رزق الله بن نعمة الله بن يوسف حسون الحلبي:
صحافي متأدب. أصله من الأرمن. ولد في حلب، وأنشأ في الآستانة جريدة (مرآة الأحوال) وانتقل إلى لندن، فمات فيها. قال كراتشكوفسكي: كان قوميا عربيا خاف على حياته وهرب من تركيا إلى روسيا فأقام عدة أعوام في بطرسبورغ، حاول في أثنائها أن يحصل على مساعدة القصير ألكسندر الثاني على إنشاء دولة عربية مستقلة. ولما يئس رحل إلى انكلترة، فتوفي فيها وقيل: سمّه جاسوس للسلطان التركي. له (النفثات - ط) حكايات مترجمة نظما، و (أشعر الشعر - ط) نظم به ستة أسفار من التوراة، و (السيرة السيدية - ط) و (المشمرات - ط) و (حسر اللثام - خ) في الجدل .
-الاعلام للزركلي-
المرحوم رزق الله حسون
(1825 ـ 1880م)
أصله ونشأته: هو المرحوم رزق الله بن نعمة حسون وهذه الأسرة أرمنية الأصل نشأت في بلاد العجم وقيل في ديار بكر، فجاء جده الأعلى وتوطن في حلب وانتشرت ذريته في البلاد، وبقي أحد أولاده في حلب وأنجب المترجم، ولد عام 1825م، وتعلم مبادئ القراءة وأتقن الخط على يد الشيخ سعيد الأسودالحلبي الشهير بجودة خطه وأتم دراسته في دير (بزمار) في لبنان، ثم عاد إلى حلب وكان والده غنيًّا فمارس التجارة.
نكبته: قصد الأستانة واتصل بفؤاد باشا الوزير المشهور ولما وقعت حوادث سنة 1860م جاء معه وقلده ترجمة أوامره فيها من التركية إلى العربية. ثم عاد معه إلى الأستانة فعينه في إحدى وظائف حصر الدخان، فاتهم بنقص فاحش في مال خزينتها ووشي به فسجن ثم هرب من السجن وطاف في كثير من البلاد.
في لندن: وكانت أكثر إقامته في لندن بإنكلترا، فلما امتدت به النكبة ويئس من العودة إلى بلاده شن على الحكومة التركية بقلمه غارات شعواء.
أنشأ المترجم جريدة مرآة الأحوال في الأستانة فكانت أول جريدة عربية فيها وكان يصف فيها حرب القرم ومواقعها التي جرت بين الروس والأتراك وأصدر مجلة عربية عنوانها (رجوم وغساق إلى فارس الشدياق) صاحب الجوائب على أثر ما وقع بينهما من عراك أدبي وخصام شديد ثم عطل مرآة الأحوال ونشر مجلة عربية طبعت في لندن سنة 1879م كانت تصدر كل خمسة عشر يوماً باسم (حل المسألتين الشرقية والمصرية) وهي أول مجلة عربية شعرية فاجتمع منها مجلد يقع في أكثر من ثلاث مئة صفحة.
آثاره: لقد ترك آثاراً أدبية كثيرة منها الجزء الثاني من الأعلاق الخطيرة في تاريخ الشام والجزيرة لابن شداد الحلبي المتوفى سنة 684ﻫ و1265م وهو موجود بخطه في المكتبة اليسوعية في بيروت، ثم التفت بعد ذلك إلى النسخ والاشتغال بتصحيح حروف الطباعة العربية في أوربا ومساعدة كثير من المستشرقين وبلغ ما استنسخه من نفائس الكتب أكثر من عشرين أهمها ديوان ذي الرمة، ديوان حاتم الطائي استنسخه عن نسخة قديمة وطبعه في لندن سنة 1872م في 33 صفحة، وديوان الأخطل، ونقائض جرير والفرزدق وصبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي والمنعم لابن درستويه والأناجيل المقدسة واحتفظت مكاتب روسيا وفرانسا وإنكلترا بمخطوطاته الأثرية لكثرة تردده لتلك البلاد وجاء حلب قبل وفاته بسبع سنوات متنكراً فتفقد مكاتبها واستنسخ منها بعض الآثار النادرة ثم عاد إلى إنكلترا التي اتخذ معظم سكناه فيها.
ومن أهم مؤلفاته ومطبوعاته كتاب (النفثات) وهو قسمان الأول تعريب قصص شاعر الصقالبة كريكوف التي وصفها على طريقة بيدبا الهندي في كليلة ودمنة ولافونتين الفرنسي في خرافاته عربها نظماً في (41) قصة تقع فيها (69) صفحة وفيها نخبة من منظوماته.
شعره: كان متبحراً في اللغة العربية وسائر فنونها مطلعاً على أخبار العرب، راوياً لأشعارهم، لا يرضيه غير شعر جاهليتهم كان أشعر ما يكون إذا تعرض للهجاء، وكان بصيراً بنقد أغلاط سواه كما ظهر مما كتبه في الرد على العلامة أحمد فارس الشدياق وسواه، على أنه مع رسوخ قدمه في معرفة اللغة العربية وشواردها وآدابها ووقوفه على كثير من نوادر كتبها في العلم والشعر فقد بدرت من قلمه في الشعر والنثر هفوات كثيرة.
وكتب من سجنه يستعطف الوزير فؤاد باشا فقال:
فؤاد يا ذا الملك عطفاً علي
غرسك يذوي في شقا محنته
إن لم تغث عبدك من ذا الذي
يحميه أو ينجيه من نكبته
ومنها:
ارحم عبيداً لك واستبقه
للولد المحبوب من مهجته
فوالذي حقق ظني بما
أرجو من الإنصاف أو رحمته
أمسيت في الحبس كفرخ القطا
من كرب الحزن ومن شدته
وفي سنة 1880 فارق الحياة.
له ترجمة في الكتاب المرفق: أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي – الجزء 2. ص 18
رزق االله حسون الحلبي
نشأت أسرة حسون الأرمنية في بلاد العجم، وقيل في ديار بكر، وقد أشار المترجم إلى هذا في قوله من قصيدة:
ديار كرج وأرمن وطني قبل انتقال أبي إلى أخرى
فجاء جدها الأعلى وسكن حلب، وولد أولادا ذهب أحدهم إلى مدينة أزمير، فبقي اسم أولاده أولا بني حسون، ثم عرفوا ببني حلب أوغلي (أي أولاد حلب)، وهم فيها بهذا الاسم الأخير إلى عهدنا، وذهب أحدهم إلى الآستانة قبل تغيير اسمهم (حسون)ِ، وبقيت سلالته فيها باسم بني حسون إلى عهدنا، ومنهم نشأ البطريرك حسونيان (وزيادة الياء والألف والنون من اصطلاحات اللغة الأرمنية)، وكان من رجال الفضل والعلم، ولا تزال بقية أسرته في الآستانة إلى يومنا، وذهب أحد أولاد حسون - الجد الأعلى المذكور - إلى القطر المصري، أما ولده الآخر فبقي في حلب، ومن أسرته ولد المترجم نحو سنة 1825م، فتعلم فيها مبادئ القراءة، وأتقن الخط على الشيخ سعيد سعيد الأسود الحلبي، الشهير بجودة خطه، وما ترعرع حتى انتقل إلى دير بزمار، وهو دير لرهبنة الأرمن الكاثوليك الأنطونية، وفيه مقر الرئيس العام، وموقعه في ساحل كسروان من أعمال لبنان، فدرس العلوم اللاهوتية واللغات الفرنسية والتركية والأرمنية والعربية والعلوم الرياضية، وكان نابغة في جودة حفظه وذكائه، حتى إنه نظم الشعر وهو تلميذ؛ وذلك أنه لما استقدم المطران باسيليوس عيواظ إلى دير بزمار ليسام فيها أسقفا على الأرمن في حلب، وتمت سيامته في 4 فبراير سنة 1838م، أنشده رزق الله قصيدة من نظمه وهو في الثالثة عشرة من عمره.
ولما أتم دروسه في بزمار عاد إلى مسقط رأسه حلب، وكان يمارس التجارة لأن والده كان غنيا، وكثيرا ما كان يختلف إلى دار قنصلية النمسا في حلب حيث كان والده ترجمانا فيها، فيتمرن على أعمال الترجمة في القنصلية.
ثم نزعت نفسه إلى طلب العلى فذهب إلى أوروبا، وطاف في لندن وباريس، وجاء مصر واستنسخ كتبا كثيرة؛ لأنه كان ولوعا بالمطالعة، كثير الميل إلى صناعة الخط التي عرف بيتهم بها، كما أشار إلى ذلك بقوله من قصيدة:
لا خاملا لا دنيا مَنشئي حلب فسل وهاك بفضلي يشهد القلم
ثم عاد إلى الآستانة وتقرب من رجالها، ونال منزلة عندهم، واتخذه الحاج أبو بكر آغا القباقيبي، من كبار أغنيائها وتجارها وأعيانها مدبرا لشئونه، ومؤتمنا على أمواله، وبواسطته استخدم في الحكومة، وقد اتصل بالمرحوم يوسف جلبي الحجار، وتزوج السيدة متيلدة ابنته سنة 1848م، وأرَّخ ذلك بطرس كرامة بقوله من أبيات:
فلا زلتما طول الزمان بصحبة وعيش رغيد برده الأمن والرفد
زفاف سعيد والهناء مؤرخ مواف لرزق الله بالخير ما تلد
وقد كانت بينه وبين أدباء عصره في سوريا ومصر والآستانة مراسلات ومساجلات؛ ولا سيما وطنية الشاعر نصر الله الطرابلسي المشهور وأحمد فارس الشدياق وبطرس كرامة، وغيرهم ممن جاء بعدهم مثل فرنسيس مراش وشقيقه عبد الله وجبرائيل الدلال وشقيقه نصر الله من مواطنيه والقس لويس الصابونجي وديمتري شحادة الدمشقي والمطران أغابيوس صليبا الأرثوذكسي وخليل الخوري، وغيرهم.
لقد عرف رؤساء الأساقفة بعهده ومدحهم، من ذلك أبيات موجودة بخطه في دار بطريركية الروم الكاثوليك بدمشق، مدح بها الطيب الذكر البطريرك مكسيموس مظلوم الحلبي الشهير سنة 1842م/1252ه، مطلعها:
صرفت كربة من ناجاك مبتهلا ولم تُرد صرف من ينحوك ذا بدد
وقال من قصيدة مدح بها الطيب الذكر البطريرك بولس مسعد الماروني الشهير
إمام على سر الإله أمين أضاءت بنور من سناه دجون
بدا علما في أوج لبنان للهدى ولبنان للدين القويم عرين
سميُّ الإناء المصطفى نعته الصفا على نسج أسلاف طوته قرون
هو البطريرك الندب بولس ذو الحجى وكعبة فضل للزمان جبين
وختمها بقوله:
ودونكم نظم ابن حسون فائقا بمعنى وألفاظ لهن رنين
ومن ذلك ما بعث به إلى صديقه بطرس كرامة شاعر الأمير بشير الشهير، من قصيدة ذكرت في ديوانه صفحة 385 منها:
خدين المعالي وابن بجدتها الفرد بقيت بقاء الدهر يخدمك السعد
وزادك رب العرش أسنى كرامة قرين بها الإقبال والفخر والمجد
ولا زلت في أمن وموفور نعمة ويمن أياد كسبها الشكر والحمد
وبعد فقد طال البعاد ومهجتي يكاد من الأشواق يضرمها الوجد
فأبغي للاطمئنان منكم ألوكة إذا لم يكن منكم قدوم هو القصد
فأجابه بطرس كرامة بأبيات تجدها في ديوانه، ومنها قوله:
فلا تحسبوا بعدي بعادا وإنما ودادي لكم قربا وبعدا هو الود
وإني لأرجو كل يوم لقاكم ولكن دهري شأنه المنع والصد
فلا زلت رزق الله خدن كرامة ويصحبك التوفيق والعز والسعد
ولما نشبت حرب القرم بين روسيا والدولة العلية، وتداخلت فيها الدول المتعاهدة منحازة إلى دولتنا سنة 1854م، أنشأ المترجم جريدة (مرآة الأحوال) في دار السعادة، فكانت أول جريدة عربية فيها، وكان يصف فيها حرب القرم ومواقعها، ويكتب الفصول السياسية الدالة على حنكته، ويتطرق إلى وصف أحوال بلادنا، ولا سيما بعلبك ولبنان وحاصبيا، وما كان يجري فيها إذ ذاك من الفتن الأهلية، فذاعت جريدته شهرة، وزادت نجاحا بعد ذلك إلى أن عطلها.
ولما نشبت حوادث سنة 1860م في سوريا، وسفكت الدماء وتفاقم الخطب، وجاء فؤاد باشا لإصلاح ذات البين كان صاحب الترجمة من رجاله، اتخذه لتعريب المناشير والأوامر التي يصدرها للشعب.
وكان قد نال لديه حظوة أيام كان وزيرا للخارجية في أثناء حرب القرم، ومدحه في جريدته المرآة، وأثنى على بسالته حينما كان قيما على الجند بقيادة عمر باشا النمساوي في حرب القرم.
واتصل وهو في دمشق بالأمير عبد القادر الجزائري الشهير، وله فيه مدائح كثيرة، نشر بعضها في كتابه النفثات الذي قدمه له، وتبادل المودة مع أدباء بيروت ودمشق ولبنان.
وعثر وهو في دمشق على كثير من الكتب المخطوطة القديمة، وأحرزها، ومن جملتها إنجيل عربي وجده في قرية عين التينة، قرب معلولا في جبل القلمون، نسخ سنة 7045 لآدم و 947هـ / 1540م، فأهداها إلى المرحوم متري شحادة الدمشقي لما كان في القسطنطينية سنة 1863م، وهو الآن في مكتبة البطريركية الأرثوذكسية في دمشق عدد 1006 وخطه كنسي جميل. وقد تفقد مكاتب دمشق القديمة، ووقف على نوادر مخطوطاتها، ونسخ بعض تعاليق مفيدة عنها كان يفيد بها المستشرقين بعد ذهابه إلى أوروبا.
ولما عاد فؤاد باشا إلى الآستانة نائلا منصب الصدارة العظمى سنة 1278ه/1862م، نال المترجم حظوة لديه؛ فكان من خاصته. ولم يلبث فؤاد باشا أن صار عضوا في مجلس الأحكام العدلية في السنة الثانية من صدارته، وذهب إلى معرض مدينة لندن معتمدا عثمانيا سنة 1279ه/1862م، فأخذ المترجم معه، ولما عاد إلى الآستانة أعاده معه فرقَّاه إلى نظارة جمارك الدخان، فكثر حساده ومناوئوه، واشتد الأمر بينه وبينهم، فوشي به أنه رمي بالغلول في مال الجمارك هو وبعض المستخدمين، فسجن معهم، ثم فر إلى روسيا، وهناك أطلق لسانه بالانتقاد على الحكومة، وألف رسالة بعنوان (قول من رزق الله حسون يبرئ نفسه من الغلول) وذكر البعض أنه أنشأ جريدة في فرنسا لهذه الغاية، وذلك غير ثبت إلا إذا كان قد أعاد نشر جريدة مرآة الأحوال. ثم توسط في أمره فقبلت الحكومة أن ترسل إليه أسرته؛ أي زوجته وأولاده، فلم يقبل إلا بجميع مطاليبه منها، فأوغر صدر السلطان عبد العزيز عليه؛ فطلب من الحكومة أن تمنعه عن التنديد بالدولة، فلم يصخ لها سمعا، بل غادرها وحل لندن، وأصدر فيها جريدته مرآة الأحوال، وخصها بالشكوى من أعمال بعض موظفي الحكومة لعهده.
وقد رأيت منها العدد السادس عشر بتاريخ 18 كانون الثاني سنة 1877م، مكتوبا بخطه الجميل، مطبوعا على الحجر وفيه مقالات سياسية بليغة، وكان يكتب فيها كثير من أدباء عصره ومواطنيه؛ ولا سيما المرحومان جبرائيل الدلال وعبد الله المراش شقيق الشاعر الشهير فرنسيس مراش، وكان قد أصدر مجلة عربية عنوانها (رجوم وغساق إلى فارس الشدياق)، نشر منها عددين في لندن؛ الأول في 4 أيار سنة 1868م في 14 صفحة صغيرة، والثاني 5 أيار سنة 1868م؛ وذلك ردا على المرحوم أحمد فارس الشدياق صاحب الجوائب على أثر ما حدث بينهما من الخصام الشديد، وكانا يتناظران مناظرات موجعة شديدة اللهجة وكان يبيع من مرآة الأحوال في سنتها الأولى في لندن 450 نسخة.
ثم عطل مرآة الأحوال ونشر مجلة عربية طبعت في لندن سنة 1879م، كانت تصدر كل خمسة عشر يوما مرة، عنوانها (حل المسألتين الشرقية والمصرية)، وهي أول مجلة عربية شعرية لأنها كانت قصائد تبحث في هذه المواضيع، فاجتمع منها مجلد بقطع ربع في أكثر من ثلاثمائة صفحة.
ثم انقطع بعد ذلك إلى النسخ والاشتغال بتصحيح حروف الطباعة العربية في أوروبا ومساعدة كثير من المستشرقين، حتى بلغ ما استنسخه من نفائس الكتب أكثر من عشرين، أهمها: ديوان الأخطل، وديوان ذي الرمة، ونقائض جرير والفرزدق، وصبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي، والمتمم لابن درستويه، والأناجيل المقدسة ترجمة أبي الغيث الدبسي الحلبي، وديوان حاتم الطائي - وهذا طبعه كما سيجيء – ولا تزال بعض مخطوطاته في مكاتب روسيا وفرنسا وإنكلترا، حيث كان يتردد بين هذه الممالك، وجاء حلب قبل وفاته بسبع سنوات متنكرا، فتفقد مكاتبها واستنسخ منها بعض الآثار النادرة، ثم عاد إلى إنكلترا التي اتخذ معظم سكناه فيها، ولا سيما قرية وندسورث؛ حيث تفرغ لوضع كتبه وطبعها.
وعلى الجملة، فإن رزق الله حسون كان سياسيا حرا، يرغب في إصلاح الدولة العثمانية، ويذهب مذهب كبار أحرارها كمدحت باشا وأعوانه، ولما ذهب مدحت باشا إلى لندن قابله فيها وسر به، ولا صحة لما شاع من أنه سعى في قتله.
أما منزلته الأدبية، فإن نثره من النمط العالي المتين، وسجعه كثير ينحو فيه نحو الأقدمين، وشعره يدل كثير منه على طبيعته، ولكنه كان قليل التدقيق في الأوزان ومراعاة الأصول الصرفية والنحوية، فيشبع الحروف التي لم يرد مسوغ لإشباعها، ويسكن ويحرك ويختار القوافي الصعبة، وهذا التكلف ظاهر في كتابه (أشعر الشعر) ومع هذا فإن بين قصائده فرائد بليغة المعنى فصيحة اللفظ متينة القوافي تُعد من الطبقة العليا في الشعر، وقد خرج في بعض القصائد عن الطرق المألوفة؛ فلم يتقيد بقافية كما ترى في كتابه (أشعر الشعراء)، وكثيرا ما يميل إلى الألفاظ المهجورة. وبقي بين المحابر والأقلام نحو سنة 1880م غريبا عن أسرته التي بقيت في الآستانة، وولده ألبير الوحيد حي إلى اليوم فيها، ولما شعر بدنو أجله نظم احتضاره (على أصح الروايات التي محصتها) بهذين البيتين:
قضى الله أن أموت غريبا في بلاد أ ساق كرها إليها
وبقلبي مخدرات معان نزلت آية الحجاب عليها
وقد أتقن فوق اللغات التي تلقنها في بزمار وبرع بها اللغة الإنكليزية وألم بالروسية، وأهم ما وصلت إليه يد البحث من مؤلفاته ومطبوعاته هو:
1 النفثات: وهو قسمان؛ أولهما في تعريب قصص كريلوف شاعر الصقالبة التي وضعها على طريقة بيدبا الهندي في كليلة ودمنة ولافونتين الفرنسي في خرافاته ولقمان في حكاياته، وما شاكل، عربها نظما في 41 قصة تقع في 69 صفحة، بقطع ربع، وألحق بها نخبة من منظوماته من تواريخ وأوصاف ومدائح وشكوى، وبينها قطعة عرَّض فيها بالشيخ أحمد فارس الشدياق، حتى إن الشدياق لما انتهت إليه قال فيها عبارته الشهيرة: كان حسون لصا وله سرقات، فأصبح صلًّا وله النفثات، وجميع هذا الكتاب يقع في 84 صفحة، وقدمه للمرحوم الأمير عبد القادر الجزائري نزيل دمشق، وطبعه في لندن سنة 1867.
2 أشعر الشعر: وهو نظم سفر أيوب الصديق في 74 صفحة، بقطع ربع، فرغ منه في 29 نيسان سنة 1869م، وهو في وندسورث (إنكلترا)، ثم نشيد موسى النبي، ثم سفر الجامعة، ونشيد الإنشاد لسليمان الحكيم، ومراثي آرميا النبي، وهذه بدأ بنظمها في 28 نيسان سنة 1869 وأتمها في 30 أيار، والكتاب يقع جميعه في 136 صفحة، وهو مطبوع في المطبعة الأميركية ببيروت سنة 1870م، ووضع في أوله مقدمة قال فيها إن أيوب وهوميروس وشكسبير أشعر الخلق، وأشار إلى نظمه سفر أيوب في أيام اعتقاله، وأنه نظم الفصل الثامن عشر منه على أسلوب الشعر القديم بلا قافية، وقد كتب بعض الفصل نثرا بليغا، وربما أبقى بين ما نظمه في بعضها فقرات نثرية.
في أشعر الشعر من الركاكة والجوازات الشعرية ما يدل على اضطراب بال المؤلف حين نظمه وسرعة إعداد بعض الأسفار الأخرى؛ فلم تمسه يد النقد ولا جال فيه خاطر التهذيب.
3 السيرة السيدية: وهو عبارة عن مزج الأناجيل الأربعة المعروفة بالبشائر. طبع بمطبعة الأميركان في بيروت في 190صفحة.
4 رسالة مختصرة في الطباعة العربية والاقتصاد فيها ماديا ووقتا، وقد وجدت منها نسخة بخطه الجميل في مكتبة أسقفية الأرثوذكس بحلب فاستنسختها - سأنشرها قريبا لفوائدها.
5 ديوان حاتم الطائي المشهور بكرمه، استنسخه عن نسخة قديمة، وطبعه في لندن سنة 1872م في 33 صفحة.
6 كتاب المشمرات: طبع في سانباولو من أعمال البرازيل، سعت بطبعه إدارة جريدة المناظر منذ بضع سنوات.
7 حسر اللثام: وهو كتاب جدلي تم تأليفه سنة 1859م، ولا أظنه طبع ولقد ذكر المترجم كثيرون من المستشرقين، وآخرهم ثناء عليه المسيو كليمان هوار الفرنسي في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية، وقد اقتصر على ذكر كتابه النفثات وجريدته مرآة الأحوال في لندن، ولم يذكر نشأتها في الآستانة.
المقتطف.
عيسى إسكندر المعلوف.
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/2 – ص: 157 – 163.