القَاضِي العَلاَّمَة، فَخرُ الإِسْلاَم، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المحاسن عبد الواحد إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرُّويَانِيُّ، الطَّبَرِيّ، الشَّافِعِيّ.
مَوْلِدُهُ فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة، وَتَفَقَّهَ بِبُخَارَى مُدَّة.
سَمِعَ: أَبَا مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّبَرِيّ، وَأَبَا غَانِمٍ أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الكُرَاعِي المَرْوَزِيّ، وَعبدَ الصمد بن أبي ناصر العَاصِمِي البُخَارِيّ، وَأَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدٍ البَلْخِيّ، وَشيخَ الإِسْلاَم أَبَا عُثْمَانَ الصَّابونِي، وَعَبْدَ اللهِ بن جَعْفَرٍ الخَبَّازِيّ، وَأَبَا حَفْصٍ بن مَسْرُوْر، وَأَبَا بَكْرٍ عَبْدَ الْملك بن عَبْدِ العَزِيْزِ، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ بَيَانٍ الفَقِيْه، وَعِدَّة.
وَارْتَحَلَ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ جَمِيْعاً، وَبَرَعَ فِي الفِقْه، وَمَهَر، وَنَاظَر، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ البَاهرَةَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: زَاهِرٌ الشَّحَّامِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَأَبُو رشيد إِسْمَاعِيْلُ بنُ غَانم، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيّ، وَعِدَّةٌ، وَكَانَ يَقُوْلُ: لَوِ احْتَرَقت كُتُبُ الشَّافِعِيّ، لأَمليتُهَا مِنْ حِفْظِي، وَلَهُ كِتَاب "البَحْر" فِي المَذْهَب، طويلٌ جِدّاً، غزِيْرُ الفَوَائِد. وَكِتَاب "منَاصيص الشافعي"، وكتاب "حلية المؤمن"، وكتاب "الكافي".
وَكَانَ ذَا جَاهٍ عَرِيضٍ، وَحِشْمَةٍ وَافرَةٍ، وَقَبولٍ تَامّ، وَبَاعٍ طَوِيْل فِي الفِقْه.
قَالَ السِّلَفِيّ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أَملَى بآمُلَ، وَقُتِلَ بَعْدَ فَرَاغِه مِنْ مَجْلِس الإِملاَءِ بِسَبَبِ التَّعصُّبِ فِي الدِّينِ فِي المُحَرَّمِ.
قَالَ: وَكَانَ العِمَادُ مُحَمَّد بن أَبِي سَعْدٍ صَدْرُ الرَّيّ فِي عصره يَقُوْلُ: أَبُو المَحَاسِنِ القَاضِي شَافعِيُّ عصره.
قَالَ مَعْمَرُ بنُ الفَاخر: قُتِلَ بِجَامِع آمُل, يَوْمَ جُمُعَة, حَادِي عشر المُحرَّم، قَتَلَتْه الملاَحدَةُ -يَعْنِي الإِ سْمَاعِيْليَّة- قَالَ: وَكَانَ نِظَام الملكِ كَثِيْرَ التَّعْظِيْمِ لَهُ.
قُلْتُ: قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِ مائَةٍ. وَرُويَانُ: بلدةٌ مِنْ أَعْمَالِ طَبَرِسْتَان، وَأَمَّا الرَّيُّ، فَمدينَةٌ كبيرة، والنسبة إليها رازي.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد، أبو المحاسن، فخر الإسلام الروياني:
فقيه شافعيّ، من أهل رويان (بنواحي طبرستان) رحل إلى بخارى وغزنة ونيسابور. وبني بآمل طبرستان مدرسة.
وانتقل إلى الريّ ثم إلى أصبهان. وعاد إلى آمل، فتعصب عليه جماعة فقتلوه فيها. وكانت له حظوة عند الملوك. وبلغ من تمكته في الفقه أن قال: لو احترقت كتب الشافعيّ لأمليتها من حفظي. له تصانيف، منها " بحر المذهب - خ " من أطول كتب الشافعيين، و " مناصيص الإمام الشافعيّ " و " الكافي " و " حلية المؤمن - خ " .
-الاعلام للزركلي-
عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد، أبي المحاسن الروياني، الطبري، ولد في ذي الحجة سنة: (415هـ)، فقيه شافعي، أحد أئمة مذهب الشافعي، اشتهر بحفظ المذهب حتى يحكى عنه أنّه قال: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي، وقيل فيه: شافعي عصره، سمع: أبا منصور محمد بن عبد الرحمن الطبري، وأبا محمد عبد الله بن جعفر الخبّازيّ، وله مصنفات في المذهب ما سبق إليها، منها: كتاب: بحر المذهب -وهو من أطول كتب الشّافعيّة-، وكتاب مناصيص الشّافعيّ، توفي رحمه الله في الحادي عشر من محرم سنة: (502هـ). ينظر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام للذهبي: 11/35،
طبقات الشافعيين لابن كثير: 524.
أَبُي المحاسن الرَّوْيَانِيّ
صَاحب الْبَحْر أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب
ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة
وتفقه على أَبِيه وجده بِبَلَدِهِ وعَلى نَاصِر الْمروزِي بنيسابور وَمُحَمّد بن بَيَان الكازروني بميافارقين
وَسمع عبد الله بن جَعْفَر الْخَبَّازِي وَأَبا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المطهري وَأَبا حَفْص بن مسرور وَمُحَمّد بن بَيَان الكازروني شَيْخه وَأَبا غَانِم أَحْمد ابْن عَليّ الكراعي وَأَبا عُثْمَان الصَّابُونِي وجده أَبَا الْعَبَّاس الرَّوْيَانِيّ وَأَبا مَنْصُور مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن الطَّبَرِيّ وَغَيرهم بآمل ونيسابور وبخارى وغزنة ومرو وَغَيرهَا
روى عَنهُ زَاهِر الشحامى وابو الْفتُوح الطَّائِي وابو رشيد إِسْمَاعِيل بن غَانِم وَأَبُو طَاهِر السلَفِي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّيْمِيّ الْحَافِظ وَخلق كَثِيرُونَ
وَكَانَ يلقب فَخر الْإِسْلَام وَله الجاه العريض فِي تِلْكَ الديار وَالْعلم الغزيز وَالدّين المتين والمصنفات السائرة فِي الْآفَاق والشهرة بِحِفْظ الْمَذْهَب يضْرب الْمثل باسمه فِي ذَلِك حَتَّى يحْكى أَنه قَالَ لَو احترقت كتب الشَّافِعِي لأمليتها من حفظي
قلت وَلَا يَعْنِي بكتبه منصوصاته فَقَط بل منصوصاته وَكتب أَصْحَابه هَذَا هُوَ الَّذِي يُرَاد عِنْد إِطْلَاق كتب الشَّافِعِي
وَكَانَ نظام الْملك كثير التَّعْظِيم لَهُ
قَالَ فِيهِ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْجِرْجَانِيّ نادرة الْعَصْر إِمَام فِي الْفِقْه
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ من رُءُوس الْأَئِمَّة والأفاضل لِسَانا وبيانا لَهُ الجاه العريض وَالْقَبُول التَّام فِي تِلْكَ الديار وَحميد المساعي والْآثَار والتصلب فِي الْمَذْهَب والصيت فِي الْبِلَاد الْمَشْهُورَة والأفضال على المنتابين والقاصدين إِلَيْهِ
وَقَالَ الْعِمَاد مُحَمَّد بن أبي سعد وَهُوَ صدر الرّيّ فِي زَمَانه أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ شَافِعِيّ عصره
قلت ولي القَاضِي أَبُو المحاسن قَضَاء طبرستان ورويان من قراها وَهِي بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وَالْفُقَهَاء يهمزون الرَّوْيَانِيّ وَالْمَعْرُوف أَنه بِغَيْر همز وَكَانَ القَاضِي فِيمَا أَحسب مدرس نظامية طبرستان ثمَّ انْتقل إِلَى آمل وَهِي وَطن أَهله فَأَقَامَ بهَا إِلَى يَوْم الْجُمُعَة عِنْد ارْتِفَاع النَّهَار حادي عشر الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَخَمْسمِائة فَقتلته الْمَلَاحِدَة حسدا وَمَات شَهِيدا بعد فَرَاغه من الْإِمْلَاء وَهُوَ مِمَّن دخل بَغْدَاد وَذكره ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الذيل وأخل بِهِ ابْن النجار
وَمن تصانيفه الْبَحْر وَهُوَ وَإِن كَانَ من أوسع كتب الْمَذْهَب إِلَّا أَنه عبارَة عَن حاوي الْمَاوَرْدِيّ مَعَ فروع تلقاها الرَّوْيَانِيّ عَن أَبِيه وجده ومسائل أخر فَهُوَ أَكثر من الْحَاوِي فروعا وَإِن كَانَ الْحَاوِي أحسن ترتيبا وأوضح تهذيبا
وَمن تصانيفه أَيْضا الفروق والحلية والتجربة والمبتدا وَحَقِيقَة الْقَوْلَيْنِ ومناصيص الشَّافِعِي وَالْكَافِي وَغير ذَلِك
وَهَذِه نحب وفوائد وغرائب عَن الرَّوْيَانِيّ
قَالَ فِي الْحِلْية فِي بَاب الرَّهْن إِذا رأى الْمُحْتَسب فِي دَار خمرًا علم أَنَّهَا مُحْتَرمَة يجوز أبقاؤها فَلَا يريقها فِي قَول أَكثر أَصْحَابنَا خلافًا للقفال
وَقَالَ فِي الْبَحْر فِي مَسْأَلَة من تَيَقّن طَهَارَة وحدثا وَجَهل الأول تَفْرِيعا على الْوَجْه الْمَشْهُور وَهُوَ أَنه يحكم الْآن بضدما كَانَ قبلهمَا وَهُوَ رأى ابْن الْقَاص وَالْأَكْثَر وَإِن قَالَ عرفت قبل هَاتين الْحَالَتَيْنِ حَدثا وطهارة وَلَا أَدْرِي أَيهمَا كَانَ الأول اعْتبرنَا مَا كَانَ مُسْتَقْبل هَاتين الْحَالَتَيْنِ الْأَوليين فَإِن عرف الطَّهَارَة من نَفسه قبلهمَا جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي الْآن وَإِن عرف الْحَدث قبلهمَا لم يجز لَهُ أَن يُصَلِّي الْآن مَا لم يتَطَهَّر قَالَ فجواب هَذِه الْمَسْأَلَة بعكس مَا ذكرنَا وهما سَوَاء فِي الْمَعْنى إِذا تأملته وَهَذَا على قَول ابْن أبي أَحْمد
انْتهى
يَعْنِي ابْن الْقَاص وَالْحَاصِل أَنه فِي الأوتار يحكم بضد مَا كَانَ قبل وَفِي الأشفاع بِمثلِهِ وَهُوَ وَاضح للمتأمل
وَحكي فِي الْبَحْر وَجها فِيمَا إِذا اشتبهت نَجَاسَة مَكَان من بَيت أَنه يتحَرَّى فِيهِ كالثوبين والبيتين قَالَ وَالصَّحِيح لَا يتحَرَّى بل يغسل الْكل كبعض مَجْهُول من ثوب
قلت وبالصحيح جزم الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج
قَالَ فِي الْبَحْر قبيل كتاب الشَّهَادَات إِذا اعْتقد الشَّاهِد أَن الْحَاكِم لَا يصلح للْقَضَاء لكنه يُوصل الْمَشْهُود لَهُ إِلَى حَقه بِشَهَادَتِهِ لزمَه أَن يشْهد عِنْده ذكره أَصْحَابنَا انْتهى
وأصل هَذَا الْفَرْع فِي تَعْلِيقه الشَّيْخ أَبُو حَامِد فَإِن فِيهَا مَا نَصه فرع إِذا سَأَلَهُ الْمَشْهُود لَهُ أَن يشْهد لَهُ عِنْد سُلْطَان أوحاكم وَالشَّاهِد يعْتَقد أَن الْحَاكِم أَو السُّلْطَان لَيْسَ من أهل الْولَايَة وَيعلم أَنه إِن شهد عِنْده أوصل الْمَشْهُود لَهُ إِلَى حَقه فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يشْهد عِنْده لِأَن الشَّهَادَة حق للْمَشْهُود لَهُ ويمكنه أَن يتَوَصَّل بِهِ إِلَى حَقه انْتهى
وَعبارَته كَمَا ترى السُّلْطَان أَو الْحَاكِم وَلَا يَعْنِي بالحاكم القَاضِي أما القَاضِي الَّذِي لَا يصلح فسنذكر مَا فِيهِ عَن حِكَايَة الرَّافِعِيّ عَن أبي الْفرج وَقد ذكر الرَّافِعِيّ اخْتِلَاف ابْن الْقطَّان وَابْن كج فِي شَاهد دعِي لأَدَاء الشَّهَادَة عِنْد أَمِير أووزير هَل تلْزمهُ الْإِجَابَة وَصحح النَّوَوِيّ قَول ابْن كج وَهُوَ أَنه تلْزمهُ إِذا علم أَنه يصل بِهِ إِلَى الْحق
قلت وَالْقَاضِي غير الصَّالح كالأمير أَو خير حَالا لِأَن اسْم الْقَضَاء وَسَمَاع الشَّهَادَة يخْتَص بمنصبه أَو شَرّ حَالا لِأَن منصبه احْلِف كل ذَلِك مُحْتَمل فَلَا يبعد أَن يطرقه الْخلاف بل قد طرقه أَلا ترى أَن الرَّافِعِيّ ذكر أَن الشَّيْخ أَبَا الْفرج حُكيَ وَجْهَيْن فِي أَنه هَل يجب الْحُضُور عِنْد قَاض جَائِر أَو متعنت وَأَدَاء الشَّهَادَة عِنْده لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يرد شَهَادَة فيتغير
قَالَ الرَّافِعِيّ وعَلى هَذَا فعداله القَاضِي واستجماعه الصِّفَات الشَّرْعِيَّة شَرط آخر من شَرَائِط الْوُجُوب يَعْنِي فِي الْأَدَاء وَمُرَاد ابْن الْقطَّان وَابْن كج بالأمير غير مُرَاد ابْن الْحداد بِهِ فِي قَوْله وَلَو أَن وَصِيّا على يَتِيم ولي الحكم إِلَى قَوْله لم يكن لَهُ أَن يحكم حَتَّى يصير إِلَى الإِمَام أَو الْأَمِير فيدعي الْمَسْأَلَة فَإِن مُرَاده بالأمير من جعل لَهُ الحكم من الْأُمَرَاء وَمُرَاد ابْن الْقطَّان وَابْن كج من لَا حكم لَهُ مِنْهُم بل يقدم على الحكم ظلما وَكَذَلِكَ كَانَت عبارَة الشَّيْخ أبي عَليّ فِي شرح الْفُرُوع على غير مُرَاد ابْن الْحداد مَا نَصه أَو الْأَمِير الَّذِي ولاه القَاضِي على أَن الرَّوْيَانِيّ ذكر فِي الْبَحْر فِي بَاب من تجوز شَهَادَته وَمن لَا تجوز مَسْأَلَة ابْن الْقطَّان وَفصل فِيهَا فَقَالَ إِن كَانَ الْأَمِير مِمَّن يجوز لَهُ الْإِلْزَام بالحقوق لَزِمت تأدية الشَّهَادَة عِنْده والإ فَلَا وَصُورَة مَسْأَلَة ابْن الْقطَّان فِيمَن لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَإِذا الرَّوْيَانِيّ مُرَجّح لمقالة ابْن الْقطَّان وَلَكِن يُرِيد باللزوم أَن الشَّاهِد المشتهر بِالْفِسْقِ
يلْزمه تأدية الشَّهَادَة كَمَا سننقله عَن تَصْرِيح الْمَاوَرْدِيّ وَالرُّويَانِيّ للإيصال إِلَى الْحق فَكَذَلِك من يُؤَدِّي عِنْد من لَا يصلح بل وَقَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي هَذَا الْمَكَان أَيْضا إِذا أَرَادَ النّظر إِلَى أَجْنَبِيَّة للشَّهَادَة مرّة وَاحِدَة وَهُوَ يعلم أَنه لَا تقع لَهُ الْمعرفَة بالكرة الْوَاحِدَة فأبصرها على وَجه لَو رَآهَا ثَانِيًا علم أَنَّهَا تِلْكَ الْمَرْأَة يحْتَمل أَن يُقَال لَا يفسق لِأَن لهَذِهِ الرُّؤْيَة تَأْثِيرا فِي شَهَادَته لِأَن الرُّؤْيَة لَو تَكَرَّرت حَتَّى وَقعت الْمعرفَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ كَانَ الْمُؤثر فِي ذَلِك جَمِيع مَا تقدم وَإِن كَانَ هَذَا الْقدر غير كَاف فِي جَوَاز الشَّهَادَة بذلك لَا يفسق لجَوَاز أَدَاء الشَّهَادَة بِهَذِهِ الرُّؤْيَة بعد الْحُرِّيَّة وَإِن كَانَت لَا تقبل فِي الْحَال وَيحْتَمل أَن يُقَال يفسق لِأَن التَّحَمُّل لَا يَقع بِهَذِهِ الرُّؤْيَة فَهِيَ إِذا غير مُعْتَبرَة فَصَارَ كالرؤية لَا لغَرَض صَحِيح وَيُفَارق مَسْأَلَة العَبْد فَإِن التَّحَمُّل هُنَاكَ يَقع بِتِلْكَ الرُّؤْيَة على وَجه الصِّحَّة فَصَارَت الرُّؤْيَة مُعْتَبرَة
وَقَالَ فِي بَاب من تجوز شَهَادَته وَمن لَا تجوز شَهَادَته من يستبيح دم مُسلم لَا يقتل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ متأولا وَقد قدمْنَاهُ هَذَا فِي الطَّبَقَة الأولى فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ
وَجزم بِأَن الْكَذِب عَن قصد يرد الشَّهَادَة قَالَ لِأَنَّهُ حرَام بِكُل حَال قَالَ قَالَ الْقفال إِلَّا أَن يكون على عَادَة الْكتاب وَالشعرَاء فِي الْمُبَالغَة
قَالَ وَقيل إِذا ترك صَلَاة وَاحِدَة بالاشتغال بِشَيْء هَل تسْقط عَدَالَته فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء انْتهى يَعْنِي وَالصَّوَاب الْقطع بالسقوط لتعمده وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ اقْتصر على عزو وَجه عدم سُقُوط الْعَدَالَة إِلَى التَّهْذِيب وَهُوَ فِي تعليقة القَاضِي الْحُسَيْن وَغَيرهَا فَرَأَيْت بِهِ أَن كَلَام الْبَحْر مِمَّا يَقْتَضِي جعل الْمَسْأَلَة على طَرِيقين إِحْدَاهمَا الْقطع بالسقوط
وَقَالَ فِي الْفَاسِق يدعى إِلَى أَدَاء شَهَادَة تحملهَا إِن كَانَ ظَاهر الْفسق لم يلْزمه أَدَاؤُهَا وَإِن كَانَ فسقه بَاطِنا لزمَه لِأَن رد شَهَادَته بِالْفِسْقِ الظَّاهِر مُتَّفق عَلَيْهِ وبالباطن مُخْتَلف فِيهِ وَعَزاهُ إِلَى الْحَاوِي وَهِي مَسْأَلَة مليحة وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ أَنه إِذا كَانَ مجمعا عَلَيْهِ ظَاهرا أَو خفِيا لم يجز لَهُ أَن يشْهد فضلا عَن الْوُجُوب وَقَضِيَّة كَلَام الْحَاوِي وَالْبَحْر أَن الْخَفي غير مجمع على الرَّد بِهِ وَهُوَ حسن وَيخرج مِنْهُ فَاسق لَا يرد لعدم علم القَاضِي بِفِسْقِهِ
قَالَ فِي الْبَحْر فِي الْفُرُوع المنثورة آخر كتاب الْأَقْضِيَة مانصه
فرع إِذا زنى بأَمْره وَعِنْده أَنه لَيْسَ ببالغ فبأن أَنه كَانَ بَالغا هَل يلْزمه الْحَد فِيهِ وَجْهَان انْتهى وَقد غلط بعض الْمُتَأَخِّرين كَمَا نبه ابْن الرّفْعَة عَلَيْهِ فنسب إِلَى صَاحب الْبَحْر حِكَايَة وَجْهَيْن فِي وجوب الْحَد على الصَّبِي وَهَذَا لَا حَكَاهُ صَاحب الْبَحْر وَلَا غَيره وَإِنَّمَا الَّذِي حَكَاهُ مَا ذَكرْنَاهُ
قلت وَقد قَالَ فِي الْبَحْر قبيل بَاب اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي صَلَاة الصَّبِي وَأَوْمَأَ فِي الْأُم إِلَى أَنَّهَا تجب قبل بُلُوغه وَلكنه لَا يُعَاقب على تَركهَا عُقُوبَة الْبَالِغ وَرَأَيْت كثيرا من الْمَشَايِخ يرتكبون هَذَا القَوْل فِي المناظرة وَلَيْسَ بِمذهب لِأَنَّهُ غير مُكَلّف أصلا وَإِنَّمَا هَذَا قَول أَحْمد فِي رِوَايَة أَنَّهَا تجب على الصَّبِي إِذا بلغ عشرا انْتهى
قلت وَهُوَ مَا يحْكى عَن ابْن سُرَيج أَن الصَّلَاة تجب على الصَّبِي إِذا بلغ عشرا وجوب مثله وَإِن لم يَأْثَم بِتَرْكِهَا إِذْ لَو لم تجب لما ضرب عَلَيْهَا وَقد ذكر أَن الشَّافِعِي أَشَارَ إِلَيْهِ
الْكَلْب يلغ فِي مَاء يشربه الْمَرْء ثمَّ يبوله
اخْتَار الرَّوْيَانِيّ فِي الْحِلْية الِاكْتِفَاء بِمرَّة وَاحِدَة فِي الْغسْل من ولوغ الْكَلْب وَزعم فِيهِ أَن الْأَخْبَار فِيهِ متعارضة وَلَيْسَ كَمَا زعم ثمَّ اسْتدلَّ على اخْتِيَاره بِأَنَّهُ لَو شرب المَاء الَّذِي ولغَ فِيهِ الْكَلْب ثمَّ بَال قَالَ الشَّافِعِي يغسل من بَوْله مرّة وَيغسل فَاه سبعا قَالَ الرَّوْيَانِيّ وَقد زَادَت النَّجَاسَة باستحالته بولا وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي جَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام وتشكيك النَّفس فِيهِ من الوسواس انْتهى
فَأن تجزى مرّة وَاحِدَة وَلم يسْتَحل أولى وأجدر وَمَا حَكَاهُ عَن النَّص مَسْأَلَة حسنه
الدُّخُول فِي صَلَاة الصُّبْح بِغَلَس وَالْخُرُوج مِنْهَا بِغَلَس قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي التجربة يسْتَحبّ أَن يدْخل فِي صَلَاة الصُّبْح بِغَلَس وَيخرج مِنْهَا بِغَلَس نَص عَلَيْهِ وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يدْخل بِغَلَس وَيخرج بالإسفار جمعا بَين الْأَخْبَار وَهُوَ حسن لكنه خلاف الْمَذْهَب
الشَّاهِد الْوَاحِد يشْهد بِطُلُوع فجر رَمَضَان أَو غرُوب شمسه قَالَ فِي الْبَحْر قبيل بَاب الْأَيَّام الَّتِي نهى عَن الصّيام فِيهَا فِي فروع نقلهَا عَن أَبِيه فرع إِذا شهد عدل بِطُلُوع الْفجْر فِي رَمَضَان هَل يلْزمه الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام أَو يعْتَبر قَول اثْنَيْنِ إِذا لم يُمكنهُ معرفَة الْحَال قَالَ يَعْنِي أَبَاهُ يحْتَمل وَجْهَيْن وهما مبنيان على قبُول شَهَادَة الْوَاحِد فِي هِلَال رَمَضَان وَهَذَا لِأَن مُقْتَضَاهُ وجوب الصَّوْم والإمساك كَذَلِك وَفِي الشَّهَادَة على غرُوب الشَّمْس لَا بُد من اثْنَيْنِ كَالشَّهَادَةِ على هِلَال شَوَّال انْتهى وَاخْتَارَ الْوَالِد رَحمَه الله بعد مَا حكى هَذَا الْكَلَام اعْتِمَاد الْوَاحِد فِي الْمَوْضِعَيْنِ
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي