حسني بن أحمد بن عبد القادر باقي:
أديب بالعربية والتركية. ولد وتعلم في حلب. وانتخب نائبا عنها في العهد العثماني. وصنف كتاب (منهاج الأرب في تاريخ العرب - خ) قدمه إلى خزانة ملك النرويج، ولعله لا يزال فيها. وله كتب بالتركية. عاش في الاسكندرونة وبنى فيها مدارس أهلية وقف عليها أوقافا حسنة. وتوفي بها.
-الاعلام للزركلي-
حسني بك باقي
١٨٤٣ - ١٩٠٧
لقد أنجبت أسرة آل باقي الحلبية أفذاذ الرجال من قادة وعلماء وسراة وكان سلاطين آل عثمان يثقون بهم لصدقهم وأمانتهم.
ولا بد لنا في هذه المقدمة الوجيزة من التحدث عن بعض أعلامهم، فالجد الأعلى لهذه الأسرة هو عبد الباقي آغا وكان من ذوي الثروة والوجاهة، وقد تعذر علينا تحديد تاريخي ولادته ووفاته، ومن أحفاده المرحوم ناصر آغا باقي صاحب الأوقاف الخيرية الشهيرة والمرحوم أحمد بن عبد القادر بن عبد الباقي بن علي بن ناصر بن عبد الباقي الذي أنشأ القلاع والحصون الحربية في جهات السويدية وكسب البسيط وقد توفي سنة ١٨٦٩، ونقش على لوحة قبره ثلاثة أبيات جاء في الشطر الأخير منها (في جنة الفردوس يرقد أحمد) وهو تاريخ وفاته، ومن أحفاده المرحوم شوكت باشا باقي الذي صار شيخاً للحرم النبوي الشريف وقد اعقب عدة أولاد. نزحوا عن حلب إلى الآستانة وغيرها وتولوا أسمى المناصب منهم رشيد باشا باقي رئيس شورى الدولة العسكرية وهو جد الفريق علي رضا باشا وأمير اللواء وصفي باشا والمشير اسماعيل حقي باشا الذي كان مشيراً للجيش الخامس في الشام سنة ١٩٠٣م والمتوفي في الآستانة سنة ١٩٠٩م وقد انقطعت أخبارهم عن أهلهم وذويهم ويتمتع الأحياء من هذه الأسرة الكريمة بالثراء والمكانة الاجتماعية البارزة.
أصله ومولده:
هو المرحوم حسني بك بن الحاج أحمد بن عبد القادر آغا باقي، المنحدر من أسرة حلبية عريقة في الجود والوجاهة، بزغ نجمه في الخامس عشر من شهر ذي الحجة سنة 1259ه-1843م، تلقى العلوم الدينية والصرف والنحو والإنشاء واللغة التركية على أعلام عصره، وعني والده بتثقيفه لفراسته وذكائه، وأتقن اللغة التركية والفارسية والفرنسية والإيطالية.
في خدمة الدولة:
كان المرحوم إلى جانب ثقافته العالية ذا ذكاء وفطنة فلازم في ديوان مجلس ولاية حلب، وترقى إلى رئاسة ديوان تمييز الولاية ثم صار عضواً فيها، وبعدها انتسب إلى الإدارة فعين قائمقاما القضاء بيره جك.
في مجلس المبعوثين:
وفي عهد السلطان عبد الحميد انتخب نائباً عن حلب. واهتم بوضع مواد قانون البلديات وكان له الفضل بإخراجه والشامت البلاد من تطبيقه في الشؤون العمرانية، وكانت آخر وظيفة امتدت إليه عضوية هيئة التحقيق بنظارة الضابطة وأحيل على التقاعد سنة ١٨٩٤م.
اشتغاله في الزراعة:
عاد إلى الاسكندرونة وقام بتطبيق الزراعة على الفن الحديث في أملاكه الواسعة الكائنة في ناحية ارسوز.
علمه:
كان عالماً ذا ألمعية ودراية وحنكة في تصريف الأمور فاعتمدته الحكومة العثمانية في كثير من المهات فأداها بأمانة وإخلاص وتوفيق، كان منشئاً أدبياً باللغة العربية، أما في اللغة التركية فيعد في طليعة كتابها وأدبائها، وكان عليما باللغات الفرنسية والايطالية والفارسية والعبرانية والأرمنية، وقد اهتم بدراسة اللغة الأخيرة اثر الثورة الأرمنية.
مؤلفاته:
كان مولعاً بجمع الكتب المفيدة فاقتنى مكتبة نفيسة كلفته مبالغ كثيرة ومن مؤلفاته القيمة (منهاج الأرب في تاريخ العرب) وقد احتفظ ملك الاسوج اوسكار الأول بنسخة من هذا المؤلف المخطوط في خزانته الملكية، وله مؤلفات كثيرة في اللغة التركية، ورسالة أوضح فيها القضية الصهيونية قديماً وحديثاً والوسائل الواجب اتخاذها لمكافحتها وأيقظ الغافلين لدرء أخطارها ونالت هذه المؤلفات استحسان السلطان عبد الحميد وتشجيعه للمترجم.
احتراق مكتبته:
وشاءت الأقدار أن تذهب المكتبة النفيسة التي بذل جهداً كبيراً ومالاً وفيراً في سبيل جمعها ضحية النيران، فقد حصلت في الاسكندرونة في شهر شباط ۱۹۱۷م ثورة اثر الحوادث الأرمنية فاحترقت داره مع منقولاته وكانت الخسارة فادحة باحتراق المكتبة التي تعتبر تراثا له قيمته العلمية لما فيها من المخطوطات النادرة.
جهوده العمرانية:
كان يعير الأمور العمرانية اهتمامه، فقد أشاد في الاسكندرية وحيفا مدارس ابتدائية ورشدية.
ووقف في الاسكندرونة على ذريته، عقارات كثيرة اشفعها بوقف ثان ليصرف في وجوه البر والاحسان، وأشاد الجسور الكثيرة بين حلب والاسكندرونة وبينها وبين عينتاب.
صفاته:
لقد تحلى بمواهب وميزات باهرة، يكره الكبر والخيلاء فإذا غضب عاودته سماحته، قوي الإيمان عزيز النفس سديد الرأي ومن أبرز سجاياه أنه كان متعصباً لقوميته العربية وهذا ما حال بينه وبين أسمى الوظائف في العهد العثماني الاستبدادي بالرغم من سعة علمه وفضله، وكان رسولا مخلصاً للنهضة العربية يدين بالطريقة اللامركزية.
وفاته:
لقد كان يهتم بإدارة أملاكه وزراعته وبينما كان ممتطياً جواده وعائداً من هضبة (قاب أو) مركز ناحية أرسوز جمح به جواده فأصيب برضوض وجراح خطرة، فنقل إلى الاسكندرونة للتداوي، وفي اليوم الثالث عشر من شهر شوال سنة ١٣٣٥ه و ٧ تشرين الثاني سنة ١٩٠٧ وافته المنية وكان الأسف عليه عظيما ودفن في مدفنه الخاص الواقع بقلعة الصغيرة بالاسكندرونة، وأنجب سامي وعبد العزيز وثريا ورشدي وأحمد اقبال.
أعلام الأدب والفن – لأدهم الجندي.