شيخنا الفقيه القاضي الحسن بن عثمان بن عطيّة بن موسى بن يوسف بن عبد العالي التّجاني المعروف بالوانشريسي
[كنيته:]
يكنى أبا عليّ، وأدركته، ورأيته.
وهو من أهل مكناسة الزيتون. ومولده بتاوريرت من حوز مكناسة. وهو من قبيلة تجّين. وآباؤه كلّهم فرسان أولو شجاعة.
وجدّه عطيّه هو الذي ارتحل منهم عن بلاد التّجانيّة، واستقر ببلاد مرين ملوك المغرب في دولة السّلطان أبي يعقوب يوسف، وكان فارسا شجاعا، فاستخدمه ملوك مرين ثمّ تخلّى عن الخدمة السلطانية وأقبل على طلب الآخرة؛ وسكن بحوز مكناسة. وكان له أولاد نجباء فقهاء وهم: عثمان-وهو أكبرهم-وهو والد شيخنا القاضي أبي عليّ هذا. وعبد الله-وهو الذي يليه-والحسن. وهؤلاء الثلاثة أشقاء. ويونس وإبراهيم. وكلهم فقهاء.
وأمّا الحسن منهم فهو فقيه متفنّن حافظ بمسائل الفقه بصير بالفروع واللغة والحديث والتاريخ؛ وهو أحد المفتين بفاس.
وأما كتاب الإمام العالم المفتي المدرّس الصالح أبي إسحاق إبراهيم ابن عبد الله بن عبد الرحيم اليزناسني وغيره من فاس يسمّونه ابن رشد لحفظه لمسائل الكتاب المذكور. وهو-مع معرفته بالعلم- متورّع، متواضع، حسن الأخلاق، صادق اللهجة، شديد في الحقّ. وولي القضاء ببادس في دولة السلطان أبي الحسن المريني. وهو الآن في هذا الوقت الذي ألّفت فيه كتابي هذا بفاس يقرئ بجامعها الأعظم المسمّى بالقرويين: المدوّنة والجلاّب والرسالة وكل ذلك لم أغب عن حلقته لاقتباس علمه وبركته، وذلك حين مقامي بفاس لمّا أخرجنا عن بلادنا الأندلسيّة بنو عمنا الملوك بنو الأحمر من بني نصر.
نرجع إلى ذكر شيخنا القاضي أبي عليّ الحسن المذكور. كان قد برز عدلا-في صغره-في سماط شهود مكناسة. ثم ارتحل إلى فاس، فاستنابه في القضاء شيخنا القاضي الخطيب الإمام المفتي المدرّس أبو عبد الله الفشتالي. ثم قدّمه السلطان أبو فارس عبد العزيز المريني على قضاء بلده مكناسة. ثم أنقله منها، وولاّه القضاء بسلا. ثم تخلّى عن القضاء. وهو الآن في سماط شهود فاس عدل. ويقرئ في هذا الوقت بجامع القرويّين كتاب ابن الحاجب الفرعي. وهو أحد شيوخ حضرت حلقته في كتاب ابن الحاجب.
وأجازني إجازة عامّة.
حاله-سلّمه الله تعالى-:
له باع في الفرائض والفروع جسيم، وسماوة همّة وذكاء وسيم.
وشعره فيه حلاوة، وكلامه فيه عذوبة وعليه طلاوة. كان قاضي الجماعة الفشتالي بفاس قد استنابه، فأظهر في الحقّ صلابه. ثمّ استقضاه السّلطان بمكناسة وسلا؛ فجدّ في إقامة الشّرع ولا الحقّ سلا. ولم ير له ما يستقبح في أحكامه، بطلول أيامه.
كنت قد تفكرت يوما في ذنوبي-وأنا بفاس-حين مقامي بها -في حضرة الملوك من بني مرين-فرأيتها جمة أعظم من أن أحصيها، فأحزنني ذلك، وساءني، فبعثت له بقولي:
يا أوحد الفقهاء والكبراء … وأخي التّقى والفضل والعلياء
قل لي وقاك الله كل مساءة … وحباك كلّ مسرّة وبهاء! -
كيف الخلاص من الهوى وأنا له … تبع مدى الإصباح والإمساء؟
فجاوبني بقوله:
يا ابن الملوك الأكرمين ذوي العلى … أهل الوفاء وملجأ الضّعفاء
هذا قريضك قد أتاني منبئا … عن بعض ما أودعت من علياء
وطلبت ما ينفي متابعة الهوى … وينيل كلّ مسرّة وبهاء
فاعلم فدتك النّفس أني أشتكي … فوق الذي تشكو من البرحاء
ولعلّ مولانا ينيل جميعنا … عزّ التّقى في زمرة السّعداء
أمسكت رقعتك التي وجّهتها … من كونها خصّت بحسن ثناء
وعليك مني ألف ألف تحيّة … في ضعفها تترى بكلّ ثناء
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.
أبو علي الحسن بن عثمان بن عطية الونشريسي ابن أخي الحسن بن عطية: المتقدم الذكر قريباً الإِمام الفقيه الفرضي الفاضل المفتي المدرّس القاضي العادل، أخذ عن أبي البركات ابن الحاج البلفيقي وغيره؛ وعنه لسان الدين ابن الخطيب وابن الأحمر؛ له رجز في الفرائض حسن سلس وفتاوى نقل الونشريسي في معياره جملة منها؛ مولده في حدود سنة 724 هـ وكان حياً قرب التسعين وسبعمائة.
الحسن بن عطية التجاني المكناسي المعروف بالونشريسي: الفقيه الفاضل العالم الكبير القاضي العادل، أخذ عن أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل بن الصباغ الخزرجي المكناسي وغيره، وعنه ابن الخطيب القسنطيني وابن الأحمر، له فتاوى ذكر في المعيار جملة منها، توفي سنة 781 هـ[1379م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف