أَحْمد بن يُونُس وَزِير شرِيف مَكَّة السَّيِّد إِدْرِيس بن الْحسن كَانَ شَدِيد الْبَأْس ذَا قُوَّة وَعدد ومدد وطار صيته فِي الْآفَاق وَأكْثر الدخل وَأَقل الْإِنْفَاق وَكَانَ ذَا تَدْبِير لأحواله حَتَّى جَاوز الْحُدُود فَوَقع مَا قَضَاه الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَنه لما استفحل أمره وَعظم صَارَت الْأُمُور كلهَا منوطة بِرَأْيهِ فتعدى طوره وَلم يقف عِنْد حَده فتوافق الشريف إِدْرِيس والشريف محسن على عَزله فَأرْسل الشريف إِدْرِيس وَكَانَ إِذْ ذَاك بالمبعوث إِلَى الْقَائِم مقَامه بِمَكَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْمطلب يَأْمُرهُ بِأخذ الْمهْر مِنْهُ وَهُوَ مهر الْعرُوض وَأرْسل الشريف محسن إِلَى الْقَائِد ياقوت بن سُلَيْمَان وَكَانَ وزيره بِأخذ مهره مِنْهُ فَفعل كل مَا أَمر بِهِ وَكَانَ الْأَخْذ الْمَذْكُور صَبِيحَة عَاشر رَمَضَان سنة سِتّ وَعشْرين وَألف فشاع فِي الْبَلَد عَزله وَأرْسل الشريف إِدْرِيس إِلَى الْقَائِد ريحَان بن سَالم حَاكم مَكَّة يَأْمُرهُ بالوصول إِلَيْهِ إِلَى الشرق فَقدم إِلَيْهِ فقلده منصب الوزارة فوصل إِلَى مَكَّة فِي الشَّهْر الْمَذْكُور فَلَمَّا كَانَ آخر الْعشْر الثَّانِي من رَمَضَان وصل الْخَبَر للسَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور بِأَن الْقَائِد أَحْمد يُرِيد الرّكُوب عَلَيْك وَقد اجْتمعت عِنْده الْعدَد والمدد وَوصل الْخَبَر إِلَى الْقَائِد أَحْمد بذلك أَيْضا فَركب كل مِنْهُمَا وألبس ووقف عِنْد بَاب دَاره ثمَّ انجلى الْأَمر وَظهر أَن مَا أخبر بِهِ كل مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ أصل وَأرْسل السَّيِّد مُحَمَّد إِلَى الشريف إِدْرِيس والشريف محسن يعرفهما بذلك وَلما كَانَ الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان ذهب الْقَائِد أَحْمد إِلَى الْمَبْعُوث وَأقَام هُنَاكَ فجَاء الْأَمر إِلَى السَّيِّد مُحَمَّد بِأخذ أَمْوَاله من دَاره وكل ماهو لَهُ وَأَن يحْتَفظ على ذَلِك فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْعِيد فرق السِّلَاح على الْعَسْكَر آخر اللَّيْل وَنزل إِلَى الْمَسْجِد وَصلى صَلَاة الْعِيد فَقَط وبرز من الْمَسْجِد قبل الْخطْبَة وعزم بالجيش إِلَى بَيت الْقَائِد الْمَذْكُور فختم على أَمْوَاله وَأمر أَن ينزل الْبَعْض مِنْهَا إِلَى الْبَلَد وَاسْتمرّ إِلَى بعد صَلَاة الْعَصْر فَنزل هُوَ والجيش بعد أَن احتاط بِبَقِيَّة الْأَمْوَال وَقبض على جمَاعَة من المنسوبين إِلَيْهِ وحبسهم بعد أَن ختم على بُيُوتهم ثمَّ فكوا بعد وُصُول الشريف إِدْرِيس إِلَّا إِبْرَاهِيم بن أَمِين كَاتبه وَأعظم المقربين إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لم يزل مسجوناً إِلَى أَن قضى الله عَلَيْهِ وَأما الْقَائِد أَحْمد فَإِنَّهُ اسْتمرّ بالمبعوث فثارت بسبه فِي ثَانِي شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فتْنَة أدَّت إِلَى الادراع ولإلباس ثمَّ رَحل إِلَى كلاح فَأَقَامَ بهَا ثمَّ رَجَعَ مِنْهَا إِلَى جِهَة الشَّام فَلَمَّا أَن كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق رَجَعَ فوصل إِلَى الشريف إِدْرِيس وَهُوَ بالشرق فِي السّنة الْمَذْكُورَة فسجنه وكبله بالحديد ثمَّ إِنَّه قَتله فِي الْعَام الْمَذْكُور فِي مَحل يُقَال لَهُ وَادي النَّار وَدفن هُنَاكَ عَفا الله عَنهُ.
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.