الوزير محمد باشا ابن مصطفى بن فارس
تاريخ الولادة | 1143 هـ |
تاريخ الوفاة | 1197 هـ |
العمر | 54 سنة |
مكان الولادة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
الترجمة
الوزير محمد باشاابن مصطفى بن فارس بن إبراهيم وجده لأمه الوزير الشهير إسمعيل باشا الدمشقي الشهير بابن العظم الوزير الكبير صاحب الرأي السديد والحزم والتدبير كريم الشيم والأصول ومن جمع من أنواع المزايا وشرائف السجايا وبدائع الكمالات ما لا تحيط به العقول
ذا وزير لم يأل في النصح جهداً ... ظل يسعى بكل أمر حميد
ومتى عدّ آل عثمان جمعاً ... يالعمري فذاك بيت القصيد
كان من رؤساء الوزراء عفة وكمالاً وعدلاً وديناً وسخاءً ومروءة وشجاعة وفراسة وتدبيراً وكان واسع الرأي مهاباً بحيث إنه يتفق فصل الخصومة بين الشخصين بمجرد وقوفهما بين يديه ونظره لهما ينقاد المبطل منهما للحق وهذه المزية قد استأثر بها وكان يحب العلماء والصلحاء والفقراء ويميل إليهم الميل الكلي ويكرمهم الاكرام التام باليد واللسان ذا شهامة وافرة وشجاعة متكاثرة وحرمة واحتشام وكمال مشهور في الأنام طاهراً من كل ما يشين مشغول الأوقات أما بفصل الخصومات بين المسلمين أو بتلاوة كتاب الله المبين أو بالصلاة على سيد المرسلين أو اصطناع يد أو اسداء معروف إلى أحد من المساكين لم تسمع عنه زلة ولم تعهد له صبوه ولم يوقف له على كبوة ولا هفوه ميمون الحركات والسكنات مسعوداً في سائر الأطوار والحالات بحيث إنه لم يتفق له توجه إلى شيء إلا ويتمه الله له على مراده ولم يتعاص عليه أحد إلا ويكون هلاكه على يديه ولد بدمشق في عاشر شوال سنةثلاث وأربعين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ وحصل وبرع وتنبل ثم ذهب إلى حلب سنة ثلاث وستين ومائة وألف مع خاله الوزير الشهير سعد الدين باشا لما وليها ودخل معه طرابلس مرات ثم استقام بدمشق وعكف على تحصيل الكمالات إلى أن بلغ السلطان مصطفى ابن السلطان أحمد خلد الله ظلال دولتهم في الأنام وفاة الوزير سعد الدين باشا فنظر إلى المترجم بأنظار اللطف وأنعم عليه برتبة أمير الأمراء بروم ايلي مع عقارات خاله الوزير أسعد باشا الشهير فترقى بذلك أوج السعادة وبعد برهة من الزمان أنعم عليه برتبة الوزارة فأتت إليه منقادة مع الانعام بمنصب صيدا وذلك سنة ست وسبعين ومائة وألف وأرخ له ذلك العالم الأديب الشريف صالح بن عبد الشافي الغزاوي نزيل دمشق بقصيدة طويلة تاريخها قوله شباك العلا صادت لمجدكم صيداً فنهض من دمشق إليها وسار السيرة الحسنة بين أهليها ثم انفصل عنها وولي حلب فدخلها رابع عشري شعبان سنة سبع وسبعين ومائة وألف وكانت حلب مجدبة ولم يصبها المطر فحصل بيمن قدومه كثرة أمطار ورخاء أسعار ونمو زروع وعامل أهلها بالشفقة والاكرام ورفع عنهم من البدع ما كان ثلماً في الاسلام فأثلج بذلك الصدور وأحيا معالم السرور منها إزالة منكر كان قد حدث بها سنة احدى وسبعين ومائة وألف وذلك أنه جرت العادة في بعض محلاتها أن تفتح حانات القهوة ليلاً وتجتمع بها الأوباش إلى أن زاد البلاء وفجرت النساء مع ما ينضم إلى ذلك من شرب الخمور وفعل المنكرات وأنواع الفساد فحانت التفاتة من صاحب الترجمة في بعض الليالي من السطح إلى ذلك فقصده مختفياً وأزاله وفي ثاني يوم أمر بإزالة هذا المنكر ونبه على أن لا تفتح الحانات ليلاً أبداً فطوي بسبب ذلك بساط الفجور وانجلى من ظلمة المعاصي الديجور ومن جملة ما رفعه من المظالم بحلب حين توليه لها بدعة الدومان عن حرفة الجزارين التي أوغرت صدور المسلمين وكان حدوثه بها سنة احدى وستين بعد المائة والألف والدومان اسم لمال يجتمع من ظلامات متنوعة يستدان من بعض الناس باضعاف مضاعفة من الربا ويصرفه متغلبو هذه الحرفة في مقاصدهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة وطريقتهم في وفائه أن يباع اللحم بأوفى الأثمان للناس من فقراء وأغنياء وتؤخذ الجلود والأكارع والرؤس والكبد والطحال بأبخس ثمن من فقراء الجزارين جبراً وقهراً كل ذلك يصدر من أشقياء الجزارين ومتغلبيهم إلى أن هجر أكل اللحم الأغنياء فضلاً عن الفقراء وأعضل الداء واتفق إنه في سنة ست وسبعين كان قاضياً بحلب المولى أحمد أفندي الكريدي فسعى في رفع هذه البدعة فلم تساعده الأقدار فباشر بنفسه محاسبة أهل هذه الحرفة الخبيثة ورفعها وكتب عليهم صكوكاً ووثائق وسجلها في قلعة حلب فلما عزل عاد كل شيء لما كان عليه فلما كان أواخر محرم سنة ثمان وسبعين قبض صاحب الترجمةعلى رئيسهم كاورحجي وقتله وأبطل تلك البدعة السيئة وصار لأهل حلب بذلك كمال الرفق والاحسان وامتدحه ادباؤها بالقصائد البديعة فمن ذلك ما قاله الشهاب أحمد الشهير بالوراق
أعرف البان أم نفح الورود ... أطيب المسك أم أنفاس عود
أروض مر سجساج عليه ... فنم بسره غب الورود
أم الأزهار أيقظها نسيم ... فضاعت بالشذا بعد الرقود
وقامت ترقص الأزهار زهواً ... بأدواح السرور لدى السعود
وباكرها السحاب بنقط در ... يفوق بحسنه نثر العقود
وغنتنا العنادل كل لحن ... باعراب ولا عبد الحميد
ووافى الأنس من كل النواحي ... فخلنا الدهر قد وافى بعيد
وحيانا المنى من حيث قرّت ... عيون قد عفت طيب الهجود
كأن الله جل علاه حيا ... عواصمنا بكل سنا حميد
وألبسها الفخار ثياب عز ... تتيه به على شرف النجود
كأن ظلامها صبح منير ... بروض وارف خضل نضيد
كأن الشمس تحكي بابتهاج ... كمالاً وجه واليها السعيد
محمد الوزير الشهم طالت ... أياد منه بالفضل المديد
وزير لم يزل أسداً هصوراً ... على الأعداء يقمع للعتيد
رقى رتب الكمال من المعالي ... وحاز السبق بالرأي السديد
له في قلب من ناواه خوف ... يشيب لهوله رأس الوليد
ومن والاه في دعة وأمن ... يزيل عنا القطيعة والصدود
له همم كبار لا تباري ... وأخلاق زكت وحجار شيد
وآرء حسان نمّ عنها ... جميل الفعل في الزمن الكنود
مقل راية المعروف حامي ... ذمار الفضل والفخر المجيد
فإني مثله في كل أرض ... يحاكي مجد سؤدده الرغيد
سرت بثنائه العالي حداة ... بوصف راق في زمن المهود
حوى القدح المعلى غير ثان ... عنان المجد عن كرم الجدود
فمن كانت خولته اسوداً ... رأيت بذاته شيم الأسود
ومن وفى المعالي مهر مثل ... له دانت على رغم الحسود
ومن يذكو أريج الخيم منه ... زكا فعلاً ووفى بالعهود
ومن يبغ المكارم لا يبالي ... بما يوليه من كرم وجود
ومن هانت عليه النفس نالت ... يداه ما يروم من الوجود
ومن يطع الآله ينل مراماً ... ويحرز ما يسرّ من المجيد
ومن يرد اكتساب الحمد تنأى ... مطامعه عن الأمل البعيد
ومن يول الجميل لكل عاف ... ينل حمداً مع المدح المزيد
فذا الدستور أضحى كل خير ... يلوح بوجهه الضاحي السعيد
أتى الشهبا فشرّفها قدوماً ... فأبهج ما على وجه الصعيد
وأحيا رسمها العافي فصارت ... رحابتها بكل هنا جديد
وبشر أهلها بزوال بؤس ... وأكدار بابقاء السعود
وأهلك للبغاة بكل عضب ... صقيل مذهب نفس العنيد
وأهدى الأمن للطرقات حتى ... أنام قطاتها بعد الهجود
وغلق في الدجى أبواب سوء ... هي القهوات مآوى للوغود
وأرهب كل باغية فولت ... على خوف بها بثياب سود
وأذهب بدعة الدومان تسمى ... بخسر مؤلم كبد المريد
فكم ذبح الفقير بغير جرم ... بسكين المظالم والحقود
فيا حصن الأنام بقيت دهراً ... معافى بالطريف مع التليد
لترقى بالكمال إلى محل ... إلى العلياء راق مستزيد
وتحيا في رضا يولي سروراً ... جديداً دائماً مرّ الجديد
وتعلو فوق هامة كل ضدّ ... سنابك خيل عسكرك الشديد
وتبقى أعين الرحمن تولي ... علاك الحفظ من خطب مبيد
فخذها يا أبا الأشبال بكراً ... أبت إلا حماك لدى الوفود
على عجل مشت تبغي قبولاً ... من السمع الكريم لدى النشيد
فألثمها يديك وجرّ ذيلاً ... على هفوات ذي عجز عميد
ودم في ذروة المجد المعلى ... كبدر التم في شرف الصعود
وتبعه الأديب الجمال عبد الله اليوسفي الشهير بالبني وعقد قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله بقوله
داعي الهنا قال لنا تبيانا ... أمراً ونهياً اتقوا اعلانا
حيث رسول الحق قد بشرنا ... فيمن حبى فراسة عيانا
يحظى بنور الله في أحكامه ... بقلبه المؤمن حيث كانا
فتنجلي عليه أسرار غدت ... ناطقة فإنه أحيانا
محمد أفضل عادل يرى ... بالضعفاء ينظر استحسانا
فإنهم غب الصلاة يسألو ... ن من بنور الحق قد هدانا
يبقى دواماً والسلام لم يزل ... له من الله لما أولانا
لأنه خير وزير أرّخوا ... خلوصه قد أهدر الدومانا
1178 731 314 1 - 33 ثم أن المترجم المزبور ضوعفت له الأحور عزل من حلب في منتصف شوال سنة ثمان وسبعين وولي إيالة الرهاء المعروفة بارفة فاستقام بحلب إلى ورود المنشور بذلك سابع عشر ذي القعدة من السنة المرقومة فنهض إليها ودخلها سلخ ذي القعدة المرقوم ولم تطل إقامته بها فعزل عنها وولي إيالة آدنة فنهض منها واجتاز بحلب ودخلها في المحرم سنة تسع وسبعين ونزل بتكية الشيخ أبي بكر وتوجه إلى آدنة فقبل وصوله إليها ولي إيالة صيدا فكر راجعاً إلى صيدا ودخلها في أوائل صفر من السنة المرقومة ثم عزل عنها وأعطى قونية ثم ولي الشام وإمارة الحاج الشريف بعد الوزير عثمان باشا فدخلها في شهر رجب سنة خمس وثمانين ومائة وألف وصار لأهلها به كمال الفرح والسرور وسلك سبل العدل وتردى برداء الانصاف ثم عزل عنها في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأعطى قونية ثم أعيد إلى ولاية دمشق وإمارة الحاج في سنة سبع وثمانين وأقبل على أهلها بكمال الاكرام ووفور الاعتناء التام وكانت أيامه بها مواسم أفراح واستمر واليها إلى وفاته كما سيأتي وراج في أيامه سوق الشعر وأغلى منه القيمة بين الأدباء والسعر فمدحه الشعراء بالقصائد الطنانة وكانت أيامه مواسم إقبال وأهلك الله على يديه جملة من الخوارج منهم علي بن عمر الظاهر الزيداني قتله في رمضان سنة تسع وثمانين وصالح العدوان من بغاة المشايخ ومرعى المقداني الشعي وغيرهم من البغاة وقطاع الطريق وراقت دمشق وما والاها في أيامه وصفا لأهلها العيش ونامت الفتن وسلم الناس من الاحن وبنى بدمشق آثاراً حسنة صار بها ارتفاق للمسلمين منها السوق الذي بناه بقرب داره تجاه القلعة الدمشقية عند المدرسة الأحمدية وكان الشروع في عمارته في أوائل جمادي الأولى سنة خمس وتسعين وبنى فيه لصيق البوابة الموصلة إلى داره العامرة سبيلاً لطيفاً محكماً وأجرى إليه الماء من نهر القنوات وعمل للضريح اليحيوي في الجامع الأموي كسوة من الديباج المقصب عظيمة وكذلك أمر بأن يصنع لضريح الاستاذ الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس الله سره تابوتاً من النحاس الأصفر ويوضع على قبره وعمر غالب ضرائح الأنبياء والأولياء والصحابة بدمشق وما والاها من البلاد وبنى في طريق الحاج الشريف قلعة البئر الزمرذ واصطنع فيه آثاراً جميلة وعمرت في أيامه دار خزينة السراي بدمشق وتم بناؤها في أواخر محرم سنةست وتسعين وعمل لذلك تاريخاً الشيخ نجيب بن محمد العطار الدمشقي فقال
قد شاد ليث العرم دار سعادة ... فأضاء فيها عدله المتأبد
وأقام لألاء السرور مبشرا ... ببقائه فيها بنصر يحمد
والسعد أرخ حكم دار سعادة ... أبداً يوطده الوزير محمد 1196
وبنى الجهة القبلية في السراي المرقومة جميعها على أكمل بناء وأحكمه وهذا البناء كان قبل ذلك في شعبان سنة تسعين ومائة وألف بمباشرة جعفر أغا أمين الجاويشية وبنى محكمة الباب وجددها بعد أن تهدم غالبها وصرف على ذلك نحو ثلاثة عشر ألف قرش وكان القاضي العام بدمشق إذ ذاك المولى السيد محمد طاهر محمود أفندي زاده فنقله المترجم منها إلى دار بني الترجمان قرب القلعة الدمشقية وهناك صار مجلس القضاء إلى أن تم بناء المحكة فأرجعه إليها وكان رحمه الله تعالى له مبرات كلية وصدقات جلية وخفية خصوصاً لمن أدركهم الفقر من ذوي البيوت وأهل العلم بدمشق فكان يتفقد أحوالهم ويبرهم ويكرم نزلهم وله عطايا جزيلة كل سنة للعلماء وأهل الصلاح والدين وإغاثة كلية للضعفاء والمساكين طاهر الذيل واللسان واليد من كل ما يشين ومدح من أدباء دمشق بالقصائد العديدة التي لو دونت لبلغت مجلدات وكان يجيزهم على ذلك الجوائز السنية وكانت أوقاته مصروفة في أنواع القربات من تلاوة قرآن واشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أو رفع ظلامة عن مظلوم أو تنفيس كربة عن مكروب وبالجملة فهو أحسن من أدكناه من ولاة دمشق وأكملهم رأياً وتدبيراً ولم يزل على أحسن حال وأكمل سيرة حتى توفي بدمشق وهو والي عليها وكانت وفاته قبيل طلوع شمس يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين ومائة وألف وتمرض أياماً قلائل واجتمعت الأعيان والرؤساء بداره التي ابتناها لصيق المدرسة القجماسية جوار سوقه المقدم ذكره فغسل بها وخرجوا بجنازته على السوق الجديد حتى وصلوا به إلى الجامع الأموي فوضعت تجاه ضريح سيدنا يحيى وتقدم للصلاة عليه المولى أسعد أفندي الصديقي المفتي ثم حمل بمجمع عظيم لم يتخلف عنه أحد من أهل دمشق من الرجال والنساء وخرجوا بالجنازة على سوق جقمق ودفن بتربة الباب الصغير شمالي ضريح سيدنا بلال الصحابي الجليل وعمل على قبره تجعير لطيف وكثر الأسف عليه وجرت لذلك العبره رحمه الله تعالى وجعل في الفراديس العلية مقره
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل