وكان ساكناً بها فترقى بها إلى درجة عالية، إلا أنه لكثرة المطالعة والسهر أصيب بمرض العصب بعد مرور سنة من إقامته في مصر، فاضطر إلى ترك المطالعة وسافر إلى الآستانة العلية، ثم إلى الشام لأجل تبديل الهواء، ولما عوفي بحمد الله من المرض هجر الشعر ونظمه، ومال إلى الإنشاء ومعاشرة العلماء، وأخصهم الأستاذ الكبير الشيخ طاهر المغربي الدمشقي، ثم عاد إلى مصر عام ألف وثلاثمائة وثلاثة، وحيث كان الحال يومئذ في مصر غير الحال الذي في سورية حصل فيه نباهة لما لم يكن يعهده من قبل، فألف رسالة سماها البيان لأسباب التمدن والعمران وعرضها على المرحوم الشيخ عبد الهادي الأبياري أحد كبار العلماء المصريين فرغبه في طبعها، ثم عرضها على العلامة المرحوم السيد محمد بيرم التونسي صاحب صفوة الاعتبار ونزيل مصر يومئذ فرغبه في طبعها أيضاً، على أنه بعد ذلك أدرك أن هذين الفاضلين ما رغباه بطبعها إلا تنشيطاً له لأنه في اعتقاد المترجم أن الرسالة ليس فيها شيء مما يهم من الفائدة والعلم. هذا ولم يزل مثابراً على المطالعة حتى آنس من نفسه قدرة على الكتابة في الجرائد، وأول ما كتب في جريدة الأهرام سنة ألف وثلاثمائة وعشر ثم في مجلة الهلال، ثم في جريدة المؤيد، وجريدة الموسوعات، والمنار، وغيرها من الجرائد والمجلات، وألف في أثناء ذلك رسالة كيفية انتشار الأديان عام ألف وثلاثمائة واثني عشر. وحاول في تلك السنة والتي قبلها تعلم اللغة الفرنساوية، لكن منعته منه الشواغل أكثر من ستة أشهر، فترك تعلمها مع غاية الأسف، وبعد ذلك لازم الإمام العلامة الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، فاستفاد من علمه الواسع وآرائه العالية فوائد عظيمة، أزالت عن بصيرته حجباً كثيفة، ورأى في نفسه ملكة قدرة التأليف، فألف كتاب الدروس الحكمية، ثم كتاب تنبيه الأفهام إلى مطالب الحياة الاجتماعية والإسلام ثم استفزه الولع بتاريخ الإسلام إلى وضع تاريخ جديد لمشاهير الإسلام من أهل الحرب والسياسة على غير النمط المعهود عند المسلمين، أي على أسلوب جديد يمثل رجال الإسلام في أجلى مثال وأظهره، بحيث يتناول في ذلك التاريخ كثيراً من أخبار دول الإسلام الاجتماعية والسياسية، وأفيض في البحث في فلسفة التاريخ الإسلامي على وجه يتضح به حال تاريخ الإسلام، فباشر ذلك التأليف على صعوبته عام ألف وثلاثمائة وتسعة عشر، وأتم منه الجزء الأول في سيرة أبي بكر ومن اشتهر في دولته في تلك السنة تأليفاً وطبعاً، ثم في أواخرها أتم الجزء الثاني في سيرة عمر بن الخطاب، ولشدة البحث والتنقيب في الكتب عاوده في أثناء تأليفه المرض القديم، فأتمه بكل مشقة، واستراح إلى سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وعشرين، فكتب الجزء الثالث في سيرة المشهورين في دولة ابن الخطاب وطبعه، وأنه لمشتغل في تتميمه راجياً من الله سبحانه التيسير فجزاه الله خير الجزاء على هذه الخدمة الإسلامية، والمأمول أن الله سبحانه، يهون عليه تأليف كتب كثيرة ينتفع بها الخاص والعام من جميع الأنام. وأنه الآن قد توطن في مصر وتأهل بها، ولم تزل أوقاته معمورة بالمطالعة والكتابة والتأليف والتصنيف، والعبادة الحسنة والأخلاق المستحسنة، والتمسك بالسنة والكتاب، والعمل بهما من غير تعصب ولا تأويل موقع في التباب، ولا يميل إلى العمل والقول بالتقليد، بل يقول أن العمل بالأصلين الشريفين هو لكل سعادة أقليد، وله من النظم البديع، والنثر المزري بزهر الربيع، مقدار عظيم، يشهد بأنه صاحب اليد الطولى والفكر الجسيم، فمن نظمه متغزلاً قوله: طبعه، وأنه لمشتغل في تتميمه راجياً من الله سبحانه التيسير فجزاه الله خير الجزاء على هذه الخدمة الإسلامية، والمأمول أن الله سبحانه، يهون عليه تأليف كتب كثيرة ينتفع بها الخاص والعام من جميع الأنام. وأنه الآن قد توطن في مصر وتأهل بها، ولم تزل أوقاته معمورة بالمطالعة والكتابة والتأليف والتصنيف، والعبادة الحسنة والأخلاق المستحسنة، والتمسك بالسنة والكتاب، والعمل بهما من غير تعصب ولا تأويل موقع في التباب، ولا يميل إلى العمل والقول بالتقليد، بل يقول أن العمل بالأصلين الشريفين هو لكل سعادة أقليد، وله من النظم البديع، والنثر المزري بزهر الربيع، مقدار عظيم، يشهد بأنه صاحب اليد الطولى والفكر الجسيم، فمن نظمه متغزلاً قوله:
سل سيفاً وصال فينا بأسمر ... من قوام ومقلة تتكسر
عربي قد أعربت عن فؤادي ... مقلتاه بما به قد تسعر
أن سقماً بمقلتيه تبدّى ... ليس سقماً بل ربما السكر أثر
يا بروحي أفديه ظبي غرير ... ناحل القد ناعس الطرف أحور
أن تهادى رأيت غصناً رطيباً ... يتثنى وإن رنا فهو جؤذر
رق معنى فكاد يرشف بالكأ ... س كخمرٍ بها النسيم تعطر
وتباهى على الهلال بحسن ... هو أبهى من الهلال وأبهر
لو رأت حسنه الشموس لولت ... بذيول من الحيا تتعثر
يا حياة القلوب جد بحياة ... لقتيل بحبك اليوم يشهر
وتدارك بقية من عليل ... كاد يخفى من السقام ويدثر
فتعطف على المتيم يوماً ... بوصالٍ أحيا به أو فأقبر
وامزج الدل بالترفق يا من ... بهواه أولو الصبابة تفخر
إن من يرحم المحب ويرفق ... بقتيل الهوى يثاب ويؤجر
وله أيضاً:
كفى بالهوى دمعاً يسيل ومهجة ... تذوب وأحشاء يمزقها الهجر
معذبتي جودي علي بنظرة ... يضم عظامي بعدها اللحد والقبر
جزى الله من أضحيت فيه متيماً ... شجياً بمعناه الجميل أهيم
تعمد قتلي بالهوى دون أجنحة ... على أن فتال النفوس أثيم
رضيت بما يرضى لنفسي دائماً ... أخاف عليه الإثم وهو عظيم
وله:
أحبة قلبي والذي قاد للهوى ... فؤادي وأحشائي وقلبي المقطع
إذا جدتم بالوصل ذلك منة ... وإن رمتم قتلي فلا أتمنع
ومن كان مثلي صادق الود بالهوى ... صبوراً فلا والله لا يتوجع
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
المؤرخ الشهير والسياسي الزعيم والشاعر المتفنن المرحوم رفيق العظم.
يا قائلاً إن العظام تكسرت | أبداً ولا يعلو لهن مقام |
أقصر فهم باقون في أوج العلا | أبد الورى إن العظام عظام |
أصله ونشأته: هو المرحوم رفيق بن محمود بن خليل العظم، ولد بدمشق الشام سنة 1882 ميلادية ونشأ في مهد المجد والفضائل، ولما بلغ السابعة من عمره أدخله والده إحدى مدارس الروم لتعليم اللغتين العربية والفرنسية، وقست عليه الأقدار فتوفي والده كهلاً بعد سنة فخرج منها، وكان شقيقه الأكبر خليل بك الضابط في الجيش التركي يرعاه بعطفه وحنانه، فاستفرغ المجهود في العناية بأمره، ثم وضعه في أحد مكاتب دمشق وأخذ مبادئ اللغة العربية عن المرحوم الشيخ توفيق الأيوبي الشهير.
لم يقرأ كتاباً حافلاً من كتب النحو والصرف ولا من كتب المعاني والبيان فما هذا الذكاء النادر الذي وضعه في مصاف العلماء المصنفين والشعراء المجيدين، فامتلك ناصية القوافي، فنظم الشعر قبل سن العشرين، وما تلك الهمة العالية والمواهب الفذة التي رفعته إلى مقام الزعماء السياسيين ورجال الانقلاب المدبرين.
رحلته الأولى والثانية إلى مصر: وزار شريف باشا من العائلة الخديوية وهو زوج خالته فاطمة برلنتي العظم بدمشق، ورآه فتوسم فيه الخير والنجابة فأخذه معه إلى مصر وكان ذلك سنة 1892 ميلادية وبعد سنة أصيب بمرض العصب بتأثير الجهد وكثرة المطالعة والسهر فاضطر إلى ترك المطالعة وسافر إلى الأستانة ثم عاد إلى دمشق لتبديل الهواء، ولما عوفي من المرض هجر الشعر ونظمه ومال إلى الإنشاء والتأليف ومعاشرة العلماء وأخصهم الشيخ طاهر المغربي الدمشقي والشيخ سليم البخاري والشيخ محمد علي مسلم ومحمد كرد علي رحمهم الله وكانت الأحوال الاجتماعية في البلاد السورية التي كانت ترزح تحت وطأة الحكم التركي تختلف عما هي عليه الحالة الروحية والحرية الفكرية في مصر، فسافر سنة 1894 ميلادية ثاني مرة إليها واكتسب من بيئتها الثقافية ما أوقد نباهته ومواهبه فاستوطن مصر وتأهل بها.
مؤلفاته: وفي سنة 1894م كتب أول مقالة في جريدة الأهرام ثم تابع نشر محاضراته التاريخية والعلمية وخطبه السياسية الشهيرة في الجرائد الكبرى كالمؤيد واللواء والأهرام والمقطم والمجلات الكبرى كالمقتطف والهلال والمنار والموسوعات. وأول رسالة ألفها سماها البيان لأسباب التمدن والعمران وعرضها على المرحوم الشيخ عبد الهادي نجا الإيباري أحد كبار العلماء المصريين فرغبه في طبعها، ثم عرضها على العلامة المرحوم محمد بيرم التونسي صاحب صفوة الاعتبار ونزيل مصر يومئذ فرغبه بطبعها أيضاً، وأشار المترجم في مذكراته أن هذين الفاضلين ما رغباه بطبعها إلا تنشيطاً له لاعتقاده بأن الرسالة ليس فيها مواضيع علمية قيمة.
وفي سنة 1894ميلادية ألف رسالة في كيفية انتشار الأديان وحاول تعلم اللغة الفرنسية، لكن كثرة مشاغله وانهماكه بالتأليف والتحرير حالت دون المتابعة فترك تعلمها ورأى في نفسه ملكة وقدرة على التأليف فألف كتاب الدروس الحكمية قرظه الإمام الشيخ محمد عبده وقرر تدريسه في مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية. ثم ألف كتاب تنبيه الأفهام ومطالب الحياة الاجتماعية والإسلام واستفزه الولع بتاريخ الإسلام إلى وضع تاريخ جديد لمشاهير الإسلام من أهل الحرب والسياسة على غير النمط المعهود عند المسلمين أي على أسلوب جديد يمثل رجال الإسلام في أجلى مثال، وقد تناول ذلك التاريخ كثيراً من أخبار دول الإسلام الاجتماعية والسياسية وأفاض البحث في فلسفة التاريخ الإسلامي على وجه يتضح به حال تاريخ الإسلام، فباشر ذلك التأليف على صعوبته سنة 1901 ميلادية منه الجزء الأول في سيرة أبي بكر ومن اشتهر في دولته تلك السنة تأليفاً وطبعاً، ثم في أواخرها أتم الجزء الثاني في سيرة عمر بن الخطاب ولشدة البحث والتنقيب في الكتب عاوده في أثناء تأليفه المرض القديم فأتمه بكل مشقة واستراح إلى سنة 1903م فكتب الجزء الثالث في سيرة المشهورين في دولة ابن الخطاب وطبعه مع الجزء الرابع.
وألف كتاب السوانح الفكرية في المباحث العلمية والجامعة الإسلامية وأوصى رحمه الله بمجموعة آثاره العلمية فأهداها إلى المجمع العلمي العربي بدمشق. أما الكتب الخطية التي شرع فيها ولم يتمها فهي اثنان، أحدهما كتاب في تاريخ السياسة الإسلامية ثم وقف قلمه دون إتمامه وإتمام أشهر مشاهير الإسلام وغيرهما ولو أتمّه على المنهج الذي وضعه لكان أجل الكتب التي يحتاج إليها المسلمون على الإطلاق.
والثاني رسالة في الخلاف بين الترك والعرب.
فيرجى أن يعتني المجمع العلمي بإخراج وطبع مؤلفاته الخطية ونشرها ليطلع الناس على آثاره النفيسة ومآثره الحميدة.
مواقفه السياسية: دخل الفقيد أولاً في جمعية الدستور ثم في جمعية الاتحاد والترقي ولما رأى نوايا الأتراك السيئة نحو العرب أسس حزب اللامركزية فكان رئيساً له وكان من مؤسسي حزب الاتحاد السوري وأدى للعروبة خدمات جلى، فكان من أرفع أعلامها زعامة وقدراً وأبرزهم سموًّا في العقيدة الوطنية وأعظمهم لديها ذخراً، إذا اعتلى المنابر للخطابة كان أميرها وإن خط يراعه كان مهنداً مسلولاً. لازم العلامة الإمام الشيخ محمد عبده وكان يومئذ مفتي الديار المصرية فاستفاد من علمه الواسع وآرائه وتعاليمه العالية فوائد عظيمة أزالت عن بصيرته حجباً كثيفة ولازم فطاحل العلماء والشعراء والأدباء واشتهر بفضله وذكائه وعلمه كاشتهار البدر بين النجوم، حكم عليه بالإعدام إذ عده الأتراك خائناً للدولة.
شعره: كان الفقيد شاعراً مجيداً ويرى الشعر ثانويًّا لأنه لم يكن يحب أن ينشر من شعره ولا أن يظهره للناس، إما لأنه لم يكن يراه بالمنزلة اللائقة بشهرته كزعيم سياسي ومؤلف ألمعي وإما لأنه لم يكن يحب أن يسمى شاعراً، وقد ذكرت في ترجمته بعض شعره استطراداً ليطلع الناس على ما استملت عليه روحه من رقة في نظم الغزل منها قوله:
سَلَّ سيفاً وصال فينا بأسمر | من قوام ومقلة تتكسَّر |
عربي قد أعربت عن فؤادي | مقلتاه بما بها قد تسعر |
إن سقماً بمقليته تبدَّى | ليس سقماً بل ربما السكر أثَّر |
ومنها:
إن تهادى رأيت غضًّا رطيباً | يتثنى وإن رنا فهو جؤذر |
ومنها:
إن من يرحم المحب ويرفق | بعتل الهوى يثاب ويؤجر |
وقال في إحدى المناسبات متغزلاً:
كفى بالهوى دمعاً يسيل ومهجة | تذوب وأحشاء يمزقها الهجر |
معذبتي جودي علي بنظرة | يضمُّ عظامي بعدها اللحد والقبر |
وذكر الذين عرفوه وعاشروه في حياته أنه كان يهوى السماع والطرب عليماً بقواعد الفن الموسيقي كوالده العبقري إلا أن كثرة انهماكه بالتأليف والسياسة قد حالت دون تفرغه وإنتاجه في الحقل الفني وكان بعض مشاهير الفنانين يختارون إنشاد قصائده الغزلية دون علمه لبلاغة معانيها وطلاوة قوافيها منها:
جزى الله من أضحيت فيه متيماً | شجيًّا بمعناه الجميل أهيم |
تعمَّد قتلي بالهوى دون جنحة | على أن قتال النفوس أثيم |
رضيت بما يرضى لنفسي وإنما | أخاف عليه الإثم وهو عظيم |
ومن غزلياته البديعة:
أحبة قلبي والذي قاد للهوى | فؤادي وأحشائي وقلبي المقطع |
إذا جدتم بالوصل ذلك منة | وإن رمتم قتلي فلا أتمنع |
ومن كان مثلي صادق الود بالهوى | صبوراً فلا والله لا يتوجع |
أحواله وأوصافه: لقد تزوج رحمه الله ولم يزرق ولداً، وهبه الله الشمائل المثالية وتحلى بالآداب الاجتماعية التي عزّ نظيرها بين البشر في هذا العصر، أما عزة نفسه وتواضعه ووفائه لأصدقائه وبره بأهله وطهارة قلبه ونزاهة لسانه وحبه الخير للناس وحسن ضيافته وكثرة تصدقه ومساعداته للجمعيات الخيرية فتلك سجايا ومناقب لا يستعظم صدروها عمن ورث المجد والسؤدد كابراً عن كابر.
وفاته: لقد أجهد نفسه بالمطالعة والتأليف فساءت صحته واعتزل السياسة وغيرها من الأعمال واشتد عليه مرض الربو وضاعف تصلب الشرايين ضعف القلب وفي يوم عرفـة 9 ذي الحجـة سـنة 1343ﻫ الموافـق 30 حزيران 1925م اختطفه المنون فجأة وهو كوالده في سن الكهولة المبكرة ففقدت الأمة العربية زعيماً كبيراً ونابغاً حكيماً لا عزاء فيه ودفن بمصر ولم يعقب ولداً، ولو امتد أجله وكان في صحته لأنتج من الآثار والتأليف ما يشق على غيره إخراجها، فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيًّا.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الأول – ص 191 - 193.