عبد الله بن يحيى بن أبي الْهَيْثَم بن عبد السَّمِيع الصعبي
كَانَ إِمَامًا فَاضلا ورعا زاهدا من أهل الْيمن من أَقْرَان صَاحب الْبَيَان وَكَانَ صَاحب الْبَيَان يعظمه وَيَقُول عبد الله بن يحيى شيخ الشُّيُوخ
وَمن تصانيفه احترازات الْمُهَذّب والتعريف فِي الْفِقْه
قَالَ ابْن سَمُرَة كَانَ الصعبي وَصَاحب الْبَيَان متصاحبين يتزاوران قَالَ وروى أَن نَاسا ضربوا الصعبي بِالسُّيُوفِ فَلم تقطع سيوفهم فِيهِ فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كنت أَقرَأ سُورَة يس
قَالَ ابْن سَمُرَة وَالْمَشْهُور أَن الصعبي قَالَ وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك كنت أَقرَأ {وَلَا يؤوده حفظهما وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} {فَالله خير حَافِظًا وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} {وحفظا من كل شَيْطَان مارد} {وحفظا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم} {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} {إِن بَطش رَبك لشديد إِنَّه هُوَ يبدئ وَيُعِيد وَهُوَ الغفور الْوَدُود ذُو الْعَرْش الْمجِيد فعال لما يُرِيد} إِلَى آخر السُّورَة
قَالَ وَكَانَ الصعبي يَقُول كنت خرجت يَوْمًا مَعَ جمَاعَة فَرَأَيْنَا ذئبا يلاعب شَاة عجفاء وَلَا يَضرهَا بِشَيْء فَلَمَّا دنونا نفر عَنْهَا الذِّئْب فَوَجَدنَا فِي رَقَبَة الشَّاة كتابا مربوطا فحللناه فقرأنا فِيهِ هَذِه الْآيَات
مَاتَ الصعبي سنة ثَلَاث وَخمسين وَخَمْسمِائة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة وَكَانَ يَقُول لأَصْحَابه لَئِن بلغت الثَّمَانِينَ لأصنعن الضِّيَافَة وَقيل إِنَّه جَاوز الثَّمَانِينَ وَحضر صَاحب الْبَيَان جنَازَته وَشهد دَفنه
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي
الإمام الأوحد العالم الأمجد، عبد الله بن يحيى بن إبراهيم بن أبي الهيثم بن عبد السميع الصَّعْبي، ولد سنة 475 ومات بسهفنة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وكان يقول لأصحابه لأن بلغت الثمانين، لأصنعن لكم ضيافة، وكانت مدرسته في سهفنة في حياة القاضي محمد ابن مسلم بن أبي بكر الصعبي وأيامه.
وأخبرني الفقيه سليمان بن فَتْحِ بن مفتاح: أن الإمام يحيى بن أبي الخير، كان يقول: عبد الله بن يحيى شيخ الشيوخ، وكانا متحابين في الله يتزاوران، وحضر الفقيه يحيى جنازته وشهد دفنه، هو وأصحابه من ذي أشرق، وهو يؤمئذ فيها.
وأخبرني الفقيه سليمان بن فتح: أن القاضي مسلم بن أبي بكر، سأل الفقيه عبد الله بن يحيى، أن يُدرّس وهو باقٍ حاضرٌ، ففعل ذلك، رحمهم الله تعالى أجمعين.
وأخبرني الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرزاق: أن الفقيه الإمام عبد الله بن يحيى الصعبي، مات وهو ابن إحدى وثمانين سنة والله أعلم، وكان فاضلاً زاهداً ورعاً.
رُوي أن ناساً من بني مُلَيْك، ضربوا هذا الفقيه بالسيوف، فلم تقطع سيوفهم، فسئل عن ذلك فقال: كنت أقرأ سورة يس. والذي أرويه عن السلطان وائل بن علي بن أسعد بن وائل، عن الفقيه الزهري، عن الفقيه عبد الله بن يحيى، أنه زاره مهنئاً بعد وقعة سهفنة، فسأله عن وقعة بني مُليك وضربهم له بالسيوف، فلم تقطع فيه، فقال: كنت أقرأ آيات الحفظ، هن قوله تعالى {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} {وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} وهذه الحكاية هي المشهورة.
وذُكر أن الفقيه عبد الله بن يحيى المذكور قال: خرجت يوماً مع جماعة، فرأينا ذئباً يلاعب شاة عجفاء ولا يضرها بشئ، فلما دنونا منه، نفر عنها الذئب، فوجدنا في رقبة الشاة كتاباً مربوطاً، فحللناه وقرأناه، فوجدنا فيه هذه الأيات.
قلت وأخبرني غير واحد ممن أثق بقوله، بهذه الرواية، ولهذا الفقيه مصنفات مليحة كثيرة، منها كتاب «التعريف» في الفقه و«احتراز المهذب» وله «عقيدة» حسنة على مذهب الإمام أحمد، نسختها من خطه.
وكان رجل من أهل الحرص من مشايخ بني يحيى، وهم بطن من يافع، يصطنع إلى هذا الفقيه الإمام معروفاً، ويقوم بكفايته وأعياده، وما يحتاج إليه من الكسوة، واسم هذا اليحيائي علي بن ىارىى، وتفقه بهذا الفقيه الإمام خلق كثير، كأبي السعود بن خيران في «الملحمة»، ومحمد بن أحمد بن عمر، في ظباء، وأسعد بن عبد الله النجري، وأحمد بن عبد الملك بن محمد من الصَّلْوِ وكثير من أهل المعافر، وعبد الله بن يعفر بن سالم العريقي من عَنّه، وأحمد بن أبي أحمد التباعي، وعبد الله بن علي قاضي رَيْمَه وغيرهم.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي ص: 161-162-163