محمد الغلامي الشافعي الموصلي الفاضل الأديب اللطيف الأريب البارع ترجمه محمد أمين الموصلي فقال شيخ علم وأدب كان عاقلاً كاملاً زكياً بارعاً من مجالسي الوزير الكبير حسين باشا وولاه القضاء بنيابة عنه في سنة ست وسبعين وله قريض لطيف لم أقف عليه وإنما سمعت به من بعض أولاده وله مناقب حسنة وأوصاف جيدة وكانت وفاته في سنة ست وسبعين ومائة وألف وقد قارب الثمانين أو جاوزها ودفن بالموصل رحمه الله تعالى
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل
محمد بن مصطفى الغلامي:
أديب، له شعر جيد. من أهل الموصل. مرض وأقعد، فلزم بيته مشتغلا بالتصنيف.
من كتبه (شمامة العنبر - خ) في تراجم معاصريه من شعراء الموصل وبغداد، على طريقة الريحانة، نشر (مختصره) مع (ديوان شعره) في الموصل.
الاعلام للزركلي
محمد الغلامي شيخ الأدباء أخوه محمد الغلامي بن الشيخ مصطفى
هذا الذي بخل الزمان بمثله ... وبفضله وبعلمه وكماله
نادرة الحين ونتيجة الزمان والماء العذب المعين حيث ما كان
بدئ به البيان وختم وله ثبت المعالي ورسم وبمكارمه هب الزمان وبسم وفيه ختمت النباهة والبسالة ولبس ببعيد فمحمد خاتم الرسالة تفرد بأدبه وفاق، وملأ بمعارفه الآفاق نثر ونظم
وأغار على فتح حصون الأدب وهجم
هو محمد بن مصطفى علي الغلامي ترجم له صاحب منهل الاولياء فقال: الشيخ محمد بن مصطفى الغلامي شيخ الادباء، وعلامة الشعراء، فاق في الشعر على اقرانه وصار فيه امام اهله ورقم عنوانه كان حسن النظم والنثر رائق الشعر عذب الكلمات انيق العبارات لطيف الاشارات
قرأ على الشيوخ وحصل علما كثيرا، ولكن غلب عليه الشعر فكان مكسبه ورأس ماله ومتجره. ومدائحه في ملوك الموصل كثيرة جدا، وكلها رائق معجب، مع حسن صوغ، وجودة سبك. وكذا مدائحه في غيرهم.
وكان قد أصابه نوع مرض غير فكره، واثر في عقله، ومع ذلك فأشعاره في غاية اللطافة والظرافة. وكنت ازوره أحيانا. وكنت قبلها أسمع به واحب ان أراه، فلما رأيته كان عندي كزيد الخيل، لكنه كان من رثاثة الحال وعدم انتظام الزي في مكان لا يجحد .... وكان بينه وبين علي العمري بن علي صحبة تامة وله فيه مداثح كثيرة. والتمس منه صديقنا ابراهيم بن محمد امين ان يمدحه بقصيدة ففعل، فجعل يماطله بالجائزة، فارسل اليه بطلب الفصيدة. مات رحمه الله سنة ست وثمانين ومائة والف. ثم ذكر شيئا من شعره وقال بعد ذلك. وقصائده كلها فائقة ومقاطيعه باسرها رائقة
وقد ذكرت في كتابي مراتع الاحداق جملة حسنة من نظمه، واوردت معارضاتي لها في اول ابتهاجي بالقريض وتولعي بفنونه.
وبالجملة فليس لاحد من شعراء الموصل من اللطائف ما لهذا الرجل. وانما يلفقون الكلمات حتى يتم الوزن ولا يلتفتون الى انسجام المعاني وجزالتها. وفخامة الالفاظ ورقتها. فمثلهم كناظم لؤلؤ وخرز في ليلة، يجمع الحبات حتى يملأ السلك، ولا يلتفت الى مواقع الحبات ومواطنها اللائقة بها، لقلة ممارسة علم البيان ومطالعة دواوين الفصحاء. وقد ألف كتاب شمامة العنبر، وهو كتاب في تراجم شعراء عصره شعراء عصره، على غرار الروض النضر وقد ترجم لنفسه فيه وذكر بعض شعره (ص 112 - 122) فاثنى على نفسه-
وجرد من أغماده كل مرهف ... إذا ما انتضته الكف عاد يسيل
فهو الآن زعيم فتية الأدب الذي بهر بأدبه جهابذة العرب.
فجاء من النظم بالسحر الحلال، ومن النثر بالعقود واللال. فنظمه ماء الغمام، وسجع الحمام. وشقايق الرياض، وشباك الحياض.
كالنور أو كالسحر أو كالدر أو ... كالوشي أو كالبدر حين يلوح
فهو ملهج لسان البيان، وانسان عين الزمان. الذي نبت في روض المعارف، وكان من الأدب مكان السواد من السوالف.
فنظمه أحلى من العسل، وأرشق من سهام المقل حقيق بالقبول وخليق، وهو الصهباء في الحقيقة والرحيق. يجري مجرى الروح في البدن، والنوم في العين والرقود في الوسن. ويرق عن الماء ويسمو على قطر السماء.
وماء على الرضراض يجري كأنه ... صفائح تبر قد سكن الجداولا
له في كل واد مقال، وفي كل نزال نصال. روى، ولكل ظريف حوى. صنف، وبكل بليغ شنف. صنف بالأدب
-وعلمه في النحو والبيان والعلوم الاخرى. وانه في مطلع عمره ركب شبابه وانصرف الى ارتشاف كئوس المسرة. فالايام كلها له جمع والليالي كلها قدر والوقت كله سحر والفصول ربيع. الى ان اعترته علة اكمنته في داره فانقطع عن السعي في مناكب الارض. وهو في ترجمته لنفسه ساخط على الدنيا والناس تنبعث المرارة من الفاظه ويفوح السخط من معانيه. فيقول مثلا «على اننا وان اظهرنا التأسف بين الناس على ما فاتنا منها. نحمد الله تعالى في كلى يوم الف مرة. على اجتنابنا عنهم وعنها. والله ما في الوجود شيء تأسى على فقده العيون، التقتنا بوجه وقيح فالتقيناها بنفس قوية، وهمة عن ادناس الناس علية .... وقد استغاث قبلي الفاضل الارجاني من الزمان الخائن الجاني وذلك لانه عرف حال مودة الناس كما قال ابو العلاء المعري.
جربت دهري واهاليه فما تركت ... لي التجارب في ود امرئ غرضا
وترجم له عثمان الحيائي الجليلي في كتاب الحجة فيمن زاد على ابن حجة. والقس صائغ في تاريخ الموصل 2/ 176، والعزاوي في تاريخ الادب العربي في العراق (2/ 213، 278، 279) والف محمد رءوف الغلامي كتابا عنه سماه العلم السامي في ترجمة الشيخ محمد الغلامي
الشمامة ووسم في جبهة الأيام شامة
وكل فضل طواه الدهر مذ ظهرت ... آيات أبياته من سالف الحقب
حذا فيها حذو الريحانة ولم يبق من مكتوم البيان شيء حتى أبانه جمع فيها رجالا وأي رجال، لم يأت لهم الدهر بمثال
ومجلس الأنس محفوف بأكياس
فهي شمامة الكمال المستهزئة بعقود اللال أبدع فيها وأودع الفضل في مكنون خوافيها رقى إلى أوج الشرف وملك أنواع اللطائف والظرف فبرع في القريض سرا وجهرا وقلب دفاتر الكمالات بطنا وظهرا. وقد وقدت ناره ودلت عليه آثاره إن القليل على الكثير دليل
قد أقام نهاره وليله، يجر على المجرة ذيله. عطس من الأنفة بأنف شامخ، وعلا على عطارد بكمال راسخ. وشرف باذخ، جمع لكل نبيل، وهو في الكمال كما قيل
أديب له جل المكارم ثابت ... لبيب له في المكرمات مناقب
فكتابه الروض الزاهر، والبدر الباهر. والغمام القاطر، وشحه بالفضائل واستوفاه، ووكل أمره إلى الكمال حتى استكفاه. فكتابه روض كمال تشعبت أنواره، وجدول معال اعتدلت أسطاره.
وقد جمعت سوسانها في خدودها ... رواضع إلا أنهن حوامل
وقد شربت ماء الغمامة فانثنت ... كما يتثنى الشارب المتحابل
فها هو الآن، منتهى البيان، المطاول لسحبان، والمستهزئ بالفتح بن خاقان، على قلائد العقيان.
دع عنك شاميات أحمد واقتطف ... ثمر العلى يا صاح من أبياته
وقد أودعت من اشعاره ورايق آثاره، ما يشاكه النور وليصلح أن يكون قلادة لنحور الحور وأشعة للأقمار والبدور.
فمن نفحاته، ورايق قوله في المديح لما وصلت خلعة الوزارة إلى ممدوحه
أوُرق الحمى لم أنت خاضية كفا ... وسحب الندى لم أنت واكفة وكفا
ويا زمني لم أنت ملتمع الضيا ... أجرد هذا الدهر من غمده سيفا
نعم أنجز الإقبال وعداً فعاطني ... على نغمات العود مشمولة صرفا
ودع ذكر من أهوى فإني أجله ... على مسمعي من أن يكون له شنفا
فديتك عرض عن حبيبي بغيره ... وهيهات من شمس الظهيرة أن تخفى
بروحي من أنسى بفرط غرامه ... معاطاة نظم الشعر والنحو والصرفا
فما حيلتي والقلب إن رام سلوة ... وشاهد واو الصدغ يقتبس العطفا
وز من لدن قده ... وفترة لحظ ذابل كاد أن يغفا
قلت أحدث سلوة ... بدا رافعا عن صبح عزته السجفا
لطرف في روض خده ... ليرعى وإن جاءت كتيبته زحفا
عذل أعاب تهتكي ... وحاول أن يشفي العليل وقد أشفى
حط بالحب قدره ... فمثلي متى ما نال بغيته عفا
أن يكون متيماً ... عليلا وثوب الصبر عندي لا يرفا
ى للوزارة أن ترى ... مقبلة كف الذي زانها إلفا
خلعة لتزينه ... فأبهرها حسنا فزادت به عرفا
نه فخرا وإنما ... لها الفخر من ذا البحر إذ علت الكتفا
مطر الناس جوده ... فإن نفذت أمواله استقطر السيفا
أحب العلى طفلا فعود نفسه ... ولولا اغتراف الماء لم يبسط الكفا
لقد قسم الأيام يوم لنائل ... ويوم على أعدائه يجلب الحتفا
ومنها:
أبا حسن يهنيك في خلعة غدت ... تجر ذيول الفخر حائزة لطفا
كويت بها قلب الحسود وغادرت ... حشاه لهيب النار هيهات أن يطفا
فلا زلت في أوج المكارم راقياً ... بك السعد والإقبال يا بحر قد جفا
وله من أخرى:
خليلي مالي لا أرى الدهر مسعدا ... ولا الهمة العلياء تمنحني يدا
هو الدهر حياني بمسكر همه ... فما لي أرى صرف الحوادث عربدا
وصحبة مخضوب البنان وأغيد ... هما أحوجاني أن صحبت المهندا
وأقطرت بيض الهند من ديمة الطلا ... فقبلت متن السيف خدا موردا
وعاشرت ناساً لأخلاق لخلقهم ... فأرضيت قد القوم شيخا وأمردا
وحقك ما ايلى لي الدهر جبة ... من الذكر إلا ثوب عز تجددا
ومستخبر عن شعلة الرأس أسرعت ... فقلت له من نار قلب توقدا
ومعتذر بالذم عد معايبي ... وماذا عليه أن أكون محمدا
وله في المديح أيضا :
يا حبيب الفؤاد أهلا وسهلا ... بك لا زلت للمحامد أهلا
جاء يسعى والليل جنح دجاه ... ولد الصبح والحمام استهلا
سحراً صاح فوق غصن بشيراً ... مشعراً أن ليلة الصبح حبلى
ليلة لا تزول فالصبح منها ... هو مثل الحبيب يكره وصلا
والثريا تلوح في طرف الأف ... ق كعنقود كرمة قد تدلى
وكأن الهلال زورق ماء ... هب ريح فأعقب الهب ميلا
وكأن السها مقارنة النج ... م كذات الجمال تحمل طفلا
وكأن الذراع قد ذرع اللي ... ل وقد ضيع الحساب فملا
وكأن الجدي المسمر قرم ... ثابت في مقامه ما تولى
وكأن الصباح قرية نمل ... وكأن النجوم في الأفق نملا
وتراه مجرى المجرة نهرا ... حل أرضا فاعقب الجري سيلا
وشعاع الصباح يرقع سجف ال ... ليل مثل الحبيب شمر ذيلا
فبدت شمسه كوجه حسين ... إذ غدا في الأنام يقسم فضلا
مشى في هذه الأبيات وفي حسن التخلص على اسلوب ابن هاني الأندلسي في قصيدته البديعة الغريبة التي منها:
بعيشك نبه كأسه وجفونه ... فقد نبه الإبريق من بعد ما أغفا
وقد فكت الظلماء بعض قيودها ... وقد قام جيش الليل للصبح واصطفا
ودلت نجوم للثريا كأنها ... خواتيم تبدو في بنان يد تخفى
ومر على آثارها دبرانها ... كصاحب جيش نكبت خيله خلفا
كأن بني نعش تراها مطافل ... بوجرة قد أظللن في مهمه خشفا
كأن سهيلا في مطالع أفقه ... مفارق إلف لم يجد بعده إلفا
كأن سهاها عاشق بين عوّد ... فآونة يبدو وآونة يخفى
كأن ظلام الليل إذ مال ميلة ... صريع مدام بات يشربها صرفا
كأن السماكين اللذين تظاهرا ... على لبدتيه ضامنان له الحتفا
لى قطبها فارس له ... لواءان مركوزان قد كره الزحفا
امى النسر والنسر واقع ... قصصن فلم تسم الخوافي به ضعفا
اه حين دوم طائراً ... أتى دون نصف البدر فاختطف النصفا
ب الصبح أجدل مرقب ... يفتش تحت الليل في ريشه طرفا
ود الصبح خاقان عسكر ... من الترك نادي بالنجاشي فاستخفى
الشمس غرة جعفر ... رأى القرن فازدادت طلاقته ضعفا
في الوزن والحسن والقافية قول الخفاجي الأندلسي :
الدعساء هل فقدت خشفا ... فأنا لمحنا في مراتعها ظلفا
ط البان فلتمسك الصبا ... علينا فأنا قد عرفنا بها عرفا
سرت من هضاب الشام وهي مريضة ... فما ظهرت إلا وقد كاد أن يخفى
عليلة أنفاس يداوى بها الجوى ... وضعفا ولكنا رجونا بها ضعفا
وهاتفة في البان تملي غرامها ... علينا وتتلو من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكو الفراق جهالة ... وقد جاورت من كل ناحية ألفا
ويشجو قلوب العاشقين حنينها ... وما فهموا مما تغنت به حرفا
ولو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقاً ولا خضبت كفا
أجارتنا أذكرت من كان ناسيا ... وأضرمت ناراً للصبابة لا تطفا
ومهزوزة للبان فيها شمائل ... جعلن لها في كل قافية وصفا
لبثنا عليها بالثنية ليلة ... من الشوق لم يطو الصباح لها سجفا
لعمري لئن طالت علينا فإننا ... بحكم الثريا قد قطعنا لها كفا
رمينا بها في الغرب وهي ذميمة ... ولم تبق للجوزاء عقدا ولا شنفا
كأن الدجى لما تولت نجومه ... بمدبر حرب قد هزمنا له صفا
كأن عليه للمجرة روضة ... مفتحة الأنوار أو نثرة زغفا
كأنا وقد ألقى إلينا هلاله ... سلبناه جاماً أو فصمنا له وقفا
كأن السها إنسان عين غريقة ... من الدمع يبدو كلما ذرفت ذرفا
كأن سهيلا فارس عاين الوغى ... ففر فلم يشهد طراداً ولا زحفا
كأن سنا المريخ شعلة قابس ... تخطفها عجلان يقذفها قذفا
كأن نصير الملك سل حسامه ... على الليل فانصاعت كواكبه كسفا
ولحازم صاحب المقصورة طائية حذا فيها هذا الحذو، وهي بديعة ومطلعها:
أمن بارق أورى بجنح الدجى سقطا ... تذكرت من حل الأبارق والسقطا
يقول فيها بعد أبيات:
وكم ليلة قاسيتها نابغية ... إلى أن بدت شيباً ذوائبها شمطا
وبت أظن الشهب مثلي لها هوى ... وأغبطها في طول الفتها غبطا
على أنها مثلي عزيزة مطلب ... ومن ذا الذي ما شاء من دهره يعطى
كأن الثريا كاعب أزمعت نوى ... وأمت بأقصى الغرب منزلة شحطا
كأن نجوم الهقعة الزهر هودج ... لها عن ذوي الحرف المناخة قد حطا
كأن رشاء الدلو رشوة خاطب ... لها جعل الاشراط في مهرها شرطا
كأن السها قد دق من فرط شوقه ... إليها كما قد دقق الكاتب النقطا
كأن سهيلا إذ تناءت وأنجدت ... غدا يائسا منها لها هَمّ وانحطا
كأن خفوق النجم قلب متيم ... تعدى عليه الدهر في البين واشتطا
كأن كلا النسرين قد ريع إذ رأى ... هلال الدجى يهوى له مخلبا سلطا
كأن الذي ضم القوادم منهما ... هوى واقعا للأرض أو قص أو قطا
كأن أخاه رام توقا أمامه ... فلم يعد أن مد الجناحين وامتطا
ومثلها في الحسن قول علي بن محمد الكوفي :
نجوم أراعي طول ليلي بروقها ... وهن لبعد السير ذات لغوب
خوافق في جنح الظلام كأنها ... فؤاد معناه بطول وجيب
يرى حوتها في الشرق ذات سباحة ... وعقربها في الغرب ذات دبيب
إذا ما هوى الإكليل منا حسبته ... تهدل غصن في الرياض رطيب
كأن التي حول المجرة أوردت ... لتكرع في ماء هناك صبيب
كأن رسول الصبح يخلط في الدجى ... شجاعة مقدام بجبن هيوب
خضرار الفجر صرح ممرد ... وفيها لآل لم تشن بثقوب
واد الليل في ضوء صبحه ... سواد شباب في بياض مشيب
ير الشمس يحكي ببشره ... علي بن داود أخي ونسيبي
قائي عينه قلت سيدي ... ولكن يراها من أجل ذنوبي
إخاء وهو غير مناسب ... قريب صفاء وهو غير قريب
تتمة قصيدة صاحب الترجمة:
الوزير يعطي جميلا ... قلت جاء الربيع يقتل محلا
البائس الموسل مثلي ... من نداه فيملأ القسط عدلا
موصل الحديباء مثلي ... وصله والعراق تزعم وصلا
ي مناصب الروم حنت ... مثلما حنت الحديباء أم لا
الأعجام تطلب عقداً ... ما به قيل جيد قرص تحلى
قوى عزما وأقوم حكما ... أنت أزكى طبعا وقولا وفعلا
فلد الوزارة شهم ... لا يحاكيك كان في الناس كلا
اولت أكف أناس ... في المعالي رأيت كفك أعلى
اوجها ولفظا ومعنى ... وسديدا رأيا وفعلا وقولا
الأمر في الأنام عيون ... باصرات ترى الحقائق تجلى
في الوجود للطفاً ... حيث أمر الإسلام مثلك ولى
هكذا هكذا فعال حكيم ... يرتجى خيره فيوجد أهلا
ولكم حزت غاية وأيادي ... سوف يكفيكها المهيمن جلا
رب يوم منعت حوزة دين ال ... له إذ كاد ركنه أن يفلا
وحميت الألوف يوماً عبوساً ... ذكره يوم منشر الصحف يملى
فجزاك الإله خير جزاء ... عم إنعامه فروعا وأصلا
وله في المشار إليه مبنية على حكاية:
ظفرت براحتي فبرى فؤادي ... كصلح العامري على فساد
وأعقبني التنقل عن مكاني ... سروراً كل يوم في ازدياد
ألا يا نسمة الأسحار كوني ... حجابي من شماتات الأعادي
ويا شعبان روحني لتمحو ... به ذنبي ربيع مع جماد
ليالي خان فيها الخون حتى ... أنامتي على شوك القتاد
أقول لصاحبي والليل داج ... ومن عظمت بليته ينادي
سل البرق اليماني عن فؤادي ... وعن خفقاته والليل هادي
ليالي لا أرى فيها خليلا ... يساعدني على حفظ الوداد
ولا كهفا يؤمل غير خل ... به يروي جوادي عن جواد
أصبت بحط رحلي عند يحيى ... يذكرني كمال أبي مراد
وزير سله الرحمن سيفا ... وأرسله إلى حفظ البلاد
أقام عمود دين الله حتى ... غدا متضعضعاً باب العمادي
أحال نهاره الدخان ليلا ... وأعقبه سواداً في سواد
نصرت به المهيمن أي نصر ... وقمت بحمله واري الزناد
وله صدر رسالة:
مني السلام احملي يا نسمة السحر ... وما ألاقيه من وجدي ومن سهري
ثم انزلي حلب الشهباء وارتحلي ... نحو المدينة مأوى سيد البشر
وبلغي لي خليلا كنت آلفه ... وكان عندي محل السمع والبصر
لله كم من لويلات لنا سلفت ... كأنها شامة في وجنة القمر
حيث الزمان لنا عون يساعدنا ... وقلبنا آمن من سائر الحذر
والشمل مجتمع والضد مندفع ... والصدر متسع، صاف من الكدر
والدار دانية، والناس ساهية ... والنفس لاهية، عن كثرة الفكر
والصحب قد جمعت، والورق قد سجعت ... في روضة أينعت، من رايق الزهر
والورد حيث بدا فيه سقيط ندى ... والاقحوان غدا في الروض كالدرر
تلك الربى فتحت، غدرانها طفحت ... أطيارها صدحت، في ذروة الشجر
مرت بنا فحسبت الدهر طوع يدي ... حينا ولم أقض من لذاتها وطري
مضت وأذكرني تذكارها فصبا ... فالجسم في نصب والعيش في كدر
فالآن أنسي مرفوع ومنخفض ... قدري ومنتصب ما بي من الضرر
ماض من الهم فيه القلب منجزم ... ومبتدا الحزن يغني الناس عن خبري
لما نأى فاراني الشمس كاسفة ... لا بدع أن كسفتها غرة القمر
ويلاه من بعد إلف كان عضد يدي ... فزاحمتني عليه محنة السفر
أخلاقه قد حكت ريح الصبا وذكت ... حتى لقد ازدرت بالمندل العطر
وفي عهد حفي لا تغيره ... عن الوفاء شفار البيض والسمر
زاكي السجية لو تبدو معارفه ... للخلق طراً لأغنتهم عن الزبر
فيا لحا الله من راموا مضرته ... فلم تعنهم عليه سطوة القدر
كم من شباك مكيدات لقد نصبوا ... له فما رجعوا إذ ذاك بالظفر
لأنه درة حاشا بها دنس ... من دونه وقفوا طرا ذو والغير
يا أوحد العصر آدابا ومعرفة ... ومن غدا شاغلا من ذكره فكري
هذا اعتذاري عن شخص أضربه ... طويل بعدك فاقبل عذر معتذر
وله صدر رسالة:
يا نسمة الحي عني بلغي كتبا ... من اشتياقي لأقضي بعض ما وجبا
«أمن تذكر جيران بذي سلم» ... استمطر الجفن بل استوقف النجبا
نعم سوابق دمعي بعد فرقتهم ... كالتبر منسبكا والخد منسكبا
لفتية فتنة كانت محاسنه ... إن جولسوا أدبا أو سوجلوا خطبا
من كل ذي فتنة فاقت فصاحته ... من أين جانس هذا الشادن العربا
لو أبصر الأهيف الممتاز قامته ... ما ماس منعطفا في قرطن وقبا
فقل لمن يبتغي يحكي فصاحتهم ... لقد حكيت ففات اللفظ والشنبا
أصل هذا الشطر الأخير من قول شهاب الدين المصري المعروف بابن الخيمي من قصيدة مطلعها:
يا طالبا ليس لي في غيره إرب ... إليك آل التقضي وانتهى الطلب
وما طمحت لمرئي ومستمع ... إلا لمعنى إلى معناك ينتسب
ولم يزل إلى أن قال منها:
هبت لنا نسمات من ديارهم ... لم يبق في الركب من لاهزه الطرب
لله قوم بجرعاء الحمى غيب ... جنوا علي ولما ان جنوا عتبوا
والتي نظمها ابن اسرائيل:
لم يقض من حبكم بعض الذي يجب ... قلب متى ما جرى تذكاركم يجب
كذا يطير سرورا من تذكرهم ... حتى لقد رقصت من تحتها النجب
يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
فاتفق أن نجم الدين بن اسرائيل الحريري حج، وهو شاب فلقي هذه القصيدة ملقاة في الطريق ولم يعلم ناظمها فادعاها لنفسه
ثم دخل ابن إسرائيل الديار المصرية واجتمع بابن الخيمي مع جماعة من الأدباء فانشد هذه القصيدة مدعيا. فقال: ابن الخيمي هي نظمي. فأصر ابن إسرائيل بأنها نظمه ثم اتفقا على ان يحكم بينهما الشيخ عمر بن الفارض وهو إذ ذاك رئيس الأدباء بمصر، فقال لهما ينبغي أن ينظم كل واحد منكما أبياتا على هذا الوزن والروي ليستدل بها على ناظم هذه القصيدة.
فنظم ابن الخيمي أبياتاً مطلعها:
لله قوم بجرعاء الحمى غيب ... جنوا على ولما أن جنوا عتبوا
يا قوم هم أخذوا قلبي فلم سخطوا ... وأنهم غصبوا عيش فلم غضبوا
هم العريب بنجم مذ عرفتهم ... لم يبق لي معهم مال ولا نسب
إلى آخرها.
ثم نظم ابن إسرائيل قصيدة على هذا الوزن ومطلعها:
لم يقض في حبكم بعض الذي يجب ... قلب متى ما جرى تذكاركم يجب
ولي وفي لرسم الدار بعدكم ... دمع متى جاد ضنت بالحيا السحب
إلى أن قال منها:
يا بارقاً ببراح الحزن لاح لنا ... أأنت أم أسبلت أقمارها الثقب
ويا نسيماً سرى والعطر يصحبه ... أجزت حين مشين الخرد العرب
أقسمت بالمقسمات الزهر يحجبها ... سمر العوالي والهندية القضب
لكدت تشبه برقاً من ثغورهم ... يادر دمعي لولا الظلم والشنب
ثم عرضت القصيدتان على ابن الفارض، فأنشد مخاطبا ابن إسرائيل عجز بيت ابن الخيمي السابق: لقد حكيت ولكن فاتك الشنب. وحكم لابن الخيمي. وقال بعض الحاضرين: من يتكلم مثل هذا الكلام ما الحاصل له ان يدعي ما ليس له. فقال ابن الخيمي: هذه سرقة حاجة. وانفض المجلس.
وقال الصفدي في هذه الطريفة قصيدة جيدة، يقول فيها:
إذا ثنى سلب الألباب عطفه ... البادي التأود لا الخطية السلب
ولو بدا فبدور الأفق في خجل ... ترخي على وجهها من سحبها نقب
يا برق لا تبتسم من ثغره عجبا ... قد فات معناك منه الظلم والشنب
وضمنه بعضهم فقال:
ويا غزالا حكى معنى جمالهم ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وألم به أبو الثناء محمود فقال:
يا بارق الثغر لو لاحت ثغورهم ... وشمت بارقها ما فاتك الشنب
ويا قضيب النقا لو لم تجد خبراً ... عند الصبا منهم ما هزك الطرب
وضمنه ابن تميم فقال:
إن تاه ثغر الأقاحي في تشبهه ... بثغر حبك واستولى به الطرب
فقل له عند ما يحكيه مبتسما ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وضمنه المسعودي فقال:
وروض أنسي به اللذات تنتهب ... أزهاره الدر والياقوت والذهب
غنى الهزار على أغصانه طربا ... حتى تراقصت الأفنان والقضب
وفاح للورد نشر من كمائمه ... والنهر كالصل في الادواح ينسحب
وقام مبتسماً ثغر الأقاح به ... يحكي ابتسام مليح هزه الطرب
فقلت والطرف من مرآه مبتهج ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وله أيضا:
وكأس در بشمس الراح يلتهب ... جلاه بدر به الأرواح تنتهب
فقل لمن رام يحكي خمر ريقته ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وضمنه الشيخ عبد الغني فقال:
رام العذار بان يحكى بأكؤسه ... دور الغلابين لما مدت الغضب
فهب نفح دخان التبغ ينشده ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وضمنه الأديب حسن الحلبي وأبدع فيه:
حكى دخانا سما من فوق وجنة من ... قد مص غليونه إذ مسه الطرب
غيم على بدر تم قد تقطع من ... أيدي النسيم فولى وهو ينسحب
فقلت والنار في قلبي لها لهب ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وضمنه أحمد الاسدي فقال:
دع المدامة يعلو فوقها الحبب ... رضابه وثناياه لنا إرب
نزه فؤادك عن راح الكؤوس وخذ ... راحاً من الثغر عنها يعجز العنب
لله در مدام بت ارشفها ... من في غزال إلى الأتراك ينتسب
مهند اللحظ زنجي السوالف لم ... تحو الذي قد حواه العجم والعرب
قالت مباسمه للبرق حين سرى ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
وقمت أشدو على الغصن الرطيب لذا ... بيني وبينك يا ورق الحمى نسب
يقول لما رأى دمعي جرى ذهبا ... يا مطلبا ليس لي في غيره أرب
تبت يدا عاذلي عمن أعوذه ... بالناس ما نافث أو غاسق يقب
إن المحرم سلواني لطاعته ... فقل لشعبان عني إنني رجب
وهذا الشاعر عارض قصيدة القيراطي التي بهذه الجادة وهي:
رضابه وثناياه لنا أرب ... يا حبذا الراح أو يا حبذا الحبب
لا تذكر الخمر يوماً عند ريقته ... فما استوى في المثال الآثم والقرب
يا مسكري برضاب بالمذاق حلا ... هذا هو الخمر أم هذا هو الضرب
يا حبذا حب ذاك الثغر مبتسما ... فرط المحبة في منظومه يجب
يا ليت شعري أنثر الدمع يعطفه ... أم ليس يثنيه لا نظم ولا خطب
حدث عن البحر من دمعي ولا حرح ... وقل عن النار من قلبي ولا عجب
من برد ريقك أشكو حر نار جوى ... وجنتي نار خد منك تلتهب
مذ زورت لينه هيف الغصون رأى ... قاضي الهوى حدها أن تقطع العذب
لي من بني الترك من تركي له سنة ... قاني الخدود غدا للقان ينتسب
لقوسه منه جذب نحو حاجبه ... والشبه للشيء فيما قيل ينجذب
إن هز وصف سواه طامعا طربا ... فوصف حبي فيه يطرب الطرب
وإن روى الناس عن أهل الهوى عجبا ... فمن أحاديث عشقي يعجب العجب
من لي بدينار خد قمت أنشده ... يا مطلبا ليس لي في غيره أرب
ويا معيد ربوع الصبر دراسة ... إليك آل التقضي وانتهى الطلب
اشتاق وصف جبين منه يسفر لي ... كأنني لهلال العيد أرتقب
غصن إليه فؤادي طار ثم شدا ... بيني وبينك يا ورق الحمى نسب
وضمنت الشطر المذكور في أثناء التحرير:
رام الربيع بان يحكي العذار سنا ... وقد بدا زهره والروض ملتهب
فقلت والورد قد حاكي لو جنته ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ولصاحب الترجمة في مدح النبي ﷺ:
رجعي فوق بانة يا حمامه ... واسعفي مغرما تمنى حمامه
ساعديني على الهوى لست مثلي ... ذات حزن وعبرة مستهامه
لا ولا شاقك منازل قوم ... خيموا باللوى وأطلال رامه
هم عريب كم فيهم من كريم ... جعل القلب حين حل مقامه
لم يمروا بفكرة الصب إلا ... حركوا الوجد واستثاروا غرامه
يا عذولي حدث فديتك عنهم ... واسقني ذكرهم بكأس المدامه
غنني باسمهم ودعني ممن ... باع بالجهل والهوى أيامه
خل عني فلست أول من أس ... كره الحب حين ذاق مدامه
ويك دعني من ذكر سلمى وليلى ... وسعاد وزينب وأمامه
أنا أهوى عرب الحمى لست ممن ... إن رأوا شادنا أحبوا قوامه
معدن الجود والتقى قوم من قد ... ظللته من الهجير غمامه
سيد المرسلين خير البرايا ... شافع المذنبين يوم القيامه
من أتانا والشرك كالليل داج ... فمحى بالسيوف عنا ظلامه
خمدت نار فارس عند ما حل ... ل ألم يكفهم بذاك علامه
وضعته كالشمس وقت ضحاها ... بين كتفيه للنبوة شامه
فأنار الوجود نور محيا ... هـ وداوى من الضلال سقامه
لم يزل خافضاً لكل عنيد ... ناصب الدين رافعا أعلامه
ساحبا ذيل بردة الجود والأف ... ضال مولى كل الورى إنعامه
ما أتاه يوم الملمة راج ... لنداه الا ونال مرامه
يا شفيعا للمذنبين ويا من ... زاده الله رفعة وكرامه
كن شفيعي يوماً إلى الله إذ ما ... خافت الناس هوله وازدحامه
غرني لطفه الخفي فاكثر ... ت الخطايا وقد خشيت انتقامه
سيدي عبدك الذي بين سيف ال ... جهل والنفس هل له من ملامه
يرتجي بركم ومن شرف المو ... لى وإن جل أن يبر غلامه
إن في الناس حاجة يجنح ال ... قلب اليها وأنت تدري مرامه
سائلا منك دون كل البرايا ... مطنبا فيك مدحه ونظامه
إن يكن ماطر السحاب لدينا ... فغرور بأن يزيد جهامه
وجزاك الإله رب البرايا ... كل يوم صلاته وسلامه
وكذا الآل والصحابة جمعا ... ما شدا مدنف وأبدى غرامه
ومن مقاطيعه قوله:
يروي إذا رام المقبل صدغه ... رأي الفقيه وحلة لم ينقل
عجبي له يرضى برأي واحد ... سنداً ويأبى رأي أهل الموصل
واصل هذا قول ابن منقذ:
كتب العذار على صحيفة خده ... سطراً يحير ناظر المتأمل
بالغت في استخراجه فوجدته ... لا رأي إلا رأي أهل الموصل
وأكد هذا عز الدين الموصلي بقوله:
ومائس القامة نادمته ... فيما عهدناه من الأول
فقال ما تنظر خدي وقد ... ولي بنبت العارض المقبل
فقلت روض قد زها نبته ... وأنت تدري أنني موصلي
ولصاحب الترجمة:
أهدت لخدك أوقات الحيا تحفا ... من الورد لها في مضجعي حسك
هلا بعثت وروداً عند مورده ... إن الهدية فيما قيل تشترك
وله تورية في انتسابه ونسبته:
وذي حور حكاه الظبي لحظا ... يسارقني فيسرقني منامي
غلام زادني ولها وحزنا ... فأعذر إن بكيت على الغلامي
وله:
سبحت مع شادن فنادى ... واللثم في ورده يفتح
اذكر إلهي لوثت خدي ... فقلت إني له مسبح
وله:
أهدى لنا تحفة من در مبسمه ... در له صفد المرجان كالصدف
كمل هديتك الحسناء واهد لنا ... ظرف الهدية معدود من الظرف
وله:
ولما زففناها على الريق قهوة ... بذلت وقاري شرط مهر معجل
فخاطبني تفاح نقل خدوده ... تنقل فلذات الهوى بالتنقل
المصرع الأخير لأبي عبد الله محمد بن أبي الفضل الرستمي السلمي من أبيات هي:
تنقل فلذات الهوى بالتنقل ... ورد كل صاف لا تقف عند منهل
وإن سار من تهوى فسر عن رجائه ... ولا تسكبن دمعاً على منزل خلي
ولا تعتبر قول امرئ القيس إنه ... ضليل ومن ذا يقتدي بالمضلل
ففي الأرض أحباب وفيها منازل ... فلا تبك من ذكرى حبيب ومنزل
وضمنه القاضي محي الدين بن عبد الظاهر :
لقد قال لي إذ رحت من خمر ريقه ... أحث كئوسا من ألذ مقبل
بلثم شفاهي بعد تقبيل مبسمي ... تنقل فلذات الهوى بالتنقل
وقلت في أثناء التحرير:
شغفت بشهدي اللمى وهو أمرد ... إلى أن بدا آس العذار المسلسل
فنادى سناء الوجه وهو مهرول ... تنقل فلذات الهوى بالتنقل
ولصاحب الترجمة:
بدا من صبح ذاك الوجه آي ... فحاول محوها ليل العذار
فيا من عد ليل الصدغ عيبا ... أآمنتم به وجه النهار
وله أيضا:
لي صاحب إن شربنا صار ذا بله ... وآخر يتجرا مثل ذي لبد
تبدو كواكب أفراحي فتنعشني ... لما أرى الشمس بين الثور والأسد
وله في الجناس الملفق:
كم من سهام رماني فوق حاجبه ... من قاب قوسين ألقى السهم وقت رنا
ما للمشوق خلاص يرتجيه وقد ... تقوسا لهلاك الصب واقترنا
وما الطف قول القاضي أبو يعلى عبد الباقي في هذا النوع، وقد ولى قضاء المعرة وهو ابن خمس وعشرين سنة وأقام في الحكم خمس سنين:
وليت الحكم خمسا وهي خمس ... لعمري والصبا في العنفوان
فلم تضع الأعادي قدر شاني ... ولا قالوا فلان قد رشاني
وقول شرف الدين بن عنين :
خبروها بأنه ما تصدى ... لسلو عنها ولو مات صدا
واسألوها في زورة من خيال ... إن تكن لم تجد من الهجر بدا
ومن اللطائف قول القاضي الفخري في التورية التي سموها جناسا ملفقاً:
إن الهوائين يا معشوق قد عبثا ... بالروح والجسم في سر وفي علن
فالروح تفديك بالممدود قد تلفت ... والجسم حوشيت بالمقصور في كفني
فيك فني وللبدر الدماميني في هذا النوع:
تدري لماذا أتاك قلبي ... في عسكر الوجد وهو ذائب
أذنب ثم اختشى فوافى ... من ذلك الذنب في كتائب
فيك تائب وللقاضي مجد الدين بن مكانس فيه:
كمال إنصاتك يا منيتي ... في حبه أصبحت مثل الخلال
ونلت من سكر الهوى نشوة ... فارحم معنى مغرما فيك مال
في كمال ولابن حجة فيه:
رأت حياة شبابي قد قضت أجلا ... والسقم قد زاد لما قل مصطبري
قالت سرقت نحول الخصر قلت لها ... ما يحمل الشيخ هذا وهو في كبر
فيك بري وفيه لبدر الدين الدماميني:
روحي الفداء لظبي قد دنا ورنا ... الحاظه فنفت عن جفني الوسنا
وحاجباه إلى الأحشاء قد بعثا ... سهم المنون بذاك اللحظ واقترنا
وقت رنا ولابن حجة مثله:
سألت من لحظه وحاجبه ... كالقوس والسهم موعد حسنا
ففوق السهم من لواحظه ... وانقوس الحاجبان واقترنا
وقت رنا ولصاحب الترجمة فيمن اسمه إبراهيم:
من قال بالظلم فإني امرؤ ... لا أتخطى سبل أهل النهى
والحمد لله على إنني ... قبلة إبراهيم أرضى بها
وله صدر رسالة إلى صديق له:
أمال غصن الروض خفق الرياح ... فاغنم لذيذ العيش قبل المراح
مع كل من لبى منادي التقى ... لطاعة الله وداعي الصلاح
من كل شيخ ومريد له ... كأنه البدر إذا البدر لاح
يسقيك من نغمته قرقفا ... لا أثم طنبور ولا شرب راح
وألثغ من بين أقرانه ... بلفظه أثخن قلبي جراح
لما رأى ميل فؤادي له ... بات نديماً لي حتى الصباح
ومال عني جانبا قائلا ... ثل ثلاة الثبج فالديك ثاح
قلت اسقني بين رياض الربى ... خمرة عينيك بكأس السماح
من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الاقاح
قال خذ الفرصة واغنم فها ... دونك ثغري فحماه مباح
بالخبز بالملح بحقي وبالسلام ... أقسمت به والصباح
لذلك العرس الذي صار لي ... لا بد ان تحضر عقد النكاح
فقد غدا الكذاب في حكمه ... بدولتي يقضي وتفتي سجاح
وله وقد أهداها إلي مع حسن الظن بي:
أدرها لنا كالشمس تشرق بالظهر ... قد اعتصرتها كف علامة العصر
مداما بدا بالدر يضحك ثغرها ... ولكنها كالليث تضحك عن جمر
كئوس بها جر السرور كأنها ... وقد كسرت أحزاننا أحرف الجر
يطوف بها وردي خد تقابلت ... له وجنة بالكأس فانصبغت خمري
فتى نرجسي اللحظ فاقت عيونه ... عيون المها بين الرصافة والجسر
تداويت من سحر العيون بثغره ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
وقد ضمن هذا الشطر ابن نباتة في قصيدة فقال:
وأغيد في فيه المدام ولحظه ... وفي أعطافه نشوة السكر
تداويت من ألحاظه برضابه ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
ذكر الحريري في درة الغواص أن حامد بن
العباس سأل علي بن عيسى في ديوان الوزارة ما دواء الخمار
وكان قد علق به، فاعرض عن كلامه، وقال: ما أنا وهذه المسالة
فخجل حامد منه، والتفت إلى قاضي القضاة أبي عمر فسأله عن ذلك. فتنحنح ثم قال: قال الله تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال رسول الله ﷺ: استعينوا على كل صنعة بصالح أهلها والأعشى هو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية حيث قال:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
ثم تلا قول أبي نؤاس في الإسلام:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
فأسفر حينئذ وجه حامد وقال لعلي بن عيسى: ما ضرك، يا بارد، أن تجيب ببعض ما أجاب به مولانا قاضي القضاة وقد استظهر في جواب المسالة بقول الله تعالى أولا ثم بقول النبي ﷺ ثانيا وأدى المعنى وتقضى عن العهد.فكان خجل ابن عيسى أكثر من خجل حامد
ومن القصيدة المترجمة:
وحانة خمار سبقت لبابها ... على غفلة الأصحاب من أول الفجر
باخوة صدق قد كتمت ودادهم ... كما كتمت عن أهلها ليلة القدر
طرقنا عليه الباب بين ملثم ... على وجه بدر التم أو كوكب دري
فقال من الطراق قلنا عصابة ... من الموصل الحدباء يبغون ما تدري
فقام إلينا والغلام يجره ... وقد رعشت رجلاه من أثر السكر
وفي يده مصباح راح تشعشعت ... تنوب عن الإصباح أو غرة البدر
فقال لنا أهلا وللسر مكتم ... فان عطايا التبر أعراضكم تبري
فبدلته بالكأس كيسي فأحدقوا ... عليه الندامى كلهم يقتفي أثري
فاقبل بالإبريق حتى رأيته ... يخر بكأسي ساجداً سجدة الشكر
هذا يعني تبدل الكأس بالكيس من قول عبد الرحمن المهدوي:
دعوني فإني قد خلعت عذارا ... وصيرت سرى في المجون جهارا
أفرغ كيسي في الكؤوس واغتدى ... أبيع على شرب العقار عقارا
ومنه قول شمس الدين النواجي :
ومذ قيل إني أديب أحب ال ... طباق وأهوى بديع الجناس
شربت العقار وبعت العقار ... وفرغت كيسي في ملء كاسي
ومنه قول بعض الأدباء:
يا من يحاول شرب الراح مغتنما ... ولا يفك لما يلقاه قرطاسا
الكأس والكيس لم يقض اجتماعهما ... ففرغ الكيس كيما تملأ الكاسا
ومنه قول ابن نباتة :
سقياً لدهر إذ أعصى المرام وإذ ... أبغي الملام بتنكير وتغليس
وأبذل التبر في صفراء صافية ... كأن في الكأس ما قد كان في كيسي
ومنه قول ابن أبي الوفاء :
يسعى علي بكاسات قد استبقت ... لمهجتي من فمي تسعى على الروس
وللكئوس ابتسام حال قهقهة ... وللغمام بكاء حال تعبيس
قد استحال طلا تبرى المصون وقد ... أذبت في الكأس ما جمدت في الكيس
قول صاحب الترجمة في ابياته، فاقبل بالإبريق، إلى آخره، أخذه من معنى قول القاضي فتح الدين:
وكلما رام لطفا من معاتبتي ... سددت فاه بطيب اللثم والقبل
وبات بدر تمام الحسن مقتنعاً ... والشمس في تلكم الكاسات لم تفل
وبت منها أرى النار التي سجدت ... لها المجوس من الإبريق تسجد لي
وقول ابن مكنسة في معناه:
إبريقنا عاكف على قدح ... كأنه الأم ترضع الولدا
أو عابد من بنى المجوس إذا ... توهم الكأس شعلة سجدا
وفي هذين البيتين أورد صاحب الحلبة مناقشة أعرضنا عنها.
وتتمة القصيدة المترجمة:
وناولني كأساً إذا مسها الهوى ... به انعقدت من ظاهر حبك الشذر
إذا ما انفرى عنها الحباب حسبتها ... هباء به كادت تطير من القعر
وإن فنيت فيها الفواقع خلتها ... هلالا ضئيلا لاح في أول الشهر
سماء عقيق بالثريا تطرزت ... وروض شقيق خالطت نفحة الزهر
مذاقة هيل مع شميم سفرجل ... وملمس ورد ملتقى باسم الثغر
فمذ سمع الندمان حسن صفاتها ... لها لبسوا في مزجها خلعة التبر
ولما احتسيناها ودب دبيبها ... تمشى فحصنّا له موضع السر
والسابق إلى هذا المعنى أبو نواس حيث قال:
ولما شربناها ودب دبيبها ... إلى موضع الأسرار قلت لها قفي
مخافة أن يسطو على شعاعها ... فتطلع ندماني على سري الخفي
ومن تتمة القصيدة أيضا:
وأقبل فينا أغيد الحان ينثني ... يقبلنا بالكف والجيد والنحر
فيغلب صبري ذلك الثغر برده ... ولا بد للمغلوب من بارد العذر
جرى اسوداً خط العذار بخده ... فعوذته بالله من كل ما يجري
أعوذه في أول السطر قائلا ... بدأت باسم الله في أول السطر
وقلت لصحبي عند خلع وقارهم ... أقلوا علي اللوم أو فاقبلوا عذري
فإني لمن قوم يبان بعقلهم ... وقد جربوا الأيام ما في غد يجري
إذا استودعوا الأسرار ماتت فوسعوا ... لها بين جنبي صدرهم حفرة القبر
إذا جولسوا أو نوزلوا أو توادوا ... فمنزلهم بالصدر والصدر والصدر
ومستنقص بالحال قلت له اتئد ... فقد أغلت الأيام قدري على قدري
إذا ما الفتى ضاقت عليه أموره ... أتاه صنيع الله من حيث لا يدري
فكم قد منحت النفس من لذة العلى ... كما قد ملأت الكتب سطراً على سطر
بريحانة الآداب كم لي نفحة ... يتيمتها فاقت على دمية القصر
فقال فها عثمان فينا مؤمل ... لدينا فهلا زرته يا بنة الفكر
غدا عنده سوق الفضائل نافقاً ... فقلت استمع ما قال لي بعض ذا العصر
وكم رضت فكري مرة بعد مرة ... فلم أر أن يلقاه نظمي ولا نثري
فإن لم يكن دراً فتلك نقيصة ... وإن كان دراً كيف يهدى إلى البحر
فقلت له لي في عصام فرائد ... إذا قوبلت بالدر فاقت على الدر
نعم لي في وصف الأديب بدائع ... لها بفمي من ذكره شمة العطر
إذا ما قرأناها ضيوفاً وقصرت ... فصاحة قاري مدها همة المقري
أقول لمن قد رام حصر خصاله ... إلا فاستمع ما قيل بيتاً من الشعر
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
إليك أبا نعمان خذها أديبة ... معرضة أن لا تقصر في أمري
وله قصيدة في المديح أيضا ومطلعها:
سل الرسم عن ذات الخباء المعمد ... وهل يخبر الركبان أطلال معهد
هى الدار دار المالكية فاسقها ... من الدمع أمثال الجمان المبدد
سقى الله أهليها العهاد وإن هم ... مدى الدهر لم يرعوا عهودي ومعهدي
وعذراء أمسى الغصن يحسد قدها ... هضيم الحشا حسانة المتجرد
ممنعة تفتر عن صبح مبسم ... شتيت كنظم اللؤلؤ المتسرد
نعمت بها والعيش إذ ذاك ريق ... بدارة أنسى لا ببرقة ثهمد
ومن مديحها:
أبا حسن ليث الشرى ذلك الذي ... متى يتوعد مقلة الدهر تسهد
هو السهم إلا أنه غير طائش ... هو السيف إلا أنه غير مغمد
هو القطر إلا أنه غير ناضب ... هو البحر إلا أنه غير مزبد
هو الغيث إلا أنه إن تأججت ... لظى الحرب في يوم الوغى غير مرعد
ومن اللطائف في هذا الباب قول التنوخي في الغزل:
غصن تأود فوق دعص من نقا ... ليل تبلج عن جناح مسفر
كالشمس إلا أنه متنفس ... عن مسكة متبسم عن جوهر
وقوله في هذا الباب أيضا:
وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نضار
هواء ولكنه ساكن ... وماء ولكنه غير جاري
ولابن جابر الأندلسي :
ولم تر عيني مثل جنة خدها ... ولكن حماها اللحظ بالصارم العضب
موردة الخدين معسولة اللمى ... سوى أنها تفتر عن لؤلؤ رطب
ومن العجائب في هذا الباب قول البديع الهمداني :
هو البدر إلا أنه البحر زاخر ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
وهذا البيت من قصيدة كلها درر، وأضواء وغرر، أبدع فيها غاية الإبداع وقد أحببت أن أنظم فرائدها في هذا السلك وقد مدح بها خلف بن أحمد السجستاني واولها:
سماء الدجى ما هذه الحدق النجل ... أصدر الدجى حال وجيد الضحى عطل
لك الله من عزم أجوب جيوبه ... كأني في أجفان عين الردى كحل
كأن السرى كأس كأن الكرى طلا ... كانا لها شرب كانا لها نقل
كأنا جياع والمطي لنا فم ... كأن الفلا زاد كأن السرى أكل
كأن ينابيع الثرى ثدي مرضع ... وفي حجرها مني ومن ناقتي طفل
كأنا على أرجوحة في مسيرنا ... لغور بنا تهوي ونجد بنا تعلو
كأن فمي قوس لساني له يد ... مديحي له نزع به أملي نبل
كأن دواتي مطفل حبشية ... بناني لها بعل ونفسي لها نسل
كأن يدي في الطرس غواص لجة ... به كلمي در به قيمتي تعلو
وبعدها يذكر أباه بهمدان، واستقباله الحجيج للسؤال عن خبره والبحث عن وطنه ووطره:
يذكرني قرب العراق وديعة ... لدى الله لا يسليه مال ولا أهل
إذا ورد الحجاج وافى رفاقهم ... بفوارتي دمع هما النجل والسجل
يسائلهم كيف ابنه أين داره ... إلى ما انتهى لم لم يعد أله شغل
أضاقت به حال أطالت له يد ... أأخره نقص أقدمه فضل
يقولون وافى حضرة الملك الذي ... له الكنف المأمول والنائل الجزل
فعيل له طرف وحلت له حباً ... وخير له قصر ودر له نزل
وفاضت عليه مطرة خلفية ... بها للغوادي عن ولايتها عزل
يذكرهم بالله إلا صدقتم ... لدي أجد ما تقولون أم هزل
ندى لك من أبناء دهرك من غدا ... ولا قوله علم ولا فعله عدل
طوينا للقياك الملوك وإنما ... بمثلك عن أمثالهم مثلنا يسلو
ولما بلوناكم تلونا مديحكم ... فيا طيب ما نبلو ويا صدق ما نتلو
فيا ملكا أدنى مناقبه العلى ... وأيسر ما فيه السماحة والبذل
هو البدر إلا أنه البحر زاخر ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل
محاسن يبديها العيان كما ترى ... وإن نحن حدثنا به دفع العقل
فقولا لو سام المكارم باسمه ... ليهنك أن لم تبق مكرمة غفل
وجاراك أفراد الملوك إلى الندى ... وحقا لقد أعجزتهم ولك الخصل
سما بك من عمرو بن يعقوب محتد ... كذا الأصل مفخورا به وكذا النسل
ولصاحب الترجمة في مدح أمين باشا على منوال الحلي قصايد على حروف المعجم محبوكة الطرفين إحداها قوله:
ببارق الراح إن ضوء الصباح أبى ... علل لتنسى حبيبا غائبا وأبا
بليلة الهجر خذها تلك ليلتنا ... إذا أغابت حبيبا أطلعت شهبا
بالسيمياء لها سيما فأنشدها ... عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجبا
بدل بها قصة واستجل رائقها ... وانظر بكفك تلقى بعدها ذهبا
باشربا كسيرها ماء السحاب يعد ... كالتبر منسبكا في الكأس منسكبا
بادرت أصبغ همي فانجلى فرحا ... فظلت انشد كأس الشرب مختضبا
بنت الكروم إذا صبت على حجر ... لأثرت فيه روحا واكتسى عجبا
بالله كرر أحاديثا لنا سلفت ... على الحميا ووقتا بالهنا ذهبا
بليلة ما بدت للصب فكرتها ... من عظم حسرتها إلا بكى وكبا
بتنا تزف علينا بكر حانتها ... وبات ستر الدجى والشهب منتقبا
بشادن لو رآه الغصن معتدلا ... ما ماس منعطفاً في قرطق وقبا
بل مال في حلل الأوراق مستتراً ... بالدل مكتسياً للحسن مكتسبا
به تظل غصون الروض خاضعة ... عند الأمين لإجلال به وجبا
بدر إذا بان تلقى العجم معربة ... عن وصفه أو أبان استعجم العربا
بهالة البدر قد حالت نجوم دجى ... فروع أصل جليلي إذا انتسبا
بفتية فتنة للقلب مجلسهم ... إن شاعروا أدبا أو عاشروا نجبا
بكل منتدب للروح مستلب ... كأنهم في ظهور الخيل نبت ربا
بهمة علموا الأولاد خوض وغى ... كما تعود صبيان الورى لعبا
بالرمح يوماً ويوماً بالسهام وبال ... حراب يوما ويوما يجذب القضبا
بنى عليهم رواق العز سيدهم ... لولا أمين لقلنا خيرهم رتبا
باهت بعلياه أهل الشرق موصلنا ... وفاخرت بمباهي عزها حلبا
بحر طمى غصة بالفكر مجتلبا ... جواهراً وهي لي من بعض ما وهبا
بعيد عزم شديد الحزم رأفته ... عمت فما أحوجت أمثالنا طلبا
باق على كرم الآباء عادته ... من فضلة الكأس يسقينا إذا شربا
بيض الأيادي إذا اسودت شدائدنا ... بأحمر العين يلقاها وقد غضبا
بروض أوصافه شحرور منطقنا ... مدى الليالي على دوح الثنا خطبا
بلابل صدحت في ظله وغدت ... تمرغ الريش في قطر الندى طربا
وله أيضا من القصائد المذكورة على نمط البديعيات، وزنا وقافية وأنواعا، ومطلعها في براعة الاستهلال:
ما بين معترك الأشعار والنغم ... هذا البديع حلا تكراره بفمي
ويسمونه حسن الابتداء وهو أن يكون مطلع القصيدة واضح المعنى، صحيح السبك، خليا عن الحشو والتعقيد سهل الالفاظ، غير متعلق بما بعده.كقول المتنبي:
أتراها لكثرة العشاق ... تحسب الدمع خلقه بالاماق
ومنها الجناس المطرف:
مدارس العلم يثني حسن منطقها ... على الذي جاء يحيى دارس العلم
وهو أن يزيد أحد ركنيه بحرف في أوله مثل قول الشيخ
عبد القاهر الجرجاني:
وكم سبقت منه إلي عوارف ... ثنائي على تلك العوارف وارف
وكم غرر من بره ولطائف ... فشكري على تلك اللطائف طائف
ومنه تجاهل العارف والتضمين:
مالي أرى النظم يبدي لي جواهره ... أمن تذكر جيران بذي سلم
أما التضمين فمعلوم وأما تجاهل العارف فهو سؤال المتكلم عما يعلم ليخرج كلامه مخرج المدح أو الذم أو ليدل به على شدة المحبة، أو القصر والتغرير، منه قول بعضهم:
أيا بدر الدجى بالله قل لي ... أوجهك أم محياه رأينا
ويا غصن الأراك يميل عجبا ... أأنت أم الحبيب يميس لينا
ويا ظبي الأراك ببان سلع ... ألحظك أم لواحظه سبينا
ومنها الإبداع:
مل اليراع ولف الطرس قلت له ... فانشر شذا المدح وانشر طيب الكلم
هذا اصطلاح المتأخرين، وسماه المتقدمون التضمين ومنع المتأخرون تسميته بذلك. وهو أن يودع المتكلم ناظما أو ناثرا
نصف بيت أو بيتا أو اقل أو اكثر من كلام غيره في كلامه، بعد أن يوطئ له توطئة مناسبة ملايمة له، بحيث يظن السامع أن الكلام كله لمتكلم واحد، وإنه من نوع واحد. وأحسنه ما صرف معناه عن غرض الناظم الأول أو زاد على الأصل نكتة كالتورية والتشبيه. ومن محاسن ما جاء من ذلك قول ابن نباتة :
أتاني على البادي يأسي منشداً ... فيا لك من شعر ثقيل مطول
مكر مفر مقبل مدبر معا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل
ومنها التوشيع:
مهد لهم عذر مشتاق وصف ولهاً ... مجانب الأفخرين النوم والحلم
وهو أن يأتي الناظم في مصراع من بيته بمثنى أو معطوف أو معطوف عليه ويفسره بمعطوف ومعطوف عليه. وهو مشتق من الوشيعة، وهي الطريقة في الرد المطلق. فكأن الشاعر أهمل البيت كله إلى آخره، وأتى فيه بطريقة في آخره تعد من المحاسن. منه قول ابن الرومي :
إذا أبو قاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان البحر والمطر
وإن أضاءت لنا أنوار غرته ... تظالم النيران الشمس والقمر
من لم يبت حذرا من خوف سطوته ... لم يدر ما المزعجان الخوف والحذر
ينال بالظن ما يغني العيان به ... والشاهدان عليه العين والأثر
ومنها الجناس الملفق:
متيم ما تصدى بالسلو لهم ... نعم ولو مات صداً يوم هجرهم
ومثله للحلي من قصيدة:
كم أفضنا من دموع ودم ... على رسوم للديار ودمن
وكم قضينا للبكاء منسكا ... لما تذكرت بهن من سكن
ومنها توارد الخاطر:
من الصبابات قد أهدى رسائله ... إذا الصبا بات يسري نحو حيهم
وهذا النوع معلوم.
ومنها التكميل:
مع النسيم لمن راقت محاسنهم ... وصار شوقي لهم ناراً على علم
وهو أن يأتي المتكلم أو الشاعر بمعنى، من مدح أو غيره، من فنون الكلم، أو أغراضه ثم يرى مدحه بالاقتصار على ذلك المعنى فقط غير كامل كمن أراد مدح إنسان بالشجاعة ثم رأى الاقتصار عليها دون مدحه بالكرم مثلا غير كامل أو بالبأس دون الحلم منه قول أبي الطيب:
أشد من الرياح الهوج بطشا ... وأسرع في الندى منهم هبوبا
ومنها الاستعانة:
ما رنحت عذبات البان ريح صبا ... إلا وأهدى لقلبي طيب ذكرهم
وهذا ظاهر. ومنها اللف والنشر:
مدحي ووقتي ووصفي في محبتهم ... قد رق قد راق قد أربى على الكلم
وهو أن يذكر شينين فصاعدا فيقبض على كل واحد منهما أما تفصيلا وإما إجمالا فيأتي بلفظ واحد مشتمل على مقدار ويفوض إلى العقل رد كل واحد إلى ما يليق به هذا ملخصه فمنه قول ابن حيوس:
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه
ومنها الاستعارة:
مسك الثناء بدا يوم اللقاء ومن ... زجاجة الطبع أهدى خمرة الحكم
وهي كما قال الفخر الرازي جعل الشيء للشيء للمبالغة في
التشبيه وحسن البيان. وعبارة غيره: هي ان تريد تشبيه الشيء بالشيء، فتدع أن تفصح به وتظهره وتجيء إلى الاسم المشبه به فتعمد إلى تناسي التشبيه لتجريه عليه مع طرح ذكره لفظا وتقديرا.
مثاله: تريد أن تقول رأيت رجلا هو كالأسد في شجاعته وشدة بطشه سواء. فتدع ذلك فتقول رأيت أسداً.
فمنه قول ابن العميد:
قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز على من نفسي
قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس
ومنها الاستطراد والجناس المحرف:
مباسم قد أبانت لي سلاف هدى ... كما أبان عصير الكرم عن كرم
وهو أي الاستطراد: أن ينتقل المتكلم من غرض هو فيه إلى غرض آخر متصل به بشرط أن لا يقصد بذكر الغرض الأول التوصل إلى الثاني فإذا قصد بذلك التوصل إلى الثاني لم يكن استطراداً وأكثر ما يقع في الهجاء
وهذا النوع تنافست فيه الفحول وما كل فارس في ميدانه يجول. وهو قريب من معنى الافتتان إذ الاستطراد الانتقال من غرض إلى غرض ما والافتتان الجمع بين غرضين من الأغراض الشعرية حماسة وغزل وتشبيب أو ما أشبه ذلك
والفرق بين الاستطراد والتخلص: هو أن الاستطراد مشروط فيه
الرجوع إلى الغرض الأول بعد الغرض المنتقل إليه. والتخلص بخلاف ذلك فانه مشروط بعدم العود إلى الغرض الأول أو شرط الاستمرار إلى الغرض المنتقل إليه.
ومن شواهد الاستطراد قول الفرزدق:
علام تلفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي
متى تردى الرصافة تستريحي ... من الانساع والدبر الدوامي
استطرد ورجع إلى ما كان فيه من مخاطبة الناقة.
والجناس المحرف هو أن يتفق ركنا التجنيس بالحروف دون الحركات نحو قوله تعالى والجار الجُنب والصاحب بالجَنب ومنه قول سيدي الشيخ عمر بن الفارض:
هلا نَهاك نُهاك عن لوم امرئ ... لم يلف غير منعم بشقاء
ومنها إرسال المثل:
مطامعي فيهم أرسلتها مثلا ... والمفلسون التمني رأس مالهم
وهو أن يأتي الشاعر في بعض بيت بما يجري مجرى المثل من حكمة أو نعت أو غير ذلك مما يحسن التمثيل به، ومنه قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ربية ... وليس وراء الله للمرء مذهب
ومنها الجناس المعنوي:
ما كان رأي أبي المأمون إذ حكموا ... إلا وكنت برأيي ابن معتصم
وهو صنفان تجنيس إشارة، وتجنيس إضمار. فتجنيس الإشارة هو أن يقصد الشاعر المجاراة في بيته بين الركنين من الجناس، فلا يطيعه الوزن على إيرادهما، فيضم واحدا منهما، ويعدل بقوله إلى مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر. فإن لم يتفق له مرادف اللفظ أتى بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه. وهذا خاص بالشعر، ولا مدخل له في النثر لسعته وضيق الشعر.
فمما حصلت فيه الدلالة بالمرادف على المضمر، قول امرأة من عقيل، وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان، وتوجه منهم جماعة يحضرون الإبل وهو قولها:
فما مكثنا دام الجمال عليكما ... بثهلان إلا أن تشد الأباعر
أرادت أن تجانس بين الجمال والجمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية فعمدت إلى مرادف الجمال الاباعر كما رايته.
ومنها مراعاة النظير:
من خالد الشوق كم يحيى الغرام ولا ... أرى فؤادي مسروراً بقربهم
وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بالشيء وما يناسبه لا على وجه التضاد، كقوله تعالى الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان حصلت الملاءمة بين الشمس والقمر والنجم والنبت.
ومنه قول ابن رشيق :
أصح وأقوى ما روينا في الندى ... من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا ... عن البحر عن جود الأمير تميم
ومنها حسن التخلص:
مالي أرى مخلصا من حبهم أبداً ... إلا بمدحي أمينا زاكي الشيم
وهو أن يكون التشبب أو التشبيب ممتزجا بما بعده من مدح أو هجاء أو اعتذار أو غرض من الأغراض، وهو من أقوى الدلالات على حسن تصرف الشاعر وكمال اقتداره وجودة فكره. وهو قليل في أشعار المتقدمين، كثير في أشعار المتأخرين.
وحقيقة الخلوص من كلام إلى كلام بلطيفة تلائم ما بين الكلامين، حتى يكون آخر الكلام الأول وأول الكلام الثاني كأنما افرغا في قالب واحد. وكلما تكرر كان دالا على قوة الناظم وقدرته على التصرف، وأحسنه ما كان بلفظه. وشاهده من كلام المتقدمين قول الأعشى يخاطب ناقته:
لا تشكي إلي وانتجعي الأس ... ود أهل الندى وأهل المعالي
ومن التخلصات المختارة للمتأخرين، قول أبي تمام :
يقول في قومس صحبي وقد أخذت ... منا السرى وخطى المهدية القود
أمطلع الشمس تبغي إذ تؤم بنا ... فقلت كلا ولكن مطلع الجود
ومنها التكرار أيضا:
مدحي أكرره في الوافر الكرم ابن ال ... وافر الكرم ابن الوافر الكرم
وهو عبارة عن إعادة اللفظ الواحد لتقرير المعني المقصود وتأكيده من مدح وذم، أو استبعاد أو وعيد أو تهويل. فمما جاء منه في المدح قوله تعالى: والسابقون السابقون أولئك المقربون ومن التهويل قوله تعالى: الحاقة، ما الحاقة، وما أدراك ما الحاقة والاستبعاد: قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون ومنه شعرا قول أبي تمام:
بالصريح الصريح والأروع الأر ... وع وباللباب اللباب
ومنها الترديد:
مولى جليل يرى الله الجليل له ... عبد الجليل أباً باهى الورى بهم
وهو أن يعلق المتكلم لفظة بمعنى ثم يرددها بعينها وبعلتها بمعنى آخر وتارة يكون التردد في الصدر وتارة في العجز، وتارة فيهما.
من الترديد في الصدر قول بعضهم:
هويتني وهويت الغانيات إلى ... أن شئت فانصرفت عنهن آمالي
وفي ترديد العجز قول أبي نواس:
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء
ومنها ما لا يستحيل بالانعكاس:
مدع أخا عدم إذ فيضه ذهب ... بهذه ضيف ذا مدع أخا عدم
وهو ضربان مقلوب كل ومقلوب بعض، فمقلوب البعض كثير. ومقلوب الكل قول الارجاني :
مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم
ومنها رد العجز على الصدر:
من كل مغتنم للمدح مكتسب ... للمدح مكتسب من كل مغتنم
وهو أن يأتي المتكلم في أول كلامه نظما أو نثرا بكلمة ثم يعيدها في آخره بلفظها أو معناها أو ما تصرف منها. وهو في النظم أربعة أنواع:
الأول: أن يقعا طرفين متفقين صورة ومعنى كقول الشاعر:
سريع إلى ابن العم يشتم عرضه ... وليس إلى داعي الندى بسريع
أو متفقين صورة لا معنى كقول السري:
يسار من سجيتها المنايا ... ويمنى من سجيتها اليسار
أو متفقين في متشابه الاشتقاق لا في الصورة والمعنى كقول الحريري :
ولاح يلحى على جري العنان إلى ... ملهى فسحقاً له من لائح ملحي
فإن الاتفاق بين الصدر والعجز من حيث الاشتقاق لا من حيث الصورة والمعنى، إذ الصدر من ذوات الثلاثة والعجز من ذوات الأربعة:
الثاني: أن يقع في حشو المصراع الأول وعجز الثاني في متفقين صورة ومعنى منه قول أبي تمام:
ولم يحفظ مضاع المجد شيء ... من الأشياء كالمال المضاع
أو متفقين صورة لا معنى كقول الزمخشري :
وأخرني دهري وقدم معشرا ... لأنهم لا يعلمون وأعلم
ومذ أفلح الجهال أعلم أنني ... أن الميم والأيام أفلح واعلم
أو متفقين معنى لا صورة كقول أبي تمام:
دمن ألم بها فقال سلام ... كم حل عقدة صبره الآلام
أو مختلفين معنى وصورة متفقين في الاشتقاق كقول ابى فراس:
منحناها الحرائب غير أنا ... إذا جارت منحناها الحرابا
الثالث: أن يقع في عجز المصراع الأول وعجز الثاني في متفقين صوة ومعنى كقول أبي تمام:
ومن كان بالبيض الكواعب مغرما ... فما زلت بالبيض القواضب مغرما
أو صورة لا معنى كقول الحريري :
فمشفوق بآيات المثاني ... ومفتون بربات المثاني
أو معنى لا صورة كقول البحتري:
وفعلك إن سئلت لنا فطبع ... وقولك إن سالت لنا مطلع
أو مختلفين صورة ومعنى متفقين في الاشتقاق كقول الحريري:
ومضطلع بتلخص المعاني ... ومطلع إلى تخليص عاني
الرابع: ان يتعافا اول المصراع وعجزه متفقين صورة ومعنى كقول
فالا يكن إلا تعلل ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها
أو صورة لا معنى كقول أبي ذرارة:
عهدت لنا منزلا داثرا ... وإلا على الماء تحملنا
أو معنى لا صورة كقول أبي تمام:
وقد كانت البيض البواتر في الوغى ... بواتر فهي الآن من بعده بتر
وليس من هذا الباب ما جاء منه في غير العجز كقول بعضهم:
ونبأتهم يستنصرون بكاهل ... وللوم فيهم كاهل وسنام
ومنها المراجعة والاستدراك والتفريق:
مدله قبل ذاك البحر قلت نعم ... لكن به نرتوي من سائغ شبم
المراجعة هي أن يحكى المتكلم مراجعة في القول، ومحاورة في الحديث بينه وبين غيره، بأوجز عبارة، وأرشق سبك، والطف معنى، واسهل لفظ، في بيت واحد أو أكثر. كقول عمر بن أبي ربيعة:
بينما ينعتنني أبصرنني ... مثل قد الرمح يعدو بي الأغر
قالت الكبرى ترى من ذا الفتى ... قالت الوسطى لها هذا عمر
قالت الصغرى وقد سميتها ... قد عرفناه وهل يخفى القمر
ومن جيد أمثلة هذا الباب قول أبي نواس:
قال لي يوما سليما ... ن وبعض القول أشنع
قال صفني وعليا ... أينا اتقى وأورع
قلت أني أن أقل ما ... فيكما بالحق أجزع
قال كلا قلت مهلا ... قال قل لي قلت فاسمع
قال صفه قلت يعطي ... قال صفني قلت تمنع
والاستدراك معلوم وظاهر، وأما التفريق فهو أن يفرق المتكلم بين نوع أو أنواع مما يحصل به التباين. أو يفيد زيادة فيما هو بصدده من مدح أو ذم أو غير ذلك.
فمما جاء من الأول قول الشاعر:
ما نوال الغمام يوم ربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء
فنوال الأمير بدرة تبر ... ونوال الغمام قطرة ماء
ومما جاء منه في غير المدح قول بعضهم وقد مر:
قاسوك بالغصن في التثني ... قياس جهل بلا انتصاف
هذاك غصن الخلاف يدعى ... وأنت غصن بلا خلاف
ومنها الاستثناء والقول بالموجب:
محامد من علاه قط ما نسخت ... إلا بخطية في صدر كل كمي
أما الاستثناء فمعلوم. وأما القول بالموجب فهو ضربان:
أحدهما: أن يجد المتكلم صفة لآخر كنى لها بكناية يعني بها نفسه أو غيره فيثبت المتكلم تلك الصفة لغير من أراده الآخر من غير تعرض لإثباتها لمن أراد الآخر ولا نفيها عنه كقوله تعالى:
يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ولله العزة ولرسوله فإنهم كنوا بالأعز عن فريقهم وبالأذل عن فريق المؤمنين فاثبت الله صفة العزة لله ولرسوله وللمؤمنين من غير تعرض لإثبات العزة للقائلين ولا لنفيها عنهم
الثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما
يحتمله اللفظ بذكر متعلقه فيعمد إلى كلمة من مفردات كلمات المخاطب ويبني عليها في كلامه ما يوجب عكس مراد المتكلم وبذلك عين القول بالموجب. لأن حقيقة رد الخصم كلام خصمه من فحوى لفظه.
كقول ابن الاويدة المغربي من جملة أبيات يخاطب بها رجلا أودع بعض القضاة مالا فادعى القاضي ضياعه:
إن قال قد ضاعت فيصدق إنها ... ضاعت ولكن منك يعني لو تعي
أو قال قد وقعت فيصدق إنها ... وقعت ولكن منه أحسن موقع
ومنها ائتلاف المعنى مع المعنى:
مالت على خيلها الأبطال قد سكرت ... من بأسه بصليل السيف في نغم
وهو نوعان: أحدهما أن يشتمل الكلام على معنى معه أمران أحدهما ملائم والآخر مخالف فيقرئه بالملائم دون المخالف. كقول المتنبي:
فالعرب منه مع الكدري طائرة ... والروم طائرة منه مع الحجل
قرن العرب بمناسبهم وهو الكدري لمناسبته لهم بنزوله في السهل ونفوره عن العمران وأنسه بالمهامة والقفار فلا يأتي العمران
الاضطرار، لظمأ شديد بسبب فقد الماء في القفار، والعرب كذلك. وقرن الروم بالحجل لأنها تسكن الجبال والمواضع الكثيرة الأشجار والروم كذلك. فالمعنى هنا وصفه بالشجاعة وقوة البأس والأمران هما الكدري والحجل وكل منهما مخالف للآخر في الاستيطان كما تقدم فلو قرن بالحجل العرب لقرن بالمخالف ولو قرن الروم بالكدري لكان كذلك. فمعدل عن ذلك وقرن كل واحد بملائمة ليأتلف المعنى بالمعنى
ثانيهما: أن يشتمل الكلام على معنيين ملائمين له فيقرن بهما ماله مزية على غيره لتحصل الألفة بين المعنيين كقول المتنبي:
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
فكل من عجز البيتين ملائم لكل من صدريهما. غير أنه اختار هذا الترتيب لأمرين:
أحدهما: أن نسبته إلى الوقوف والبقاء في موضع يقطع للواقف فيه بالهلاك انسب من نسبته للثبات في حال هزيمة الأبطال.
فقوله في عجزه، كأنك في جفن الردى وهو نائم. أشد ملائمة من اقترانه بقوله: ووجهك وضاح وثغرك باسم. وإن كان في هذا وصفه بالثبات وعدم الجزع في مواطن الهلاك. والثاني: إن في تأخيره قوله ووجهك وضاح وثغرك باسم، مبالغة في وصف الممدوح بشدة ثباته، وملازمته لذلك، وعدم جزعه بابتسام الثغر ووضاحة الوجه حتى تمر الأبطال بين يديه جرحى منهزمين. وتلك
نعوت بالتقديم.
ومنها التلميح والتمكين:
مولاي كم لأبيكم من يد عظمت ... على الحديباء صانتها من العجم
هذه الأنواع ظاهرة ما تحتاج إلى التعريف والبيان. السلب والإيجاب أيضا:
معاهد لا يفي بالشكر ساكنها ... نعم وفى بدعاء الخير في الظلم
وهو أن يبني المتكلم كلامه على نفي شيء من جمعه وإثباته من جهة أخرى. أو لأمر شيء من جهة، والنهي عنه من جهة أخرى.
سواء كان كل من النهي أو النفي متقدما على المنهي أو المنفي عنه.
أو متأخرا. منه قول الشماخ :
هضيم الحشى لا يملأ الكف خصرها ... ويملأ منها كل حجل ودملج
محيتم عن عباد الله كل شقا ... شقا يحكم فيه السيف بالقمم
وهو أن يجعل الناظم أو الناثر قافية بيته الأول أول بيته التاني ليحصل التشابه من الطرفين أو يفعل الناثر كذلك في فقرات كلامه. منه قول ليلى الاخيلية، تمدح الحجاج:
إذا نزل الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها ... همام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجالها ... دماء رجال يحلبون طراها
والتعطف: هو أن يأتي المتكلم بكلمة يقطعها بمعنى في أحد
مصارعي البيت من نظمه، ثم يعيدها أو ما تصرف منها في المصراع الثاني. وهذا هو الفارق بينه وبين الترديد. فان الترديد لا بد فيه من إعادة اللفظ بعينه مردوداً، ولم يشترط ذلك هنا. وإنما سمي هذا النوع تعطفا لأن كلا من مصراعي البيت منعطف على الآخر باللفظة الموجودة في كل منهما.
فمما جاء من ذلك قول المتنبي:
فساق إلي العرف غير مكدر ... وسقت إليه المدح غير مذمم
ومنها السميط:
مواطر مطرت بالفضل قد قطرت ... الدهر قد سطرت منها الفخار سمى
وهو جعل البيت على أربع سجعات، ثلاث منها متجددة والرابعة موافقة للقافية. منه قول الحريري:
لزمت السفار وجبت القفار ... وعفت النفار لاجنى الفرج
ومنها الاستخدام:
معادن الجود في يوم العطاء وكم ... ملوه للضيف إذ حر الهجير حمى
هو أن يأتي المتكلم بلفظ مشترك بين معنيين أو معان فيستعمل ظاهر اللفظ في أحد معنييه أو معانيه ويعيد عليه ضميرا واكثر بغير ذلك المعنى الذي استعمل الظاهر فيه. وهذا هو الفارق بينه وبين التورية. فان المشترك إذا لزم استعماله في مفهومية معا فهو الاستخدام. وإذا لزم أحد مفهومية في الظاهر، ولمح الآخر في الباطن فهو التورية، كما صرح به الصلاح الصفدي في فض
الختام (1). ومن ذلك قول ابن نباته:
حويت ريقاً نباتياً حلا فغدا ... ينظم الدر عقداً في ثناياك
فإن لفظ نباتي مشترك في السكر وابن نباتة الشاعر، وقد وقع متوسطا بين الريق وحلاوته وبين النظم والدر والعقد، فأخذ أحد مفهومه وهو السكر بلفظ الريق والحلاوة واستخدم المفهوم الثاني بالقرينة في النظم والدر والعقد.
ومنها التورية:
منهم لنا حكم نرضى به أبداً ... إذا غدت تلعب الأنذال بالحكم
وهو أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان: أحدهما قريب والأخر بعيد، ويوري عندها بمعنى القريب فيتوهم السامع إرادة المعنى القريب. كقول علي رضي الله عنه في الأشعث بن قيس:
وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمين. لأن قيسا كان يحوك الشمال التي واحدتها شملة، وأراد سيدنا علي رضي الله عنه انه كان يحوك الشمال وروى عنه ذلك بما أوهم إنها مقابل اليمين بذكر عقبها.
وقول عمرو بن كلثوم في معلقته وقيل أنه أول من كشف غطاء هذا النوع، وهو:
مشعشعة كان الخمر فيها ... إذا ما الماء خالطها سخينا
كانت العرب تسخن الماء في الشتاء لشدة برده، ثم يمزجونه بالخمرة. والتورية في قوله سخينا، لأن الظاهر في قوله انه صفة لموصوف محذوف تقديره اصطبحنا شرابا سخينا، والمراد المعنى
البعيد منه وهو سخينا أي جدنا.
ومنها الالتفات:
مداحهم مذ ذوت أفكارها مللا ... مددتها يا أبا سلمان بالديم
وهو انصراف المتكلم عن الأخبار بالمخاطبة أو عكسه. وشاهده من القرآن العظيم قوله تعالى، بعد قوله الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين. ومنه قول جرير شعراً:
متى كان الخيام بذي طلوع ... سقيت الغيث أيتها الخيام
ومنها التاريخ:
مذ طاب فيك بديعي أرخوه زكا ... أمين قد تم مدحي رايق الكلم
في سنة 1168 هـ.
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الاول-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص430
"تم اضافة النبذة من كتاب الروض النضر ولم تكن موجودة سابقا وهناك اختلاف في سنة الوفاة ففي اعلاه تم تسجيل سنة الوفاة 1176 وقد سجل في كتاب الروض النضر سنة الوفاة 1186 ايهما ادق "