علي الغلامي الموصلي مفتي السادة الشافعية بالموصل صاحب الفتاوي الظريفة وعارف أسرار فنون الأدب اللطيفة ومخرز قصب البلاغة والأدب والفصاحة والخطب له خبرة وافرة وبصيرة حاذقة بأمور الفتاوي وأحكام الدعاوي دخل حلب سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وتولى الفتوى سنة أربع وأربعين وله شعر لطيف منه قوله مضمناً أبيات السموأل
تقول فتاة الحي وهي تلومني ... أما لك عن دار الهوان رحيل
فإن عناء المستنيم إلى الأذى ... بحيث يذل الأكرمين طويل
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى ... فكل محب للحياة ذليل
فإن لم تطقها فاعتصم بابن حره ... لهمته فوق السماك مقيل
يعين على الجلي ويستمطر الندى ... على ساعة فيها النوال قليل
فقلت ومن ذا فأرشديني فإنني ... إلى مثله بادي الركاب عجول
فقالت أمين غصن جرثومة السخا ... ألوف العطا للمكرمات فعول
تدرع ثوب المجد والحكم يافعاً ... فحطت شباب دونه وكهول
له الهمة القعساء والرتبة التي ... تعز على من رامها وتطول
وهي طويلة وله غير ذلك من الأشعار ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى آمين
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل
الشيخ علي مفتي الشافعية المفتي الشيخ علي صاحب الأدب الواضح الجلي
هذا الهمام شبل ذلك الضرغام ملاذ أهل القريض الفائق بآثاره ومطلع شمس الكمال الرائق باقماره ذو الأدب الوافر العامر والحسب الزاهر الفاخر والرجا والأرب والأمل والظبا والقنا والأسل. والفضل والسعد، والحل والعقد.
أديب واحد قمر منير ... ونهر في المعالي له خرير
فريد مفرد بحر عظيم ... أديب بارع غيث مطير
فهو الواحد الرحب الساحة، الحاوي لأنواع المكارم والسماحة.
ذو اللسان العذب الطلق، والبيان الزاهر اليقق. والكمال الشائع السائر، والنوال الرائع الباتر. مقدم الاعيان، الثابت القلب والجنان. ملاذ القاصدين، معاذ الوافدين. الطلق الوجه والصباح، والحامل المجد والسماح. والسني السناء والمناقب، والرحيب الفنا
والمواهب. الذي ابرق وأرعد، وأسهر وأرقد. وقرب وأبعد، وأقام وأقعد.
فانه الواحد المصفى ... من جوهر الفضل والمعالي
فريد علم ومجد ... كالبدر في ظلمة الليالي
فها هو الشمس حقاً ... قد ساد في الفضل والكمال
فانه الطود الشاهق، والومض البارق، واللمع الشارق. والمجد الواضح والعطر الفايح، والكمال اللائح. الذي اتخذه الأدب منارا، وجعله الكمال بهجة ووقارا. وصيره للمحامد مراحا، وللفضائل إزاراً ووشاحا. قد أحرز لأنواع المعال، واكتسب أصناف الكمال، فيراعه دوحة المعارف، وبنانه قمري ساحة
اللطف واللطائف. لم يحتج إلى البيان، فقد سارت بحديثه الركبان.
من كان كالبدر يزهو حسن بهجته ... فليس يلحقه نقص ولا خلل
فمعارفه كالأهلة تتوقد، وفواضله على مرور الأيام تزهو وتتجدد. له نظم أرق من الخيال، وآنق من مواصلة ذوات الحجال.
قد اثبت من نظمه ما هو كالرحيق الرائق، وذكرت من شعره ما هو الأنيق الفائق.
فمن منظوماته، وعذب أبياته، قوله مضمنا لبعض من أبيات الحماسة في مدح محمد أمين باشا. وهي:
تقول فتاة الحي وهي تلومني ... أمالك عن دار الهوان رحيل
فان عناء المستنيم إلى الأذى ... بحيث يذل الأكرمين طويل
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى ... فكل محب للحياة ذليل
فان لم تطقها فاعتصم بابن حرة ... لهمته فوق السماك مقيل
يعين على الجلى ويستمطر الندى ... على ساعة فيها النوال قليل
فقلت ومن ذا فأرشديني فإنني ... إلى مثله بادي الركاب عجول
فقالت أمين غصن جرثومة الندى ... ألوف العطا للمكرمات فعول
تدرع ثوب المجد والحزم يافعا ... فحطت شباب دونه وكهول
له الهمة القعساء والرتبة التي ... تعز على من رامها وتطول
بدا في سما العليا بالعز شارقا ... جري السنا لا يعتريه أفول
فليس يشد الرحل إلا لربعه ... فحسبك ربع للعفاة ظليل
ففي بابه تحوى المراد وغيره ... يرد إليك الطرف وهو كليل
والأبيات المذكورة المضمنة من الحماسة للسموأل بن عاديا وهي:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا، ... فقلت لها إن الكرام قليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا ... شباب تسامى للعلى وكهول
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
لنا جبل يحتله من نجيره ... منيع يرد الطرف وهو كليل
رسا أصله تحت الثرى وسما به ... إلى النجم فرع لا ينال طويل
هو الأبلق الفرد الذي سار ذكره ... يعز على من رامه ويطول
وأنا لقوم لا نرى القتل سبة ... إذا ما رأته عامر وسلول
يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
وما مات منا سيد حتف أنفه ... ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظباة نفوسنا ... وليس على غير الظباة تسيل
صفونا ولم نكدر وأخلص سرنا ... إناث أطابت حملها وفحول
علونا إلى خير الظهور وحطنا ... لوقت إلى خير البطون نزول
فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولا فينا يعد بخيل
وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول
إذا سيد منا خلا قام سيد ... قئول لما قال الكرام فعول
وما أخمدت نار لنا دون طارق ... ولا ذمنا في النازلين نزيل
وأيامنا مشهورة في عدونا ... لها غرر معلومة وحجول
وأسيافنا في كل شرق ومغرب ... بها من قراع الدار عين فلول
معودة ألا تسل نصالها ... فتغمد حتى يستباح قتيل
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول
وله في المديح وهو في بلاد الروم :
برق تألق في الظلام المسدل ... فأثار في الأحشاء ذكر الموصل
أوري زناد الشوق بين جوانح ... جنحت إلى ذكر الحمى والمنزل
يا أيها البرق الولوع بمهجتي ... رفقا فديتك بالفؤاد المبتلي
هات الحديث عن العراق فإنني ... أصبحت عن تلك البقاع بمعزل
أين العراق وساكنوه لمن غدا ... بالروم يسأل كل ركب مقبل
ما حال هاتيك المعاهد بعدنا ... ما حال ذاك الربع بعد ترحل
هل جادها صوب العهاد عشية ... هل أعشبت بهوامل المتنزل
حيى الحيا تلك الرحاب وان نأت ... عني فذكراها حليف تخيلي
ما الروم داري يا بريق ولا أنا ... ممن يشد إلى ذراها أرحلي
لولا الوزير أبو المكارم والعلى ... وسداد ثغر الملك للمتأمل
المرتقي أوج الكمال بهمة ... نافت على هام السماك الأعزل
دامي المضارب لم تزل أسيافه ... كالشهب تلمع في دياجي القسطل
هذا الرشيد أبو الأمين ورأيه ... المأمون معتصم بتوفيق جلي
مذ حل أرض الروم عضبا باتراً ... دانت رقاب طغاتها بتذلل
رغمت بسطوته أنوف طالما ... عطست عتوا في الزمان الأول
إن أجدبت أرض العراق لبعده ... فالروم في حلل النضارة تنجلي
أهل العراق لقد حرمتم ضيغما ... بمثاله بخل الزمان لسائل
فهو الذي أسدى إلى عوارفا ... أعيى عن التفصيل فيها مفصلي
سحت علي سحائب من جوده ... تترى فاغنت عن مقالي ليت لي
أعلى محلي رفعة وأنالني ... رتبا تعز على يد المتناول
أنساني الوطن القديم ومن يكن ... بظلاله يسل الديار ويهمل
فببابه العالي مناخ مطيتي ... وحماه منتجعي وغاية مأملي
لا زال في برج السعادة مشرقاً ... بالنصر والفتح المبين الأكمل
بمزيد إقبال وعز سرمد ... ودوام تأييد من الملك العلي
هو الشيخ علي المفتي ابن مصطفى الغلامي الذي سبقت ترجمته. ترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 253 فقال عنه: صاحب محاضرات ولطائف ومشاركة في العلوم والشعر. وله الخبرة التامة في الفتاوي والمسائل الشافعية. وتصدر للافتاء بعد والده، وعاشر ملوكنا وحظي عندهم، فكان جليسهم ونديمهم. وكان فيه تيه وصلف ونبوة. ولقد جئت اليه في شهادة فسلمت عليه فلم يرد، ورد الحاضرون، فلم يرفع رأسه ولا نظر الي. فوجدت له هيبة ملك وصولة ليث، وندمت على خطوات مشيتها الى داره، وسلام بذلته اليه، فما عرف حتى مقداره. والكبير من يتواضع على مجده ومناره. ولعله كان مشغول البال والله يغفر له ويرحمه.
مات سنة اثنتين وتسعين ومائة والف (ثم ذكر الابيات الستة الاولى من قصيدته اللامية التي مطلعها «برق تألق في الظلام المسدل» التي سيذكرها المؤلف). وترجم له صاحب سلك الدرر 3/ 258 بقوله
علي الغلامى مفتي الشافعية بالموصل صاحب الفتاوى الظريفة وعارف اسرار فنون الادب اللطيفة ومحرز قصب البلاغة والادب والفصاحة والخطب له خبرة وافرة وبصيرة حاذقة بامور الفتاوى احكام الدعاوي دخل حلب سنة ثلاث واربعين ومائة والف، وتولى الفتوى سنة اربع واربعين، وله شعر لطيف ثم ذكر منه الابيات التسعة الاولى من قصيدته اللامية التي ضمنها ابيات لامية السموأل
كما ترجم له صاحب كتاب قرة العين فقال عنه «احد اذكياء العالم، صاحب محاضرات ومداعبات ولطائف، وسرعة جواب، ومشاركة في العلوم. وبفقه الشافعية امام ابن امام وله خبرة في الفتاوى، ونظم الشعر وتصدر للتدريس والافتاء بعد والده. وعاشر ملوك بني عبد الجليل وحظي عندهم توفي سنة اثنتين وتسعين ومائة والف، ثم ذكر شيئا من شعره. وذكره صاحب منية الادباء (ص 240) وقال انه كان احد اعضاء وفد الموصل لمفاوضة نادر شاه بعد ما طلب الصلح مع اهل الموصل سنة ست وخمسين ومائة والف.
وترجم له صاحب شمامة العنبر (ص 104). فقال «اخي في النسب، وقريني في الدرس والادب، ولكنه سبقني بمصاحبة الوزراء ومخالطة الاعيان والامراء» ثم ذكر انه تولى الافتاء بعد والده على مذهب ابن ادريس الشافعي. وانه قد فرغ غالب شعره في مخدومه الوزير الحاج حسين باشا الجليلي وانه استصحبه معه الى ادنه.
ثم ذكر له كثيرا من الشعر.
وترجم له كل من صاحب العلم السامي (ش. ت 271 وصاحب تاريخ الموصل 2/ 197 وصاحب الحجة فيمن زاد على ابن حجة ص 83، ترجمة لا تخرج عما ذكرنا من قبل
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الاول-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص424-429