على بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادى
أبي عبيد بن حربويه
تاريخ الوفاة | 319 هـ |
مكان الوفاة | بغداد - العراق |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
علي بن الْحُسَيْن بن حَرْب بن عِيسَى البغدادى القاضى أَبي عبيد بن حربويه
قاضى مصر وَأحد أَرْكَان الْمَذْهَب وَهُوَ من تلامذة أَبى ثَوْر وَدَاوُد إِمَام الظَّاهِر عَنْهُمَا حمل الْعلم
سمع أَحْمد بن الْمِقْدَام العجلى ويوسف بن مُوسَى وَالْحسن بن عَرَفَة وَزيد ابْن أخزم وَالْحسن بن مُحَمَّد الزعفرانى
روى عَنهُ أَبُو عمر بن حيويه وَأَبُو بكر بن الْمُقْرِئ وَعمر بن شاهين وَجَمَاعَة
قَالَ أَبُو حَفْص المطوعى فى كتاب الْمَذْهَب إِنَّه تخرج بأبى ثَوْر
قَالَ وَكَانَ من خَواص أَصْحَابه وَكَانَ يسْلك مناهجه فى الاختيارات الَّتِى اخْتصَّ بهَا والتخريجات الَّتِى تفرد باستنباطها ذكر ذَلِك فى ذكر أَبى ثَوْر ثمَّ ذكر فى ذكر ابْن حربويه قَالَ هُوَ حَسَنَة أَبى ثَوْر والسالك لسبيله وَكَانَت الْخُلَفَاء ترفع مَجْلِسه انْتهى
وَقَالَ البرقانى ذكرته للدارقطنى فَذكر من جلالته وفضله وَقَالَ حدث عَنهُ النسائى فى الصَّحِيح لم يحصل لى عَنهُ حرف وَقد مَاتَ بعد أَن كتبت بِخمْس سِنِين
وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس هُوَ قاضى مصر أَقَامَ بهَا طَويلا وَكَانَ شَيْئا عجيبا مَا رَأينَا مثله لَا قبله وَلَا بعده وَكَانَ يتفقه على مَذْهَب أَبى ثَوْر وعزل عَن الْقَضَاء سنة إِحْدَى عشرَة لِأَنَّهُ كتب يستعفى وَوجه بذلك رَسُولا إِلَى بَغْدَاد وأغلق بَابه وَامْتنع من الحكم فأعفى فَحدث حِين جَاءَ عَزله وأملى مجَالِس وَرجع إِلَى بَغْدَاد وَكَانَ ثِقَة ثبتا
قلت كَانَ رَسُوله إِلَى بَغْدَاد بالاستعفاء أَبُو بكر بن الْحداد وَرجع إِلَيْهِ وَلم يعف لِأَن الْوَزير إِذْ ذَاك أَبى أَن يعفيه فَمَا عَاد ابْن الْحداد إِلَى مصر إِلَّا وَقد ولى وَزِير غير ذَلِك الْوَزير وَهُوَ ابْن الْفُرَات وَكَانَ يكره أَبَا عبيد فَصَرفهُ بعد أَن كَانَ لَهُ فى قَضَاء مصر أَزِيد من ثمانى عشرَة سنة
وَكَانَ مهيبا مصمما مضبوط الْكَلِمَات قليلها وافر الْحُرْمَة لم يره أحد يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يلبس وَلَا يغسل يَده إِنَّمَا يفعل ذَلِك فى خلْوَة وَهُوَ مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَلَا رَآهُ أحد يمتخط وَلَا يبصق وَلَا يحك جِسْمه وَلَا يمسح وَجهه وَكَانَ عَلَيْهِ من الْوَقار والهيبة والحشمة مَا يتذاكره أهل بَلَده
وَقَالَ ابْن زولاق كَانَ عَالما بالاختلاف والمعانى وَالْقِيَاس عَارِفًا بِعلم الْقُرْآن والْحَدِيث فصيحا عَاقِلا عفيفا قوالا بِالْحَقِّ سَمحا منقبضا وَكَانَ رزقه فى الشَّهْر مائَة وَعشْرين دِينَارا وَكَانَ يُورث ذوى الْأَحْكَام وَولى قَضَاء وَاسِط قبل مصر وَكَانَ أَمِير مصر يأتى إِلَى دَاره
قَالَ وَهُوَ آخر قَاض ركب إِلَيْهِ الْأُمَرَاء بِمصْر وَلم يكن شكل أَبى عبيد بهيا فَكَانَ من رَآهُ رُبمَا استزراه حَتَّى يسمع كَلَامه وفصاحة لِسَانه فَيَقَع من قلبه إِذْ ذَاك أعظم موقع وَكَانَ ابْن الْحداد كثير المخالطة لَهُ والتعظيم لَهُ وَله بِهِ خُصُوصِيَّة
قَالَ ابْن الْحداد قدم أَبُو عبيد إِلَى مصر فرأيته فى الطَّرِيق فى جملَة النظارة فَمَا أعجبنى زيه وَلَا منظره ثمَّ دخل شهر رَمَضَان وَكُنَّا عِنْد أَبى الْقَاسِم بشر بن نصر الْفَقِيه غُلَام عرق فَدخل مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه مهنئا لَهُ بِشَهْر رَمَضَان فَقيل لَهُ من أَيْن أَقبلت فَقَالَ من عِنْد القاضى هنأته بِدُخُول الشَّهْر قَالَ ابْن الْحداد فَقلت لَهُ كَيفَ رَأَيْت القاضى قَالَ رَأَيْت رجلا عَالما بِالْقُرْآنِ وَالْفِقْه والْحَدِيث وَالِاخْتِلَاف ووجوه المناظرات وعالما باللغة والعربية وَأَيَّام النَّاس عَاقِلا ورعا زاهدا مُتَمَكنًا فَقلت لَهُ هَذَا يحيى بن أَكْثَم فَقَالَ الذى عندى قلت لَك
قَالَ ابْن الْحداد ثمَّ دخلت إِلَيْهِ فَوجدت منصورا مقصرا فى وَصفه
توفى فى صفر سنة تسع عشرَة وثلاثمائة بِبَغْدَاد وَصلى عَلَيْهِ أَبُو سعيد الاصطخرى
وَمن الرِّوَايَة والفوائد والغرائب وَالْملح عَنهُ
أخبرنَا الْمسند أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن على الجزرى سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الهادى إجَازَة عَن أَبى طَاهِر السلفى أخبرنَا القاضى أَبُو عمر مَسْعُود ابْن على بن الْحُسَيْن الملحى بأردبيل أخبرنَا أَبُو على مُحَمَّد بن وشاح بن عبد الله الْكَاتِب بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عِيسَى بن على بن دَاوُد بن الْجراح الْوَزير حَدثهُ أَبُو عبيد على بن الْحُسَيْن بن حَرْب القاضى حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الكوفى حَدَّثَنى عبد الله بن صَالح اليمانى حَدثنِي أَبُو همام القرشى عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَبَا هُرَيْرَة علم النَّاس الْقُرْآن وتعلمه فَإنَّك إِن مت وَأَنت كَذَلِك زارت الْمَلَائِكَة قبرك كَمَا يزار الْبَيْت الْعَتِيق وَعلم النَّاس سنتى وَإِن كَرهُوا ذَلِك وَإِن أَحْبَبْت أَن لَا توقف على الصِّرَاط طرفَة عين حَتَّى تدخل الْجنَّة فَلَا تحدث فى دين الله حَدثا بِرَأْيِك)
لَيْسَ لطارق بن شهَاب عَن أَبى هُرَيْرَة شئ فى الْكتب السِّتَّة
قيل إِن أَبَا عبيد قَالَ لأبى جَعْفَر الطحاوى وَقد رَآهُ يصمم على مقاله يَا أَبَا جَعْفَر أما علمت أَن من لَا يُخَالف إِمَامه فى شئ عصى قَالَ نعم أَيهَا القاضى وغبى
نقل المطوعى والجورى أَن أَبَا عبيد أوجب الْكَفَّارَة على من حرم مَالا لَهُ من ثوب أَو دَار وَمَا أشبههما وَسوى بَين ذَلِك وَتَحْرِيم الْبضْع من الزَّوْجَة
قَالَ العبادى حكم أَبُو عبيد بِأَن الْوَلَد يلْحق بالخصى إِذا لم يكن مجبوبا فَرفع الخصى الْوَلَد ونادى عَلَيْهِ بِمصْر أَلا إِن القاضى يلْحق أَوْلَاد الزِّنَا بالخدم
قلت وَإِنَّمَا تعرف هَذِه الْحِكَايَة عَن أَبى عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن بن عَطِيَّة ابْن سعد العوفى قاضى الشرقية بِبَغْدَاد ثمَّ قاضى عَسْكَر المهدى وَهُوَ مُتَقَدم مَاتَ سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ
قَالَ الْحَارِث بن أَبى أُسَامَة حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى العوفى فساق الْحِكَايَة ولعلها اتّفقت للقاضيين
وَالظَّاهِر فى الْمَذْهَب أَن المسلول الخصيتين الباقى الذّكر كالفحل فى لُحُوق النّسَب فَمَا حكم أَبُو عبيد إِلَّا بِالْمذهبِ الظَّاهِر وَلَعَلَّ الذى حكم بِهِ أَبُو عبيد والعوفى إِنَّمَا هُوَ فى الْمَمْسُوح وَهُوَ فَاقِد الذّكر والأنثيين جَمِيعًا بِالْكُلِّيَّةِ وَمَعَ ذَلِك هُوَ قَول للشافعى اخْتَارَهُ بعض الْأَصْحَاب وَإِلَّا فَلَو كَانَ فى الخصى الباقى الذّكر لما استغربه أَبُو عَاصِم فليحقق ذَلِك
وَقد أَطَالَ ابْن زولاق فى ذكر أَخْبَار القاضى أَبى عبيد وَالثنَاء على محاسنه وَقَول أهل مصر إِنَّهُم لم يرَوا قبله وَلَا بعده قَاضِيا مثله قَالَ وَكَانَ يذهب إِلَى قَول أَبى ثَوْر ثمَّ صَار يخْتَار فَجَمِيع أَحْكَامه بِمصْر بِاخْتِيَارِهِ وَحكم بِمصْر بِأَحْكَام لَو حكم بهَا غَيره لأنكر عَلَيْهِ فَمَا أنكر عَلَيْهِ أحد لِأَن أَبَا عبيد كَانَ رجلا لَا يطعن عَلَيْهِ فى علم وَلَا تلْحقهُ ظنة فى رشوة وَلَا يَحِيف فى حكم وَكَانَ يُورث ذوى الْأَرْحَام
قَالَ ابْن الْحداد وَمَا كَانَ أَبُو عبيد يُؤمر أحدا بل إِذا ذكر تكين أَمِير مصر يَقُول أَبُو مَنْصُور تكين وَلَا يَقُول الْأَمِير قَالَ وَكَانَ إِذا ركب لَا يلْتَفت وَلَا يتحدث مَعَ أحد وَلَا يصلح رِدَاءَهُ وَركب مرّة إِلَى أَمِير مصر تكين وَهُوَ بالجيزة فى كاينة اتّفقت لَهُ فَقيل لَهُ قد رأى القاضى النّيل فَقَالَ قد سَمِعت خرير المَاء
قلت فَللَّه در قَاض أَقَامَ بِمصْر ثمانى عشرَة سنة لم يبصر النّيل وَكَانَت الكاينة الَّتِى خرج فِيهَا تكين إِلَى الجيزة قد قتل فِيهَا فى الْوَاقِعَة على ماقيل نَحْو من خمسين ألفا أَرَادَ تكين أَن يحْفر لَهُم خَنْدَقًا ويدفنهم فَخرج إِلَيْهِ القاضى وَقَالَ إِنَّك إِن فعلت ذَلِك تلفت الْمَوَارِيث وَلَكِن نَاد فى النَّاس من لَهُ قَتِيل يَأْخُذهُ فَفعل تكين مَا قَالَه
قَالَ ابْن زولاق وَجرى للقاضى فى هَذَا الْخُرُوج إِلَى الجيزة خبر عَجِيب حركه الْبَوْل وَهُوَ رَاجع فَعدل إِلَى بُسْتَان فَنزل وبال واستنجى وَتَوَضَّأ من مَائه ثمَّ انْصَرف ثمَّ سَأَلَ بعد أَيَّام عَن الْبُسْتَان فَقيل لفلانة فَأرْسل إِلَيْهَا يستأذنها على الْحُضُور إِلَيْهَا فارتاعت لذَلِك وَقَالَت أَنا أركب إِلَيْهِ وَكَانَت من أهل الأقدار فَأبى فَركب إِلَيْهَا أَبُو عبيد وَقد فرشت لَهُ الدَّار وحسنتها فَقَالَ لَهَا الْبُسْتَان لَك وَحدك بِلَا شريك فَقَالَت نعم وَأَنا الَّتِى أسقيه من مائى قَالَ فَأَنا نزلت فى أرضه وتوضأت من مَائه فخذى ثمن ذَلِك فَبَكَتْ وَقَالَت أَيهَا القاضى أَنْت فى حل وَلَو علمت أَن القاضى يقبله هَدِيَّة لأهديته إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا عَن طيب نفس تركت وَلم تتركى ذَلِك لأجل القاضى وحرمته فَقَالَت نعم فَانْصَرف
وَحكى ابْن زولاق أَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس دَالَّة على تصلبه فى الْوَرع وَأَشْيَاء أخر دَالَّة على شدته فى الْحق وَأَشْيَاء أخر دَالَّة على تصميمه ووقاره وهيبته وَأَنه كَانَ ينْهَى أَن يتَلَفَّظ لافظ فى مَجْلِسه بِذكر الطَّعَام أَو النِّسَاء
قَالَ وَمكث فى مصر ثمانى عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر مَا رَآهُ رَاء يَأْكُل وَلَا يشرب
وَذكر أَن تواقيعه جمعت وكتبت لفصاحتها وبلاغتها وَأَنه كَانَ إِذا تكلم بِكَلِمَة طارت فى الْبَلَد إعجابا بهَا
وَمن مليح توقيعاته
رفع إِلَيْهِ أَن امْرَأَة امْتنعت من السّفر مَعَ زَوجهَا فَوَقع إِلَى كَاتبه إِن لم يكن لَهَا مهر عَلَيْهِ بَاقٍ وَلم يكن بَينهمَا شقَاق يدعوهما إِلَى مساوئ الْأَخْلَاق فَلهُ أَن يخرج بهَا إِلَى جَمِيع الْآفَاق
وَكتب إِلَيْهِ خَلِيفَته الْحسن بن صَالح البهنسى إِن جمَاعَة ذمونى عِنْد القاضى فَكتب إِلَيْهِ أَبُو عبيد لَو كَانَ المادحون لَك بِعَدَد الذامين الزارين عَلَيْك لما نقصك ذَلِك عندى فَكيف والمثنون عَلَيْك أَضْعَاف الذامين وَسَأَلْتُك بِاللَّه أَلا يزيدك كتابى إِلَّا تواضعا وَلَا تقَعْقع بِكِتَاب قاضيك على رعيتك فتضعف قُلُوبهم فَإِنَّمَا قربك منى قربك من الْحق وَمَتى بَعدت مِنْهُ بَعدت من قلبى وَالسَّلَام
وَكَانَ أَبُو بكر بن الْحداد كثير الإجلال للقاضى أَبى عبيد بِحَيْثُ لَا يَقُول لَهُ إِلَّا القاضى غيبَة وحضورا فى حَيَاته وَبعد وَفَاته وَإِذا قيل لَهُ من القاضى غضب وَيَقُول إِنَّمَا القاضى أَبُو عبيد
وَمن قضايا أَبى عبيد
شكت إِلَيْهِ امْرَأَة كبر آلَة زَوجهَا وَأَنَّهَا لَا تُطِيقهُ فَأمر شَاهدا بالكشف عَن ذَلِك ثمَّ فرق بَينهمَا
كَذَا نقل النقلَة فإمَّا أَن يكون فرق بَينهمَا بِمَعْنى أَن توَسط بَينهمَا واسترضى خاطر الزَّوْج حَتَّى طَلقهَا وَإِمَّا أَن يكون للْمَرْأَة الْفَسْخ بكبر آلَة الزَّوْج وَهَذَا غَرِيب لَا أعرف من قَالَ بِهِ
وَمِمَّا يحْكى فى تصميمه أَن مؤنسا الْخَادِم وَهُوَ أكبر أُمَرَاء المقتدر وَكَانَ فى خدمته سَبْعُونَ أَمِيرا سوى أَصْحَابه وَكَانَ يخْطب لَهُ على جَمِيع المنابر مَعَ الْخَلِيفَة ورد إِلَى مصر فى عَسْكَر كَبِير فَعرض لَهُ ضعف فَأرْسل إِلَى القاضى يطْلب مِنْهُ شُهُودًا يشهدهم عَلَيْهِ أَنه أوصى بوقف قرى كَثِيرَة على سَبِيل الْبر وبعتق سِتّمائَة مَمْلُوك وبأنواع من الْخَيْر فَقَالَ القاضى حَتَّى يثبت عندى أَن مؤنسا حر
هَذَا ومؤنس أكبر أُمَرَاء الْإِسْلَام فصمم القاضى وَقَالَ إِن لم يرد على كتاب المقتدر أَنه أعْتقهُ وَإِلَّا فَلَا أفعل
وَمن ذَلِك أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ المقتدر كتب كتابا إِلَى القاضى فوصل الْكتاب إِلَى مؤنس فاستدعى بعض الْأُمَرَاء ليوصله إِلَى القاضى فهاب القاضى فدعى تكين أَمِير مصر وَحمله أَن يذهب إِلَى القاضى ويوصل الْكتاب إِلَيْهِ فَأتى إِلَى القاضى وأومى بِيَدِهِ إِلَى أَن نَاوَلَهُ الْكتاب فَقَالَ القاضى مَا هَذَا
فَقَالَ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ أَمن يدك فَقَالَ بلَى
فَقَالَ بل من يَد شَاهِدين عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنه كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ
وَذكر أَن شخصا يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم أصبح فى منزله يَوْمًا جنبا لَيْسَ مَعَه شىء يدْخل بِهِ الْحمام قَالَ فَخرجت رَجَاء صديق يدخلنى الْحمام فَإِذا بغريم على بابى يطالبنى بِخَمْسَة دَنَانِير فَحَدَّثته حَدِيثي فَقَالَ مَا نفترق إِلَّا إِلَى القاضى فتوجهنا إِلَى القاضى أَبى عبيد فوجدناه خَارِجا من الْمَسْجِد وَبَين يَدَيْهِ غُلَام أسود خصى فَقَالَ لَهُ خصمى أيد الله القاضى انْظُر فى أمرى فإنى بت على بابك
والقاضى مطرق لَا ينظر إِلَيْنَا حَتَّى دخل دَاره وَلَيْسَ على بَابه حَاجِب وَلَا أحد ثمَّ خرج إِلَيْنَا الْغُلَام وَقَالَ ادخلا فَدَخَلْنَا فوجدناه جَالِسا فى وسط مَجْلِسه فَقَالَ تكلما فسبقت أَنا فصرت الْمُدعى فَقَالَت أيد الله القاضى لى على هَذَا خَمْسَة دَنَانِير
فَقَالَ مصرية
فَقلت نعم
فَقَالَ حَالَة
فَقلت نعم فَقَالَ للخصم مَا تَقول فَضَحِك مُتَعَجِّبا فصاح القاضى صَيْحَة مَلَأت الدَّار وَقَالَ مِم تضحك لَا أضْحك الله سنك وَيحك تضحك فى مجْلِس الله مطلع عَلَيْك فِيهِ وَيحك تضحك وقاضيك بَين الْجنَّة وَالنَّار فأرعب القاضى الرجل وَقَالَ أَنا أدفَع إِلَيْهِ قُم فقمنا فَلَمَّا خرج قَالَ لى امْضِ فَأَنت فى حل فَقلت مَا نفترق إِلَّا بِخَمْسَة دَنَانِير ارْجع بِنَا إِلَى القاضى فأعطانى دِينَارا وَمرض ثَلَاثَة أشهر فَكنت إِذا عدته يَقُول لى صَيْحَة القاضى فى قلبى إِلَى السَّاعَة وأحسبها تقتلنى
وَمن الْمسَائِل عَن القاضى أَبى عبيد
مَسْأَلَة اجْتِنَاب الْحَائِض
حكى الرافعى فى كتاب النِّكَاح عَن أَبى عبيد بن حربويه أَنه تتجنب الْحَائِض فى جَمِيع بدنهَا لظَاهِر قَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَلم يحك هَذَا فى بَاب الْحيض
وَقَالَ النووى إِن قَول أَبى عبيد هَذَا غلط فَاحش مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اصنعوا كل شىء إِلَّا النِّكَاح) وَلِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُبَاشر فَوق الْإِزَار قَالَ وَقد خَالف قَائِله إِجْمَاع الْمُسلمين
قَالَ ابْن الرّفْعَة الْإِجْمَاع إِن صَحَّ فالغلط فَاحش وَإِن لم يَصح فَفِيهِ للبحث مجَال لِأَن الشافعى قَالَ فى الْأُم فى الْجُزْء الرَّابِع عشر فى بَاب مَا ينَال من الْحَائِض تحْتَمل الْآيَة فاعتزلوا فروجهن لما وصف من الْأَذَى وتحتمل اعتزال فروجهن وَجَمِيع أبدانهن فروجهن وَبَعض أبدانهن دون بعض وَأظْهر مَعَانِيه اعتزال أبدانهن كلهَا
وَإِذا كَانَ هَذَا ظَاهر الْآيَة فَمَا ذكر من مُبَاشرَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للحائض فِيمَا فَوق الْإِزَار يجوز أَن يكون من خَصَائِصه كَيفَ وَسِيَاق الْآيَة يصرفهَا إِلَى الْأمة قَالَ الله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} وَالظَّاهِر أَن قَوْله تَعَالَى {فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} من جملَة مَا أَمر أَن يَقُوله لَهُم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ غير دَاخل بِاللَّفْظِ فيهم وَإِن قَالَ بَعضهم إِنَّه يَشْمَلهُ الْخطاب لكنه من غير اللَّفْظ وَإِذا كَانَ غير دَاخل فيهم فَلَا يكون فعله مُبينًا لَهُ مُقَيّدا أَو مُخَصّصا لما اقْتَضَاهُ ظَاهر الْآيَة فيهم
وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام (اصنعوا كل شىء إِلَّا النِّكَاح) فَلَعَلَّ أَبَا عبيد يحمل النِّكَاح على الْمُبَاشرَة بآلته وَهُوَ الذّكر وَلَا يَخُصُّهُ بِمحل بل يجريه فى جَمِيع الْبدن كَمَا هُوَ ظَاهر الْآيَة وَيكون قَائِلا بِإِبَاحَة الْقبْلَة والمعانقة وَنَحْوهمَا وَيحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك
وعَلى الْجُمْلَة فمذهب أَبى عبيد مَرْجُوح وَنَصّ الشافعى فى الْأُم فى الْجُزْء الرَّابِع عشر فى بَاب إتْيَان الْحَائِض على خِلَافه فَإِنَّهُ قَالَ إِن الْآيَة وَإِن احتملت الْجِمَاع وَغَيره فالجماع أظهر لِأَن الله تَعَالَى أَمر بالاعتزال ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلَا تقربوهن} فَأشبه أَن يكون أمرا بَينا وَلِهَذَا نقُول بالاستدلال بِالسنةِ انْتهى كَلَامه فى الْمطلب
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس اللغوى فى جُزْء لَهُ لطيف سَمَّاهُ فتيا فَقِيه الْعَرَب يرويهِ الْخَطِيب البغدادى عَن القاضى أَبى زرْعَة روح بن مُحَمَّد الرَّازِيّ عَن ابْن فَارس قَالَ سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْفَقِيه يَقُول ادّعى رجل مَالا بِحَضْرَة أَبى عبيد بن حربويه فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَاله على حق بِضَم اللَّام فَقَالَ أَبُو عبيد أتعرف الْإِعْرَاب قَالَ نعم قُم قد ألزمتك المَال انْتهى
قَالَ وهى مَسْأَلَة غَرِيبَة وَحكمهَا مُتَّجه
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي
ابن حربويه:
القَاضِي العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ، الثَّبْتُ، قَاضِي القُضَاة، أبي عبيد عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ حَرْبِ بنِ عِيْسَى البَغْدَادِيُّ.
سَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ المِقْدَامِ، وَالحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَزَيْدَ بنَ أَخْزَمَ، وَيُوْسُفَ بنَ مُوْسَى القَطَّانَ، وَالحَسَنَ بنَ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيَّ، وَطَبَقَتَهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: أبي عُمَرَ بنُ حَيُّوْيَه، وَأبي بَكْرٍ بن المقرئ، وأبي حفص بن شَاهِيْن، وَعِدَّةٌ.
قَالَ أبي بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ: ذَكَرتُ ابْنَ حَرْبُوَيْه لِلدَّارَقُطْنِيِّ، فَذَكَرَ مِنْ جَلاَلَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَقَالَ: حَدَّثَ عَنْهُ النَّسَائِيُّ فِي الصَّحِيْحِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَحْصَلْ لِي عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ كَتَبتُ الحَدِيْثَ بِخَمْسِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: وَلِيَ قَضَاءَ مِصْرَ، فَقَدِمَهَا سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ.
قَالَ ابْنُ زُوْلاَقَ: كَانَ عَالِماً بِالاخْتِلاَفِ، وَالمَعَانِي، وَالقِيَاسِ، عَارِفاً بِعِلْمِ القُرْآنِ وَالحَدِيْثِ، فَصِيْحاً، عَاقِلاً، عَفِيْفاً، قَوَّالاً بِالْحَقِّ، سَمْحاً، مُتَعَصِّباً، كَانَ أَمِيْرُ مِصْرَ تكِيْنُ يَأْتِي مَجْلِسَه، وَلاَ يَدَعُهُ أَنْ يَقُوْمَ لَهُ، فَإِذَا جَاءَ هُوَ إِلَى مَجْلِسِ تِكِيْنُ، مَشَى لَهُ وَتَلَقَّاهُ. وَلَمْ يكن في
زِيِّهِ وَلاَ مَنْظَرِه بِذَاكَ، وَكَانَ بِوَجْهِهِ جُدَرِيٌّ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ فُحُوْلِ العُلَمَاءِ. قَالَ: الإِمَامُ أبي بَكْرٍ بنُ الحَدَّادِ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاضِي يَقُوْلُ: مَا لِيَ وَلِلْقَضَاءِ! لَوِ اقتَصَرتُ عَلَى الوِرَاقَةِ، مَا كَانَ خَطِّي بِالرَّدِيْءِ. وَكَانَ رِزقُهُ فِي الشَّهْرِ مائَةًَ وَعِشْرِيْنَ دِيْنَاراً.
قَالَ ابْنُ زُوْلاَقَ: قَالَ: أبي عُبَيْدٍ القَاضِي: مَا يقلد إلَّا عصبي أو غَبِيٌّ. قَالَ: فَجَمَعَ أَحْكَامَه بِمِصْرَ بِمَا اختَارَه، وَكَانَ أَوَّلاً يَذْهَبُ إِلَى قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ. وَكَانَ يُوَرِّثُ ذَوِي الأَرْحَامِ، وَوَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطَ أَوَّلاً ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأبي عُبَيْدٍ آخِرُ قَاضٍ، رَكِبَ إِلَيْهِ الأُمَرَاءُ بِمِصْرَ، وَقَدْ تَسَرَّى بِمِصْرَ بِجَارِيَةٍ، فَتَجَنَّتْ عَلَيْهِ، وَطَلَبَتِ البَيْعَ، وَكَانَ بِهِ فَتْقٌ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ زُوْلاَقَ عِدَّةَ حِكَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى وَقَارِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَرَزَانَتِهِ، وَوَرَعِهِ التَّامِّ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ. قَالَ: وَحَدَّثَ عَنْهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثِ مائَةٍ النَّسَائِيُّ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّيْنِ النَّوَاوِيُّ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الوُجُوْهِ، تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي "المُهَذَّبِ"، وَ"الرَّوْضَةِ".
وَقَالَ أبي سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: هُوَ قَاضِي مِصْرَ، أَقَامَ بِهَا طَوِيْلاً، كَانَ شَيْئاً عَجَباً، مَا رَأَينَا مِثلَهُ، لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَكَانَ يَتَفَقَّهُ لأَبِي ثَوْرٍ، وَعُزِلَ عَنِ القَضَاءِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ؛ لأَنَّه كَتَبَ يَسْتَعفِي مِنَ القَضَاءِ، وَوَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى بَغْدَادَ يَسْأَلُ فِي عَزْلِهِ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ، وَامْتَنَعَ مِنَ الحُكْمِ، فَأُعفِيَ، فَحَدَّثَ حِيْنَ جَاءَ عَزْلُه، وَأَملَى مَجَالِسَ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ. وَكَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً.
حَدَّثَ عَنْ: زَيْدِ بنِ أَخْزَمَ، وَأَحْمَدَ بنِ المِقْدَامِ، وَطَبَقَتِهِمَا.
قَالَ الخَطِيْبُ: تُوُفِّيَ ابْنُ حَرْبُوَيْه فِي صَفَرٍ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ أبي سعيد الاصطخري.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايمازالذهبي
القاضي أبو عبيد ابن حربويه علي بن الحسين بن حرب: مات سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.