جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي أبي حرزة التميمي البصري

جرير الشاعر

تاريخ الولادة29 هـ
تاريخ الوفاة110 هـ
العمر81 سنة
مكان الولادةاليمامة - الحجاز
مكان الوفاةاليمامة - الحجاز
أماكن الإقامة
  • اليمامة - الحجاز
  • البصرة - العراق

نبذة

أبو حزرة جرير بن عطية بن الخطفى، واسمه حذيفة، والخطفى لقبه، ابن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم بن مر التميمي الشاعر المشهور؛ كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل. [قال محمد بن سلام: سمعت يونس يقول: ما شهدت مشهداً قط وذكر فيه جرير والفرزدق فاجتمع أهل المجلس على أحدهما

الترجمة


أبو حزرة جرير بن عطية بن الخطفى، واسمه حذيفة، والخطفى لقبه، ابن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم بن مر التميمي الشاعر المشهور؛ كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق والأخطل. [قال محمد بن سلام: سمعت يونس يقول: ما شهدت مشهداً قط وذكر فيه جرير والفرزدق فاجتمع أهل المجلس على أحدهما. وقال أيضا: الفرزدق أشعر خاصة وجرير أشعر عامة] ؛ ويقال: إن بيوت الشعر أربعة: فخر ومديح وهجاء ونسيب ، وفي الأربعة فاق جرير غيره، فالفخر قوله:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا والمديح قوله :
ألستم خير من ركب المطايا ... واندى العالمين بطون راح والهجاء قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
والنسيب  قوله:
إن العيون التي في طرفها حور  ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا وحكى أبو عبيدة معمر بن المثنى - الآتي ذكره إن شاء اله تعالى - قال:
التقى جرير والفرزدق بمنى وهما حاجان، فقال الفرزدق لجرير:
فإنك لاقٍ بالمشاعر من منى ... فخاراً فخبرني بمن أنت فاخر فقال له جرير: لبيك اللهم لبيك! قال أبو عبيدة: فكان أصحابنا يستحسنون هذا الجواب من جرير ويعجبون به .
وحكى أبو عبيدة أيضاً: خرج جرير والفرزدق مرتدفين على ناقة إلى هشام ابن عبد الملك الأموي، وهو يومئذ بالرصافة، فنزل جرير لقضاء حاجته، فجعلت الناقة تتلفت فضربها الفرزدق وقال:
إلام تلفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي
متى تردي الرصافة تستريحي ... من التهجير والدبر الدوامي ثم قال: الآن يجيئني جرير فأنشده هذين البيتين فيقول:
تلفت أنها تحت ابن قينٍ ... إلى الكيرين والفاس الكهام
متى ترد الرصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كل عام قال: فجاء جرير والفرزدق يضحك، فقال: ما يضحكك يا أبا فراس فأنشده البيتين الأولين، فأنشده جرير البيتين الآخرين، فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذا، فقال جرير: أما علمت أن شيطاننا واحد
وذكر المبرد في " الكامل " أن الفرزدق أنشد قول جرير:
ترى برصاً بأسفل أسكتيها ... كعنفقة الفرزدق حين شابا فلما أنشد النصف الول من البيت ضرب الفرزدق يده على عنفقته توقعاً لعجز البيت.
[وحكى أبو عبيدة قال: كان [جرير] مع حسن تشبيبه عفيفاً، وكان الفرزدق فاسقا، وكان يقول: ما أحوجه إلى صلابة شعري وأحوجني إلى رقة شعره.]
وحكى أبو عبيدة أيضاً قال: رأت أم جرير في نومها وهي حامل به كانها ولدت حبلاً من شعر أسود، فلما وقع منها جعلينزو فيقع في عنق هذا فيخنقه، حتى فعل ذلك برجال كثيرة، فانتبهت مرعوبة، فأولت الرؤيا، فقيل لها: تلدين غلاما شاعراً ذا شر وشدة شكيمة وبلاء على الناس، فما ولدته سمته جريراً باسم الحبل الذي رأت أنه خرج منها، والجرير الحبل.
وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني في ترجمة جرير المذكور أن رجلاً قال لجرير: من أشعر الناس قال له: قم حتى أعرفك الجواب، فأخذ بيده وجاء به إلى أبيه عطية وقد أخذ عنزا له فاعتقلها وجعل يمص ضرعها فصاح به: اخرج يا أبت، فخرج شيخ دميم رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته، فقال: أترى هذا قال: نعم، قال: أوَتعرفه قال: لا قال: هذا أبي، أفتدري لم كان يشرب من ضرع العنز قلت: لا، قال:مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه لبن، ثم قال: أشعر الناس من فاخر بمثل هذا الأب ثمانين شاعراً وقارعهم به فغلبهم جميعاً.
وحكى صاحب " الجليس والأنيس " في كتابه عن محمد بن حبيب عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير أنه قيل له: ما كان أبوك صانعاً حيث يقول:
لو كنتُ أعلم أن آخر عهدهم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل فقال: كان يقلع عينيه ولا يرى مظعن أحبابه.
وقال في الأغاني أيضاً: قال مسعود بن بشر لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس قال: من إذا شئت لعب، ومن إذا شئت جد، فاذا لعب أطمعك لعبه فيه، وإذا رمته بعد عليك، وإذا حد فيما قصد له آيسك من نفسه، قال: مثل من قال: مثل جرير حيث يقول إذا لعب:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيض من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا

ثم قال حين جد:
إن الذي حرم المكارم تغلباً ... جعل النبوة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ... يا خزر تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلي قطينا قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله قال: ما زاد ابن المراغة على أن جعلني شرطياً له، أما إنه لو قال " لو شاء ساقكم إلي قطينا " لسقتهم إليه كما قال، قلت: وهذه الأبيات هجا بها جرير الأخطل التغلبي الشاعر المشهور.
وقوله فيها جعل النبوة والخلافة فينا إنما قال ذلك لأن جريراً تميمي النسب، وتميم ترجع إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبوة والخلافة وبنو تميم يرجعون إلى مضر.
وقوله " يا خزر تغلب " خزر - بضم الخاء المعجمة وسكون الزاي وبعدها راء - وهو جمع أخزر مثل أحمر وحمير وأصفر وصفر وأسود وسود، وكل ما كان من هذا الباب، والأخزر: الذي عينيه ضيق وصفر، وهذا وصف العجم، فكأنه نسبه إلى المعجم وأخرجه عن العرب، وهذا عند العرب من النقائص الشنيعة.
وقوله " هذا ابن عمي في دمشق خليفة " يريد به عبد الملك بن مروان الأموي، لأنه كان في عصره.
والقطين - بفتح القاف - الخدم والأتباع.
وقول عبد الملك مازاد ابن المراغة هو بفتح الميم وبعدها راء وبعد اللف غين معجمة وهاء، وهذا لقب لأم جرير هجاء به الأخطل المذكور، ونسبها إلى أن الرجال يتمرغون عليها، ونستغفر الله تعالى من ذكر مثل هذا ، لكن شرح الواقعة أحوج إلى ذلك.
ومن أخبار جرير أنه دخل على عبد الملك بن مروان فأنشده قصيدة أولها:
أتصحو أم فؤادك غير صاحي ... عشية هم صحبك بالرواح
تقول العاذلات علاك شيب ... أهذا الشيب بمنعني مزاحي
تعزت أم حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوي لقاح
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
سأشكر إن رددت إلي ريشي ... وانبت القوادم في جناحي
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح قال جرير: فلما انتهيت إلى هذا البيت كان عبد الملك متكئا فاستوى جالساً وقال: من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ثم التفت إلي وقال: يا جرير، أترى أم حزرة يرويها مائة ناقة من نعم بمني كلب قلت: يا أمير المؤمنين، إن لم تروها فلا أرواها الله تعالى، قال: فأمر لي بها كلها سود الحدق، قلت: يا أمير المؤمنين، نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أباق، فلو أمرت لي بالرعاء  ، فأمر لي بثمانية، وكان بين يديه صحاف من الذهب وبيده قضيب، فقلت: ياأمير المؤمنين، والمحلب وأشرت إلى إحدى الصحاف فنبذها إلي بالقضيب وقال: خذها لا نفعتك، وإلى هذه القضية أشار جرير بقوله:
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف قلت: هنيدة - بضم الهاء على صورة التصغير - اسم علم على المائة، وأكثر علماء الأدب يقولون: لا يجوز إدخال اللف واللام عليها، وبعضهم يجيز ذلك، قال أبو الفتح بن أبي حصينة السلمي الحلبي الشاعر المشهور من جملة قصيدة  :
أيها القلب لم يدع لك في وص ... ل العذارى نصف الهنيدة عذرا يعني خمسين سنة التي هي نصف المائة، والله أعلم.
ولما مات الفرزدق وبلغ خبره جريراً بكى وقال: أما والله إني لأعلم أني قليل البقاء بعده، ولقد كان نجماً واحداً وكل واحد منا مشغول بصاحبه، وقلما مات ضد أو صديق إلا وتبعه صاحبه، وكذلك كان. وتوفي في سنة عشر ومائة، وفيها مات الفرزدق كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كانت وفاة جرير في سنة إحدى عشرة ومائة، وقال ابن قتيبة في كتاب " المعارف " : إن أمه حملت به سبعة أشهر، وفي ترجمة الفرزدق طرف من خبر موته فلينظر هناك إن شاء الله تعالى. وكانت وفاته باليمامة، وعمره نيفا وثمانين سنة.
وحزرة: بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها هاء.
والخطفى: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة والفاء وبعدها ياء - وقد تقدم الكلام في أنه لقب عليه، والله أعلم.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

تتمات...

حكى عقال بن شبة قال: كنت رديف أبي، فلقيه جرير على بغل فحياه أبي وألطفه فقلت له: أبعد ما قال لنا ما قال! [قال] : يا بني أفأوسع جرحي
وحدث أبو الخطاب عن أبيه عن بلال بن جرير قال: قلت لأبي: ما هجوت قوماً إلا أفسدتهم سوى التيم، قال: إني لم أجد حسباً فأضعه ولا بناء فأهدمه.
وحكى حماد عن أبيه عن إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: قدم علينا جرير المدينة فحشدنا له، فبينا نحن عنده ذات يوم إذ قام لحاجته وجاء الأحوص فقال: أين هذا قلنا: قام آنفاً، ما تريد منه قال: أخزيه، والله إن الفرزدق لأشعر منه وأشرف، قلنا له: لا ترد ذلك، فلم يلبث أن جاء جرير فقال له الأحوص: السلام عليك، قال: وعليك السلام، قال: يا ابن الخطفي، الفرزدق أشعر منك وأشرف، فأقبل جرير علينا فقال: من الرجل قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري، قال: هذا الخبيث ابن الطيب، ثم أقبل عليه فقال: قد قلت:
يقر بعيني ما يقر بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرت فإنه يقر بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقر ذلك بعينك قال: وكان الأحوص يرمي بالأبنية، فانصرف وأرسل إليه بتمر وفاكهة؛ وأقبلنا نسأل جريراً وهو في مؤخر البيت وأشعب عند الباب فأقبل أشعب يسأله، فقال له جرير: والله إنك لأقبحهم وجهاً ولكني أراك أطولهم حسباً وقد أربمتني، قتال: أنا والله أنفعهم لك، فانتبه جرير وقال: وكيف قال: لأني أملح شعرك، وأندفع يغنيه قوله:
يا أم ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل قال: فأدناه جرير حتى ألصق ركبته بركبته وجعله أقربنا منه ثم قال: أجل والله إنك أنفعهم لي وأحسنهم ترتيباً لشعري، فأعاده عليه، وجرير يبكي حتى أخضلت لحيته بالدموع، ثم وهب لأشعب دراهم كانت معه، وكساه حلة من حلل الملوك، وكان يرسل إليه طول مقامه بالمدينة فيغنيه أشعب، ويعطيه جرير شعره فيغني فيه.
وحكى الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وفد الشعراء إليه وأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك وقد أزمعوا على الرحيل إذ مر بهم رجاء بن حيوة وكان خطيباً من أهل الشام فلما رآه جرير داخلاً على عمر أنشأ يقول:
يا أيها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا قال: فدخل فلم يذكر من أمرهم شيئاً؛ قال: ومر بهم بعده عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال له جرير:
يا أيها الرجل المرخي مطيته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... إني لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني قال: فدخل عون  على عمر فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عون ، ما لي وللشعراء قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح فأعطى وفي ذلك أسوة، قال: وكيف ذلك قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأمر له بحلة فقطع بها لسانه، قال: وهل تروي من قوله شيئاً قال: نعم، وأنشده:
رأيتك يا خير البرية كلها ... نشرت كتاباً جاء بالحق معلما
شرعت لنا فيه الهدى بعد جورنا ... عن الحق لما أصبح الحق مظلماً
ونورت بالبرهان أمراً مدنساً ... وأطفأت بالقرآن ناراً تضرما
فمن مبلغ عني النبي محمداً ... وكل امرئ يجزي بما قد تكلما
أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها ... وكانت قديماً ركنها قد تهدما
أقمت علواً فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما قال: ويحك يا عون من بالباب منهم قال: عمر بن عبد الله بن أبي
ربيعة المخزومي، قال: أو ليس الذي يقول:
ثم نبهتها فهبت كعاباً ... طفلة ما تبين رجع الكلام
ساعة ثم هومت ثم قالت ... ويلتا قد عجلت يا ابن الكرام
أعلى غير موعد جئت تسعى ... تتخطى على رؤوس النيام
ما تجشمت ما يريب من الأم ... ر ولا جئت طارقاً لخصام فلولا كان عدة الله إذ فجر كتم على نفسه، لا يدخل علي والله أبداً؛ فمن منهم سواه قال: همام بن غالب، يعني الفرزدق، فقال: أو ليس هو الذي يقول:
هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يرجى أم قتيل نحاذره لا يطأ والله هذا لي بساطاً أبداً، فمن سواه بالباب منهم قال: الأخطل، قال: يا عون (1) أليس الذي يقول:
ولست بصائم رمضان طوعاً ... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عيساً بكوراً ... إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بزائر بيتاً بعيداً ... بمكة أبتغي فيه صلاحي
ولست بقائم كالعير أدعو ... قبيل الصبح حي على الفلاح
ولكني سأشربها شمولاً ... وأسجد عند منبلج الصباح والله لا يدخل علي أبداً وهو كافر، فهل رأيت سوى من ذكرت قال: نعم، رأيت الأحوص بن محمد الأنصاري، قال: أو ليس الذي يقول وقد أفسد على رجل من أهل المدينة جارية له حتى هرب بها منه:
الله بيني وبين وسيدها ... يفر مني بها وأتبعه
اضرب عليه، فما هو بدون من ذكرت، فمن هاهنا سواه أيضاً قال: جميل بن معمر العذري، قال: هو الذي يقول:
ألا ليتنا نحيا جميعاً وإن أمت ... يوافق لدى الموتى ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوي عليها صفيحها فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا فيعمل بعد ذلك صالحاً، والله لا يدخل علي أبداً، فهل سوى من ذكرت أحد قال: نعم جرير بن عطية، قال: نعم أما إنه الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فأرجعني بسلام فإن كان ولا بد فهو، قال: فأذن لجرير، قال: فدخل وهو يقول:
إن الذي بعث النبي محمداً ... جعل الخلافة للإمام العادل
وسع الخلائق عدله ووفاؤه ... حتى أرعوي وأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفس مولعة بحب العاجل فلما مثل بين يديه قال: يا جرير ويحك اتق الله ولا تقل إلا حقاً، فأنشأ يقول:
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني بما بلغت من خبري
كم باليمامة من شعثاء أرملةٍ ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوف كأن به ... خبلا من الجن أو مساً من البشر
خليفة الله ماذا تأمرون لنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زلت بعدك في همٍ يؤرقني ... قد طال في الحي إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا بدو على حضر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
زان الخلافة إذ كانت له قدراً ... كما أتى ربه موسى على قدر

هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
الخير ما دمت حياً لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمر فقال: ويحك يا جرير ما أرى لك فيما ههنا حقاً، قال: بلى يا أمير المؤمنين، أنا ابن سبيل ومنقطع بي، فأعطاه من صلب ماله أربعمائة درهم ؛ قال: وقد ذكر أنه قال له: ويحك يا جرير لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلثمائة درهم، فمائة أخذها عبد الله ومائة أخذتها أم عبد الله، يا غلام أعطه المائة الباقية، قال: فأخذها وقال: والله هي أحب مال كسبته إليّ؛ قال: ثم خرج فقال له الشعراء: ما وراءك قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء وإني عنه لراض، ثم أنشأ يقول:
رأيت رقي الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا [وقد كتبت هذا الخبر من طرق، والقصص فيها مختلفة] (2) .
ويحكى أن جريراً لما قال:
يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا سأله الفرزدق: ولو كان ساكنه قروداً فقال له جرير: لو أردت لقلت ما كانا ولم أقل من كانا.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

ودخل جرير على الوليد وعنده عدي بن الرقاع، فقال الوليد لجرير: أتعرف هذا قال: لا، قال: هو ابن الرقاع، قال جرير: شر الثياب ما كانت فيه الرقاع، قال: إنه من عاملة، قال: عاملة ناصبة، قال: ما تريد من رجل يمدح أحياء بني أمية ويرثي موتاهم والله لئن هجوته لأركبنه عنقك، فخرج جرير وابن الرقاع وراءه، فقال: أيها الناس، كدت أخرج إليكم وهذا القرد على عنقي.
 

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

جرير بن عطية بن حذيفة الخَطَفي بن بدر الكلبيّ اليربوعي، من تميم:
أشعر أهل عصره. ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم - وكان هجاءاً مرّا - فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل.
وكان عفيفا، وهو من أغزل الناس شعرا. وقد جمعت (نقائضه مع الفرزدق - ط) في ثلاثة أجزاء، و (ديوان شعره - ط) في جزأين. وأخباره مع الشعراء وغيرهم كثيرة جدا. وكان يكنى ب أبي حَزْرَة. ولجميل سلطان (جرير، قصة حياته ودراسة أشعاره - ط) .

-الاعلام للزركلي-

 

 

جَرِيرُ ابْنُ الْخَطَفَى، وَهُوَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ سَلَمَةَ، أَبُو حَزْرَةَ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ [الوفاة: 101 - 110 ه]
الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ.
مَدَحَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الأُمَوِيِّينَ، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهَى وَإِلَى الْفَرَزْدَقِ فِي حُسْنِ النَّظْمِ، فَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرًا وَمَا يَضُمُّ شَفَتَيْهِ مِنَ التَّسْبِيحِ، فَقُلْتُ: مَا يَنْفَعُكَ هَذَا وَأَنْتَ تَقْذِفُ الْمُحْصَنَاتِ! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ حقٌ.
وعن بشار قَالَ: كَانَ جَرِيرٌ يُحْسِنُ ضُرُوبًا مِنَ الشِّعْرِ لا يُحْسِنُهَا الْفَرَزْدَقُ.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ، عَنْ يُونُسَ قَالَ: كَانَ الْفَرَزْدَقُ يَتَضَوَّرُ وَيَجْزَعُ إِذَا أَنْشَدَ لِجَرِيرٍ، وَكَانَ جَرِيرٌ أَصْبَرَهُمَا. [ص:22]
قَالَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ: أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّامِ على جرير والفرزدق، وَالأَخْطَلُ دُونَهُمَا، وَمِمَّنْ فَضَّلَ جَرِيرًا عَلَى الْفَرَزْدَقِ: ابْنُ هَرِمَةَ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ هِلالٍ.
قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: قَالَ الْفَرَزْدَقُ لامْرَأَتِهِ النَّوَّارِ: أَنَا أَشْعَرُ أَمِ ابْنُ الْمَرَاغَةِ؟ قَالَتْ: غَلَبَكَ عَلَى حُلْوِهِ وَشَرِكَكَ فِي مُرِّهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ: ذَاكَرْتُ مَرْوَانَ بْنَ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ:
ذَهَبَ الْفَرَزْدَقُ بِالْفَخَارِ وَإِنَّمَا ... حُلْوُ الْقرِيضِ وَمُرُّهُ لجرير
هشام ابن الْكَلْبِيِّ، عَنِ أَبِيهِ، أَنَّ أَعْرَابيًّا مَدَحَ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فَأَحْسَنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: تَعْرِفُ أَهْجَى بيتٍ فِي الإِسْلامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَوْلُ جَرِيرٍ:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نميرٍ ... فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلَابَا
قَالَ: أَصَبْتَ، فَهَلْ تَعْرِفُ أَرَقَّ بَيْتٍ قِيلَ فِي الإِسْلامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَوْلُ جَرِيرٍ:
إِنَّ الْعُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانَا
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لا حَرَاكَ بِهِ ... وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ أَرْكَانَا
قَالَ: أَحْسَنْتَ، فَهَلْ تَعِرفُ جَرِيرًا؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ وَإِنِّي إِلَى رُؤْيَتِهِ لَمُشْتَاقٌ، قَالَ: فَهَذَا جَرِيرٌ، وَهَذَا الأَخْطَلُ، وَهَذَا الْفَرَزْدَقُ، فَأَنْشَأَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ:
فَحَيَّا الإِلَهُ أَبَا حَزْرَةٍ ... وَأَرْغَمَ أَنْفَكَ يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به ... ودق خياشمه الجندل
فَأَنْشَأَ الْفَرَزْدَقَ يَقُولُ:
بَلْ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفًا أَنْتَ حَامِلُهُ ... يَا ذَا الْخَنَا وَمَقَالِ الزُّورِ والخطل
ما أنت بالحكم الترضى حُكُومَتَهُ ... وَلا الأَصِيلُ وَلا ذِي الرَّأْيِ وَالْجَدَلِ.
فَغَضِبَ جَرِيرٌ وَقَالَ أَبْيَاتًا، ثُمَّ وَثَبَ فَقَبَّلَ رَأْسَ الأَعْرَابِيِّ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ [ص:23] الْمُؤْمِنِينَ جَائِزَتِي لَهُ، وَكَانَتْ كُلَّ سَنَةٍ خَمْسَةُ عَشْرَ أَلْفًا، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَلَهُ مِثْلُهَا مِنِّي.
قَالَ نَفْطَوَيْهِ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُزَنِيُّ أَنَّ جَارِيَةً قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ: يَدْخُلُ عَلَيْكَ جَرِيرٌ فَيُشَبِّبُ بِالْحُرُمِ، قَالَ: مَا عَلِمْتُهُ إِلا عَفِيفًا، قَالَتْ: فَأَخْلِنِي وَإِيَّاهُ، فأخلاهما، فقالت: يا جرير، فنكس رأسه، وقال: هاأنذا، قَالَتْ: بِاللَّهِ أَنْشِدْنِي قَوْلَكَ:
أُوَانِسُ أَمَّا مَنْ أَرَدْنَ عَنَاءَهُ ... فعانٍ وَمَنْ أَطْلَقْنَ فَهُوَ طَلِيقُ
دَعَوْنَ الْهَوَى ثُمَّ ارْتَمَيْنَ قُلُوبَنَا ... بِأَسْهُمِ أعداءٍ وَهُنَّ صَدِيقُ
فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ هَذَا وَلَكِنِّي الْقَائِلُ:
وَمَنْ يَأْمَنُ الْحَجَّاجَ أَمَّا نَكَالُهُ ... فصعبٌ وَأَمَّا عَهْدُهُ فَوَثِيقُ
يُسِرُّ لَكَ الْبَغْضَاءَ كُلُّ منافقٍ ... كَمَا كُلُّ ذِي دينٍ عَلَيْكَ شَفِيقُ
وَلِجَرِيرٍ:
يَا أُمَّ نَاجِيَةَ السَّلامُ عَلَيْكُمُ ... قَبْلَ الرَّحِيلِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْمَعْدَلِ
لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ آخِرَ عَهْدِكُمْ ... يَوْمَ الرَّحِيلِ فَعَلْتُ مَا لَمْ أَفْعَلِ
تُوُفِّيَ جَرِيرٌ سَنَةَ عشرٍ وَمِائَةٍ بَعْدَ الْفَرَزْدَقِ بِشَهْرٍ.

تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام - لشمس الدين أبو عبد الله بن قَايْماز الذهبي.

 

أبو حزرة جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلم بن عوف بن كليب التميمي الخَطَفى الشاعر المشهور، المتوفى باليمامة سنة عشر ومائة وقيل إحدى عشرة. وهو أشعر من الفرزذق عند الأكثر وكانت بينهما مهاجاة ونقائض وهو أحد الشعراء الثلاثة وفائقهم في أنواع الشعر وكان مع حسن تشبيهه عفيفاً وكان الفرزذق فاسقاً وقد التقيا بمنى وهما حاجَّان فقال الفرزدق لجرير:
فإنك لاقٍ بالمشاعر من منى ... فخاراً فخبرني بما أنت فاخره
فقال له جرير: بلبيك اللهم لبيك. فاستحسنوا هذا الجواب منه.
ولما مات الفرزذق وبلغ خبره جريراً بكى وقال أما والله إني لأعلم أنني قليل البقاء بعده ولقد كان نجمنا واحد وكل واحد منا مشغول بصاحبه وقلَّ ما مات خلٌّ أو صديق إلا تبعه صاحبه وكذلك كان.
والجرير الحبل سَمّته أمه به لما رأت في نومها وهي حامل به كأنها ولدت حبلاً من شعر أسود يقع في أعناق الرجال فأوّلت الرؤيا بأنه غلام شاعر ذو شكيمة.
والخطفى: لقب جده حذيفة. ذكره ابن خلِّكان.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.