حسن بن عبد الباقي الموصلي:
شاعر، من أهل الموصل. له (ديوان شعر - ط) .
-الاعلام للزركلي-
حسن بن عبد الباقي
واحد الادباء، وخاتمة الشعراء، ونادرة الفضلاء حسن بن عبد الباقي أديب جليل، وحسن جميل، وكامل له في جباه الكمال أكاليل. مشاطة المعارف والأدب، مرجع دهاة بلغاء العرب.
صاحب النظام الفريد المبتكر، والقريض البليغ المستهزئ باللالي
والدرر. فكم له من برود معارف نسجتها يد الفكر. وطيلسانات لطائف أظهر بوشيها العبر، تاهت برائق نسجها العقول. لو تصدى لنعتها ووصفها لسان بليغ لاعتراه فلول.
أنى تضاهيه فرسان الكلام ومن ... غباره في هواديهن ما نفضوا
جرت على مستو من طبعه كلم ... هي المشارب لكن ما لها فرض
كأن منشدها نشوان من طرب ... أو بلبل بسقيط الطل ينتفض
فمعجز نظمه من دلائل المتنبي وآياته. وحلاوة نثره أحلى في المذاق من نثر ابن نباتة وأبياته. فكماله كمال الكمال، وهو في أعلى مقام من المعال.
وزر البلاغة حين يعضل حادث ... وشهابها في المكرمات الواقد
فهو الناظم لعقود الأدب، والراقم لبرود القريض والأرب.
فمقامه من البلاغة السماك، ومحله من الفصاحة هامة الأفلاك.
حسن النثر وروقه، ورصف الشعر وفوقه، فنظمه ارق من النسيم العليل، وآنق من الروض الزاهر البليل.
أحلى وأجلى للفؤاد من المنى ... وألذ من ريق الأحبة في الفم
فهو صاحب الأدب المنساب، والكمال الذي لا يعاب، والمالك لأعنة البيان والفائق على وائل سحبان. حلو السبك والمساق، بديع التلفيق والاتساق. رائق النظم والإنشاء، المتصرف في فنون الإبداع كيف يشاء.
مد باعه في ميدان الإعجاز، وأرخص متاع المجاز في سوق الإطناب والإيجاز. فهو في البلاغة الحسن، المخلوع الرسن.
العابث في وهاد القريض، والمقتطف من أزهاره السائغ المريض.
فكم بليغ أنشاه، وكم سحر فصيح أفشاه، وكم برد في الأدب زينه ووشاه.
فهو قبلة الأدب، وحجة لسان العرب. الموصوف بالفصاحة، والمنعوت بالرجاحة، ناظم الشعر البليغ، وناثر الكلام العذب المسيغ، واحد الأدب وإمامه، وسيد النظم وهمامه، وأسد الإبداع وضرغامه.
له من النظم ما يشاكل النور، ويصلح أن يكون قلادة لجيد الحور. قد أثبت منه الزاهد المنير، والواحد الذي لم يقبل النظير.
فمن ذلك قوله في مديح الوزير الحاج حسين باشا الجليلي، وهو:
حذار فسهم الأعين النجل صائب ... وقبلك منها كم دهتني المصائب
وعج دون أنهار الجنوب ولا تقف ... إذا ما بها للخود طاب التلاعب
الست تراني ثاكلا إنني امرؤ ... فقدت فؤادا أزعجته الكواعب
بضائع أبكار الجنوب محاسن ... عليها من الشعر الاثيث سحائب
فنوحي على تلك البضائع ضائع ... وقلبي على تلك الذوائب ذائب
وبصرية ترضى إذا أبصرت دما ... دموعي وأن جفت جفوني تعاتب
هي الشمس والبدر الجبين وعقدها ... نجوم أضاءت والليالي الذوائب
تغيب وتبدي الصبح تحت ذوائب ... فما هي إلا مشرق ومغارب
هبوا كان كنز اللؤلؤ الرطب ثغرها ... ألم يك أرصادا عليه الحواجب
ظفرت بها بين النخيل بحندس ... بوقت سها عنها الحريص المراقب
كأن الدجى سوداء تزهو عقودها ... لها البدر شنف والعقود الكواكب
فنم حلي بات يستصرخ العدى ... وغير سواريها الجميع يحارب
ولي مذهب في العشق مجد وعفة ... «وللناس فيما يعشقون مذاهب»
مضى زمن عفو الكرام مؤمل ... أرى مستحيلا أن تغيب الحقائب
عفا الله عني لم يك الدهر تائبا ... عن المكر بي يوما ولا أنا تائب
فما زلت نماما على سوء فعله ... فما الدهر ذو أفك ولا أنا كاذب
ولا عتب للكائدين مسرتي ... تسيء ذوي القربى فكيف الأجانب
وفي هذا البيت رائحة من قول القاضي أبي أحمد منصور بن محمد الازدي الهروي من قصيدة:
إذا كنت مضروبا بسيف تعزز ... به فعلى من ليت شعري أعتب
اذا انحط قدري عند من أنا بعضه ... فماذا أرجي عند من هو أجنب
وهذه القصيدة بديعة في بابها وقد تقدم منها أبيات ومطلعها:
أأضحك أم أبكي وأرضى أم اغضب ... وأعذر فيما قلته أم أؤنب
حياء لما ادعى وأنى لما أرى ... ومعذرة مما أروم وأخطب
ينفذ هذا العذر لم تقض حاجة ... ويذهب مني الدهر لم يلف مكسب
أيقشع هذا الغيم لم يهم قطرة ... وينجاب هذا الليل لم يبد كوكب
ألام ومم العجز لا الهم قاعد ... ولا الرأي منحل ولا العزم لولب
وكيف أرجي الوقت لا موضعي يرى ... ولا سعد لي يرجي ولا نحس يرهب
وفيم اصطناعي دون قاصية المنى ... إذا لم يكن عن مذهب الجد مذهب
اكرع في الاوشال والبحر معرض ... واقنع بالأخفاف والنجح مكسب
سأهجر أسباب الهويني وأذهب ... بوجهي إلى الوجه الذي هو أصوب
وأبعد عن أرض تهز بها العصا ... فتمضي وينبو المشرفي المجرب
ومنها:
أفي الحق أني كلما رمت رتبة ... تعرض قومي دون ما أنا اطلب
يريدون لي الأمر الذي لا أريده ... ويأبون لي ما فيه أسعى وأنصب
يؤمون بي أدنى الحضيض وهمتي ... إلى حيث أفراد الكواكب تذهب
فلو كانت الأخلاق تحوى وراثة ... ولو كانت الأهواء لا تتشعب
لأصبح كل الناس قد ضمهم هوى ... كما أن كل الناس قد ضمهم أب
ولكنها الأقدار كل ميسر ... لما هو مخلوق له ومقرب
ويقول بعدها:
سيبدو لمن فارقت أي ذخيرة ... أضاع إذا ما كان يوم عصبصب
ويعلم من يمسي ويضحي مهذبا ... رويته أي الرجال المهذب
ومن يحسب الاكداء ضربة لازب ... علي فإني غير ذلك أحسب
تنفس محرورا وسار لطية ... سيصدر عنها غانما أو يجنب
وأن جمعتنا الدار يوما فربما ... وأن يكن الأخرى فكاسا سنشرب
وللكاس خير من حياة مهينة ... يعذبني فيها المهين المعذب
وكنت أرى أني أزين عشيرتي ... فإن شنتهم فالصرم أولى وأوجب
ففي الأرض عن دار القلا متحول ... وللحر مرعى حيث كان ومشرب
وأن أنا أحسنت الزمان بأسره ... تجاوز عن ذكري مقل ومسهب
فتعس ونحس عند كل إساءة ... وليس لدى الاحسان أهل ومرحب
تقضمني من لوحوى الماء شخصه ... لا عرضت عنه والصدى يتلهب
وما زال بي إقصاؤه واطراحه ... وإبعاده والمرء حيث يرتب
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وجانبني منهم قريب وأجنب
وهي طويلة، ويكفي منها هذا المقدار. وتتمة القصيدة المترجمة
فما خولي إلا حتوف وإنما ال ... أقارب في عسر ويسر عقارب
سأصبر حتى يرجع الدهر تائبا ... وترتد عن دين النفاق الأقارب
ومن يرتدد منهم يمت وهو كافر ... على رأيهم ما تلك إلا عجائب
ألا أن طعم الصبر مر مذاقه ... ويرغم مجبور كما قيل شارب
فما أدبي إلا غريمي وفطنتي ... عدوي ومن شعري دهتني المصائب
فلم تنل الأولى فلاحا ولم اكن ... بمتقى حتى تنيل العواقب
وان يد الأقدار الوت أعنتي ... كقوداء نحاها عن السرب جاذب
أحن لوادي الدير حتى تخيلا ... صفت لي على ذاك الغدير المشارب
أظن أبا نعمان وهو يذيقني ال ... قناني كأني بالتجارب راهب
عليكم بني الحدباء مني تحية ... فإني إلى أقصى المدائن ذاهب
كفى حزنا أن حال بيني وبينكم ... بحار ويكفي للتلاقي السباسب
ولم أكره الأوطان أو قرب أهلها ... وعن ملتي والله ما أنا راغب
ولكن من بحر النوال أخي الندى ... أبي حسن رعبا إلى البحر هارب
مشى هذا الأديب في حسن تخلصه في جميع قصائده على طريقة المتقدمين من غير ملاحظة تورية فيه. وقد تعين أن نورد سلك هذا المجموع فمنهم أبو نواس فإنه قال من قصيدة:
تقول التي من بيتها خف مركبي ... عزيز علينا أن نراك تسير
أما دون مصر للغنى متطلب ... بلى أن أسباب الغنى لكثير
فقلت لها واستعجلتها بوادر ... جرت فجرى في اثرهن عبير
ذريني أكثر حاسديك برحلة ... إلى بلد فيها الخصيب أمير
وللبديع الهمداني ومطلع قصيدته:
على أن لا أريح العيس والقتبا ... والبس البيد والظلماء واليلبا
وأترك الخود معسولا مقبلها ... واترك الكأس تغدو شربها طربا
حسبي الفلا مجلسا والبوم مطربة ... والسير يسكرني من مسه نصبا
ومنها يقول:
قالت وقد أعلقت ذيلي تودعني ... والوجد يخنقها بالدمع منسكبا
لادر در المعالي لا يزال بها ... برق يشوقك لا هونا ولا كتبا
إلى أن قال منها:
غضي عليك قناع الصبر أن لنا ... إليك آوية مشتى ومنقلبا
أبى المقام بدار الذل لي كرم ... وهمة تصل التخويد والخببا
وعزمة لا تزال الدهر ضاربة ... دون الأمير وفوق المشتري طنبا
وللباخرزي (3) في وصف المطي وحسن التخلص، منها:
أعجب بفلك لها روم تفرقها ... مخاضة الآل في ماء بلا بلل
والجد نهزة ذي جد يطير إلى ال ... قتود عند وقوع الحادث الجلل
يغشى الفلا والفيا في والمطي لها ... ضربان من هزج فيها ومن رمل
حتى تقرب اطناب الخيام إلى ... منجى اللهيف وملجا الخائف الوجل
وللنيسابوري من قصيدة:
وبهماء لو هبت بها الريح نذرة ... لما صادفت فيها مكان ركود
ولو شهدت فيها القطا بمعالم ... لما صدقت إلا بألف شهيد
تسديتها والليل داج شبابه ... يروع بشيب رأس كل وليد
وقد لمعت فيها النجوم كأنها ... مسامير تبر في محن حديد
بعيس كأمثال الأهلة أرملت ... بأقمار ركب في بروج قتود
تؤم سمي المصطفى ركني الذي ... أريد به في قهر كل مريد
ويسوغ ذكر شيء من مديحها، منها قوله:
وإن زاره حادي المطي اعاضه ... أعنة جرد من أزمه قود
ويفضي الورى من ربعه وجنابه ... إلى روض جود بالسماح مجود
وكم لحياة الراغبين لديه من ... مجال سجود في مجالس جود
إذا ما انتضى آراءه استحيت القنا ... وضاعت ظبا الأسياف بين غمود
وللشيخ محمد الخازن من قصيدة ومطلعها:
سمراء تخطر في الوشاح الماهب ... وتميس بين ربائب أو ربرب
ومنها قوله:
في ظل ليل راع من ظلماته ... بسرادق نحو السماء مطنب
ارعيه طرفا ساهرا لم يكتحل ... في جنحه إلا بأثمد غيهب
فكأنما شرك المجرة جوشن ... نقطت حواشيه أسنة قعضب
والمشتري في لازورد سمائه ... متلألئ عن درة لم تثقب
والبدر كالملك المهيب تمنطقت ... قدامه الجوزاء كالمتعجب
والنسر يطمح وهو يسبح في الدجى ... والقطب يجمع دائرا في لولب
ما زلت ارقب صبحه حتى بدا ... يفتر عن سمطي شتيت أشنب
وكأنه يجلو عهود حبائبي ... أيام أندية التصابي ملعبي
والمقصود منها:
وتحثني نغمات حاد مطرب ... ثقف بآداب الفلاة مجرب
ويقول لي ادن المهاري وانتدب ... عجلا وقرر ما عزمت وقترب
حتى تحط بحضرة ملكية ... غراء رائد أهلها لم يكذب
فهناك شعب الجود غير محجر ... وهناك فخر الملك غير محجب
وله من أخرى:
رب ليل نجومه كقلاص ... في أزاهير جوه رائعات
خضت أحشاءه إلى أن أقام ال ... صبح غربي عموده المنضاة
وبدا الشرق وهو يجلو على الأف ... ق من الشمس صفحة المرآة
وركابي تطوي البسيطة بالوخ ... د وتفلي مفارق الفلوات
حيث لا ماء غير ماء حسامي ... لا ولا ظل غير ظل قناتي
حيث حث الحادي وغرد إثر ال ... عيس شدوا بذكر كافي الكفاة
وله أيضا من أخرى:
ولرب ليل خلت بدر سمائه ... تاجا وعالية المجرة مفرقا
وخرقت جلباب الدجى بيد السرى ... حتى أثرت له الصدوح الافرقا
وبدا الصباح مرنحا فكأنه ... نشوان قارب أن يفيق ويفرقا
وطويت ماء الدحرضين ولم أكن ... أرد البكيء مصردا ومرنقا
وقربت ماء العيش ماء متالع ... فشربته وسقيت قلبي الانيقا
ورأيت صبح الملك من أفق العلى ... متبلجا وسناءه متألقا
ولأبي سعيد الرستمي من قصيدة طويلة:
تبدت مع الأتراب تدعو على النوى ... وإن لم يكن في الغانيات لها ترب
تسيل على الخد الأسيل دموعها ... وصب دموع العين يروى بها الصب
وقد وكلت إحدى يديها بقلبها ... مخافة أن يرفض من صدرها القلب
وعضت بدر الثغر فضة معصم ... يكاد يثنيه من الذهب القلب
وكادت تحط الرحل لولا عزيمتي ... قسي جفون العين أسهمها الهدب
وقائلة أذرت مع الكحل دمعها ... وجيهية قب ومهرية نجب
إلى أي ارض ترحل العيس ظاعنا ... وخلفك أفراخ بها ظمأ زغب
تق الله فينا لا تزدنا صبابة ... ببعد فما نلقاه من كثب حسب
فقلت ثقي بالله يا أم معمر ... فبعض الصدى ري وبعض النوى قرب
إذا ما أنخت العيس بالري سالما ... فمشرعنا عذب ومرتعنا خصب
وله أيضا من أخرى:
وفارقت اذ أفرقت من نشوة الصبا ... وقلت لشمس الحذر لا تتبرجي
ولذت من الدهر الفسوق بحضرة ... تحاط بأطراف الوشيج المزجج
هي الحضرة الغناء تهتز نضرة ... وتزري بأنواع الربيع المثجج
هنالك لا زند الرجاء لمرتج ... بكاب ولا باب العطاء بمرتج
حططت رحالي بل حططت منازلي ... بها وادعا في ظلها غير مزعج
ولما تجلت سدة الملك لاح لي ... سنا ملك بالكبرياء متوج
وللقاضي الازدي من قصيدة:
سأتبعها والجو بالشهب ابلق ... واحتثها والليل بالشهب اشيب
ولا أتوخى الظل وهو مطيب ... ولا أتوقى الشمس وهي تذوب
وأني في ظل المقام وبرده ... وظني أن العيش في البيت أطيب
لكا لمكتفي بالماء يرويك صفوه ... ولم يدر ان الراح تروي وتطرب
إلى أن أحط الرحل في مبنت العلى ... بحيث الثرى يبتل والعود يرطب
وحيث الندى ينهل والحمد يقتنى ... وحيث جناب المجد ريان معشب
وأما المتأخرون فإنهم لم يرضوا في حسن التخلص إلا بالتورية كقول ابن نباتة من قصيدة في مدح تاج الدين السبكي وقد أبدع:
قد أسرج الحسن خديه فدونك ذا ... سراج خد على الأكباد وهاج
والجم العذل فاركض في محبته ... طرق الهوى بعد الجام واسراج
وقسم الشعر فاجعل في محاسنه ... شذر القلائد وأهد الدر للتاج
وقوله من قصيدة مدح بها القاضي جمال الدين
حبذا منه مقلة لست ادري ... أبهدب تصول أم بنبال
صنفت شجونا بغزال جفن ... فقرأنا مصنف الغزال
وحوينا حلو القوام فنادت ... لا عجيب حلاوة العسال
من معنى على هوى زاد حتى ... أهملته نصائح العذال
لو رأى عاذلي حقيقة أمري ... لرثاني ولا أقول رثى لي
في جمال الحبيب مت شجونا ... وبروحي افدي تراب الجمال
وكقول الجزار في مدح الأمير جمال الدين موسى بن يغمور
وهيفاء تحكي الظبي جيدا ومقلة ... رنت وانثنت فارتعت بالبيض والسمر
جسرت على لثم الشقيق بخدها ... ورشف رضاب لم أزل منه في سكر
ولست أخاف السمر من لحظاتها ... لأني بموسى قد أمنت من السحر
فتى أن سطا فرعون فقر وجدته ... يفرقه من جود كفيه في بحر
وكقول ابن حجة من قصيدة في مدح ابي بكر قاضي القضاة تقي الدين
فيا ساكني مغنى حماة نعمتم ... صباحا ولو ألغيتم في الورى ذكري
فودي ود مثل ما تعهدونه ... ولكن صبري عنكم عاد كالصبر
وقد كنت أخشى هجركم قبل بعدكم ... فلما بعدتم قلت آها على الهجر
وان جلت في ميدان نظمي تشوقا ... تسابقني حمر المدامع بالنثر
وشيعي همي كلما رام بعدكم ... يحاربني ناديت يا لأبي بكر
وكقوله من قصيدة في مدح المقر الأميني صاحب ديوان الإنشاء:
يا نزولا حمى الفراديس بال ... شام وأعلامهم على قاسيونا
بالنسيم العليل منكم إذا هـ ... ب على الغور والربا عللونا
وارحموا سائل الدموع وبا ... لله عليكم لا تنهروا السائلينا
وإذا ما نهرتم الدمع نهرا ... لا تخوضوا فيه مع الخائضينا
حبكم فرضنا وسيف جفاكم ... قد غدا في بعادنا مسنونا
والحشى لم يخن عهود وفاكم ... فاسألوا من غدا عليها أمينا
ومن تتمة القصيدة المترجمة:
أراني وإن كنت الطليق مقيدا ... كأن لم تكن قد أبعدني الركائب
وزير على صمصامة الموت راقم ... حساب المنايا من عصاه يحاسب
إذا قال قف للبدر لم يك آفلا ... وغب فهو من دون الكواكب غائب
فلم تر عيبا فيه غير تقاوة ... وعدل واعطاء فنعم المعائب
وشرف ملك الروم فهو مصانه ... ولم يك ممن شرفته المناصب
وقائلة لا تستدل بخارج ... على عدله يكفيك أنك سائب
فلم يستطع صبرا لديه لأنني ... أراك شقيا والشقي يعاتب
فما قلت خاقان بوصفي ولم اقل ... نبي وإن كان المقام يناسب
لكم يا بني عبد الجليل شمائل ... فما هي إلا منحة ومواهب
جزمتم بخفضي لم يك الكسر فعلكم ... وأني على التمييز للمدح ناصب
جنيت مذ استخدمتموني تعمدا ... من الود أثمارا حماها التحابب
قضيتم كما شئتم حقوق انتقامكم ... ألم يك حق العفو دينا يطالب
عليكم صلاتي كالصلاة فريضة ... وايضاح منهاج التودد واجب
كأني بكم يوم الحساب وفي يدي ... كتابي ويخفى البعض من هو كاتب
فلا شك عندي أن ذلك كائن ... ومن قال أني في القيامة غالب
أيطربكم بالله نوح قرابتي ... إذا عددت يوما خصالي النوادب
فكونوا كما كنتم اسودا وسادتي ... فإني على عين الحسود حواجب
وله في حضرة المشار إليه يستعطفه عن جناية جناها، وقد أغرب.
نظمنا بشعر كالليالي لآليا ... وظفرنا فوق اللآل اللياليا
كواعب علمن الغصون تمايلا ... وضوعن من بين البرود الغواليا
ويوم تنزهن الغواني بروضة ... واذكر منها الساقيات الجواريا
تقطع قلبي حين اعرض قسوة ... ولم يستطع صبرا ولا كان ساليا
بغير المواضي خفة ما تغامرت ... ولم تعبأ الهيفاء إلا العواليا
روى رقة عن خصرها بعض عذلي ... وعن قدها لينا فشدد مابيا
ولما التقينا بالعذيب وبارق ... وأسكر راح الثغر من كان صاحيا
رأتني كأيام ائتلافي متيما ... وأبصرته تهوى تلافي كماهيا
وقلت لذات الخال لم نخل ساعة ... فقالت تأهب قد أبحتك خاليا
كمنت لها بين الورود فأكمنت ... من الشعر لي بين النهود الافاعيا
ولم يحل لي إلا مرارة هجرها ... دلالا وذا حال لمن ذاق حاليا
تسعر قلبي إذ تسعر وصلها ... على ضعف حالي كم أساوم غاليا
أقيم لقولي في سلوى دلائلا ... وطول المدى دأبي أناسي اناسيا
كلانا بتذكار المحبة والع ... وما الفت منا الطباع التناسيا
ففي الدهر اما أن ألائم لائما ... واما أوري أو أقاسي القواسيا
سقتنا الرزايا حنظلا من دنانها ... فما للنوى ما زال ساق وماليا
وما استخلفت ودي سوى محنة النوى ... وفوق عليها بالخلوص التنائيا
وعهدي بقلبي لا يمر به العنا ... فأغوتهما الأيام حتى تواخيا
هجرت سويدا قلب قومي ولم يلج ... سويدا فؤادي المستهام وحاليا
وأن أعدمتني بالبصيرة ثروتي ... ومالي فما قد أعدمتني لسانيا
ولو لم أزل عني الأذى بتجاهلي ... لما كنت فيهم لا علي ولا ليا
وهبني كروض أيبس الظما زهره ... واهصر غصنا كان بالزهر زاهيا
ألا بلغا بالله مجدي وسؤددي ... وكيف الليالي بلغتني الامانيا
فلله دري إذ نجوت بمهجتي ... ولا آسف إن أتلف الدهر ماليا
اذا ما سطا عسر علي التقيته ... وجهزت في مدح الوزير القوافيا
وزير به الدين المبين محصن ... وكان لنا بعد النبيين هاديا
سراج منير ان دجى ليل أزمة ... يبشر ذا تقوى وينذر عاصيا
ولا ريب أن الله أرسل للندى ... حسينا رسولا فهو لا زال هاديا
إذا قابلته الشمس أبصرت نوره ... بها رائحا طبق المسير وغاديا
وقد كان مشهورا تلوح بروقه ... ومن يومه سيفا يبيد الاعاديا
وسيان فعل السيف والرسل بالعدى ... يجهز جيشا أو يراسل باغيا
وما ازداد مجدا بالوزارة حادثا ... واكسبها فخرا أعز المواليا
فما كل من نال الوزارة ضيغم ... وقد قل من أضحى وليا وواليا
نعم آل عثمان أسود وكلهم ... كأشبال من يحمي الأسود الضواريا
أبا المجد ذا العفو الذي كان نعمة ... وأن التلاقي فوق ما كنت راجيا
وهبت المعالي فاستمرت سجية ... ولم ترم العافون إلا المعاليا
وما خاب منك السائلون ولم يكن ... تخيب عبدا أم عفوك عافيا
غضبت فما يهوى الشفيقان رؤيتي ... رضيت فكان الدهر خلا موايتا
غضبت فأبصرت السموأل خائنا ... رضيت فوافيت ابن سلكة وافيا
غضبت فأرضيت الخزائن طالما ... رضيت فأضحى من يدي المال ساعيا
سطت خيل أشعاري عليه مغيرة ... وظافرها جود يفوق الغواليا
فلم أر لا والله حلفة صادق ... ولم ير غيري في الملا لك ثانيا
فما كنت إلا ضيغما وابن ضيغم ... وأصبحت في غمد الوزارة ماضيا
ولم تبق للغر الكرام مآثرا ... كذلك لم تبق الشموس الدراريا
ولما رأتك الروم ليث كريهة ... وآلك في الحرب الجبال الرواسيا
دعتك كما يدعي الطبيب لعلة ... ويستخلص القرم الحسام اليمانيا
عقلت بعيري مخلصا متوكلا ... لعلي ألاقي منك ما كنت لاقيا
ومن الاعتذارات والاستعطاف الذي يأخذ بمجامع القلوب، ويكاد له صم الصخر يذوب، ما كتبه أبو محمد الخازن
إلى الصاحب بن عباد وكان قد غضب عليه:
أيا من عفوه داني السحاب ... صدوق البرق ثقاب الشهاب
مديد الظل معقود الاواخي ... على الجانين مضروب القباب
فكيف حجبت عنك وأنت شمس ... تجل عن التستر بالحجاب
أيرتج باب عفوك دون ذنبي ... وعفوك لم يشن برتاج باب
وأعراض الوزير أشد بأسا ... على الأحرار من ضرب الرقاب
ثنى عزمي وذل شبا شبابي ... وصب علي أسواط العذاب
ولم تبق الليالي في بقيا ... لعتب منك فضلا عن عقابي
فهب لزيارتي خطئي وعمدي ... لقصدي واغتراري لاغترابي
فما في الأرض إلا من يراني ... بعين المختوي الضرم الضباب
كأني قد أردت بهم ذيابا ... أو استنفرت منهم أسد غاب
حصلت وكنت ضيفك في الثريا ... وصرت ولست ضيفك في التراب
أعدني للقرى واجعل جوابي ... وإيجابي جفانا كالجواب
وجد برضاك فهو العيش غضا ... وكلا فهو ريعان الشباب
ولو رعت الحسام العضب سخطا ... لذاب ذبابه بين القراب
أعيذك أن تصيخ إلى عدوي ... وسمعك عن هنات القول نابي
علي أني أتوب إليك مما ... كرهت فرق لي واقبل متابي
وإن لم تعف عن ذنبي سريعا ... فها أني وحق أبي لما بي
سألثم من ثراك الروض غضا ... ومن يمناك منهل السحاب
أصبت بخاطري فأتى بشعر ... عليل مسه ألم المصاب
ومالي غير مدح أو ثناء ... مشيد أو دعاء مستجاب
وله من قصيدة أخرى قال الثعالبي في اليتيمة هي عندي أحسن من اعتذارات النابغة إلى النعمان بن المنذر وإبراهيم ابن المهدي إلى المأمون وابن الجهم إلى المتوكل وهي:
لنار الهم في قلبي لهيب ... فعفوا أيها الملك المهيب
فقد جاز العقاب عقاب ذنبي ... وضج الشعر واستعدى النسيب
وفاضت عبرة مهج القوافي ... وغصصها التذلل والنحيب
وقد قصمت عراها واعتراها ... بسخطك بعد نصرتها شحوب
وقالت ما لعفوك ليس يندى ... لنا وسماء مجدك لا تصوب
ومن يك شوط همته بعيدا ... فمثنى عطفه سهل قريب
تجاوزت العقوبة منتهاها ... فهب ذنبي لعفوك يا وهوب
وأحسن إنني أحسنت ظني ... وارجو أن ظني لا خيب
أترضى أن أكون لقى مقيما ... على خسف أذوب ولا أثوب
أبيت ومقلتي أبق كراها ... وفي ألحاظها صاب صبيب
وقيذا لا يلائمني طعامي ... ولا ينساغ لي الماء الشروب
صببت علي سوطا من عذاب ... يذل لبأسه الدهر الغلوب
فأرهقني نكيرك لي صعودا ... من الأشجان ليس له صبوب
وما عوني على بلواي إلا ... رجائي فيك والدمع السكوب
فان تعطف على رجل غريب ... فإني ذلك الرجل الغريب
عليك أنيخ آمالي فرحب ... بها، وإليك من ذنبي أتوب
وأخطو ما يريب إذا دهتني ... غوامضه إلى ما لا يريب
فأي طروبة للعفو أن ال ... كريم وأنت معناه طروب
فإني نشء دارك والمغذى ... بسيبك والصنيعة والربيب
وأبت إليك من غفر مدلا ... بما يقضي علاك لمن يئوب
ولذت ببابك المعمور علما ... بأن ذراك لي مرعى خصيب
وأن شعابه أندى شعاب ... إليها يلجأ الرجل الأديب
وسقت بنات آمالي اليها ... وقد حفيت وأنضاها الذروب
فبوئني اختصاصك حيث تجنى ... ثمار العز والعيش الرطيب
ولكن كادني خب حقود ... لعقرب كيده نحوي دبيب
وما لجموع الفته جنيب ... وما لشمال فرقته جنوب
وما يشفيه مني لو رآني ... وقد أخذت بحلقومي شعوب
بلوت الناس من ناء ودان ... وخالطني القبائل والشعوب
فكل عند مغمزة ركيك ... وكل عند مشربه مشوب
فجد لي بالرضا واقبل متابي ... وعذري، أنني آسف كئيب
طريح في فنائك مستضام ... غريب لا يكلمني غريب
أأمنع من بوادي العلم منعا ... كأني ليس لي فيها نصيب
واحرم من كلامك كل بدع ... تناهيه النواظر والقلوب
فلم لا تنتهي وتكف عني ... عقابك بعد ما انتهت الذنوب
وغاية ما يصير إليه شعر ... إذا استقصيت أو مدح مصيب
ومن سقيا سحابك جاء طبعي ... ولولا الغيث لم ينبع قليب
ومن شعر صاحب الترجمة مضمنا لبعض أبيات
نظرت ورنحت القوام لتزدري ... بين الملاح بأبيض وبأسمر
لم أنس إذ زارت لتنظر من به ... بعد النوى قلق ومن لم يصبر
فنضت دمقسا من حرير ازرق ... وجلت صفاء مخلخل ومسور
فرأيت في ضمن الزبرجد جوهرا ... والشعر بين مجعد ومضفر
جاءت وقد مد الظلام سرادقا ... والصبح شيء بيننا لم يذكر
في روضة ضحك الاقاح وغامزت ... أحداق نرجسها البهي المزهر
فهي الجنان وماء كوثرها ال ... غدير فلا نبع نقد الهنا بمؤخر
خطرت فنم حليها ولقد أتى ... صبح الجبين بعرف مسك أذفر
هذا يتم لحارس وضياء ذا ... يهدي الرقيب وذا دليل المفتري
باتت تردد ويلها ويدي لها ... طوق وتبدي فكرة المتذكر
وغدت تنشف طرفها بيمينها ... وتحل باليسرى عقود تصبري
فرأيت ما في نحرها بجبينها ... خجلا وينثر من كحيل احور
قامت تودعني فلجلج نطقها ... خوف الرقيب كلكنة المتضجر
وتنهدت جزعا فأثر كفها ... أثرا يدل على جوى وتحسر
طبعت بمخضوب البنان علامة ... في صدرها فنظرت ما لم أنظر
أقلام ياقوت كتبن بعنبر ... بصحيفة البلور خمسة أسطر
فكأنها الحدباء بلدتنا التي ... تزهو وتزهر بالرداء الأخضر
إذ غاب عن غاباتها أسد الشرى ... نعم العرين غدت بغير غضنفر
والبصرة الفيحاء زال ظلامها ... وبها بدا نور الصباح المسفر
إذ خادم الحرمين قال بنصه ... لأبي أمين يا أمين تبصر
تبت يدا من قال لي جهلا ألا ... هن ابن أندى الخلق وأنظم وأنثر
كل الهناء لبصرة ما أبصرت ... كأبي أمين في جميع الأعصر
ولسوف يرعى ذئبها مع شاتها ... وسوادها ترعى أمام الجؤذر
أن كان يعقب مدها جزر ففي ... كفيه مد من ندى لم يجزر
هذا من الماء الأجاج وأن ذا ... مد تدفق من نضار أحمر
بخل البحار الجزر والمد الندى ... حاشاه في يمناه خمسة أبحر
فهو السحاب ونحن أغصان زهت ... ما بين ريان الأصول ومثمر
لو حاتم وافاه أبصر نفسه ... متساخيا ونداه بذر مبذر
أنسى أحاديث الذين تقدموا ... بشمائل ومآثر لم تحصر
وعدالة وبلاغة وجلالة ... ووسامة وديانة وتجسر
عدل ابن سابور ومجد جذيمة ... وجلالة تروي لنا عن قيصر
ودهاء قيس مع وفاء سموأل ... وسخاء معن مع جسارة عنتر
وسناء دحية مع ذكاء اياسهم ... ورياسة تروي عن ابن المنذر
هذا مثل قول البديع الهمذاني من قصيدة:
فما السموأل عهدا والخليل قرى ... ولا ابن سعدى ندى والشنفري غلبا
من الأمير بمعشار إذا انقسموا ... مآثر المجد فيما أسلفوا نهبا
ولا ابن حجر ولا ذبيان يعشرني ... والمازني ولا القيسي منتدبا
هذا لركبته وذا لرهبته ... وذا لرغبته وذا إذا طربا
ومثله لأبي سعيد الرستمي
إذا عد كعب في السماح أبت له ... يمين له في كل أنملة كعب
وان الذي يرويه طي لحاتم ... إذا نحن أنشدنا فواضله ذنب
ومن القصيدة المترجمة:
الكل قطرة وابل في بحره ... أو صيغة مشتقة من مصدر
لو سابقوه على جياد فنوبهم ... علموا بان الفضل للمتأخر
لا زال نشوانا إذا اشتبك القنا ... وتراه في الهيجاء كالمتبختر
أيتيمة الوزراء أنت الأشهر ال ... حرم العظام وهم كباقي الأشهر
وحماك مأوى مستجير لائذ ... وغياث ملهوف ويسر المعسر
خذها من العرب الكواعب غادة ... حسناء قد جاءت برى العنبر
وله في حضرة المشار اليه أيضا يعارض قصيدة السيد علي خان على هذا الوزن والروي:
خذها معتقة تروي عن السلف ... عطرا لمنتشق أنسا لمرتشف
من كف أهيف بادي الغنج مبتسم ... حلو الشمائل ظبي بين الوطف
تقول للبيض ذا فتكي لواحظه ... والقد مال لسمر الخط ذا هيفي
والبدر قد غره البدر الأغر إلى ... أن رام يحكيه لولا خجلة الكلف
عاتبته إذ أمالته الصبا هيفا ... فقال لي أي غصن غير منعطف
من ضيق عينيه لما أن رأى جلدي ... أعدى بجفنيه جسم الناحل الدنف
لم أنس ليلة أنس بات معتنقي ... وعنده فوق ما عندي من الشغف
سقى عقيقا بدر حين أرشفني ال ... لمى العقيق ودرا جل عن صدف
شربت من يده ما فوق وجنته ... وما بيمناه من خديه مقتطف
أحنى بقامته قدي وعانقني ... وما نهى حين ضم اللام للألف
فلم تهب حدقا بالزهر يرقبنا ... كلا ومن ألسن النمام لم تخف
والروض مكتمل بالآس عارضه ... والغصن ما بين ملوي ومنعكف
والورق يسجع بالأوراق من طرب ... ما بين متفق لحنا ومختلف
حتى تبسم ثغر الصبح عن فلق ... كأغيد بظلام الشعر ملتحف
أو قينة لقطت درا تنظمه ... وقد طوت شعرها الجعدي في كنف
كأنما الليل غمد والصباح له ... سيف الوزير حسين ذي النجا الثقف
لا عيب فيه سوى أن لا يرى سرفا ... بالجود والدين في صون عن السرف
وهذا البيت كقول النابغة الذبياني من قصيدة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وهذا النوع يقال له تأكيد المدح بما يشبه الذم. فإنه قال: ولا عيب في هؤلاء القوم أصلا الا هذا العيب وهو فلول أسيافهم من المقارعة والمضاربة، وهذا ليس بعيب بل نهاية المدح. فهو تأكيد المدح بما يشبه الذم، لأن قوله غير أن سيوفهم يوهم أن ما يأتي بعده ذم فاذا كان مدحا فقد تأكد المدح.
يروى أن عروة بن الزبير سأل عبد الملك بن مروان أن يرد عليه سيف أخيه عبد الله بن الزبير فأخرجه إليه في سيوف منتضاة، فأخذه عروة من بينها. فقال له عبد الملك بم عرفته؟ فقال:
بقول النابغة وأنشده البيت.
وهذا النوع مستعمل جدا ومن جيده قول أبي هفان
ولا عيب فينا غير أن سماحنا ... أضر بنا والبأس من كل جانب
فأفنى الورى أرواحنا غير ظالم ... وأفنى الندى أموالنا غير غائب
ولبعضهم ويسند إلى الفاضل الرومي ملا زاده:
ولا عيب فيكم غير أن ضيوفكم ... تلام بنسيان الأحبة والوطن
ومثله قول ابن نباتة :
ولا عيب فيه غير أني قصدته ... فانستني الأيام أهلا وموطنا
وللصفي من قصيدة:
وافى وقد عاد السماح وأهله ... رمما فكان له المسيح الثاني
فالطير تلجأ بالحصون لأنها ... بنداه لم تأمن من الطوفان
لا عيب في نعماه إلا أنها ... يسلو الغريب بها عن الأوطان
شاهدته فشهدت لقمان الحجى ... ونظرت كسرى العدل في الإيوان
وقوله أيضا:
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم ... يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
وفيه لبعضهم:
لا عيب فيه سوى مكارمه التي ... نسبت لحاتم نجل كل كريم
وفيه:
لا عيب فيه غير أن يمينه ... تدع العديم مهنئاً بيساره
ومثله:
ولا عيب في معروفهم غير أنه ... يبين عجز الشاكرين عن الشكر
ولابن الرومي
ليس له عيب سوى أنه ... لا تقع العين على شبهه
وما أحسن قول ابن الحاج
أتوني فعابوا من أحب جهالة ... وذاك على سمع المحب خفيف
وما فيه عيب غير أن جفونه ... مراض وإن الخصر فيه ضعيف
ولأبي جعفر القرطبي:
فتى لم نسافر عنه آمال آمل ... وكان لها إلا إليه إياب
ولا عيب فيه لامرئ غير أنه ... تعاب له الدنيا وليس يعاب
ومن تتمة القصيدة المترجمة:
أمنت يداه بيوتاً من خزائنه ... وإنما ساد بيت المجد والشرف
ترى لديه من العافين مزدحما ... كالمنهل العذب من حاس ومغترف
كأن سائله المسئول في شرف ... هذا الكريم فلا تذكر أبا دلف
مسلسلا مسندا تروي مآثره ... بين الملا السن الأشعار والصحف
لم يخلق الله في أخلاقه ملكاً ... والله والله أني صادق الحلف
لا غرو إن فخرت فيه الملوك فقد ... أبداه خالقه فردا من التحف
ولا عجيب إذا ما خاف سطوته ... خلق وما ليس بالمخلوق كالنطف
من عصبة كنجوم الليل زاهرة ... من كل متشح بالمجد متصف
ينسى البنون أحاديث الذي سلفوا ... ونحن نروي حديث المجد للخلف
أبا مراد بنو فني متى طعنت ... صدور شعري بهذا الضرب تعترف
ما كل صهباء خمراً يستطاب به ... من الهموم وليس الدر كالخزف
لا زلت منتصفا من كل مغترف ... بدراً بلا كلف بحرا بلا طرف
ومن مديحه في حضرة المشار إليه أيضا:
إن أنكر القلب يوما حبكم وأبى ... لا تثبتوا نسبا لي بينكم وأبا
فما التهى وتسلى بالغضا وبه ... لقد تسلى من الأشواق والتهبا
بمنحنى أضلعي ما ليس يخمدها ... عقيق دمع حكى في سفحه السحبا
لم أنس مجلس أنس حيث ما فرجت ... به الظلا ولدت شمس الضحى الشهبا
صهباء طاف بها ذو لثغة غنج ... وقد ألانت لنا منه الذي صعبا
أخذ معنى هذين البيتين الأخيرين من قول صفي الدين الحلي من قصيدة:
صعب القياد فإن راضت خلائقه ... كأس المدام ألانت منه ما صعبا
من قهوة كشعاع الشمس مشرقة ... إذا جرى الماء فيها اطلعت شهبا
ومنه أيضا للصفي من قصيدة أخرى:
عجوز إذا ما أبرزت من حجابها ... تريك نشاطاً كالغلام إذا شبا
هي الشمس إلا أنها في شروقها ... إذا مزجت في كأسها اطلعت شهبا
ومن القصيدة المترجمة:
تضرجت وجنتا خديه حين سقى ... من كأسه ولماه الراح والشنبا
فقلت ما في كئوس كاللجين ألم ... تخف رقيباً يراها؟ قال لي ذهبا
كأن ما فوق خديه براحته ... وكفه الغض من كلتيهما خضبا
هذا البيت قد أخذ معناه من قول السري الرفاء الموصلي :
وساق بحب الكأس أصبح مغرماً ... تلألأ منها مثل ضوء جبينه
سقاني بها صرف الحميا عشية ... وثنى بأخرى من رحيق جفونه
عظيم الحشى ذو وجنة عندمية ... تريك احمرار الورد في غير حينه
فأشرب من يمناه ما فوق خده ... والثم من خديه ما في يمينه
ومن هنا أخذ ابن النبيه قوله:
ساق صحيفة خده ما سودت ... عبثاً بلام عذاره أو نونه
جمد الذي بيمينه في خده ... وجرى الذي في خده بيمينه
ولديك الجن في هذا المعنى:
وساق يكاد الكأس يخضب كفه ... فتحسبه من وجنتيه استعارها
موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها
وفيه لابن القيم :
أهلا بشمس مدام من يدي قمر ... تكامل الحسن فيه فهو تياه
كأن خمرته إذ قام يمزجها ... من خده عصرت أو من ثناياه
وفيه أيضا لأبي الفضل ابن أبي الوفا الموصلي
والراح في يد ساقيها مشعشعة ... كأن وجنة ساقيها بها نضحت
ساق إذا اغتبقت ندمان قهوته ... أضاء مبسمه الصبحي فاصطبحت
وقوله في الأبيات المترجمة وكفه الغض من كلتيهما اختضبا أخذه من قول الصفي:
فاترع الكأس حتى فاض فاضلها ... بكفه وسقاني بعد ما شربا
فمذ رأينا سرورا في أسرته ... يبدو وكفاً له بالنور مختضبا
كلنا له فضة بالكف فاضلة ... عنا وكان له من دنه ذهبا
ولبعضهم في هذا المعني من قصيدة:
بقلبي ساق رد طرفي ساهرا ... وقلبي من فرط الغرام معذبا
تبدى بكأس وردت لون خده ... فخلناه من أنواره قد تخضبا
وقابلها خد له فتشابها ... ولكن ورد الخد زاد تلهبا
يطوف بها محمولة في بنانه ... فتحسب بدر التم قارن كوكبا
وفيه أيضا:
ألا ربما ساق سقاني سلافة ... بديع التثني واضح الثغر أشنب
إذا اختضبت أطرافه من شعاعها ... رأيت لجينا بالمدام مذهب
ومن القصيدة المترجمة:
فماس من عجبه في الروض في حلل ... ليزدري غصناً مهما التوى حطبا
لم أدر من كأسه قد صب في فمه ... أو كان في الكأس ما في فيه منسكبا
يسوؤني اذ سقيم الفكر قد ضرب ال ... صهباء في مثل ما بالريق اضربا
سقيته خمرة من خده عصرت ... صرفاً وحيا بريق مثل ما شربا
فقال لي هاتها عذراء صافية ... واسكر بسكري كسكري وانهب اللقبا
هات اسقنيها على ناي علانية ... مع فتية يعلنون اللعب والطربا
حتى الكرى خاط جفنيه فكف يدي ... عن جيده ثم أبدى الدل والغضبا
وقد تلجلج واختلت خلائقه ... سكرا ويلحن أن غنى وأن ضربا
فقلت خذ قال لالا أستطيع لقد ... أرخى المدام يدي والنطق والركبا
ما فاز من وصله إلا فمي ويدي ... فأسال من الروض زهراً كان مرتقبا
وأكتم أخا الأنس أمري لا تبوح به ... ولا تكن لافتضاحي عامدا سببا
أن الوزير حسينا جاء منتقما ... لله منتصراً للحق مرتقبا
إن يحتم الليل فيه ما بدا فلق ... أو الصباح نجا من غاسق وقبا
ولصاحب النفحة في هذا المعنى من قصيدة:
دعواته تجلو الكروب وعزمه ... لو يلتقيه الموت مات توهما
ولو استجار به النهار من الدجى ... لم تبصر الاحداق شيئا مظلما
متوقد كالبدر ليلة تمه ... فإذا تحرك للعطاء تبسما
وللأديب فتح الله ابن النحاس في هذا المعنى:
مجرد العزم فرنده التقى ... وغمده تبسم الاجياد
أما ولو ببابه احتمى الدجى ... لما اختشى خطب صباح عادي
أو دخل النهار تحت ذيله ... ما زحف الليل على العباد
وهذه الأبيات من قصيدة ... بديعة يمدح بها أبا الإسعاد
الوفائي ومطلعها:
قد نفدت ذخائر الفؤاد ... فلم أربي الدمع للسهاد
فؤاد من يحب مثل دمعه ... ودمعه مظنة النقاد
اذا هدا الليل فطفل مقلتي ... يبيت بالنزيف غير هادي
ومن بكى من النوى فقد رأى ... بعينه تقطع الأكباد
تمايلوا على الجمال ميله ... فعلموها مشية التهادي
وما سمعت بالغصون قبلهم ... مشت بها اكثبة البوادي
فإن تجد يدي على ترائبي ... فلا تقل لفيأة الفؤاد
وإنما رفعتها لأنها ... كانت لهم حمائل الاجياد
حمر الخدود ان تغب فشكلها ... بناظري داخل السواد
لأجل ذا الدمع جرى بشوقها ... فنظم الياقوت في نجاد
لا وأبي ومن يقل لا وأبي ... فقد تلي إليه الأمجاد
ما عثر الغمض بذيل ناظري ... ولا انثنت لطيفهم وسادي
وهب رشاش مقلتي حبائلا ... فأين منها زلق الرقاد
آه وآه أن تكن ملء فمي ... فإنها مضمضة الصوادي
قد نفض السمع كلام غيرهم ... كما نفضت الصبر من مزادي
أعاذلي وللهوى غواية ... بعت بها كما ترى رشادي
ولعت بي وشعلتي كمينة ... بقادح يعبث في زنادي
دع الهوى يعبث بي وأن نشأ ... فعدني من عذبات وادي
ما لحق اللوم غبار عاشق ... حدا به من المشيب حادي
أما ترى الاقاح حول لمتي ... حكى ابتسام البرق في البوادي
بشرني طلوعه بان لي ... صبح وصال لدجى بعادي
ولم أقل مناصل تجردت ... واركزت بجانب الأغماد
كأن شيب الشعرات ألسن ... على ضياع رونقي تنادي
لبست ما أضاعني فأسوتي ... كأسوة الجمرة في الرماد
وحاك في الرأس ضياء خيمة ... ذات طنابين إلى الافواد
كأنها عمامة لبستها ... من يد مولاي أبي الإسعاد
وهي طويلة كلها غرر. ومنها يقول:
كم أزرع الشكر وما لزرعه ... إذا أتى الابان من حصاد
واتبع الهوى بكل غادر ... ليس هواه في سوى عنادي
فأنفث الرقى على مخبل ... وأطلب الحراك من جماد
ولي خطوط لا تفيد جملة ... كما يخط الطفل في المداد
تشعبت مني الصبا وناصبت ... على السرى مخارم البلاد
بين هوى لخاتل ومدحه ... لباخل وفرقة لعادي
نفرت من قصائدي لأنها ... إلى الكثير سلم التعادي
ومن تتمة القصيدة المترجمة:
رقى لمنزلة عذراء ما وجدت ... كفؤا إذا انتسبت إلا إذا انتسبا
وكل ما وهبت حتى كرام بني ... عبد الجليل يد بعض الذي وهبا
ولو جمعت هبات السابقين من ال ... كرام من أذخروا الأشعار والخطبا
كانت قياسا على إنعامه لمما ... وفي رياض نداه الطل والحببا
أو ساعة ناظر الطائي نائله ... وفي يديه كنوز الأرض لاضطربا
وأن سحبان كالأمي لو بلغت ... أدني بلاغته أذنيه ما خطبا
يظنه وهو في الهيجاء منفرد ... أخو الجسارة جيشا زاخرا لجبا
فما المراد بمدحي أن أحيط بما ... فيه من المجد أو اقضي الذي وجبا
أن يكتب الثقلان الدهر ما نفدت ... خلايق نسخت آياتها الكتبا
وللمحبي قريب من هذا المعنى:
ما عسى يبلغ المديح علاهم ... لو تناهى في الحصر والإغراق
آل بيت هم معدن الجود والح ... لم وخير الأنام بالاتفاق
أن قلبي لهم مقيم على الميثا ... ق من قبل ساعة الميثاق
وانتسابي منهم لأحمد يقضي ... أنني عبده بغير شقاق
وللشاهيني في هذا المعنى:
ماذا أقول وأنت صنع الله من ... قد خص بالآراء والتسديد
أن الذي يرجو لفضلك غاية ... ليروم شيئا ليس بالموجود
وفيه لصاحب النفحة :
تحلت بنا الأعناق عقد مواهب ... إذا ما هطلن استحيت المزنة الوطفا
فما تنطق الأفواه إلا بمدحه ... ولا ترفع الآمال إلا له كفا
فديتك يا من لو صرفت بمدحه ... جميع وجودي رحت أحسبه قذفا
ومثله قول الرقباوي في مدح شريف مكة:
أنت أولى الناس بالمدح ولو ... لم يكن للبحر عن وصيفك نزح
هاك نظم الدر من معدنه ... رائق المعنى له بالمدح مدح
ضمن الدهر لها التخليد في ... صفحات الكون والأيام فسح
ومنه أيضا قول ابن الحنائي:
ومن لي بأن أحصي ثناه وقد غدا ... كمال الورى من عشر أوصافه قسطا
أمولاي أن الشعر عبد ملكته ... ففي مذهب الآداب تحرزه ضبطا
ومن تتمة القصيدة المترجمة:
والكاتبان الكريمان اللذان على ... أعماله أبصرا من فعله العجبا
فكاتب الحسنات الخير أتعبه ... أما أخاه فما أملى ولا كتبا
هب الوزارة كالضرغام فهي له ... رأس وأضحى الذي قد نالها الذنبا
ما كل أيامنا في فضلها جمع ... ولا الشهور تضاهي الصوم أو رجبا
قليلة القدر خير في فضائلها ... من الف شهر بها كم نال من طلبا
أبا مراد أبا ليث أبا قمر ... أبا أديب أبا خير الأنام أبا
أبا أمين أبا بدر بلا كلف ... إذا بدا غار منه البدر واحتجبا
يا خير من أينعت أنواء نائله ... روض الأماني فيه وهو خير ربا
فلم يزل غيثها المنهل متصلا ... ولم نزل نزرع الآمال والاربا
فما اشتكت ظما يوما كصارمه ... ولا اشتكى الوحش في أرض العدى السغبا
بآل عثمان محمود وأنت بنا ... علا كما شرف الأتراك والعربا
لولا كما لم يك الإسلام منتصرا ... ولا ازدرى المسلم الأوثان والصلبا
مهما التوى من وزير سوط همته ... على جواد وقد جاراك فيه كبا
لو لم يكن خير من في الروم قاطبة ... ما كنت من خير من في العرب منتخبا
يهنيك آلك والأشبال قد بزغت ... شمس المنى وتدانى الأنس واقتربا
هم النجوم وهم زهر الرياض وهم ... أسد العرين وهم أعلى الورى رتبا
شم الأنوف وآساد الصفوف وكم ... من مرة كشفوا الأحزان والكربا
بكل أنملة بحر وكل يد ... سحابة أمطرت للمرتجي النشبا
أني عقلت بعيري واتكلت لدى ... بحر وخلفت غيري يرقب القلبا
وكم جنيت عناقيد المرام وما ... جنى أخو الكيد فليستحمض العنبا
كم غارة شن حسادي على أدبي ... فما تأخر من خوف ولا رهبا
فلم يصب طاعن يوم الرهان دمي ... منها ولا ثائر من حيها السلبا
وأن أبكار فكري خرد عرب ... من أكرم العرب من أعلاهم نسبا
خذها أبا النصر بكرا بين أخبية ... لم يقطع الناقد الواعي لها طنبا
فلو رأى حليها الحلي إذ خطرت ... ما ماس منعطفا في قرطق وقبا
ان كان قبلي تثنى شاعر فلقد ... نطقت بالحق في مدحي وقد كذبا
وله وقد عرضت عليه قصيدة أنشأها أحد أدباء بغداد فكتب عليها مقرضا، وكانت تلك القصيدة في صدر كتاب:
حكيت كتابا جاء يا مدمعي نثرا ... ولم تحك ذاك النثر حسنا ولا قدرا
كتابا طوى نشري رقيق تغزلي ... وفاق سحيق المسك طيا كذا نشرا
وقائله ماذا تروم بمدحه ... أذلك أجراً منك قلت لها أجرا
وقالت دع الأعراض آنا وعارض ال ... أديب ولا تعجب فأوسعتها زجرا
وقالت تدفق أيها البحر إنما ... سواك سراب قلت لا تكذبي نهرا
وقلت لها هلا نهاك تعقبي ... جهارا لمن قد قال ممتدحا جهرا
ونظم عقدا من لآل ولم نزل ... نمد رقابا كي نكون لها نحرا
وزفت من الأعراب بكرا تغزلت ... وحاكت نسيما بعد أن طيبت عطرا
لقد خطرت غصنا، أضاءت غزالة ... رنت ظبية، فاحت عبيرا بدت بدرا
نعم تنظم الشعر الرحيق محسنا ... ولكن كهذا لم نكن نعلم السحرا
فلا زال من حان القريحة عاصرا ... عتيق نظام مسكر حادث عطرا
قوله: لقد خطرت غصنا إلى آخره هو كما قال أبو الطيب المتنبي.
بدت قمرا ومالت خوط بان ... وفاحت عنبرا ورنت غزالا
وجارت في الحكومة حين أبدت ... لنا من حسن منظرها اعتلالا
كأن الحزن مشغوف بقلبي ... فساعة هجرها يجد الوصالا
وتبعه أبو القاسم الزاهي فقال:
سفرن بدورا وانتقبن أهلة ... ومسن غصونا والتفتن جآذرا
وأطلعن في الاجياد بالدر أنجما ... جعلن لحبات القلوب ضرائرا
وممن نسج على هذا المنوال أبو عامر إسماعيل بن أحمد الشاشي من قصيدة:
رأيت على اكوارنا كل ماجد ... يرى كل ما يبقى من المال مغرما
ندوم أسيافا، ونعلو قواضبا ... وننقض عقبانا، ونطلع أنجما
وقال أبو الحسن الجوهري في الخمر إلا أنه ثلث التشبيه:
يقولون بغداد التي اشتقت برهة ... دساكرها والعكبري المقيرا
إذا فض عنه الختم فاح بنفسجا ... واشرق مصباحا ونور عصفرا
ولبعضهم في غلام مغن:
فديتك يا أتم الناس ظرفا ... وأصلحهم لمتخذ حبيبا
فوجهك نزهة الأبصار حسنا ... وصوتك متعة الاسماع طيبا
وسائله تسائل عنك قلنا ... لها في وصفك العجب العجيبا
رنا ظبيا وغنى عندليبا ... ولاح شقائقا ومشى قضيبا
ولصاحب الترجمة في مدح الأديب عبد الرحمن بن يوسف البغدادي:
شغلتنا قلوبنا والعيون ... تلك تخفي الجوى وتلك تبين
جعفر الدمع راح يروي حديثي ... وفؤادي هو الرشيد الأمين
أسكرتني مدامة العتب حتى ... قيل لي أنت شاعر مجنون
ومعاني بديع حسن بياني ... أعربت أن ذا الجنون فنون
والصبابات من صبابات قلبي ... ناقلا هكذا الجناس يكون
ليس لي راحة مذ استخدموني ... طول عمري بشربها استعين
من أقام الجوى لقلبي فصبري ... مثل قومي مع السرور ظعين
لم يغب عن تخيلي شخص بدري ... والحشى مطلع وبرج حصين
وقريب من هذا قول الماردينلي :
حبيبي لقد أودعت بالقلب جمرة ... وما ودع القلب الوداد وما قلى
وأوحشت طرفا طالما بت راتعا ... بوجه كساه الحسن من افخر الحلى
تنقلت من عيني إلى وسط مهجتي ... ومن عادة الأقمار أن تتنقلا
ومن أمثاله للصفي الحلي:
أيا من ضاع فيه نفيس عمري ... وصبري بين إعراض وبين
أراك ممثلا بسواد قلبي ... فما لي أن يراك سواد عيني
وللمقر اليوسفي:
حضرت فكنت في بصري مقيما ... وغبت فكنت في صم الفؤاد
وما شطت بنا دار ولكن ... نقلت من السواد إلى السواد
وفيه أيضا:
يا غائب الشخص عن عيني ومسكنه ... على الدوام بقلب الواله العاني
أضحى المقدس لما أن حللت به ... لكنه ليس فيه عين سلوان
وفيه لابن نباتة:
فديت محيا قد خلا منه ناظري ... ولم يخل منه من فؤادي موضع
مقيم بأكناف الغضا وهي مهجة ... وإلا بوادي المنحنى وهي أضلع
أطال حجاز الصد بيني وبينه ... فمقلته الحورا وجفني ينبع
واسكن قلبي فهو بيت مودة ... ولكنه بين العروض مقطع
ومنه أخذ ابن حجة قوله:
في عروض الهوى بحور دموعي ... ما أفادت قلبي سوى التقطيع
ودعوني ورجعوني عنهم ... يا أخا الوجد لا رجعت رجوعي
وصلوا بي مطولات جفاهم ... ورموني بقلبي المقطوع
ومنه قول القاضي الارجاني:
راع الفؤاد نوى الخليط ولم يكن ... قبل الهوى ما حادث بمروع
وأرى فؤادي في الزمان كأنه ... بيت العروض يراد للتقطيع
وتتمة الأبيات المترجمة
حسن الحاسدون بالذم شعري ... فحلا لي من العرى التحسين
ليت لو يعلم المرخص شعري ... أن دري ببحر فكري ثمين
ليت لوزف ثيبا أو عجوزا ... وقريضي المحجب المكنون
قيل لي هل تصون بالله عنا ... عينك البالغات قلت أصون
قال من ذى الورود بع يا ضعيف ... قلت للآن لم يبع ياسمين
لست ممن يبيع عينا بعين ... هكذا كل موصلي ضنين
جاءني صاحب ليخطب بكرا ... بنت يوم فقلت أين القرين
قال عبد الرحمن قلت كريم ... أنني الموصلي والمأمون
حلف البحر لم يكن غير سح ... حل يمناه حبذاك اليمين
إن أبناء يوسف كأبيهم ... وأبو يوسف الهلال الحزين
هم ظباء رعوا كناس قليبي ... واسود لهم فؤادي عرين
أو يكن بالعقيق غيري كئيب ... أن مجراه مقلتي والجفون
وعلى هذا الهموع، وذكر العقيق والدموع، يستحسن ذكر أبيات حسين العاملي
ما صاح صاحي الورق في أفنانه ... إلا وأسكره بديع بيانه
وإذا تنازعه اللوائم في الهوى ... ذكر العقيق فسح من أجفانه
كلف إذا هبت به نجدية ... يذكر بها ما باح من أشجانه
وللطالوي في هذا المعنى من قصيدة:
ذكر العقيق فسال من أجفانه ... وأشتاقه وجداً إلى سكانه
وأشتم في ريح الصبا أرج الصبا ... فصبا حليف جوى إلى أوطانه
ولابن نباتة فيه:
إذا لم تفض عيني العقيق فلا رأت ... منازله بالقرب تنهى وتنهر
وأن لم تواصل عادة السفح مقلتي ... فلا عادها عيش بمغناه أخضر
ولطيف هنا قول الماردينمية:
وظبي افاض الدمع في يوم نفرة ... ومن خده أدمى الفؤاد بجمرة
فنار الغضا في منحنى أضلعي ذكت ... وبان عقيق الدمع من سفح مقلتي
تراسلني الحاظه بسهامها ... ومن جفنها تأتي على حين فترة
ترى خده الوردي تحت عذاره ال ... حريري يبدو حاديا كل بهجة
أقول له ياقوت قلبي لقد أبي ال ... كرى ناظري فاعطف على ابن مقلة
تتمة الأبيات المترجمة:
دار بدر الدجى على كل برج ... سائلا كل ما لديهم يزين
كي يرى رابع الثلاثة قدرا ... وهو والله حاجب مقرون
قلت يا بدر قد مللت تنقل ... وتكلفت أيها المفتون
لي على منبر اليراع بنان ... جامع قد أعاقه المضمون
فصفت بانة النقا تترامى ... تحت رجليه إن بدا وتلين
حاتم طيء كل نجل جواد ... حاتم العصر حين رفد معين
كل صبح مبارك عبد مولى ... وجهه الشمس والصباح الجبين
أن أبكار فكرتي جافلات ... لم تطعني لها الهموم حصون
خفقت راية المديح ووافى ... من ندى الاكرمين فتح مبين
عمر الله ساحة أينعوها ... أنها للأنام حرز مكين
وله وقد اختبره بعض الأدباء:
مالي أرى أدباء العصر قد ولعوا ... بالاختبار وأني فوق ما سمعوا
أن العيان وما يرويه منتقد ... من فتية الفضل يا أزكى الورى شرع
فلا تصدق إذا قالوا نناظره ... لا يستوي سارق منا ومخترع
أين اللآلي لدى أهليه من سبج ... أين المساجد عند الله والبيع
ما كل بيت هو البيت الحرام ولا ... جميع أيامنا في فضلها جمع
إذا تجمع قومي قلت يا أدبي ... ألق العصا تتلقف كل ما صنعوا
تذكرت بهذه الأبيات ما اتفق للأديب مصطفى البابي مع أديب الزمان محمد القاسمي وذلك أنه وقف على قصيدة للبابي جيدة فاتهمه بها وبامتحانها. فكتب إليه البابي قصيدة وأرسلها اليه.
منها يقول:
وسل أثلات الجزع تخبرك أننا ... نعمنا بعيش في ذراهن ناعم
إذ الروض مخضر الربا وغصونه ... تقلد من قطر الندى بتمائم
وفي خلل الأغصان نور كأنه ... مجامر ند في حجور الكمائم
ومنها يقول بعد التخلص:
ولولا مقال جاءني منه أطرقت ... حياء له الآداب إطراق واجم
وقطع أمعاء القريض لهوله ... ورد القوافي وهي سود العمائم
إمام العلى إني أحاشيك أن ترى ... بديع المعاني عرضه للوائم
زعمت باني سارق غير شاعر ... صدقت بمعنى ساحر غير ناظم
لقد قالها من قبل قوم فالقموا ... بأيدي الهجا حاشاك صم الصلادم
رأوا مثل ما عاينت إبداع أحمد ... وبادرة الطائي وشعر كشاجم
حنانيك بعض البغي لا بدع أن أتى ... بشعر حبيب من رأى جود حاتم
وأن ندى نجل الحسام لروضة ... أينكر فيها طيب سجع الحمائم
فدونكها أبكار فكر تزفها ... يد الشوق عن ود من الريب سالم
مشيدة البنيان لا يستريبها ... حسود ولا يقوى بها كف هادم
والقصيدة المتهم بها أظن أنها هذه :
سرى عائدا حيث الضنى راع عودي ... سرى البدر ضيف بالدجنة مرتدي
ومنها يقول:
وعاتبته والظن أيأس طامع ... فجاوبني والقلب أطمع مجتد
ولا طفته حتى استملت فؤاده ... فيا لك صلداً بعضه لين جلمد
وبت كأن الدهر ألقى زمامه ... إلي وصافاني فأحرزت مقصدي
وحكمني من جيده وهو عاطل ... فحلاه دمعي بالجمان المنضد
إلى أن نعى بالبين صبح كأنه ... غراب النوى لكنه غير اسود
ومنها من مديحها:
أتى وظلام الظلم فيها كأنه ... وساوس شرك في فؤاد موحد
فأشرق بدر العدل في عرصاتها ... بوجه أغر مبرق العزم مرعد
تردت بثوب بالصيانة معلم ... وحفت ببحر بالمكارم مزبد
والبابي نسبة إلى الباب. وهي قرية من قرى حلب لها واد مشهور بطيب الهواء، ولكثرة الرياض، وتلون الأزهار، وفيها يقول الزين ابن الوردي
أن وادي الباب قد ذكرني ... جنة المأوى فلله العجب
فيه روح يحجب الشمس إذا ... قال للنسمة جوزي بالأدب
طيرة معربة في لحنها ... تطرب الحي كما تحيي الطرب
مرجه مبتسم مما بكت ... سحب في ذيلها الطيب انسحب
فيه روضات أنا صب بها ... مثل ما أصبح فيها الماء صب
نهره أن قابل الشمس ترى ... فضة بيضاء في نهر ذهب
ولصاحب الترجمة قصيدة لما قصد زيارة أمير المؤمنين، ونتيجة الموحدين، وإمام المتقين، وزين الأخبار المصطفين، زوج البتول، ابن عم الرسول، حضرة أسد الله الغالب، علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وأرضاه، أنشأها بجواره، واستمد بإنشائها من أشعة أنواره، وهي:
نعم بلغت يا صاح نفسي سؤالها ... وليس عليها في النفوس ولا لها
فزمزم ودع ذكر المقام وزمزم ... فقد جعلت ذكر المقام مقالها
مقام هو الفردوس نعتا ومشهدا ... وجنة خلد قد سقيت زلالها
فياقبة الأفلاك لست كقبة ال ... مقام مقالا بل ولست ظلالها
فكم هبطت للارض منك كواكب ... لتنظم حصباء بها ورمالها
وكم ود بدر التم حين حججنها ... رجال حفاة أن يكون نعالها
فتلك سماء بالمصابيح زينت ... وأن فخرت كان الهلال هلالها
وتأمن عين الشمس كسفا ولا ترى ... اذا اكتحلت ذاك التراب زوالها
فهاتيك في وجه الوجود كجنة ... وقبر ابن عم المصطفى كان خالها
وصي وصهر وابن عم وناصر ... وحامي الورى طرا وماحي ضلالها
علي أمير المؤمنين ومن حوى ... مقاما محا قيل الظنون وقالها
فمن يوم إسماعيل جد محمد ... إذا عدت الاحساب كان كمالها
وضرغامها والمرتجى ويمينها ... وأعلامها والملتجى وشمالها
فكيف نرى مثلا لأكرم عصبة ... إذا كنت تدري بالوصي اتصالها
فلا تسم الأعصاب من صلب آدم ... وأن سمت لا تسوى جميعا عقالها
لها السؤدد الأعلى على كل عصبة ... ولم تر بين العالمين مثالها
لقد حازت السبطين بدري محمد ... وبضعتها الزهراء نوراً وآلها
فيا خير من أرخت أزمة نوقها ... إليه حداة زاجرات جمالها
ويا خير من حجت إليه من الورى ... بنو أمل ألقت إليه رحالها
ويا خير ثاو للنزيل وملتجى ... إذا أزمة أبدى الزمان عضالها
ألا أيها الممتاز من آل هاشم ... ومن كان فيه عزها واكتمالهما
ألا يا أبا السبطين يا خير من رقى ... لمنزلة حاشا الورى أن تنالها
أزلت ظلام الشرك يا آية الهدى ... وأفنيت أصنام العدى ورجالها
وأطلعت شمس الحق والكفر قد دجى ... ولولاك يا فخر الوجود أزالها
أتيناك نسعى والذنوب بضائع ... وقد حملت منا الذنوب ثقالها
ولما تنافسنا ببذل نفائس ... وأنفسنا أهدت إليك ابتهالها
عفا الله عني لم أجد غير مهجة ... وأدري إذا ما قد رضيت امتثالها
فو الله مهما حل حضرتك التي ... تحج بنو الآمال نال نوالها
أغثني أغثني من هوى النفس علني ... أرى للتقى بعد الشقاء مآلها
أجرني أجرني من ذنوب تراكمت ... فما لي سوى الألطاف منك وما لها
فدهم الليالي العاتيات مغيرة ... وقد أوسعت أيام عمري مجالها
وضاق فسيح الأرض حتى كأنني ... حملت على ضعفي الفلا وجبالها
كأن الدواهي حرة قد تزوجت ... بقلبي ولم تبذل لغيري وصالها
بذلت لها عمري صداقا ولم تلد ... سوى حرقة قد أرضعتها اشتعالها
وسوف أراها طالقا بثلاثة ... على يدهم أني اعتقدت زوالها
أبا حسن والمرتضى وحسينهم ... وفاطمة هبني لمدحي عيالها
فمن مطلعي حتى الختام بمدحهم ... نعم بلغت يا صاح نفسي سؤالها
وله لما ألوى عنان مطاياه لزيارة قبر شهيد الشهداء، وخلاصة الأتقياء، وصفوة الأولياء، نور الحق والدين، وبدر سماء الصدق واليقين، شمس أفق النبوة والرسالة، صاحب المحامد والمكارم والبسالة، أبي عبد الله الإمام الحسين بن الإمام الهمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما وعن ذريتهما، وجعلنا تحت ظلالهما والويتهما، ولكونها مرثية لحضرته، رسمها على باب حجرته وهي:
قد فرشنا لوطئ تلك النياق ... ساهرات كليلة الآماق
وزجرنا الحداة ليلا فجدت ... ثم أرخت أزمة الأعناق
حبذا السير يوم قطع الفيافي ... ما أحيلي الوداع عند الفراق
والإمام الهمام نجل علي ... فخر آل البتول يوم السباق
لم تلد بعد جده وأبيه ... أمهات بسائر الآفاق
بسناء الحسين يا حبذا الخلق ... ويا حسن أحسن الأخلاق
أي أم تكون فاطمة الزهرا ... ء من والد على الحوض ساقي
أي جد يكون أفضل خلق الل ... هـ والمجتبى على الإطلاق
هل علمتم بما أهيم جنونا ... ولماذا تأسفي واحتراقي
يوم قتل الحسين كيف استقر ... ت هذه الأرض بل وسبع الطباق
أيها الأرض هل بقي لك عين ... ودماء الحسين بالاهراق
كيف لا تنسف الشوامخ نسفا ... وتجن الوجود للامحاق
أغرق الله آل فرعون لكن ... لم يكن عندهم كهذا النفاق
أن قلبي يقول قد كان أولى ... من سبي الغانيات بالإغراق
يا سماء قد زينت واستنارت ... وبها البدر زائد الإشراق
هكذا يوم كربلا كان يزهو ... فرقد فيك والنجوم البواقي
كيف بالله ما غدت كعيون ... سابحات بأنهر الاحداق
كيف لا تجعل النجوم رجوما ... ورميت العداة بالإحراق
جعل الرجم للشياطين لكن ... أي فرق لهم سوى الأطواق
وإحياء الزمان من آل طه ... وعتاب البتول يوم التلاقي
ما تذكرت يا زمان عليا ... كيف ترجو بان ترى لك واقي
وترى جيد ذلك الجيد يوما ... ودماء على المحاسن راقي
كل عرق فيه الهداية تزهو ... لعن الله قاطع الأعراق
أنت تدري بمن غدرت فأضحى ... بدماء مزمل بالعراق
هكذا كان لائقا مثل شمر ... يلتقي الآل بالسيوف الرقاق
حرم المصطفى وآل علي ... سائبات على متون النياق
ناثرات الشعور بين نحيب ... وافتراق من بعد حسن اتفاق
هذه تخضب البنان دماء ... ثم هاتيك أيقنت بالتراقي
بين ضم الحسين وهو قتيل ... واعتناق الوداع أي اعتناق
بين نهب وغارة واستلاب ... وسبايا تقاد بعد الوثاق
يا ابن بنت الرسول قد ضاق أمري ... من ثناء وغربة وافتراق
ودجى الخطب والمصائب ألقت ... رحلها فوق ضيق الخناق
جئت أسعى إلى حماك ومالي ... لك والله ما سوى الأشواق
وامتداحي مرصع برثائي ... فتقبل هدية العشاق
وعلى جدك الحبيب صلاة ... ما شدا طائر على الأوراق
ومن نفثاته، والغريب من أبياته، هذا الموشح في المديح وهو:
من ملاح الترك أغيد ... خده كالجلنار
غصن بان مذ تأود ... في هواه القلب طار
قهقه الكون المجسد ... وانثنى يسقى العقار
خلت فوق الغصن غرد ... يا أخا الوجد الهزار
وهو أسنى إذ تجرد ... وسنى الغصن الثمار
مربي يوما وسلم ... وله البدر توأم
وبموسى اللحظ كلم ... ثم داوى بالكلام
مذ رأى وهو المعظم ... هجره أبلى العظام
عد أضلاعي ليرحم ... ويرى قتلي حرام
ظل يبكي حين عدد ... ورثى بعد النفار
فوق خديه شقيق ... وله البدر شقيق
صير الخصر الرقيق ... ردفه الباغي رقيق
قلت في الثغر بريق ... مزج الشهد بريق
قال لا هذا رحيق ... ودواء للحريق
فانثنى والردف عربد ... واعترى الخصر اختصار
قال دع ما قيل عنا ... واغتنم صفو الزمان
وأرح قلبا معنى ... واجتل بنت الدنان
أن طير الأنس غنى ... فوق أغصان الأمان
حن قلبي حين حنا ... بالطلا الصرف البنان
وسقى الراح المبرد ... من لمى الثغر جهار
قلت لو تسمع عذري ... كنت مثلي في نفاق
فلقد قضيت عمري ... في اصطباح واغتباق
وأنا مثلك دهري ... قبل أن جئت العراق
فرأيت الشرب يزري ... بالفتى بين الرفاق
عند مولانا المؤيد ... ذي التقى والاقتدار
خير من ولي الوزارة ... وتدابير الأمور
عين إنسان الإمارة ... وسداد للثغور
علم الأسد الجسارة ... فروى عنه الحبور
فلنا كل البشارة ... ولنا كل السرور
حزت إقبالا وسؤدد ... بامتداح ووقار
فالشريف الحر أنصف ... مذ رأى الوجه الأغر
قال ما في الدهر أشرف ... من حسين وأبر
وعن الأهل تخلف ... ولدى البحر استقر
فاسألوه فهو أعرف ... وبصدقي قد أقر
أنا عبد لست أجحد ... وبذا نلت الفخار
وله:
جنى من قال عنك البدر يحكي ... لماذا ازور لحظك دعه يحكي
فلولا الثغر والخد الشقيق ... نعم قلنا لذلك ذا شقيق
أريق في بريق أم رحيق ... وخدك ماس أم غصن وريق
جعلت الناس في شرك وشرك ... فأنت غريم أفئدة ونسك
فهبني في الهوى استعذبت ذلك ... وما خصصت فاك بلى وكلك
لحى الله المفند كيف دلك ... على هجري وعني قال ملك
وقد أصبحت في ريب وشك ... إلى أن رمت يا تركي بتركي
فلست بأشعبي في الأماني ... وفي الآداب ما أحد علاني
وأني الباز في صيد المعاني ... ولي جنحان من سن المعاني
واقنع بالشتاء بصيد كركي ... وذلك من ندى ملك وملك
وزير فيه أينعت العدالة ... وأورق روضه روض الجلالة
له المنن العظام بكل حالة ... مجددة بجيدي كالغلالة
وكم قد فك عني ضيق ضنكي ... فلست أهاب من جور وإفك
مليك أن رآه البدر بادي ... تواقع كالغلام على الأيادي
ان الدهر الخئون أبى مرادي ... أنادي ما تهاب أبا مراد
فكم قد ذقت فتكا بعد فتك ... أما قد تبت عن غدر وسفك
أيا أندى البنين أبا سليم ... أنيس جاء بالقلب السليم
أبا در ودري كريم ... جواد باسل أسد كريم
لأنت الفرد في ملك وملك ... وعبدك خير ذي نظم وسبك
وبالمناسبة فمن لطائف الموشحات لابن حجة ما سنذكره. وقد التزم أن يأتي في آخر كل خرجه بنصف بيت من كلام الغير مضمنا، وزعم أن ذلك مما لا يقدر عليه غيره، وهو:
جاءت تغازل بالأجفان والمقل ... فاهتز عطف غرامي وانجلى غزلي
فيا لها لحظات للحظا نسبت ... تصيب باللمح قلب الفارس البطل
فقلت ما منيتي وزيني ... بتربة الصبر يوم بيني
كحل بعينيك قالت وهي في خجل ... ليس التكحل في العينين كالكحل
ماست بقامتها يوما بذي سلم ... والشعر كالعلم المنصوب للأمم
فقلت يا قلب أعلام الهدى نصبت ... ها أنت تخطر بين البان والعلم
فغرقتني بدمع طرفي ... وقالت اسمع كفيت خلفي
ألم تخف بللا ناديت يا أملى ... أنا الغريق فما خوفي من البلل
سألتها برد ما عندي من الكمد ... فقلت نار الجوى قد أضعفت جلدي
قالت بريقي اطفيها اذا التهبت ... يا برد ذاك الذي قالت على كبدي
ولاح في خدها لسعدي ... خال تمسكت فيه وحدي
قالت وطلعتها كالشمس في الحمل ... في رؤية البدر ما يغنيك عن زحل
إنسان مقلتها لما رأى كلفي ... بسيفه قد أقام الحد في تلفي
فمت بالسيف قهرا والحشا نهبت ... لكنني عند موتي قد قوي شغفي
ناديتها والدموع طوفان ... وقلت ماذا فعال إنسان
إلى م تعجل في قتلي بلا زلل ... فقال لي خلق الإنسان من عجل
والله يا برق ان أو مضت في السحر ... وحارس اللحظ في شك من الخبر
قف بالثنيات واذكرني اذا عذبت ... منيهلات عذيب الثغر في السحر
وأرسل عليل النسيم خلفي ... معرفا بالشذا ومشفي
ولا تقل أنه المعتل في شغل ... فربما صحت الأجسام بالعلل
رقم السوالف يروي ما بمسنده ... عن رقمتي حيهم يا طيب مورده
وثغرها قد روى من قبل ما احتجبت ... عن برد ذاك السنا عن أم معبده
والريق أمسى عن المبرد ... يروي حديث العذيب مسند
عن الصفا عن مذاق الشهد والعسل ... عن ذوق سيدنا قاضي قضاة علي
وعارضه القاضي رشيد الدين يحيى بن العطار على منواله ملتزما ما التزمه، وأجاد:
من لي به رشأ في الجيد والمقل ... ناء عن الأهل رجاع إلى العذل
رنا إلى القضب إذ حاكته فاضطربت ... أما ترى أنها تهتز للوجل
حاشاك يا واضح الجلالة ... وفاضح البدر والغزالة
أن يشبه الغصن يوما قدك الاسلي ... وهل يطابق معوج بمعتدل
أعربت حسنك من عطفيك بالألف ... لما تثنيت من فيه ومن صلف
ورحت تسكر أجفانا قد انتصبت ... لقتلتي فغرامي غير منصرف
فانظر لنحوي وكن عذيري ... واستنجز الحال عن ضميري
ينبيك أني لم اجنح إلى البدل ... ولا ترقت إليه همة الأمل
لو أوتي الريم ما أوتيت من حور ... وحق عينيك لم ينفر من البشر
ولو درت عذلي معناك ما اكتسبت ... بعذل مثلي ذنبا غير مغتفر
ولو رأى الظبي كيف عربد ... تركي جفنيك كان أنشد
ما ضر ذا الصارم المسنون بالكحل ... لو أنه مغمد عنا ظبا المقل
يا من نضى عن جفوني حلة الوسن ... وعاض عنها بثوب السقم للبدن
رفقا بعين غواد سحبها انسكبت ... وهب لنا نظرة من وجهك الحسن
ولم نكلها إلى خيالك ... فإنها لم تكن هنالك
هيهات مرقد جفني بالسهاد بلي ... لا سيما وهو من عينيك في شغل
بسقم جفنيك جد فضلا على سقمي ... وبالمنام تصدق لي فلم أنم
وصل فوجنتك الحمراء مذ حجبت ... لم ترع عهدي وما بالعهد من قدم
واقصر من الصد والتجني ... وقل لمن لام فيك عني
أنا ألذ بما تبديه من عذلي ... وأن وجدت لسانا قائلا فقل
*** وله أيضا وقد اخترعه والفه من كلام الغير نصف كل بيت من قصيدة وهو غريب لطيف:
أجاب دمعي وما الداعي سوى طللي ... وظل يسفح بين العذر والعذل
يا ساكني السفح كم عين بكم سفحت ... ملء الزمان وملء السهل والجبل
قلب معنى ومدمع صب ... يجر أذياله ويسحب
يشكو إلى القلب ما فيه من العلل ... والقلب يسحب أذيالا من الوجل
لتهن عين غدت بالدمع في لجج ... وكل جفن إلى الإغفاء لم يعج
ومهجة فيك للأشجان قد صلحت ... لا خير في الحب أن أبقى على المهج
لم تبق لي في الهوى ملاذا ... يا ليتني مت قبل هذا
تركتني أصحب الدنيا بلا أمل ... فما أقول لشيء ليت ذلك لي
ما جال بعدك طرفي في سنا القمر ... فإن ذلك ذنب غير مغتفر
لي همة لولي قط ما طمحت ... لما تواضع أقوام على غرر
وأينما كنت كنت عبدك ... فإن قلبي أقام عندك
على بقايا دعاوى في الهوى قبلي ... وأنت تعلم أني بالغرام ملي
بما بعطفيك من تيه ومن صلف ... تلاف مضناك قد أشفى على التلف
فالموت أن غضت الأجفان أو فتحت ... يا اكحل الطرف أو يا ازرق الطرف
لسائل الدمع صرت قاهر ... وسرت والقد منك خاطر
يزري الطعين وصدر الرمح لم يصل ... ما خاب من سأل الحاجات بالأسل
وغادة أشرقت كالبدر في الظلم ... وقبلتني على خوف فما لفم
لا بل هي الشمس زالت بعد ما جنحت ... فلم تدم لي وغير الله لم يدم
كم اختلسنا من العناق ... ونحن في الأنس بالتلاقي
وكم سرقنا على الأيام من قبل ... خوف الرقيب كشرب الطائر الوجل
ومن لطائف موشحات ابن نباتة قوله:
إلي بكأسك الأشهى اليا ... ولا تبخل بعسجدها عليا
معتقة تدار على الندامى ... كأن على ترائبها نظاما
من الراح التي محت الظلاما ... أضاءت وهي صاعدة المحيا
فقلت عصير عنقود الثريا ... أدرها بين الحان وزمر
على درين من زهر وقطر ... كأن حديثه في كل قطر
حديث ندى المؤيد في يديا ... يطيب رواية ويضوع ريا
وغانية يحن لها الجنان ... يضيئ اذ ابتسمت منها المكان
خلوت بها وقد سمح الزمان ... فألقيت الحيا عن منكبيا
وغافلت الرقيب وقلت هيا
ومما نظمته من الموشحات قولي:
بشراك يا قلب فاطرب بابنة العنب ... واشرب على خد من تهوى بلا نصب
وغازلن لغزلان النقا طربا ... وارشف لريق لهم أحلى من الضرب
واترك ملامة عذالي وان عذلت ... واجهر بلا حذر باللهو واللعب
فغادتي تخجل الغزالة ... ووجهها البدر لا محالة
وأنهب لأوقات عيش زانها فرح ... مع غادة فتكت بالعجم والعرب
بالله يا قلب أن وافيت في سحر ... وحاجب الحب لا يخلو من الضرر
فلا تبال إذا اخفت لما وعدت ... فانهض إلى العيش واشرب في سنا القمر
وانظر إليها بلا حجاب ... وامزج الريق بالشراب
وعج إلى وصل من تهوى بلا حذر ... واجنح إلى حرم المحبوب في أدب
هيفاء أن بزغت كالبدر في الظلم ... وأوعدتني كما أملت من نعم
فهي الغزالة في أفق العلى جنحت ... إلى الوصال فلا أرجو سوى الكرم
وغيمها خلب النوال ... فرم حماها ولا تبال
فإذ منعت وصالا من مقبلها ... فالجأ إلى ذروة تعلو على القطب
إلى الحسين الذي فاق الورى رتبا ... وعم في جوده الأتراك والعربا
أكفه بالمعالي والعلى سمحت ... أن جاد فالغيث بل والبحر أن وهبا
أخلاقه الغر في الزمان ... كثيرة اللطف والمعاني
صدر الوزارة من بالفضل قد غرست ... أغصان نائلة فانهل كالسحب
لتهن بلدتنا الحدباء بالفرح ... مذ غاب عنها جنت للهم والترح
ومذ أتى سكبت للجود وانتصبت ... للهطل راحتها واستظرفت منحي
وهكذا فضله تعالى ... أناله في العلى كمالا
لا زال يسمو إلى الجوزاء مرتقيا ... بسؤدد مجده يعلو على الشهب
ولنا أيضا على أسلوب آخر وهو:
غزال ناعس الأجفان جاني ... يريك تلفتا حسن المعاني
تبسم ثغره عن عقد در ... حبيب لا يراعي اليوم بري
يهز قوامه من غير فكر ... ويعبث بالمتيم وهو يزري
وجل عن التحول من جناني ... مليح حسنه يسبي الحسان
يعلم جيده الجاني نفارا ... ويكشف عن محاسنه الخمارا
هلال في المحاسن لا يباري ... شغفت بحسنه السامي جهارا
كغصن مجتنى من غصن بان ... يجل عن المثالث والمثاني
يدير علينا كاسات الحميا ... ويحكي نظمها عقد الثريا
نجيب كلما مرت علينا ... كئوس مدامه فأقول هيا
أضاء جبينه في كل حان ... سهيل بان في الركب اليماني
يجر رداءه ويطوف فيها ... ويفتك في القوام بمجتليها
فأطرب في المدام واشتهيتها ... وأطلب أن أكون بها نبيها
يغض جفونه كي لا يراني ... ويشرب من معتقة الدنان
مليح فيه قد عدم اصطباري ... عليه من الورى وقع اختياري
وقد علمته طرق النضار ... فأحرق مهجتي بشرار نار
اعلمه الرماية كل آن ... فلما اشتد ساعده رماني
فما لك يا كئيب إلى النوال ... سوى المولى حسين أخي النوال
وزير فيه أينعت المعالي ... وأورق غصنها في كل حال
تجلى في المكارم عن مداني ... فريد ماله في الجود ثاني
جليل فضله في كل ناد ... وبدر هل في كل البلاد
هزبر مفرد بين العباد ... فكم سلفت لنا منه الأيادي
مليك لم يزل للمجد باني ... يؤسس للمكارم في الزمان
فدم بالسعد يا عين الوزارة ... ويا روح المعالي والإمارة
فمنك تعلم الناس الجسارة ... وكم لك في المحاسن من مهارة
وكم لك في الوزارة من معاني ... تجل عن الشريك بلا مداني
*** ومن لطائف هذا الباب، الشامل لجميع أنواع الآداب، الموشح المشهور، المستهزئ بالشموس والبدور، موشح ابن المعتز (1) فلا بأس بذكره:
أيها الساقي إليك المشتكى ... قد دعوناك وأن لم تسمع
ونديم همت في غرته ... وبشرب الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته ... جذب الكأس إليه واتكأ
وسقاني أربعا في أربع
ما لعيني عشيت بالنظر ... أنكرت بعدك ضوء القمر
وإذا ما شئت فاسمع خبري ... عشيت عيناي من طول البكا
وبكى بعضي على بعضي معي ... غصن بان مال من حيث استوى
مات من يهواه من فرط الجوى ... خفق الأحشاء موهون القوى
كلما فكر في البين بكى ... ماله يبكي لما لم يقع
ليس لي صبر ولا لي جلد ... يا لقومي عذلوا واجتهدوا
أنكروا شكواي مما أجد ... مثل حالي حقها أن تشتكي
كمد الياس وذل الطمع ... كبد حرى ودمع يكف
يعرف الذنب ولا يعترف ... أيها المعرض عما أصف
قد نما حبي بقلبي وزكا ... لا تخل في الحب أني مدعي
وعارضه الشيخ صلاح الدين ومشى على طريقته واسلوبه فقال
هلك الصب المعنى هل لكا ... في تلافيه بوعد مطمع
أيها البدر الذي لما بدا ... غاب عن عشاقه فيه الهدى
أنت في قلبي مقيم أبدا ... فلك الأحشاء أمست فلكا
فاستقم في الأوج منها واطلع ... يا عذولي أنت لم تدر الهوى
فلذا أنكرت مابي من جوى ... خل قلبي ما لك منك دوا
كلما تعذله أنت انتكا ... فاسترح من عذل من لم يسمع
صاح ما أصنع قد خاب الرجا ... وجنى قلبي ولكن ما نجا
بعد دمعي وتثنى في الدجا ... قل لصوت العتب دع عنك البكا
ولورقاء الحمى لا تسجعي ... كنت في هجعة طرف قد رقد
لست أخشى من لظى هجر وقد ... ثم لم أشعر به إلا وقد
نصبت مقلته لي شركا ... أي قلب عندها لم يقع
قمر مهما رنا أو رمقا ... لم يدع للصب منه رمقا
آه من طول عنائي والشقا ... هو لا يسمع مني مشتكى
وأنا للنصح فيه لا أعي ... رب خود علق القلب بها
فهمت عيني توالي حبها ... لست أنسى قولها في صحبها
كلما قالوا علنت بالبكا ... فحديثي لك يا جارة اسمعي
فائدة جليلة
ذكر المحبي في تاريخه إن أول من نظم الموشح المغاربة، وهذبه القاضي الأجل هبة الله ابن سناء الملك وتدواله الناس الى الآن.
وسمي موشحا لأن خرجاته وأغصانه كالوشاح له. وسبب تقدمه على ما بعده لإعرابه كالشعر لكن يخالفه بكثرة أوزانه، فتارة يوافق أوزان الشعر وتارة يخالفها.
وأول من اخترع الدو بيت الفرس ونظموه بلغتهم، ومعناه بيتان ويقال له الرباعي لأربعة مصاريعه. وهو ثلاثة أقسام: يكون بأربع قواف كالمواليا، واعرج بثلاث قواف. ومردوفاً بأربع أيضا. وكله على وزن واحد. وتقدم على ما بعده لإعرابه أيضا.
وأول من اخترع الزجل رجل اسمه راشد، وقيل أبو بكر ابن قزمان المغربي وهو في اللغة الصوت، سمي به زجلا لانه يلتذ به، ويفهم مقاطيع أوزانه، ولزوم قوافيه حتى يغني فيه ويصوت.
وهو خمسة أقسام: ما تضمن الغزل والزهر والخمر وحكاية الحال يخص بالزجل. وما تضمن الهزل والخلاعة يقال له بليق. وما تضمن الهجو والنكت يقال له الحماق. وما بعض ألفاظه معربة وبعضها ملحونة فاسمه مزيلج. وما تضمن الحكم والمواعظ فاسمه المكفر بكسر الفاء المشددة. والاول أصعب.
وقال مخترعه ابن قزمان لقد جردته من الإعراب كما يجرد السيف من القراب. وسبب تقدمه على ما بعده كثرة أوزانه وصعوبة نظمه، وقربه من الموشح، في أغصانه وخرجانه.
وأول من اخترع المواليا أهل واسط. وهو من بحر البسيط، اقتطعوا منه بيتين وقفوا كل شطر منه بقافية، ونظموا فيه الغزل والمديح وسائر الصنائع، على قاعدة القريض. وكان سهل التناول، تعلمه عبيدهم المتسلمون وعمارتهم والغلمان، وصاروا يغنون به في رءوس النخل وعلى سقي المياه، ويقولون في آخر كل صوت يا مواليا إشارة إلى سادتهم فسمي بهذا الاسم انتهى كلامه.
وعلى هذه النكتة التي ذكرناها يحسن أن نذكر بعض من ظهرت على يديه الأشياء.
فقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن علي بن أحمد البسطامي في كتابه الفوائح المسكية والفواتح المكية في الباب السابع عشر قال:
أول من شق نهر البصرة أبو عبد الرحمن ابن عامر القرشي
وأول من اختط مدينة القيروان بالمغرب عقبة بن نافع الفهري وأول من سماه رسول الله صلى الله عليه تعالى عليه وسلم بذي الشهادتين خزيمة بن ثابت الأنصاري
وأول من خمس الغنائم عبد الله بن جحش ثم نزل القرآن بتقريره.
وأول من فتح بلاد الجزيرة والرها وحران عياض بن غنم وأول من حفر دجلة العرب دانيال الاكبر
وأول من ملك من المشرق إلى المغرب من الأنبياء سليمان ابن داود عليهما السلام ومن الملوك ذو القرنين ونمرود.
وأول من حج آدم عليه السلام. وأول من وضع مائة في مائة من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهو أيضا أول من تكلم في علم الكيمياء. وفي علم النحو والنجوم
وأول من أهدى البدن إلى الكعبة الياس بن مضر
وأول من تكلم في علم الأسماء آدم عليه السلام
وأول من صنف الخافية في علم الحروف جعفر الصادق
رضي الله عنه
وأول من صنف في علم الكيمياء جابر بن حيان الطرسوسي وأول من صنف في علم الحروف من الصوفية سهل بن عبد الله التستري
وأول من تكلم في علم الكيمياء من المشايخ الصوفية ذو النون المصري
وأول من تكلم في علم الطلسمات بليناس الحكيم
وأول من تفلسف بمصر فاليس الحكيم
وأول من علم الطب بقراط الحكيم وهو أول من استعمل في الطب الحقنة.
وأول من استخرج خصائص الأحجار ارسطو الحكيم وأول من صنف كتاب الحشائش سيقور يدوس الحكيم وأول من صنف كتاب منافع الحيوانات بقراطيس الحكيم وأول من وضع الاكحال أفلاطون الحكيم الكحال اليوناني وهو أول من استخرج علاج الكي.
وأول من بين خواص الأعداد المتحاببة والمتباغضة افلاطون الالهي
وأول من استنبط علم الفراسة افليمون
وأول من شرح الكتب الحكيمة (وخرج شيء من شروحه) إلى العربية مقسطيس الحكيم
وأول من علم الإسطرلاب بطليموس القلوذي
وأول من سخر الشيطان جمشيد
وأول من حفظ القرآن من الخلفاء العباسيين المأمون وهو أول من وضع كتابا في علم القرعة وهي مشهورة بالقرعة المأمونية.
وأول من وضع صور الكواكب المرصودة وهي ألف واثنان وعشرون كوكبا اقراطيس الحكيم
وأول من وضع رحى الماء، ودولاب الماء، فيملون الحكيم وأول من زرع البطيخ آدم عليه السلام.
وأول من حذا النعل جذيمة بن مالك
وأول من أذن في الإسلام بلال الحبشي
وأول من بنى مسجدا في الإسلام عمار بن ياسر
وأول مسجد قرئ فيه القرآن مسجد بني زريق
وأول من جمع في المدينة مصعب بن عمير وقيل اسعد بن زرارة وهي أول جمعة جمعت في الاسلام.
وأول من جلس في الخطبة يوم الجمعة معاوية وقيل عثمان رضي الله عنهما
وأول من اتخذ مقصورة في الجامع معاوية رضي الله عنه.
وأول عربية كست الكعبة نتيلة بنت جناب أم العباس بن
عبد المطلب وهي أول من عمل المحامل وحمل فيها الحجاج.
وأول من سرد الدروع وحلقها داود عليه السلام، وكانت قبل ذلك صفائح.
وأول من ربى الخيل العربية إسماعيل عليه السلام.
وأول من وضع المنجنيق جذيمة بن مالك
وأول من سمي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأول راية عقدت في الإسلام راية عبد الله بن جحش وهو أول أمير أمر في الإسلام.
وأول من سل سيفا في سبيل الله في الإسلام الزبير بن العوام.
وأول من رمى بسهم في سبيل الله في الإسلام سعد ابن أبي وقاص وهو أول من أراق دما في سبيل الله.
وأول من استشهد في الإسلام سمية أم عمار
وأول من سن صلاة عند القتل خبيب بن عدي وهو أول من صلب في الإسلام.
وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون.
وأول رأس حمل في الإسلام رأس عمرو بن الحمق وذلك أنه لدغ فمات فخشوا أن يتهموا، فقطعوا رأسه وحملوه.
وأول من وضع الخراج عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأول أنبياء بني إسرائيل موسى عليه السلام. وهو أول من تكلم في علم العدد من الأنبياء عليهم السلام، وهو أول من علمه الله الكيمياء.
وأول من اطلع قمرا في السماء ثانيا، يرى من مسيرة شهرين من السحرة المقنع وقيل الملفع الخراساني
وأول من بنى مصر بعد لطوفان بصير بن حام.
وأول ملوك اليونان فليبس
وأول من أمر بنقل التوراة من العبرانية إلى اليونانية فيلودنوس
وأول من ترجم التوراة الى العربية حنين بن اسحاق العبادي
وأول من خرب مصر من ملوك العجم بخت نصر
وأول ملوك الروم رومولس
وأول من دعي قيصر أغسطس وهو الذي بنى قيصرية وأول من اظهر دين النصرانية قسطنطين
وأول من خرب القدس من ملوك الروم فيطوس
وأول ملوك اليمن قحطان
وأول من سبك الزجاج كلكي الحكيم وهو أول من أجمد الزئبق.
وأول من تسمى بفرعون الوليد العملاقي
وأول ملوك العرب في الحيرة مالك بن فهم
وأول من كسى الكعبة من ملوك اليمن تبع الأصفر
وأول ظهور الروم كان في سنة ست وسبعين وخمسمائة من وفاة موسى عليه السلام.
وأول من بنى دمشق الضحاك وهو أول من سن الصلب والقطع.
وأول من احدث النوروز جمشيد وهو أول من رتب الوزراء والحجاب والأمراء.
وأول من ذلل الفيل فريدون
وأول من استخرج المعادن والجواهر من البحار جمشيد.
وأول من اظهر القوس والنشاب افراسياب
وأول من وضع النرد اردشير بن بابك
وأول من جمع كتب الفلسفة اليونانية، وأمر بنقلها إلى اللغة الفارسية سابور الثاني وفي أيامه استخرج العود.
وأول من بنى إيوان كسرى بالمدائن سابور الملقب بذي الأكتاف وأول من وضع الشطرنج صصه بن راس الهندي ملك شهران وأول من وضع كليلة ودمنة بيدبا الفيلسوف الهندي لدبشليم ملك الهند
وأول من استخرجها من بلاد الهند وجعلها بالفارسية برزويه الحكيم
وأول من جعلها بالعربية عبد الله بن هلال الاهوازي.
وأول من تكلم في المهد عيسى عليه السلام.
وأول منبر وضع في الإسلام منبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وأول من اسرج في المسجد سراجا تميم الداري
وأول من سن الدية مائة من الإبل عبد المطلب وقيل أبو سيارة العدواني
وأول من قطع في السرقة في الجاهلية الوليد بن المغيرة
وهو أول من قضى في القسامة في الجاهلية فأقرها رسول الله ﷺ.
وأول من أوصى بخمسين ألفا في سبيل الله عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
وأول من كان له أربع نسوة فأصاب امرأة منهن ألف ألف ومائة ألف الزبير بن العوام.
وأول عربي قسم للذكر مثل حظ الأنثيين عامر بن جشم فنزل الإسلام بذلك.
وأول لعان كان في الإسلام لعان هلال بن أمية الواقع مع زوجته.
وأول ظهار كان في الإسلام ظهار اوس بن الصامت مع زوجته.
وأول خلع كان في الإسلام خلع امرأة ثابت بن قيس مع زوجها.
وأول من رجم في الإسلام ماعز بن مالك
وأول من ارتد عن الإسلام ذو الخمار. واسمه عبهلة بن كعب العنسي
وأول من ارتشى في الإسلام المغيرة بن شعبة
وأول ما ابتدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة.
وأول من عبر الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام إبراهيم عليه السلام وأول ما علم جبريل عليه السلام النبي ﷺ الوضوء.
وأول ما نزل على النبي ﷺ من القرآن اقرأ باسم ربك الأعلى.
وأول من حيا النبي ﷺ بتحية الإسلام أبو ذر الغفاري رضي الله عنه.
وأول من هاجر إلى المدينة من الرجال مصعب بن عمير ومن النساء أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
وأول من أحدث المصافحة أهل اليمن.
وأول من أجد اللواطة أهل سدوم
وأول من أوصى بثلث ماله البراء من معرور
وأول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون
وأول من وضع ديوان البصرة المغيرة
وأول من قضى بالجاهلية في الخنثى بالميراث حيث تبول عامر ابن الظرب
وقيل هو أيضا أول من سن الدية من الإبل.
وأول امرأة جعل لها النعش مثل القبة فاطمة الزهراء رضي الله عنها. وقيل زينب
وأول من لقب بالصاحب من الوزراء أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة
وأول من سمي بعبد الله في المدينة بعد الهجرة عبد الله بن الزبير.
وأول من طوى ثلاثة أيام من العلماء سفيان الثوري
وأول من طوى أربعين يوما من الصوفية أبو سعيد المغربي
وأول من أكل أكلة بعد سبعين يوما سهل بن عبد الله التستري.
وأول من ختم القرآن في ركعة واحدة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وأول من قرأ في اليوم والليلة ثلاث ختمات كرز بن وبرة
وأول من تكلم من الشافعية في علم الفراسة الشافعي رضي الله عنه، ومن الحنفية الشيباني
وأول من تكلم في علم الكشف وصنف من فلاسفة الاسلام يعقوب بن اسحاق الكندي
وأول من تكلم في الكنجفة ملوك الترك بمصر.
وأول من جعل النيروز عند نزول الشمس في أول درجة من الحمل ملكشاه السلجوقي وكان قبل ذلك عند نزولها إلى نصف الحوت.
وأول من بنى بغداد المنصور الدوانيقي
وأول من بنى اردبيل محمد بن مروان
وأول من أمر بعمارة طرسوس هارون الرشيد.
وأول ابتداء أمر القرامطة في سنة ثمان وسبعين ومائتين
وأول من قلع باب الكعبة والحجر الأسود من الركن ونقله إلى هجر وهي مدينة باليمامة أبو طاهر القرمطي
وأول حكام بني إسرائيل طالوت.
وأول من عمل السيوف جمشيد وهو أول من عمل السروج وهو أول من دل على صنعة الابريسم.
أول ملوك الحجاز جرهم بن قحطان
أول خليفة من الأمويين معاوية رضي الله عنه
أول خليفة من العباسيين عبد الله السفاح
أول ملك من العلويين (مصر) المعز بن المنصور
أول ملك من العلويين بأفريقية عبيد الله المهدي
أول ملك من الديلميين بشيراز عماد الدولة على بن بويه
أول من ملك من السلجوقيين طغرل بك بن ميكائيل
أول من ملك بمصر من الترك المعز ايبك
أول ملوك الخاقانية هولاكو بن طولين بن جنكيز خان
أول من اتخذ الحمام بالشام ونقل البطارق والأجناد نور الدين الشهيد
أول من عين أربعة قضاة بمصر ركن الدين بيبرس البندقداري الظاهر
أول شيء من أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وطلوع الشمس من مغربها.
أول طلوع النجم الأحمر تقوم القيامة.
أول قيام الساعة يوم الجمعة.
أول ما يرفع من صدور الرجال القرآن.
أول أمة تهلك الجراد.
أول علم يرفع علم الفرائض.
أول خراب الأرض قبل الساعة بأربعين سنة.
أول من تنشق عنه الأرض محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام.
أول من يرد الحوض فقراء المهاجرين.
أول ما يقضى بين الخلائق في الدماء.
أول ما يحاسب به العبد صلاته.
أول أمة تدخل الجنة أمة محمد ﷺ.
أول ما يشفع بأهل المدينة ومكة والطائف.
أول من يقرع باب الجنة محمد ﷺ.
أول من يكسى من النار إبليس اللعين.
أول ما يذبح يوم القيامة الموت بين الجنة والنار.
أول من فتح الأهرام بمصر المأمون
أول من عاش من الحكماء ألف سنة لقمان الحكيم
أول من رأى الخضر من الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أول بغلة ركبت في الإسلام الدلدل
أول سيف ملكه رسول الله ﷺ المأثور
أول فرس ركبه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم السكب
أول من قنن قوانين الخلوة جنيد البغدادي
أول من قاتل بالمقلاع داود عليه السلام
أول من دخل بالخرقة العمرية إلى الشام عقيل المنبجي
أول من شرب من عين الحياة الخضر عليه السلام.
أول من أنكر كرامة الأولياء أبو هاشم عبد السلام بن محمد ابن عبد الوهاب الجبائي
أول من زعم أن عليا حي لم يقتل عبد الله بن سبأ
أول ما ظهر علم المساحة من القبط.
أول علم الموسيقى من يونان.
أول علم الطبائع من دمشق.
أول علم السحر من سريان الشام.
أول من سخر روحانية الكواكب السبعة من فلاسفة الإسلام أبو معشر البلخي
أول شجرة آمنت بالله الباذنجان.
أول جنة يدخلها الناس جنة النعيم
أول خليفة بايع ولده معاوية وهو أول من وضع البريد.
أول من أبطل سب علي رضي الله عنه على المنبر عمر بن عبد العزيز.
أول ما يكشف لصاحب الخلوة آيات العالم قبل آيات نفسه.
أول من خوطب في الإسلام بشاهنشاه عضد الدولة بن حسن ابن بويه الديلمي
أول من ضحك في بطن أمه الضحاك بن مزاحم الهلالي
أول حرف من حروف اسم الله الأعظم حرف القاف.
وهذا آخر ما نقلناه من الكتاب المذكور. والله أعلم بما تكن الصدور.
ومن مقاطيع صاحب الترجمة قوله في مليح ذي خال قاتله خاله:
لله ظبي كالغزالة مقبلا ... أضنى فؤاد الصب حسن دلاله
يشكو الذي يلقاه من خال له ... ياما بقلبي من فعائل خاله
وله فيه:
وغزال حير الناس بخال ... اسود الوجه بقتلى ما تأنى
خاله الظالم قد جار عليه ... مثل ما جار على قلب المعنى
وله فيه:
رب ظبي عنبري الخال يشكو ... خاله الظالم من سوء فعاله
جاء يرجو النصر مني وهو باك ... فرآني أضعف الناس لخاله
وله فيه:
لم اشتكي من خاله ... من خاله الناس قتل
أجبت أن الله قد ... جازاك من جنس العمل
وله فيه:
وأغيد نقطت بالمسك وجنته ... أضفاه من خاله التفريط والقال
فصدقوه إذا ما قال يقتلني ... خالي الظلوم فإن الخال قتال
وللشعراء في الخال فنون، تورث الجنون، لا بأس بإيراد شيء منها.
فمن ذلك لابن نباتة في مليح على شفته خال، يحكي برشفه الماء العذب الزلال، وكان ملازما لعمه:
وأغيد فوق مرشفيه ... خال رمى القلب في نكاله
لولا سطا عمه لفزنا ... ويلاه من عمه وخاله
وله:
عرج على حرم المحبوب منتصبا ... لقبلة الحب واعذرني على سهري
وانظر إلى الخال دون الثغر فوق لمى ... تجد بلالا يراعي الصبح في السحر
ولبعضهم فيه:
لا تحسبن الذي في الجيد شامته ... مخلوقة من دجى صدغيه والغسق
لكنها حبة القلب التي احترقت ... من جوره فغدت للجور في العنق
وفيه:
في خده اليمنى له شامة ... من أجلها اليسرى لها تحسد
طلعته كعبة حسن وفي ... الركن اليماني الحجر الأسود
وفيه:
قد صاد طائر قلبي يوم ودعني ... يا كعبة الحسن قد حللت ما حرما
يا كعبة ظل فيها خالها حجرا ... كم ذا الطواف ولا ألقاك مستلما
وللحاجري فيه:
ومهفهف من شعره وجبينه ... تغدو الورى في ظلمة وضياء
لا تنكروا الخال الذي في خده ... كل الشقيق بنقطة سوداء
وللمظفر الأعمى فيه
لا تحسبوا شامة في خده طبعت ... على صحيفة خد راق منظره
وإنما خده الصافي تخال به ... سواد عينيك خالا حين تنظره
ولمحمود الدمشقي فيه
كأنما تحت دجى شعره ... بدر تبدى في الليالي الطوال
أسفر ضوء الصبح من وجهه ... فقال خال الخد فيه بلال
وللتنوخي فيه:
بأبي ابيض كالأسمر في ... خده الأحمر خال أسود
وجهه ما زال صبحا طالعا ... فبلال الخال ماذا يرصد
ولعفيف الدين التلسماني
أدنته لي سنة الكرى فلثمته ... حتى تبدل بالشقيق السوسني
ما راعني إلا بلال الخال من ... خديه في صبح الجبين يؤذن
وللحاجري فيه:
نبي جمال كل ما فيه معجز ... من الحسن لكن وجهه الآية الكبرى
أقام بلال الخال في صحن خده ... يراقب من لألاء طرته الفجرا
وللمشد فيه:
لئن تمسكت بحبي رشا ... تقبيله فرض على الواله
فالعروة الوثقى بأصداغه ... والحجر الأسود في خاله
وفيه:
حجت الى وجهك أبصارنا ... طائفة يا كعبة الحسن
نلثم خالا منك في وجنة ... كالحجر الأسود في الركن
وللذهبي:
مهفهف يتثنى قده غصنا ... يبدى به من ثنايا ثغره زهرا
كأنه كعبة للحسن أو صنم ... والخال والقلب كل يشبه الحجرا
وفيه:
يا رشأ صفحته كعبة ... قد تخذ الحاج بها موسما
خالك عندي حجر اسود ... فاجعل بها ثغرك لي زمزما
ومن اللطائف قول الصفدي :
ما عاينت عيناي أحسن منظرا ... فيما رأت من سائر الأشياء
كالشامة الخضراء فوق الوجنة ال ... حمراء تحت المقلة السوداء
ولابن وكيع:
أن الشقيق رأى محاسن وجهه ... فأراد أن يحكيه في أحواله
فأفاد حمرة لونه من خده ... وأفاد لون سواده من خاله
ولأبي عبد الله أحمد بن عامر البكي الحنبلي من قصيدة:
تخال الخد من ماء وخمر ... وفيه الخال نشوان يجول
وكم لام العذول عليه جهلا ... وآخر ما جرى عشق العذول
وفيه:
في الجانب الأيمن من خدها ... نقطة مسك اشتهى شمها
حسبته لما بدا خالها ... وجدته من حسنها عمها
ولعمي عبد الباقي العمري:
خال المفند أن خال معذبي ... خال عن الفحوى بوجنة خده
هيهات ليس كما يخال وإنما ... عم الجمال فذاك خاتم جده
وله رحمه الله:
وقائل عرض لي ... في خال محبوبي وجر
بأنه ليس كما ... قالوه حلوا ذا حور
لأنه اسود به ... قلت له فيه نظر
وله فيه:
وخال تحت حاجبه تبدى ... كنقطة عنبر من فوق نون
يشير لنا بإيماء خفي ... حذارا من مقاومة العيون
ولابن ربان فيه:
لاحت على مبسمه المشتهى ... ثلاث شامات غدت بالتئام
لا تعجبوا أن كثرت حوله ... فالمنهل العذب كثير الزحام
وفيه:
انظر إلى سطر عذار بدا ... من فوقه الشامة مثل النقط
صحت به نسخة حسن بمن ... قد راحت الأرواح فيه غلط
وفيه:
بروحي خده المحمر أضحت ... عليه شامة شرط المحبة
كأن الحسن يعشقه قديما ... فنقطه بدينار وحبه
وفيه:
يا صائد اللحظ كم ذا ... باللحظ تسبي وتصبي
نصبت نقطة خال ... فصدت طائر قلبي
وفيه:
قلت للخال إذ بدا ... في نقا جيده السعيد
فزت يا عبد قال لي ... أنا عبد لكل جيد
وفيه:
أهلا بوجه كالبدر حسنا ... صيرني حبه هلالا
قدرت حتى لحظت فيه ... سواد عيني فخلت خالا
وللصفدي:
في عذار الحب خال ... قد حكى عند النفوس
بلبلا قد أودعوه ... قفصا من أبنوس
ولابن تميم
ومهفهف خالاته وعذاره ... قد جاوزا حد الكمال فأفرطا
وكأنما كتب العذار بخده ... سطرا بحبات القلوب فنقطا
ولبعض الأدباء:
ولا عجب أن كان صدغك عقربا ... فحل به في برجه وجهك البدر
بلى عجبي من مسك خالك لم يذب ... ومن تحته في صحن وجنتك الجمر
وفيه لسيف الدين المشد:
طرفي لبعدك لا يمل من البكا ... والقلب ذاب من الغرام وما شكا
يا من تعنبر خده بعذاره ... لما غدا بالخال منه ممسكا
إبراهيم بن سهل الاشبيلي
وجه يغض عرى الورى لضيضه ... مني ويذهب عقله تذهيبه
يذكي الحياء بوجنتيه جمره ... فكأن ند الخال يعبق طيبه
الصلاح الصفدي:
أقدك أم غصن ترنحه الصبا ... فعطفك هذا ليس يعرفه ند
ويا حسن خال فوق خدك قد غدا ... من الند الا أنه ماله ند
القيراطي مضمنا
في خد من همت به شامة ... ما الند في نفحته ندها
والعنبر الورد غدا قائلا ... لا تدعني إلا بيا عبدها
وقال في مطلع قصيدة:
في كل حي من صدودك ميت ... يا غصن بان فيه ورد ينبت
والعنبر المسكي لما أن رأى ... خالا بخدك لم يزل يتفتت
ولابن نباتة من قصيدة:
وحامل الكأس تحت الدجن يعلمها ... كأنه مدلج يمشي بمصباح
يا عنبر الخال في ريحان سالفه ... هل باب عيشي مسرور بمفتاح
وللمارديني :
من أيما صورة إعجاب صورته ... من نون حاجبه أوصاد مقلته
وقاتلي من محاريب المحاسن من ... حاميم أصداغه أو نور طلعته
وهذه شامة سوداء أم سمة ... لآية الحسن في بيضاء صفحته
أم نقطة بدم المقتول فيه رقت ... إليه فاحترقت في نار وجنته
ولشهاب الدين مضمنا:
رأيت ما بين اخضرار عارض ... وبين ذاك الثغر خالا قد سكن
كخادم منعم في لذة ... بالماء والخضراء والوجه الحسن
وفيه أيضا:
بريك بوجنتيه الورد غضا ... ونور الأقحوان على الثنايا
تأمل فيه تحت الصدغ خالا ... لتعلم كم خبايا في الزوايا
وفيه للقيراطي
أشتاق شامات مسكي بوجنته ... حباتها لقلوب الناس أقوات
يا حسنها حسنات لم تزل أبدا ... تمحى بها من تجنيه إساءات
مخبوة تحت أصداغ معقربة ... وفي الزوايا كما قالوا خبايات
وللصفدي مضمنا:
أفدي حبيبا له في كل جارحة ... مني جراح بسيف اللحظ والمقل
تقول وجنته من تحت شامته ... لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل
وله أيضا:
يا أيها الرشأ الذي لما بدا ... حيت لديه محاسن الأقمار
ما راح خدك وهو دارات المنى ... إلا وخالك نقطة البركار
ولمحاسن الشواء:
ما على الحاظه أن فتكت ... بالورى في ملة الحسن قود
كرة الخال غدا يرشقها ... صولجان الصدغ في ميدان خد
ولابن نباتة:
يا مجريا دمعي وموقف لوعتي ... من جسمي المضني على أطلال
يا من إذا سألوه عن بدر الدجى ... والمسك قال أخي الشقيق وخالي
وفيه:
سألته عن قومه فانثنى ... يعجب من إسراف دمعي السخي
وأبصر المسك وبدر الدجى ... فقال ذا خالي وهذا أخي
وللذهبي:
والعس داوى غلتي برحيقه ... فما زادني إلا لهيب حريق
ومن عجبي أني خذلت بخده ... وليس سوى خال به وشقيق
وللنواجي فيه
ذو مبسم سكري جد قرقفه ... أما تراه بنار الخد قد طبخا
وعمه حسن خال في الخديد غدا ... له الشقيق شقيقا والهلال أخا
وللتلعفري:
أبديت شعرك فوق وجهك لي ضحى ... فأريتني في الخال بدرا مقمرا
وجعلت حظي مثل خالك أسودا ... فأذقتني موتا كخدك احمرا
وفيه ايضا:
في خده الروضي لا تحسبوا ... ثلاث شامات بدت عن حقيق
بل كاتب الحسن على خده ... نقط بالعنبر شين الشقيق
ترجم له صاحب منهل الأولياء 1: 297 فقال: «الأديب الفاضل واحد وقته ادبا حسن بن عبد الباقي. كان شاعر عصره، ونادرة دهره، فصيح العبارات، لطيف الاسلوب، بديع السبك، جزل المعاني، فخم الكلمات.
مدح ملوك الموصل. وحظي عند الوزير الكبير حسين باشا الجليلي وكان له منه القبول الحسن، وحصل منه على العطاء الجزيل، والنيل الغزير، الى ان صدر منه ما اوجب تغير قلب الوزير عليه، فخرج هاربا. وانحدر الى بغداد، وجعل يرسل الاعتذارات الرائقة، والمدائح الفائقة الى حضرته.
ومدح ملوك العراق وأكابرها، وصارت له شهرة تامة واسم كبير اكبر من أدبه.
وكان له خبرة تامة بالعلوم العقلية والنقلية. ونثره متوسط وأشعاره أعلى طبقة من منثوراته.
وكان فيه لهو ومجون، ودعابة وخفة دين ومات بعد الحصار ثم ذكر له قطعة من القصيدة الرائية التي سيذكرها صاحب الروض ومطلعها:
نظرت ورنحت القوام لتزدرى ... بين الملاح بابيض وباسمر
وترجم له صاحب الشمامة ص 142 - 155 فقال عنه: حسن بن عبد الباقي الملقب بعبد الجمال ريوان الدهر، وقائد زمام الفخر وحجة اهل الادب .. ابو تمام المعاني. ولكنه ابو نواس في الخمريات والمتنبي في الحكم، ولكنه البحتري في التغزلات الخ ...
وذكر له ست قصائد طوال.
وترجم له صاحب قرة العين فقال حسن عبد الباقي الموصلي. احد أدباء عصره، وفضلاء دهره. له خبرة تامة بالعلوم العقلية والنقلية. كان يدمن شرب الخمر، فاذا سكر ينظم القصيدة الجيدة السبك، واذا صحا يعجز عن نظم البيتين. اتصل اولا بخدمة الوزير الحاج حسين باشا الجليلي وحظي عنده. ثم ظهر منه ما أوجب غضب الوزير عليه، قيل لكثرة شرب الخمر، وقيل غير ذلك، فهرب من الموصل الى بغداد وسكنها الى ان مات سنة 1157. وكان فيه دعابة ومجون.
وله ترجم في العلم السامي: 11، 172، 275. وفي غاية المرام ايضا وطبع ديوانه الدكتور محمد صديق الجليلي في الموصل سنة 1967. وترجم له ترجمة جيدة في مقدمة الديوان.
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر -الجزء الثاني-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص66-177