أرغون الصغير الكاملي سيف الدين

تاريخ الولادة729 هـ
تاريخ الوفاة758 هـ
العمر29 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةالقدس - فلسطين
أماكن الإقامة
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا
  • قنسرين - سوريا
  • القدس - فلسطين
  • الإسكندرية - مصر
  • مصر - مصر

نبذة

أرغون الصَّغِير الكاملي نَائِب حلب كَانَ أحد مماليك الصَّالح إِسْمَاعِيل رباه وَهُوَ صَغِير السن حَتَّى صيّره أَمِير طبلخاناة أول مَا عرف من أمره وتنويه قدره وزوّجه أُخْته لأمه وَهِي بنت أرغون العلائي وَكَانَ جميلاً جدا قَالَ الصَّفَدِي حضر إِلَى بدر الدّين جنكلي لما تزوج فَأمره بِالْجُلُوسِ وَإِعْطَاء قبَاء مطرزاً.

الترجمة

أرغون الصَّغِير الكاملي نَائِب حلب كَانَ أحد مماليك الصَّالح إِسْمَاعِيل رباه وَهُوَ صَغِير السن حَتَّى صيّره أَمِير طبلخاناة أول مَا عرف من أمره وتنويه قدره وزوّجه أُخْته لأمه وَهِي بنت أرغون العلائي وَكَانَ جميلاً جدا قَالَ الصَّفَدِي حضر إِلَى بدر الدّين جنكلي لما تزوج فَأمره بِالْجُلُوسِ وَإِعْطَاء قبَاء مطرزاً فَلَمَّا خرج قَالَ لي رَأَيْت مَا أحسن وَجه هَذَا وعيونه فَقلت نعم - أَو نعم مَا رَأَيْت قَالَ وَلم يكن جنكلى مِمَّن يمِيل إِلَى المردان فَلَمَّا ولى الْكَامِل حظي عِنْده وَقدمه وَأمره مائَة وَكَانَ يدعى أرغون الصَّغِير فَصَارَ يدعى أرغون الكاملي ثمَّ ولاه النَّاصِر حسن نِيَابَة حلب فباشرها مُبَاشرَة حَسَنَة وَمَشى حَالهَا بسياسة ومهابة فخافه التركمان وَالْعرب وَكَانَ أرجف بعزله ففر إِلَى مصر فَتَلقاهُ طشبغا الدوادار وخيّره بَين دُخُول مصر أَو نِيَابَة حلب على حَاله فَاخْتَارَ الدُّخُول إِلَى السُّلْطَان فَخلع عَلَيْهِ وَأَعَادَهُ فَتَلقاهُ أَهلهَا بالشموع إِلَى قنسرين ثمَّ ولّي نِيَابَة دمشق فِي أول دولة الصَّالح الصَّالِحَة وَذَلِكَ فِي شعْبَان سنة 752 فَلَمَّا خرج بيغاروس لم يُوَافقهُ وَقَامَ فِي نصْرَة صَاحب مصر ولاقاه إِلَى لد وَرجع مَعَه إِلَى دمشق وفر بيبغا من دمشق هُوَ وَمن مَعَه فَسَار أرغون وشيخون وَغَيرهمَا بالعساكر إِلَى حلب وتقرر أرغون فِي نِيَابَة حلب ثَانِيًا وَذَلِكَ فِي رَمَضَان سنة 753 ثمَّ صرف عَن حلب فِي سنة 755 وَأمر مائَة بِمصْر ثمَّ اعتقل بالاسكندرية ثمَّ أفرج عَنهُ وَأقَام بالقدس بطالا وَعمر لَهُ فِيهَا تربة حَسَنَة وَمَات بِهِ فِي شَوَّال سنة 758 وَلم يكمل الثَّلَاثِينَ
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-

 

 

أرغون الأمير سيف الدين الكاملي
نائب حلب، ونائب دمشق، ذو وجه طبعَ البدرُ على سكته، وقد لا شك أن قلب المحبّ يذوب من شكته، وعيونٍ سبحان من أبدعها، عروة ليس لها زر سوى السحر، وثغر يتمنى لو كان مثله ما يرضع في التاج أو يتحلى به النحر، ويفتن من يراه، ويعترف بالبوبية لمن براه، وحفظ لإيمانه، وخاف ربه فما نكث عهده ولا خانه، ورعى من ورعه سلطانه، وقمع بالمروءة شيطانه، لأن بيبغاروس لما خرج على السلطان وبغى، وطف ماءُ تمرده، طغى، راسله في الباطن بالباطل مراراً، وقتل في ذروته والغارب نهاراً جهاراً، ووعده بأنه لا يغير عليه في دمشق أمراً من النيابة، وأن يكون شريكه في المهانة والمهابة، وطالت الرسائل بينهما، ولم ير فيه مغمزاً يلين، وتحقق بيبغا أنه من الصابرين عليه والصائلين، فأعياه انقياداً لمرامه، وعلم أنّ بازيه لا يحوم حول حماه ولا يسف على حمامه، فنكص عنه خائباً، وكر نجمه عنه كاسفاً غائباً.
وكان كثير السكون، وراجح الميل إلى العدول والركو، ولا يدخله في أحكامه غيظ ولا حرج، ولا يبالي أدخل الحق على نفسه أو خرج، يعرف القضية من أول ما ينهى إليه أمرها، ويستشف الحقّ في فضلها إذا أشبّ الباطل جمرها، لا يغيب عن ذهنه واقعة جرت، ولا يسير عن ذهنه قضية انقضت أو سدت:
يُحدث عما بين عادٍ وبينه ... وصُدغاه في خدي علامس مراهق
وما الحسنُ في وجه الفتى شرفاً هل ... إذا لم يكن في فعلهِ والخلائقِ
ولم يزل أرغون الكاملي في محاق وكمال، وزيادة وزوال إلى أن:
قصدت نحوهُ المنية حتى ... وهبت حسنَ وجههِ للتراب
أول ما أنشأه الملك الصالح إسماعيل، وزوجه أخته من أمه بنت الأمير سيف الدين أرغون العلائي، وذلك في سنة خمس وأربعين وسبع مئة، وجهزه عقيب زواجه إلى الأمير بدر الدين جنكلي، وقال: انزل إلى الأمير بدر الدين، وقبل يده، فحضر إليه وكنت جالساً عنده، فلما دخل إليه أعظمه وبجله وبش له وهش، وأجلسه، وأحضر له قبا بطرز زركش وألبسه إياه ولم يكن الأمير بدر الدين ممن يهوى المرد، ولا يميل إليه، فلما خرج من عنده، قال لي: أرأيت ما أحسن وجه هذا وعيونه، فقلت له: نعم، رأيت، ونعم ما رأيت.
وكان يعرف في حياة الصالح إسماعيل بأرغون الصغير، فلما مات الصالح رحمه الله تعالى، وتولى الملك أخوه الملك الكامل شعبان أعطاه إمرة مئة وتقدمة ألف، ونهى أن يدعى أرغون الصغير، وسمي أرغون الكاملي.
ولما مات الأمير سيف الدين قطليجا الحموي في نيابة حلب، رسم الملك الناصر حسن له بنيابة حلب، فوصل إليها يوم الثلاثاء خامس عشر شهر رجب الفرد سنة خمسين وسبع مئة، وعمل النيابة بها على أحسن ما يكون من الحرمة والمهابة، وخافه التركمان والعرب، ومشت الأحوال بها، ولم يزل بها إلى أن جاءه الأمير سيف الدين كجُك الدوادار الناصري، بأن يخرج ويربط الطرقات على أحمد الساقي نائب صفد، فبرز إلى قرنبيا، فأرجف بإمساكه، فهرب منه الأمير شرف الدين موسى الحاجب بحلب وغيره، ثم إنّ جماعة من الأمراء لحقوا بالحاجب، وأوقدوا النيران بقلعة حلب، ودقوا الكوسات، ونادوا في الناس لينهبوا طلبه، وما معه، فتوجه إلى المعرة، وكتب إلى الأمير سيف الدين طاز يرق نائب حماه، فلم يجد عنده فرجاً، فرد طلبه، ونقله إلى حلب، وتوجّه على البرّية إلى حمص في عشرة مماليك، وقاصى من التركمان شدة.
ثم إنه ركب من حمص هو ونائبها الأمير ناصر الدين محمد بن بهادر آص في ثلاثة مماليك، ودخل دمشق يوم الجمعة سابع عشري الحجة سنة إحدى وخمسين وسبع مئة، فجهز نائب الشام الأمير سيف الدين أيتمش الحاجب إليه، وابن أخته الأمير سيف الدين قرابغا بقباء أبيض فوقاني بطرز زركش ومركوب مليح، ودخل غليه، وأقام عنده بدار السعادة إلى بكرة السبت ثاني يوم، وجهزه إلى باب السلطان على يدهما مطالعة بالشفاعة فيه، ولما وصل إلى لد تلقاه الأمير سيف الدين طشبغا الدوادار، ومعه له أمان شريف مضمونه أنه ما كتبنا في حقك لأحد، ولا لنا نية في أذاك، فغن اشتهيت تستمر في نيابة حلب، وإن اشتهيت نيابة غيرها، وإن أردت أن تحضر إلينا كيفما أردت عملنا معك، فعاد معه طشبغا الدوادار إلى مصر، وأقبل السلطان عليه، وأنعم عليه، وأعاده إلى حلب.
فوصل إلى دمشق ومعه طشبغا الدوادار، واصبح يوم الاثنين جلس في دارس العدل إلى جانب قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وظهر نائب حلب إلى قاضي القضاة الحنفي وغيره، وقام من الخدمة، وتوجّه إلى الجامع الأموي، وصلى فيه ركعتين، ودخل إلى خانقاه السميساطي. ولما كان عصر الخدمة خلع نائب دمشق عليه قباء بطرز زركش، وفرساً حسناً بسرجه ولجامه، وكنفوشة الذهب.
وتوجّه بكرة الثلاثاء إلى حلب وصحبته ابن ازدمر مقيداً لأنه كان طُلب من حلب لما شكاه للسلطان، فرد معه من الطريق، ولما وصل إلى حلب تلقاه الناس بالشموع إلى قنسرين وأكثر، ودخلها دخولاً عظيماً، ووقف في سوق الخيل، وعرى زكري البريدي، وأراد توسيطه، ونادى عليه هذا جزاء من يدخل بني الملوك بما لا يعنيه، فنزل طشبغا وشفع فيه، فأطلقه، وأحضر ابن أزدمر النوري، وقال: قد رسم لي السلطان أن أسمرك وأقطع لسانك، ولكن ما أواخذك، وأطلعه إلى قلعة حلب، وأقام على ذلك إلى أن عزل الأمير سيف الدين أيتمش من نيابة دمشق في أول دولة الملك الصالح صالح، فرسم للأمير سيف الدين أرغون بنيابة الشام، فدخل الشام بطلبه في نهار الاثنين حادي عشر شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبع مئة، وكان قد قدم من مصر لإحضاره الأميرُ سيف الدين ملكتمر المحمدي، فأقام في نيابة دمشق، وهو منكد الخاطر، ولم يصفُ له بها عيش، وجهز دواداره الأمير سيف الدين ططق يستعفي من النيابة، وأن يكون في باب السلطان من جملة الأمراء، فما أجيب إلى ذلك.
ولم يزل بدمشق مقيماً إلى أن خرج بيبغاروس وأحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس على السلطان الملك الصالح، واجتمعوا وجروا العساكر وجاؤوا إلى دمشق، فلما بلغه حركة المذكورين حلف عسكر دمشق للسلطان الملك الصالح ولنفسه في العشر الأولى من شهر رجب، وهو مقيم في القصر الأبلق، وكتم أمر نفسه وما يفعله، وأظهر أنه يتوجه بعسكر دمشق، ويقيم بهم على خان لاجين، فوصل إليه الأمير عز الدين طقطاي الدوادار ومعه ملطفات إلى أمراء دمشق وحلب وطرابلس وحماه بعزل نوابها، وأنهم إن حضروا إلى دمشق مخفين يجهزهم نائب الشام إلى باب السلطان، وإلا فليمسكوا ويقيدوا، وكان وصول الدوادار في سادس عشر شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبع مئة.
وفي حادي عشر شهر رجب نادى في العسكر بالخروج إلى خان لاجين، وأنهم في بكرة النهار يجتمعون في سوق الخيل، وليتوجهوا أمامه، وكان هذا رأياً صالحاً حميداً، ولم يعلم أحد بما في ضميره، فلما اجتمع الناس خرج لهم الأمير علاء الدين علي بن بيبرس الحاجب، وقال: بسم الله، توجهوا إلى مصر، فسُقط في أيدي الناس، وتوجهوا أمامه إلى جهة الكسوة، هو ساقه لهم، ولم يزل بهم سائراً ليلاً ونهاراً إلى أن وصل بهم إلى لُد، فخيم بها وأقام.
وقتل أنا وقد خرجت معه بغتة:
خرجنا على أنا نلاقي عسكرا ... أتى بيبغا فيها على خان لاجين
فلم ندر من تعتيرنا وقطوعنا ... فأنفسنا إلا بأرض فلسطين
وقلت أيضاً أتشوق إلى ولدي:
أيا ولدي وافاني البينُ بغتةً ... وبدد شملاً قد تنظم كالعقدِ
فسرتُ وما أعددتُ عنك تجلداً ... لقلبي ولا حدثتُ نفسي بالبعدِ
وفي رابع عشري شهر رجب نزل بيبغا بمن معه على خان لاجين، ودخل دمشق مُطلباً، ونزل على قبة يلبغا بمن معه بأحمد الساقي نائب حماة، وبكلمش نائب طرابلس، وألطنبغا برناق نائب صفد، وقراجا بن دلغادر ومن معه من التركما، وحيار بن مهنا. وبعد ثالثة أيام توجه أحمد الساقي بألف وخمس مئة فارس، وأقام على المزيرب، وجرى في دمشق ما لا جرى في أيام غازان، نُهب المرج والغوطة وبلادهما، ونهبت بلاد حوران، ونهبت البقاع، وسبيت الحريم، وافتضت الأبكار، وقطعت الآذان بحلقها، وأخذت الأموال.
ولم يزل الأمير سيف الدين مقيماً على لد بعساكر دمشق إلى أن وصل الأمير سيف الدين طاز في خمسة آلاف من عسرك مصرن وأقام على ظاهر لد، وكثرت الأراجيب بما يفعله من مع بيبغا من التركمان من الأذى في دمشق، فقلت أنا أذكر أولادي:
أخرجني المقدور من جلق ... عن طيب جنات جنيات
فإن أعد يوماً لها سالماً ... فهو بنيّات بُنياتي
وقلت وقد زاد الإرجاف بأن بيبغا تقدم بمن معه من العساكر إلى الكتيبة:
قد ضجرنا من المقامِ بلدٍ ... بلدٍ ما طباعه مثل طبعي
كلما قيل لي كتيبةُ جيش ... قد أتت للكتيبة اصطكَ سمعي
فتراني مغيراً من سقامي ... ونحولي وفي المزيريب دمعس
وقلت، وقد زاد الذباب علينا بلدّ من طول مقامِ العساكر في منزلتها:
لقد أتانا ذباب لُد ... بكل حتفٍ ولك حيف
وقل: هذا ذبابُ صيف ... فقلت: لا بل ذبابُ سيف
وفي يوم الجمعة ثاني عشري شعبان وصل السلطان الملك الصالح صالح بالعساكر المصرية إلى منزلة بدعرش، وتلقاه الأمير سيف الدين أرغون بالعساكر إلى قرية يُبنى.
وفي يوم السبت توجهت العساكر الشامية إلى دمشق في ركاب أرغون الكاملي، وخرج الأميران سيف الدين شيخو، وسيف الدين طاز على أثرهم، ودخل النائب إلى دمشق يوم الثلاثاء.
وفي يوم الخميس مستهل شهر رمضان دخل السلطان إلى دمشق، وكان بيبغا ومن معه لما تحققوا خروج السلطان من مصر انقلبوا على عقبهم ناكصين - على ما تقدم في ترجمة أحمد، وعلى ما سيأتي في ترجمة بيبغا - ثم إن شيخو وطاز وأرغون الكاملي توجهوا بالعساكر إلى حلب. وورد بعد ذلك كتاب ابن دلغادر يقول فيه: إن بيبغا وأحمد وبكلمش جاؤوا عندي على فرس فرس، ولم يكن معي مرسوم بإمساكهم، وباتوا عندي ليلة، وتوجهوا إلى البلاد الرومية، ثم إنّ العساكر أقامت على حلب، واتفق الأمير سيف الدين شيخو والأمير سيف الدين طاز على إقامة الأمير سيف الدين أرغون الكاملي في حلب نائباً لسدّ هذا الثغر في هذا المهم، وكتباً إلى السلطان بذلك، فكتبت له تقليده بذلك من دمشق، وجهز إلى حلب، وأمّروا جماعة من مماليكه طبلخاناه، وجماعة عشرة، وذلك في خامس عشري شهر رمضان، وعادت العساكر إلى دمشق، ودخل شيخو وطاز إلى دمشق يوم الجمعة سلخ شهر رمضان، وأصبح العيد يوم السبت.
وفي سابع شوال توجّه السلطان بالعساكر المصرية إلى مصر، ولم يزل الأمير سيف الدين أرغون بحلب نائباً إلى أن حضر أحمد وبكلمش إلى حلب مقيدين، وحزت رؤوسهما، وجُهزت إلى باب السلطان - على ما تقدّم في ترجمة أحمد، وسيأتي في ترجمة بكلمش - ثم إنه بعد ذلك حضر بيبغاروس مقيداً إلى حلب، وخز رأسه، وجهز إلى باب السلطان على ما سيأتي في ترجمته - ثم إن الأمير سيف الدين أرغون الكاملي توجه بعسكر حلب، ومعه الأمير عز الدين طقطاي الدوادار خلف ابن دلغادر، ووصل إلى الأبلستين وحرقها، وحرق قراها، ودخل إلى قيصرية، وهرب ابن دلغادر، واتصل بمحمد بك بن أرتنا، وعاد الأمير سيف الدين أرغون الكاملي إلى حلب، ودخلها يوم الثلاثاء خامس شهر رجب سنة أربع وخمسين وسبع مئة، وقاسى هو والعساكر شدائد وكابدوا أهوالاً، ومشى هو بنفسه في تلك المضائق، ثم إن ابن دلغادر وصل إلى حلب، وجهز منها إلى مصر مقيداً، وجرى له ما جرى، على ما يأتي ذكره في ترجمته.
ولم يزل الأمير سيف الدين أرغون على حاله نائباً بحلب إلى أن خلع الملك الصالح صالح، وأعيد الملك الناصر حسن في بكرة الاثنين ثاني عيد الفطر سنة خمس وخمسين وسبع مئة، وطلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي إلى باب السلطان، وحضر الأمير سيف الدين طاز عوضه نائباً بحلب، وذلك في أواخر شوال. وأقام أرغون الكاملي بالديار المصرية أمير مئة، مقدم ألف تاسع صفر سنة ست وخمسين وسبع مئة فأمسك بالقلعة، وجُهز إلى الإسكندرية، واعتقل هناك. ولم يزل هناك معتقلاً وعنده زوجُه إلى أن أفرجَ عنه، ورُسم له بالحضور إلى القدس الشريف ليكون به مقيماً، وحصل له ضعف، وأثقل في المرض، وعوفي بعد مدة. وبنى بالقدس تربة حسنة.
وكان قد عز على الحج في سنة ثمان وخمسين، فمرض أيضاً، وأفطر شهر رمضان، فبطل الحج، ولم يزل إلى أن توفي رحمه الله تعالى في يوم الخميس خامس عشري شوال، ودفن في تربته، ولم يكمل عمارتها، وخسف الموت من أرغون الكاملي بدره الكامل، وبت شمل سعده الشامل.
وأظن مولده في سنة تسع وعشرين وسبع مئة.
وكنت قد كتبت إليه قصيدة، وهو بحلب أذكر فيها انتصاره على بيبغا وأحمد وبكلمش، وهي:
قد توالى النصر الذي قد تغالى ... في مليكٍ أرضى الإله تعالى
وحمى الملك والممالك والدي ... ن وقاد الجيوش والأبطالا
الأمير المهيب أرغون ذو البا ... س الذي عزمه يدك الجبالا
سار منجلق إلى لدّ لما ... أن بغى بيبغا ورام القتالا
لم يسر خيفةً وكيف يخاف الل ... يثُ يوماً إذا تراءى الغزالا
خاف سفكَ الدماء في رجب الفر ... د، وسفكُ الدماء كان ضلالاً
وتأتي في لدّ يرجو لقاهم ... بثبات لا يعرف الترحال
فهو فيها ليثٌ بغاب سلاحٍ ... كان بيضاً بُترا ومسرا طوالاً
وهم عاجزون لم يتنحوا ... عن مكانه فيه أقاموا كُسالى
فتخلى الشيطان عن كل غاوٍ ... وانثنى خائباً وولى القذالا
من يخون الإيمان كيف يلقى ... بدرهُ في دجى النفاق كمالاً
نكث العهد مائلاً لفجور ... هو عندي لو استحى ما استحالا
أضعفَ الرعبُ قلبهم فتولوا ... خوراً ثم زلزلوا زلزلا
ثم باتوا ما أصبحوا مثل ظلٍ ... نسختهُ أيدي الضياء فزالا
قطعوا البيد لا يُديرون وجهاً ... ليردّوا الغضنفر الرئبالا
تركوا المال مائلاً لسواهم ... وأضاعوا الحريم والأموالا
أمطرتهم قسيهُ وبل نبل ... ملأت سائر الوهاد وبالا
ما استقروا في منزل قطّ إلا ... وبهم قد نبا وضاق مجالا
شبعوا غربة وفقراً وذلا ... وهواناً وروعة وسؤالا
وأتوا خاضعين ذلاً وعجزاً ... يحملون القيود والأغلالا
بوجوه قد سودتها المعاصي ... نحو وجهٍ من نوره يتلالا
ثم حُزت رؤوسهم بسيوف ... ليس يدري المضاءُ منها كلالا
فاشتفي المسلمون منهم وقرت ... أعينٌ ما رأت زماناً خيالا
إن رباً أعطاك نصراً عزيزاً ... وكسا وجهكَ الجميل جمالاً
هو يُوليك ما تحاول منه ... في المعالي وتبلغ الآمالا
أوحشت منك جلق فهي تشكو ... فيك شوقاً تراه داء عُضالا
أنت باهيت حسنها بمحيّا ... جعل البدرَ من حياء هلالا
ثم كاثرت شهبها بالأيادي ... فلما جُودك الأكف نوالا
وكستها أخلاقُك الغر لطفاً ... منه مادَ القضيب لطفاً ومالا
وهي ذاقت من حكمك الفصل عدلاً ... صار في قامة الرماح اعتدالا
فلك الله حافظ حيثما كن ... ت لتُفني من العدا الآجالا
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).