السيد عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر الحنفي القدسي نقيب القدس وشيخ الحرم بها ورئيسها وعين أعيانها السيد الشريف الجواد الممدوح الكامل السخي المعتبر الشهير اللطيف صاحب الفخر الأثيل والمجد العريق الجميل كان أحد من تفرد بوقته بالجود والكرم حسن الأخلاق مهاباً رفيع القدر سليم النفس طيب الأعراق زاكي الخصال ذا بشاشة وفيه محباً للفقراء والضيفان مسدي المعروف لأهله والاحسان ولد في سنة خمس عشرة ومائة وألف ونشأ في السيادة رافلاً وفي السعادة راتعاً وأسفر صبح معاليه وطابت أيامه ولياليه وتولى منصب نقابة الأشراف ومشيخة الحرم الشريف واستبد مشيداً أركانه ومؤطراً للواردين من الاكرام بنيانه واشتهر وذاع وملأ صيته الأفواه والأسماع وأقبلت عليه من كل ناحية الوراد ووفدت إليه من كل بقعة غرائب العباد وهو يوسعهم اقبالاً وتبجيلاً ويزيدهم مكرمة وتفضيلاً وكان يتقدم لخدمة الضيوف بنفسه وأولاده ويقابلهم بوجه ضحوك ويعظم الضعيف قبل الشريف ولما قدر الله تعالى على الحجاج ما قدر من نهبهم وما جرى عليهم في زمن الوزير حسين باشا بن مكي الغزي وردت الحجاج من كل فج إليه مشلحين بلا زاد ولا رداء أفواجاً وأفراداً فكان يتلقاهم بصدررحيب ويوسع لهم الحباء ويمنحهم التقريب وهو يكسو العاري ويطعم الجائع وأرفدهم بذلك بمزيد الاجتهاد من الاكرام وكان نزيل ساحته ومسافره إذ ذاك الفاضل الأديب الشيخ محمداً أبا النصر الطرابلسي فقال يمدحه حاكياً هذه القضية بقوله
بشراك بالاسعاف والاسعاد ... والعز والاقبال والامداد
يا سيداً قد حاز كل فضيلة ... يا كوكباً لذوي الحوائج هادي
مولاي بل مولى الأنام لطائفاً ... أحرزتها من غير ما ميعاد
قد قمت لله العليّ جلاله ... حق القيام على مدى الآماد
ومنحت وفد الله خير منائح ... وحبوتهم وشفيت غلة صادي
ورحمت رغبتهم بأنس زائد ... وأزلت عنهم وحشة الأبعاد
وأنلتهم لأجل ما قد أملوا ... فأغثتهم يا مأمل القصاد
فغدوا وكل شاكر لك حامد ... مثن عليك وقد منحت أيادي
لكم لقد رفعوا أكفاً بالدعا ... يا ربنا كن عونه يا هادي
وأعذه يا رباه من شر العدا ... وأكفه شرار الخلق والحساد
فأشكر على ما قد رزقت من العطا ... فالشكر للنعماء أفضل زاد
وأعلم بأنك قد بلغت مطالباً ... من غير ما عزم ولا استعداد
فأبشر وطب واهنأ بعز شامخ ... لا زلت تمنح غادياً مع بادي
وأرق العلى أبدا على رغم العدا ... مع سائر الأحباب والأولاد
ما غرّدت قمرية في دوحها ... تشدو فتطرب رائحاً مع غادي
وامتدح بقصائد وأبيات كثيرة وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي فقال من قصيدة يهنئه فيها بزفاف ولديه ومطلعها
إن المعالي والسيادة والمنن ... والمجد والاجلال والخلق الحسن
نيطت بآل البيت من سادوا الورى ... شرفاً وشادوا في العلى أقوى سنن
وتملكوا الأعناق بالجود الذي ... يزري بودق الساريات إذ أهتن
وسموا السماك بلا مدان وارتدوا ... أزر التقى وتقلدوا سيف الفطن
وتمنعوا عما يشين وأوسعوا ... بشرى لمن في ظل جاههم قطن
وبجدهم نالوا الفخار وما ارتضوا ... زهر النجوم بأن تكون لهم سكن
فهم الأولى لا شك نستسقي بهم ... غيث الغمام إذا بنا ضاق العطن
وبحبهم نرجو مقامات العلا ... وبجاههم نبغي الخلاص من الأحن
قوم نراهم ما جرى ذكراهم ... في محفل الا به افتخر الزمن
فهم النجوم المهتدي بضيائها ... إن عمت البلوى وأزعجت الفتن
لا سيما رب المكارم والندى ... ورئيسهم من قد حوى الأجلال عن
من حاتم عند انسياب أكفه ... هو ما در بل بالندى هيهات أن
فرد الزمان وتاج مفرق عزه ... والدافع الجلاء والمولى المنن
ومن استعار الغيث فضل نواله ... إذ رام يهمي والسحاب إذا أرحجن
وحوى المحامد واستبدّ بجمعها ... وعن العيون بكسبها زاوي الوسن
ورقى معاريج الكمالات التي ... من رامها قالوا له أنت ابن من
لا عيب فيه غير أن نزيله ... ينسى به ذكر الأحبة والوطن
فكأنما كفاه لم تخلق سوى ... لصنائع المعروف سراً أو علن
فهو الهمام ابن الهمام المرتجي ... وهو الشريف ابن الامام المؤتمن
وامتدحه غيره من دمشق وغالب الأطراف وورد دمشق وتكرر منه الورود وأقبلت عليه أهاليها ورؤساؤها وصدورها وعلماؤها سيما والدي فإنه كان يجله ويحترمه ويوده ويعظمه وبينهما مودة ومصافاة وارتحل للديار الرومية ولم يزل في القدس صدرها الذي عليه مدار رحاها والمطمح الذي لذوي الحاجات والوراد نيل رجاها إلى زمن الوزير عثمان باشا والي دمشق وأمير الحاج فلعدم امتزاج أهالي تلك النواحي مع الوزير المذكور حصل له من طرفه صدع اضمحل به عزه وأراد هتكه وإهانته وأوقع أهل الفساد بينهما من المشاحنات ما أدى إلى البغض والعداوة حتى إنه نبه عليه أن يلزم داره ولا يتعاطى سوى أمور النقابة ولم يزل على ذلك حتى عرض بالنقابة لولده السيد عبد الله واستقام على حالته الحسنة ولم يتغير عن كرمه وترجيه وإسعافه الوراد والقصاد وعن طريقته في ذلك ولم يزل رئيساً معتبراً إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأربعاء ثاني شهر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكر والده رحمه الله تعالى.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل.