محمد بن أبي الحسن محمد بن محمد البكري الصديقي المصري

تاريخ الوفاة993 هـ
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • القدس - فلسطين
  • القاهرة - مصر

نبذة

وَفِي ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين توفّي الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم قطب العارفين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عوض بن عبد الْخَالِق بن عبد الْمُنعم ابْن يحيى بن يَعْقُوب بن نجم الدّين بن عِيسَى بن دَاوُد بن نوح بن طَلْحَة بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ الْمصْرِيّ وَأم جده الْأَعْلَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد فَاطِمَة بنت الشريف تَاج الدّين الْقرشِي بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يرحم بن حسان بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْحسن الْمثنى بن بن حسن السبط وَرُوِيَ أَن الشَّيْخ كَانَ يفتخر بِهَذِهِ النِّسْبَة النَّبَوِيَّة وَيَقُول مَا أحب أَن لي بهَا كَذَا وَكَذَا

الترجمة

وَفِي ربيع الثَّانِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين توفّي الْأُسْتَاذ الْأَعْظَم قطب العارفين الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْحسن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عوض بن عبد الْخَالِق بن عبد الْمُنعم ابْن يحيى بن يَعْقُوب بن نجم الدّين بن عِيسَى بن دَاوُد بن نوح بن طَلْحَة بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْبكْرِيّ الصديقي الشَّافِعِي الْأَشْعَرِيّ الْمصْرِيّ وَأم جده الْأَعْلَى أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد فَاطِمَة بنت الشريف تَاج الدّين الْقرشِي بن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يرحم بن حسان بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْحسن الْمثنى بن بن حسن السبط وَرُوِيَ أَن الشَّيْخ كَانَ يفتخر بِهَذِهِ النِّسْبَة النَّبَوِيَّة وَيَقُول مَا أحب أَن لي بهَا كَذَا وَكَذَا
وَكَانَ هَذَا الشَّيْخ من آيَات الله فِي الدَّرْس والإملاء فَكَانَ إِذا تكلم فِيهِ تكلم بِمَا يحير الْعُقُول وَيذْهل الأفكار بِحَيْثُ لَا يرتاب سامعه فِي أَن مَا يتَكَلَّم بِهِ لَيْسَ من جنس مَا ينَال بِالْكَسْبِ وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ بِكَلَام لَا يفهمهُ أحد من أهل مَجْلِسه مَعَ كَون كثيبر مِنْهُم أَو أَكْثَرهم على الْغَايَة من التَّمَكُّن فِي سَائِر الْعُلُوم الإسلامية والإحاطة بفنونها فيذكر لَهُ ذَلِك بعد الْقيام من الْمجْلس فَيَقُول لَيْسَ ذَلِك بِأَعْجَب من حَال الْمُتَكَلّم بِهِ فإنني فِيهِ مثله وَكَانَ إِلَيْهِ النِّهَايَة فِي اعْلَم حَتَّى كَانَ بعض أَئِمَّة الْعُلُوم والمعارف هُنَاكَ مِمَّن أفنى عمره فِي كسب الْعُلُوم الدِّينِيَّة والمعارف الربانية يَقُول وَالله لَا نَدْرِي من أَيْن هَذَا الْكَلَام الَّذِي نَسْمَعهُ من هَذَا الْأُسْتَاذ وَلَا نعلم لَهُ أصلا يُؤْخَذ مِنْهُ وَلَوْلَا الْعلم بسد بَاب النُّبُوَّة لاستدلينا بِمَا نَسْمَعهُ مِنْهُ على نبوته
وَأما مجالسه فِي التَّفْسِير بوما يقرره فِيهَا من الْمعَانِي الدقيقة والأبحاث الغاضة مَعَ اسْتِيعَاب أَقْوَال آثمة التَّفْسِير من السّلف وَالْخلف وَبَيَان أولاها بالاعتماد عِنْده وَذكر المناسبات بَين السُّور والآيآت وَبَين أسمآء الذَّات المقدسة وَالصِّفَات ومواضعها وَمَا قَالَه آثمكة الطَّرِيق فِي كل آيَة من عُلُوم الْإِشَارَة فَإِن الْقُرْآن نزل بهَا أَيْضا فَذَاك مِمَّا يحير الْعُقُول ويدهش الخواطر مَعَ كَون مَا يلقيه من ذَلِك كُله من أَلْفَاظ مخترعة بَالِغَة فِي الفصاحة والبلاغة والجزالة والإيضاح إِلَى الْغَايَة الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا غَايَة مَعَ كَون أَكْثَرهَا أَو جَمِيعهَا مسجعاً مقفى معرباً مَوْضُوعا فِي مَحَله الَّذِي لَا أولى مِنْهُ بِهِ لم يحفظ لَهُ أحدا هفوة فِي لفظ من أَلْفَاظه من جِهَة اعراب أَو تصريف أَو تَقْدِيم أَو تَأْخِير أَو غير ذَلِك من هفوات الْأَلْسِنَة فِي تَقْرِير الْعُلُوم وَمَا من درس من دروسه إِلَّا وَهُوَ مفتتح بِخطْبَة بديهية أَو غير بديهية مُشْتَمِلَة على الْإِشَارَة إِلَى كَا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ ذَلِك الدَّرْس على طَرِيق براعة الاستهلال
وَهَكَذَا كَانَت مجالسه فِي الحَدِيث وَالْفِقْه وكل علم يتصدر لتقريره لَا يظنّ سامعه المتمكن فِي ذَلِك الْعلم الْحَافِظ لأصوله وفرعه أَنه ترك فِي كل بحث كلمة لأحد من الْمُتَكَلِّمين فِيهِ مَعَ مَا يبديه هُوَ من اختياراته الشريفه وَكَانَ الشُّعَرَاء من فضلاء مصر المتمكنين فِي علم اللُّغَة وقواعد الشّعْر ومذاهب الانشاء يقصدون يَوْم خَتمه فيكتبون القصائد البديعة فِي مدحه وَبَيَان مَا من الله بِهِ عَلَيْهِ من سَائِر النعم الظَّاهِرَة والباطنة فتتلى أَو المهم مِنْهُ على رُؤُوس الأشهاد فِي مجْلِس الشريف وَفِيه خلائق من الْخَاصَّة والعامة وَيجْلس هُوَ نفعنا الله ببركاته لاستماع مَا يُتْلَى مِنْهَا بَين يَدَيْهِ ويجيز على كل مِنْهَا وَيظْهر السرُور بهَا لطفاً مِنْهُ بأصحابها وجبراً لخواطرهم ومقابلة لحسن ظنهم وعقائدهم نفعنا الله ببركاته وَكَانَ إِذا قَامَ من كل مجْلِس جلس فِيهِ للتدريس فِي الْجَامِع الْأَزْهَر أَو غَيره يتَقَدَّم إِلَيْهِ النَّاس لتقبيل يَده والتبرك بدعائه إِذْ ذَاك والقرب من مَوْضِعه الشريف الَّذِي هُوَ مَوضِع الرَّحْمَة وَيَقَع بَينهم ازدحام عَظِيم وَرُبمَا سقط بَعضهم تَحت أَقْدَام النَّاس وَحَوله إِذْ ذَاك جمَاعَة من جند السُّلْطَان الرّوم وَغَيرهم قد حَلقُوا على حَضرته بِأَيْدِيهِم خشيَة عَلَيْهِ من الايذاء بالازدحام وَرُبمَا أَخذ وَاحِدًا مِنْهُم بِيَدِهِ الشَّرِيفَة وَهِي ممدودة لتقبيل النَّاس لطول زمن مدها لَهُم إِذْ كَانَ يقف لَهُم بعد درسه نَحْو سَاعَة زمنية ثمَّ يسير إِلَى جِهَة دَابَّته وَالنَّاس على الْغَايَة فِي الازدحام عَلَيْهِ إِلَى أَن يصل إِلَيْهَا وَمِمَّا يشْهد بِكَوْنِهِ بالْمقَام الْأَعْلَى من الْإِحَاطَة بأنواع الْعُلُوم وأصناف المعارف مَا كَانَ يتَكَلَّم بِهِ فِي مجالسه الْخَاصَّة والعامة من منظوم الْكَلَام ومنثوره
وَلما مرض وَالِده شيخ الْإِسْلَام وَفَارِس ميدان الْعُلُوم والمعارف أَبُو الْحسن الْبكْرِيّ نفعنا الله ببركاته مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ اختلى بولده الْمَذْكُور وَخَصه من مواهب اله بِمَا خصّه الله بِهِ ثمَّ استدعى بتلامذته ومريديه من شُيُوخ الْإِسْلَام وكبراء الْإِعْلَام مِمَّن أفنوا أعمارهم فِي الاستفادة مِنْهُ وَالْأَخْذ عَنهُ وَأمره بالاستفادة مِنْهُ وَالْأَخْذ عَنهُ وَالدُّخُول تَحت حكمه ثمَّ لما انْتقل وَالِده إِلَى دَار الْكَرَامَة هم بعض من عُظَمَاء تلامذته بِالْجُلُوسِ فِي مجْلِس وَالِده بالجامع الْأَزْهَر ظنا مِنْهُ أَن وَلَده الْمَذْكُور لم يبلغ رُتْبَة الْجُلُوس فِي مجْلِس وَالِده لصِغَر سنه إِذْ ذَاك فَإِن عمره إِذا ذَاك كَانَ نَحوا من إِحْدَى وَعشْرين سنة مَعَ أَنه لم يسْبق لَهُ قبل ذَلِك اشْتِغَال بِالْعلمِ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ التأهل للجلوس فِي مجْلِس وَالِده الَّذِي هُوَ بالْمقَام الْأَعْلَى من كل علم وَمَعْرِفَة وَإِلَّا لم يستبعدوا ذَلِك مِنْهُ
وَقد ذكر اليافعي فِي تَارِيخه أَن ابْن سينا فرغ من الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وعمره ثَمَان عشرَة سنة مَعَ مَا قيل فِي ابْن سينا من الْقدح الْمَدْح فتقرر الْأَمر على أَن يعقدوا للمذكور مَجْلِسا يكون فِيهِ أَكثر عُلَمَاء مصر من سَائِر الْمذَاهب أَو كُله فَحَضَرُوا وَشرع الْمَذْكُور فِي تَقْرِير الْعُلُوم عَن ظهر قلب وَفِي ظَنِّي أَن كَلَامه كَانَ مَشْرُوعا فِي تَفْسِير الْقُرْآن فقرر فِي ذَلِك الْمجْلس من أَنْوَاع الْعُلُوم وأصناف المعارف مَا بهر عُقُولهمْ وحير البابهم فِي أَلْفَاظ لم يسمع السامعون فِي زمانهم أفْصح وَلَا أبلغ وَلَا أمتن وَلَا أجزل وَلَا أجمع مِنْهَا فاذعنوا لَهُ من ذَلِك الْآن وَعرفُوا أَنه أَحَق مِنْهُم وَمن غَيرهم من عُلَمَاء مصر وَغَيرهَا بِمَجْلِس أَبِيه وَلم يزل من ذَلِك الْآن الصَّدْر الْمُقدم فِي كل مجْلِس جلس فِيهِ من مجَالِس عُلَمَاء الاسلام وعلماء أَرْكَان الدولية الْإِعْلَام إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى إِلَى مَا منحه الله تَعَالَى فضاهى أَبَاهُ فِي حَاله ومقاله وحذا حذوه فِي الْعُلُوم ونسج على منواله وَتَابعه فِي أخلاقه الحميدة وآثاره الصَّالِحَة حَتَّى قيل مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة وَقد أَشَارَ رَحمَه الله إِلَى مَا منحه الله من مَرَاتِب الْكَمَال فِي هَذَا السن فَقَالَ ... وصلت وسني عشرُون مَا ... تقاصر عَنهُ فحول الرِّجَال
فَمَا ابْن ثَمَانِينَ إِلَّا الْوَلِيد ... ومجدي يزِيد بقومي وآلي ...
وَله جملَة تصانيف مِنْهَا شرح على مُخْتَصر أبي شُجَاع فِي الْفِقْه وَكتب أَيْضا على أَوَائِل مَنْهَج شيخ الاسلام زَكَرِيَّا شرحا وَلم تساعد الْقُدْرَة على اتمامه وَله رسائل فِي أَنْوَاع من الْعُلُوم والمعرف والآداب كرسالة فِي الِاسْم الْأَعْظَم ورسالة فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورسالته فِي آدَاب الشَّيْخ والمريد ورسالته فِي الزِّيَارَة وَغَيرهَا من الرسائل الجامعة النافعة الدَّالَّة على كَمَال تمكنه فِي سَائِر الْعُلُوم الإسلامية والمعارف الربانية وديوان شعر كَبِير وَكَانَ على مَا قيل يَقُول وَقت الْوَارِد وَرُبمَا كَانَ بَين النَّاس بمنزله الشريف أَو بَين أَهله أَو وَحده فورد عَلَيْهِ الْوَارِد فاستدعى بالدواة والقرطاس وَكتبه إِذْ ذَاك وَمَا من معنى أَشَارَ إِلَيْهِ أَئِمَّة اطريف مِمَّا يتَعَلَّق بِالذَّاتِ المقدسة أَو الصِّفَات المنزهة أَو بِالذَّاتِ المحمدية وَالصِّفَات النَّبَوِيَّة إِلَّا وَله فِيهِ القَوْل الأبلغ وَاللَّفْظ الْأَفْصَح وَمن كَلَامه أقل وَاجِب على الْفَقِير أَن لَا يتَطَهَّر من نَجَاسَة الذُّنُوب بِالتَّوْبَةِ وَهِي الاقلاع عن المعصية والندم على فعلهَا والعزم على تَركهَا ورد الظلامة إِن كَانَت وَقدر وَعَلِيهِ أَن يتدارك فوائت صلوَات تَركهَا وَأَن يُبَادر بِالنّظرِ والالتفات لأستاذ يَخْدمه ويتمثل أمره ويؤمره على نَفسه ليرج لَهُ خبائثها وينقب لَهُ عَن دسائسها ويستعين بِاللَّه ثمَّ بِهِ على طهراته من ذَلِك فَإِذا صَحَّ ذَلِك للْفَقِير فَهُوَ الْغَنِيمَة الْكَبِيرَة والإكسير الْأَكْبَر والكبري الْحمر وه بعد استنشاق رَوَائِح الْوُصُول آدَاب مِنْهَا أَن لَا تقف عَن مرتبَة بل يتخطاها بِصدق الْيَقِين وَمِنْهَا أَن لَا يشْهد أَنه وصل فَذَلِك حجاب عَظِيم بل يغيب فِي شُهُوده وَذَلِكَ هُوَ الْمقَام الْكَرِيم وَمِنْهَا أَن لَا ينفذ سهم نقمة عَن قَوس نَفسه لأحد من الْخلق وَلَو بَالغ فِي أذيته بل يُبَالغ فِي مُعَامَلَته بِالرَّحْمَةِ حَتَّى يبلغ الامهال أَجله وَيفْعل الله مايشاء وَالسَّلَام
وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ لم كَانَ فِي أهل مَكَّة قسوة الْقلب وَفِي أهل الْمَدِينَة لينها فَقَالَ لِأَن أهل مَكَّة جاوروا الحجر وَأهل الْمَدِينَة جاوروا الْبشر وَأنْشد بَعضهم بِحُضُور الْأُسْتَاذ الْمَذْكُور قَول الشَّاعِر ... لله قَامُوس يطيب وُرُوده ... اغنى الورى عَن كل معنى أَزْهَر
نبذ الصِّحَاح بِلَفْظِهِ الْبَحْر من ... عاداته يلقى صِحَاح الْجَوْهَرِي ...

فَكسر الصَّاد من صِحَاح فَقَالَ الْأُسْتَاذ الصِّحَاح لَا تكسر فتعجب كل من كَانَ فِي الْمجْلس من هَذَا الْجَواب مَعَ سهولة اللَّفْظ والتروية ويروى عَن شيخ الْإِسْلَام الطبلاوي أَنه قَالَ الصِّحَاح بِالْفَتْح أفْصح وَأكْثر اسْتِعْمَالا وَمَا ألطف قَوْله قدس الله روحه إِذْ يَقُول ... مَا أَرض مفتح الأزهار وبهيج مشعشع الْأَنْوَار
ولآل منظمات عقوداً ... لغوان عرائس ابكار
وشموس تضيء فِي أفق السعد ... زها ضوءها على الأقمار
وغصون بايكها تسجع ... رق فتنسى ترنم الأوتار                                                                              .. مثل قَول الْإِلَه فِي حق جدي ... ثَان اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار ...
ومن نظمه فِي هَذِه الْوَسِيلَة الْعَظِيمَة وَهِي ... مَا أرسل الرَّحْمَن أَو يُرْسل ... من رَحْمَة تصعد أوتنزل
فِي ملكوت الله أَو ملكه ... من كل مَا يخْتَص أَو يَشْمَل
إِلَّا وطه امصطفى عَبده ... نبيه مختاره الْمُرْسل
وَاسِطَة فِيهَا وَاصل لَهَا ... يعلم هَذَا كل من يعقل
فلذ بِهِ فِي كل مَا ترتجي ... فَهُوَ شَفِيع دَائِم يقبل
وعذ بِهِ من كل مَا تختشي ... فَإِنَّهُ المأمن والمعقل
وَحط احمال الرجا عِنْده ... فَإِنَّهُ الْمرجع والموئل
وناده إِن أزمت انشبت ... أظفارها واستحكم المعضل
يَا أكْرم الْخلق على ربه ... يَا خير من فيهم بِهِ يسْأَل
قد مستني الكرب وَكم مرّة ... فرجت كرباً بعضه يذهل
وَلنْ يرى أعجز مني فَمَا ... لشدتي أقوى وَلَا أحمل
فبالذي خصك بَين الورى ... برتبة عَنْهَا العلى ينزل
عجل باذهاب الَّذِي اشْتَكَى ... فَإِن توقف فَمن أسأَل
فحيلتي ضَاقَتْ وصبري انْقَضى ... وَلست أَدْرِي مَا الَّذِي أفعل
فَأَنت بَاب الله أَي امرء ... أتاهمن غَيْرك لَا يدْخل
صلى عَلَيْك الله مَا صافحت ... زهر الروابي نسة شمال
مُسلما مَا فلح عطر الْحمى ... وطاب مِنْهُ الند والمندل
والآل والأصحا مَا غردت ... ساجعة أمكلودها مخضل ...
وَمِنْه هَذِه الأبيات وأنشدها بَين يَدي الحضرة النَّبَوِيَّة وَحكي أَنه سمع المصراع الْأَخير مِنْهَا من الحضرة النَّبَوِيَّة ... وَلما أَتَيْنَا قبر اشرف مُرْسل ... ولاح لناسر الْعِنَايَة ينجلي
وغيب سر الرّوح فِي ملكوته ... فَصَارَ عَن الأكوان فِي أَي معزل
وَسَار عَن الْجمع الْمُحِيط لربتبة ... تعالت بسر الذَّات عَن وصف منزل
عرضت عَلَيْهِ مَا أُرِيد فَقَالَ لي ... لِسَان تجلى الْحق مني بمقول
مجيباً بِمَا أملته من عطائه ... سمعنَا وأعطينا فَوق المؤمل ...                                                           وَمِنْه ... أَتَيْنَا على النجب الْعتاق لطيبة ... وَقد ضَاقَ من نَفسِي فسيح فضائها
وأنزلت حاجاتبي بِبَاب مُحَمَّد ... على ثِقَة من نحبها وقضاثها ...
وَمِنْه ... أحس من تنظر الْعُيُون فَتى ... عرفه الله أَنه الله
أبعد عَنهُ حظوظه فغدا ... فِي حَضْرَة قَصده الله
فرغه عَن جَمِيع عالمه ... فَصَارَ بِالْحَقِّ شغله الله
ادخله خلوه مُقَدَّسَة ... يذكرهُ فِيهَا وَذكره الله
علمه مَا يَشَاء ثمَّ علا ... بِهِ إِلَيْهِ فَعلمه الله
حقق فِيهِ الْقبُول مِنْهُ لَهُ ... فَإِن دَعَاهُ أَجَابَهُ الله
لطفه فارتقى وَزوج بِهِ ... فِي النُّور فضلا فنوره الله
بلغه الْمُنْتَهى وأوصله ... فَعَاد عبدا شُهُوده اله
ألبسهُ من ثِيَاب حَضرته ... ملابساً رقمها هُوَ اله
وَبعد أَن صَار مُنْفَردا علما ... قَالَ لَهُ إِنِّي أَنا الله ...
وَمِنْه ... إِذا صدق صَحَّ العَبْد فِي حب مَوْلَاهُ ... الأح لَهُ معنى الْجمال وابداه
وأغناه عَن أَوْصَافه ونعوته ... وَالْجمع فِي غيب الْحَقِيقَة أبقاه
وأبلسه تَاج المعارف وَالْهدى ... وآنسه بِالْقربِ مِنْهُ وَأَدْنَاهُ ...
وَمِنْه ... إِذْ يعمر قلب بالاله غَدا ... مرآه كل شُهُود كَامِل الرتب
واودعت فِيهِ بل لَهُ برزت ... كل العومن فَلم يحْتَج إِلَى كتب
وَصَارَ بَيْتا يطوف العارفون بِهِ ... ويدركون بِهِ المأمول من طلب ...
وَمِنْه أَي قلب قَابل الْحق فَلم ... ينشرح هَذَا الْخلاف الْوَاقِع
وَأي صدر صَار معنى سره ... ثمَّ لم يُغني بِفضل وَاسع
أَي عين أَبْصرت أنواره ... ثمَّ تلتاح لابهى سَاطِع                                                                          .. غير أَنِّي ضيق الصَّدْر فَمَا ... ذَاك إِلَّا من وجود الْمَانِع
ثمَّ لأحجر عَلَيْكُم سادتي ... إِن رحمتم أَو قطعْتُمْ قَاطع
هَكَذَا أبقى كئيباً بائساً ... حاش لله فذلي شَافِع
إِنِّي من تعلمُونَ أَنه ... لم يزل فِي الْبَاب أوفى خاضع
لم يزل للعفو مِنْكُم راجياً ... لم يزل فِي الْعَفو أقوى طامع
عجلوا بالغوث هَذَا وقته ... وارحموا ذل كئيب خاشع
عبدكم فقيركم كسيركم ... مَا لكم من جبره من دَافع ...
وَمِنْه ... إِذا خطب ذَنْب علينا دجا ... أنرنا دجاه بِنور الدجا
فكم شدَّة كمن ذنُوب عِظَام ... لَهَا الله بِالْعَفو قد فرجا
كم ضقت ذرعا بجرمي فَمَا ... وجدت سوى الفو لي مخرجا
فَللَّه الجأ وَلَا تيأسن ... فَمَا خَابَ عبد إِلَيْهِ التجا ...
وَمِنْه ... وَمَالِي شَيْء عَلَيْهِ اعْتِمَاد ... وَلَكِن إِلَى فضلك الِاسْتِنَاد
جعلتك ذخري ليَوْم الخطوب ... وغوثي وعوني يَوْم الميعاد ...
وَمِنْه ... إِذا ضَاقَ أَمر فَلَا تيأسن ... وَكن راجياً فضل رب مُجيب
فكم شدَّة وأتى بعْدهَا ... من الله نصر وَفتح قريب ...
وَمِنْه استفتح الْفضل بِخَير الورى ... رَسُول رب الْعَالمين الحبيب
وَلَا تخف بِاللَّه من حَاسِد ... فَإِن مَوْلَاك عَلَيْهِ رَقِيب
واستعن بِالْحَقِّ وخل السوي ... فَأَنت فِي حفظ الْقَرِيب الْمُجيب
واستمنح الْجُود بِهِ واثقاً ... بِاللَّه فَالرَّأْي بِهَذَا مُصِيب
وَاجعَل جَمِيع الْعُمر فِي طَاعَة ... فطاعة الْخَالِق أزكى نصيب
فَمن يطع الْخَالِق يُولد ... من فيضه الباهر سر عَجِيب
فابكي زَمَانا مر فِي غَفلَة ... بأدمع هاطلة كالصيب                                                                      .. وَتب إِلَى الله وخف قهره ... أَو عد إِلَيْهِ عود عبد منيب ...                                                       وَمِنْه ... لَيْسَ للْعَبد سوى الله ... فانتهض واصدق مَعَ الله
واترك الأكوان وارحل ... عَن سوى الله إِلَى الله
وَاحْذَرْ الأغيار واشهد ... كل ذِي الْأَشْيَاء من الله
والزم الْآدَاب واترك ... حَاله الْخلق إِلَى الله
هَكَذَا من كَانَ عبدا ... فوض الْأَمر إِلَى الله
لست تخشى قطّ سوء ... إِن توكلت على الله
لَا وَلَا صداً وطرداً ... إِن تَوَجَّهت إِلَى الله
كم عُيُوب ستر الله ... كم ذنوبا غفر الله ...
وَمِنْه ... إِذا ضَاقَ فَلَا تجزعن ... وسلمك الْمولى بِهِ قد حمكم
وَإِيَّاك إياك أَن تعترض ... فمعترض الْحق يلقى النَّدَم
وراض بأحكامه يرتقي ... من الْمجد فَوق معالي القمم
ويؤتيه مَطْلُوبه عَاجلا ... ويسعفه بسجال الْكَرم
وَيذْهب عَنهُ بتفريجه ... مضايقة الدي قد أهم
فَمَا سَاد أهل الصَّفَا غَيرهم ... سوى الْوَفَاء بعهود الذمم
وتسليمهم للاله الْعَزِيز ... وتفويضهم لمعيد النعم ...
وَمِنْه ... أمولاي قل لي ترى الدَّهْر باللقى ... يمن فلي شوق إلييك شَدِيد
وَهل تمتلي الْعين مِنْك بنظرة ... وَيقرب من بعد الْفِرَاق بعيد ...
وَمِنْه ... أود من الدُّنْيَا صديقا موافياً ... وفياً بِمَا أرضاه يرضى وينشرح
فَإِن لم أجد أَعرَضت عَن كل كَابر ... وَقلت لقلبي قد خلا الْكَوْن فاسترح ...                                          وَمِنْه ... إِن فِي الشاروخ معنى ... يظْهر الْعرْفَان سره ... إِن تعلى فَهُوَ وتر ... أَو تدلى فَهُوَ كثره ...
وَمِنْه ... قل لمن زَاد فِي ارْتِكَاب عَظِيم الذَّنب ... دهراً وللحدود تعدى ... مَا جَمِيع الذُّنُوب فِي جنب عَفْو الله ... إِلَّا أقل من أَن تعد ...
وَمِنْه ... يَا قلب إِن كنت قلبِي لَا تمل للْغَيْر ... واصبر على حكم من نهواه تلقى الْخَيْر ... واسلك وَلَو كنت فِي الرّفْعَة ضَعِيف السّير ... واصدق مَعَ الله ترزق مثل رزق الطير ...
وَمِنْه ... يَا قلب ان كنت قلبِي ارْض بالأقدار ... وراقب الله فِي الاعلان والاسرار ... واشهد بِعَين البصيرة بهجة الْأَنْوَار ... مُسْتَهْلكا لجَمِيع الْحجب والاستار ...
وَمِنْه ... يَا قلب ان كنت غب عَن الأكوان ... وطب بنشوة مَا لَهَا ادنان ... خمرة قديمَة علت عَن خير الْحدثَان ... هِيَ المدام وساقي الْقَوْم والندمان ...
وَمِنْه ... وَلَو أفرغوا كل الديَّان بباطى ... وَلَو ابتغ سكرا لما مسني سكري ... وَلَو ابْتغِي مُنْكرا وَقَالُوا مدامة ... رَأَيْت فى طاشت بسكرته الْخمر ...
وَمِنْه هَذَا الْفَرد وَهُوَ أنْشدهُ السيخ يحيى الخزاعلى وَهُوَ تلميذ وَالِده الشَّيْخ أبي الْحسن وَقَالَ اجز يَا يحيى ... ونفسك دع عَنْك التَّكَلُّف واطرح وَلَا تلْتَفت إِلَّا إِلَى الله تسترح ...
فَقَالَ الشَّيْخ يحيى ... ونفسك سر السِّرّ ان فقت تسترح ... فجل فِي مجَال الله بِاللَّه تسترح ...
وَمِنْه وَهُوَ مِمَّا قَالَ فِي مرض مَوته وَهُوَ آخر شعر أنْشدهُ                                                                   .. وَلَقَد اقول لطالبي إحسانهم ... إحسانهم يَأْتِيك سعياً بِلَا طلب ... كم فَرجوا من كربَة عَن عبدهم ... وَكَذَلِكَ هم أهل التَّفْرِيج الكرب ...
وَوجدت بِخَط صاحبنا الْعَلامَة شهَاب الدّين الشَّيْخ أَحْمد بن الْعَلامَة عَليّ البسكري الْمَكِّيّ الْمَالِكِي المغربي قَالَ انشدنا شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الْبكْرِيّ عِنْد نظره الى المَاء وتكسره وتجمده ... أنظر الى المَاء الذى ... بيد النسيم تجمدا ... قد شبهوه بميرد ... فلأجل ذَا يبرى الصيدا ...
وَالشَّيْخ عبد الْعَزِيز الزمزمي الْمَكِّيّ فِيهِ ... وانه قطب هَذَا الْوَقْت دون مرا ... بِهِ الْوُجُود ازدهى عطفا وانتظما ... سمى خير البرايا سبط عتريه ... ونجعل صديقه من فَضله عظما ... قد عَنهُ واسمع بِهِ وَانْظُر اليه نجد ... مَا قد ملا مسمعاً مَعَ مقله وفما ... حدث عَن الْبَحْر ان حَدِيث عَنهُ وَلَا ... عَلَيْك من حرج تخشى بِهِ التهما ... بَحر يفِيض علوماً من جوانبه ... بالبحث فِي كل فن موجه التطما ... من حَضْرَة الْقُدس فيضاً حل عَن ... الشَّيْخ تلقه إِلَّا بتخصيصص لَهُ قسما ... مواهب باكتساب لَا تنَال إِذا ... ادراكها اعجز الْحفاظ والفهما ...

وَمَا احسن قَول الأديب إِبْرَاهِيم ابْن المبلط فِيهِ من قصيدة طَوِيلَة ... وكراماته غدته ببنات ... لَيْسَ تخفى على النَّاس ظهورا ... من أَبى بكر الإِمَام لَهُ جد ... وَقد كَانَ للنَّبِي نَصِيرًا ... ورفيقا وصاحبا واتيا ... من عَدو فى الْغَار بَات مغيرا ... حَاز إِسْنَاد علو رفيعاً ... دَرَجَات على الْأَنَام وفورا ... اخذ الْعلم عَن أَبِيه عَن الصّديق ... عَن سيد الورى مأثورا ... لَا نجف عين علمه عين ضد ... فَهِيَ عين قد فجرت تفجيرا ...
وَله أَيْضا فِيهِ وَقد رَجَعَ من الْحَج ومدح فييها القهوة فَقَالَ ... كفى شرفا لَهَا انها ... قدار فِي الْحجر والحجره ... وانها تشرب فِي حَضْرَة ... الْأُسْتَاذ شيخ الْوَقْت والحضره ... مُحَمَّد نجل أبي بكر الصّديق ... أَعلَى رَبنَا قدره ...

.. أهللا بِهِ من قادم قد أَتَى ... بعد تَمام الْحَج والعمره ... مُسَافر طلعته أسفرت ... عَن طلعة الشَّمْس يَا لَهَا سَفَره ... فِي كل عَاميْنِ لَهُ حجَّة ... وَالْحج لم يفْرض سوى مره ... إِذا أَرَادَ الْحَج فى عَامه ... لَا يرد يخْشَى وَلَا حره ... مبارك الطلعة ميمونها ... فَمن رأى وَجها لَهُ سره ... قلت إِمَام عَارِف ذَاكر ... لله لَا تاخذه فتره ... لَهُ كرامات غَدَتْ للورى ... ظَاهِرَة مظهرة سره ... وَاعجَبا من حاسديه فَمَا ... ينالهم شَيْء سوى الحسره ... فَلَيْسَ فيهم من حذا حذوه ... وَلَيْسَ فيهم من قفا أَثَره ... مَا مِنْهُم الا قنبل بِلَا ... سيف ومذبوح بِلَا شفره ... يعجز عَن نيل علاهُ أمره ... لَيْسَ لَهُ قدر وَلَا قدره ... مَا اللَّيْث كالهر وَلَا الدّرّ ... كالحصى وَلَا الصارم كالابره ... ان كنت ذَا جهل بِعلم لَهُ ... فاسال أولي الْأَخْبَار والخبره ...
وَكَانَ الشَّيْخ يحجّ فِي كل عَاميْنِ مرّة وَلابْن المبلط فِي تَارِيخ مجْلِس بناه الْأُسْتَاذ ... يَا نَاظرا صلي على الْمُصْطَفى ... وَآله الغر وَأَصْحَابه ... وَاعْلَم بِأَن الْعلم كنز الْهدى ... فَمَا قوام الدّين إِلَّا بِهِ ... والزم حمى الْبكْرِيّ شمس العلى ... ومرغ الخد باعتابه ... ابوابه بالسعد مَفْتُوحَة ... يَا سعد من لَاذَ بأبوابه ... أنشأ بَيْتا جَاءَ تَارِيخه ... يسلم من يدْخل من بَابه ...
وَكَانَ شيخ أهل هَذَا الطَّرِيق حَالا وَإِمَام اربابها حَقِيقَة ورسما ومحمى رسوم المعارف فعلا واسماً عباب لَا تكدره الدلاء وسحاب تنقاصر عَنهُ الْأَنْوَار مَعَ مَا خصّه الله بِهِ من الْعُلُوم والمعارف والأخلاق وجمال الصُّورَة والهيبة والعرفان والسكينة والعفة والصيانة والجود وَالرَّحْمَة وَالْقِيَام بِحُقُوق الْخَاصَّة والعامة وَلَقَد رَأَيْت من أَقْوَاله وَبَلغنِي من أخلاقه وأحواله مَا لَا تسعها عبارَة وَلَا يهتدى إِلَيْهَا بِإِشَارَة وَذكروا لَهُ كرامات كَثِيرَة وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ نَظِير فِي زَمَانه وَلم يخلفه بعده مثله رَحمَه الله وَكَانَ وَالِده من كبار أهل الْعلم بل قيل انه كَانَ مُجْتَهد زَمَانه والمجدد على رَأس الْمِائَة التَّاسِعَة وأحق النَّاس بالقضاة وَقد عرض عَلَيْهِ فَامْتنعَ مِنْهُ قولا باتاً وَهُوَ الْمجمع على انه فريد عصره علما وَولَايَة وَحَالا افصح أهل زَمَانه قَلما ومقالاً وأعظمهم سؤددا وجلالة ورفعةً وكمالاً عَالم الْمُسلمين دون نزاع وَشَيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام الَّذِي انْقَطَعت عَن مضاهاته الأطماع وانتشرت مصنفاته كالآخذين عَنهُ إِلَى سَائِر الْبِقَاع واشتهرت كراماته ومكاشفاته حَتَّى رونها الألسن ووعتها الأسماع خَاتِمَة الْمُحَقِّقين لِسَان الْمُتَكَلِّمين حجَّة المناظرين بَقِيَّة السّلف الصَّالِحين
وَحكي أَن أمه رَأَتْ فِي الْمَنَام وَهِي حَامِل بِهِ كَأَن الشَّمْس أَو الْقَمَر فى سبايتها فَذَهَبت الى عَالم بالتغبير وقصتها عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا حملك هَذَا ذكر بملا الشرق والغرب علما وَكَانَ شيخ الطَّرِيقَة واحفظ من على وَجه الأَرْض بِالْحَقِيقَةِ وأفصح أهل زَمَانه على الاطلاق وأعظمهم نورانية وانشاءاً بالِاتِّفَاقِ ملك الْقُلُوب بعذوبة لَفظه وخدم السعد تَحت ركائب حَظه تعرف بِمن شآء بمعارف فَصَارَ من خاصته واجتنى ثَمَر صحبته تنكر على من شآء فَمَنعه استجلاء عرائس عرفانه وحجبه عَن حَضرته سَار فِي منَازِل السائرين سير الْجُنَيْد وفى منهاج العايدين سير أهل التَّجْرِيد أَعماله أغلبها قلبية وعلومه أَكْثَرهَا وهبية أَن تكلم فِي المعارف أبهر أهل العرفة أَو سكت خلت من لم يره قبل بأنواره قد عرفه لَا يتَكَلَّم فِي الْمحبَّة الا رايته ذَا شرف شَدِيد وَلَا يذكر بِاللَّه إِلَّا ألآن قلوباً فِي القساوة كالحديد تخال من حضر مَجْلِسه من الْقَوْم بِسَمَاع كَلَامه سكارى وَقُلُوبهمْ فِي شُهُود جماله عِنْد تنزل التجليات عَلَيْهِ واله حيارى لَا يرتاب ناظره مَعَ سَماع كَلَامه أَنه من أَرْبَاب الْقُلُوب وان المتنزل عَلَيْهِ من الْعلم اللدني قريب عهد بربه بارز من حَضْرَة علام الغيوب كَيفَ وَقد تربى فى حجر الْجلَال وارتضع من ثدي الْكَمَال واتصل نسبه بالذروة الصديقة أَو الشَّجَرَة المحمدية الحسنية بِاعْتِبَار أَنه سبط آل الْحسن وَجَاز كَمَال الْخلق الْحسن والفصاحة واللسن فَهُوَ ربيب أهل تِلْكَ الحضرة أهل الْولَايَة السَّابِقين بِأول نظرة الْمُمَيز من لدنهم فِي الْحَال طفوليته تَمْيِيزالْمَوْعُود من قبلهم على لِسَان بَعضهم أَن يكون فِي مملكة الْعرْفَان ملكا عَزِيزًا مشاهداً فى اخر أمره صدق هَذَا الْوَعْد وإنجازه تنجيزا أَلا ترى الى لبسه خلع الرِّئَاسَة الدِّينِيَّة وَحَال العوارف وصون نَفسه عَن الذلة لأبناء الدُّنْيَا مَعَ الْعلم بانه مباجنا بل جنى ثَمَر المعارف جولانه فِي ميدان الرياضات وَقبل أَن ترسي سفينة قدسه الْجَارِيَة فِي بحار انسه على سواحل الْإِرْشَاد لمعالم الديانَات والى ابدائه فِي مجَالِس املائه لكلماته الفتحية العطائية وعرائس الْحَقَائِق الْبَارِدَة عَن حضرات الْفَتْح المحمدي وَاللِّسَان الصديقي ولعمري أَن النَّاظر إِلَيْهِ إِذْ ذَاك يشْهد طلعته عِنْد ذَلِك نورا مَحْضا بل ذَاته وملابسته كلهَا كَذَلِك لكنه نور جمال يتمنع النّظر اليه وَلَا يدع فَذَلِك من أثر التجليات الالهية عَلَيْهِ وَكَانَ مَا هُوَ عَلَيْهِ من الِاشْتِغَال بالتصنيف والإفتاء لَا يزَال يتَكَلَّم على طَرِيق الاملاء وَكَانَ يجلس بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام وَفِي الْمَسْجِد النَّبَوِيّ وَفِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وفى الْجَامِع الْأَزْهَر وناهيك بِهَذِهِ الْمَوَاضِع الَّتِي كَانَ يجلس فِيهَا وَكَانَ كَأَنَّمَا يعْتَرف من بَحر اعاد الله عللينا من بركاته
وَحكي أَنه كَانَ لَا يملي على الْقُرْآن والْحَدِيث حَتَّى يطالع الْمحل الَّذِي يتَكَلَّم عَلَيْهِ كعادة غَيره قَالَ فَبَيْنَمَا أَنا أطالع فِي الكراس وَأَنا قَاصد إِلَى الْجَامِع إِذْ نوديت فِي سري يَا أَبَا الْحسن أما الْقُرْآن والْحَدِيث فإلينا وَأما غَيره فإليك فَمن ذَلِك الْعَهْد الى تَارِيخه مَا طالعت لأملأ عَلَيْهِمَا فلى غعلى ذَلِك تسع وَثَلَاثُونَ أَو قَالَ بضع وَعِشْرُونَ سنة وانما اجىء الى مَحل الالقاء ولالا أدرى مَا يلقى على لِسَان فَيجْرِي الله تَعَالَى عَلَيْهِ نَحْو مَا تسمعونه
وَله تصافيف كَثِيرَة لَا تحصى من جُمْلَتهَا تَفْسِير الْقرن الْعَظِيم واسْمه تسهيل السَّبِيل فِي فهم مَعَاني التَّنْزِيل وَشرح الْعباب الفقهي بشرحين مَبْسُوط ومختصر وَشرح روض ابْن الْمقري فِي حجم نصف شرح شَيْخه زَكَرِيَّا وَزَاد فِيهِ على شَيْخه اثنى عشر ألف فرع على كل فرع مِنْهَا علاقَة على الحاشبة بِصُورَة ف وَشرح منهاج النَّوَوِيّ بِخَمْسَة شُرُوح مِنْهَا الْكَنْز وَالْمُغني وَالْمطلب وَشرح الوردية فى النَّحْو وَاخْتصرَ من ايسا غوجي فِي مِقْدَار ورقة صَغِيرَة وَجمع أَرْبَعِينَ أَرْبَعِينَ حَدِيثا كل أَرْبَعِينَ مِنْهَا فِي نوع مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي الطّواف وَأَرْبَعُونَ فِي الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واربعون فى الشيب واربعون فى السِّوَاك انى غير ذَلِك من المؤلفات الجامعة النافعة الدَّالَّة على كَمَال احاطته وعلو شَأْنه نفعنا الله ببركاته آمين
وَيُقَال إِن مؤلفاته تنيف على أَرْبَعمِائَة تأليف وَله حزب عَظِيم يُسمى حزب الْفَتْح وَقد شَرحه الْعَلامَة عبد النووى أَنه لَا يُوصف بِحل وَلَا بَحر الثَّالِث
جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّبْهَة وسطا بَين الْحَلَال وَالْحرَام                                           

 قَالَ ابْن سُرَيج فى الودائع أما الشُّبْهَة فهى الشىء الْمَجْهُول تَحْلِيله على الْحَقِيقَة وتحريمه على الْحَقِيقَة فَيجب فِيمَا هَذَا شَأْنه التَّوَقُّف عَن التَّنَاوُل لَهَا فَإِذا لم يجد غنى عَنْهَا تنَاول مِنْهَا على حسب الْكِفَايَة لَا على حسب الاستكثار لِأَن الله تَعَالَى أَبَاحَ الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة وهى مُحرمَة فالشبهة دونهَا انْتهى
وَتوسع العبادى فَقَالَ فى الزِّيَادَات سُئِلت عَن الشُّبْهَة فى هَذَا الزَّمَان فَقلت هَذَا لَيْسَ زمَان الشُّبْهَة اجْتنب مَا عَرفته حَرَامًا يَقِينا والتحقة قَائِلا بِلِسَان طلق فصيح الله الله مرَارًا مُشِيرا بسبابته وطرقه الى السَّمَاء اشارة تذكيرها قَالَ بِحَيْثُ ان الْجمال سمع لَفظه فَعجب غَايَة الْعجب وَقَالَ مَا شَأْن هَذَا الرَّضِيع وَكم سنه فَقلت لَهُ هَذَا ولد مجدوب وتجاهلت عَلَيْهِ وَكَانَ يَقُول انى اذا دهنى هَذَا الامر لَا دَوَاء إِلَّا الالتجاء إِلَى الله تَعَالَى وَلذَا لما عجب بعض أَرْكَان الدولة من كَثْرَة تَوَجُّهِي إِلَى الحضرة الحرمية مَعَ عَظِيم الْمَشَقَّة والضعف فِي بنيتي وَعظم الْمصرف الَّذِي يبلغ كل عَام ثَلَاثَة آلالف دِينَار بِاعْتِبَار الْمُجَاورَة وَقَالَ لى يَا سَيِّدي اما تتركوا الاكثار من السّفر إِلَى الْحجاز فَقلت لَهُ أَنْت إِذا عرضت لَك حاجات فى أَمر اللملكة مَاذَا تفعل قَالَ أسافر إِلَى بَاب السُّلْطَان لعرضها فَقلت لَهُ فَأَنا تعرض لي حاجات فاسافر إِلَى بَاب السُّلْطَان وَهُوَ بَاب الله تَعَالَى
وَمَا أحسن قَوْله فِي كِتَابه نتائج الذّكر فِي حقائق الْفِكر فِي أثْنَاء كَلَام لَهُ أَلا ترى الْحداد إِذا ادخل حَدِيدَة ليحميها فِي النَّار لأَنْت بَعْدَمَا كَانَت قاسية وبررت محمرة اللَّوْن بعد أَن كَانَت سَوْدَاء مظْلمَة وأضاء نورها وقوى اشراقها وانقدح شِرَارهَا فالاستغراق فِي الْمَذْكُور بالتخلي عَن السوي والتجلي بِشُهُود نعوت ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام مُسْتَغْرقا فِيهَا تذْهب أوصاف البشرية مَا يكسبه الذاكر من أنوار المعارف القدسية فيتبدل وَصفه ويتغبر حلاه وتشرق أنوار علاهُ فهناك تذْهب الرسوم ويتجلى الحى القيوم والى ذَلِك الاشارة بقولى ... أنوار ذاتك أشرقت فى ذاتي ... فمحيت عَن كوني وكل صفاتي                                                           .. وَخرجت عَن كل الْوُجُود حَقِيقَة ... فجمال وَجهك فائق اللَّذَّات
ومنن شعره أَيْضا ... قد كَانَ لي ارب قبل الْوُصُول بكم ... فَمد تجيتم صرنا بِلَا أرب ... ادهشتمونى عَن الاحساس قاطية ... فصرت فَردا لكم فى سَائِر الزئب
وَهُوَ الذى افتى يحليه القهوة حَتَّى قَالَ فِي ذَلِك من أَبْيَات ... كاللبن الْخَالِص فِي حلّه ... مَا فارقته بِغَيْر الواد
وَله أَيْضا فِيهَا هَذِه الأبيات ... أَقُول لمن قد ضَاقَ بالهم صَدره ... وَأصْبح من كئر التشاغل فى الْفِكر ... عَلَيْك بِشرب الصَّالِحين فَإِنَّهُ ... شراب طهُور سامي الذّكر وَالْقدر ... فمطبوخ قشر البن قد شاع ذكره ... عَلَيْك بِهِ تنجو من الْهم فِي الصَّدْر ... وخل ابْن عبد الْحق يفى بِرَأْيهِ ... وخذها بفتوى من أبي الْحسن الْبكْرِيّ
وَاجْتمعَ هُوَ وجدي الشريف عبد الله بن شيخ عِنْد الْحرم الشريف وتعانقا وَكَانَ مَعَ الْأُسْتَاذ وَلَده صَاحب التَّرْجَمَة فَطلب لَهُ الدُّعَاء من الْحسن الْبكْرِيّ فَاسْتَجَاب الله دعاؤهما فِي الِاثْنَيْنِ وصارا كِلَاهُمَا آيَتَيْنِ فاق كل مِنْهُمَا فى عصره الأقران وَصَارَ قدوه لأهل زَمَانه وَكَانَ مولده سنة تسع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَلم اطلع على تَارِيخ وَفَاته هَذَا وَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي من ان اترجم لَهُ فى هَذَا التَّارِيخ بالاستقلال والا فَهُوَ جزى بذلك اذ هُوَ أوحد زَمَانه علما وَحَالا ومقاما ومغرقه رَحمَه الله
نعم مَاتَ رَضِي الله عَنهُ فِي عشر السِّتين بِلَا خلاف فانه توفّي وَعمر وَلَده شيخ الْإِسْلَام مُحَمَّد الْبكْرِيّ اُحْدُ وَعِشْرُونَ سنة وَمَات الْمَذْكُور سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وعمره نَيف وَسِتُّونَ سنة فَليعلم وَالله أعلم وَخلف الشَّيْخ مُحَمَّد أَوْلَاد أَجلهم الشَّيْخ زين العابدين مَشى على طَرِيقه وَالِده فِي الْإِمْلَاء والدرس والجود وَالْكَرم ومحاسن الْأَخْلَاق والشيم مَعَ الجاه الْعَظِيم وَالْقَبُول التَّام عِنْد الْخَاص وَالْعَام وَذكروا عَنهُ كرامان وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ فِي سنة ثَلَاث عشرَة بعد الْألف رَحمَه الله قتلة بعض باشوات مصر ظلما لَان الشَّيْخ كَانَ اغلظ لَهُ بالْقَوْل فِي بعض الْأُمُور فَغَضب وَقَتله ثمَّ أَن أهل مصر المحروسة قَامُوا على ذَلِك الرجل وقتلوه وَمن شعره ... دَار فكري يَا رب فِي كل خلق ... لم أجد سواك وحقك ... فاغثى فإنى عبد رقك ... وتطف وامنن عَليّ برزقك   

-النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.


محمد بن أبى الحسن البكرى الصديقى أبو عبد الله.
الناظم الناثر، الصوفى، الولى، الصالح، من أهل مصر . كان له نظم معجز رائق. رحمه الله.
من نظمه:
ما أرسل الرحمن أو يرسل … من رحمة تصعد أو تنزل
فى ملكوت الله أو ملكه … من كلّ ما يختصّ أو يشمل
إلا وطه المصطفى عبده … نبيّه مختاره المرسل
واسطة فيها وأصل لها … يعلم هذا كلّ من يعقل
فلذ به فى كلّ ما ترتجى … فهو شفيع دائما يقبل
وعذ به فى كلّ ما تختشى … فإنّه المأمن والمعقل
وحطّ أحمال الرجا عنده … فإنه المرجع والموئل
وناده إن أزمة أنشبت … أظفارها واستحكم المعضل
يا أكرم الخلق على ربّه … وخير من فيهم به يسأل
قد منّى الكرب وكم مرة … فرّجت كربا بعضه يدهل
ولن ترى أعجز منى؛ فما … لشدّة أقوى ولا أحمل
فبالذى خصّك بين الورى … برتبة عنها العلا ينزل
عجّل بإذهاب الذى أشتكى … وإن توقّفت فمن أسأل؟
[فحيلتى ضاعت وصبرى انقضى … ولست أدرى ما الذى أفعل؟ ]
وأنت باب الله أىّ امرئ … وافاه من غيرك لا يدخل
صلّى عليك الله ما صافحت … زهر الروابى نسمة شمأل
مسلّما ما فاح عطر الحمى … وطاب منك النّدّ والمنول
والآل والأصحاب ما غرّدت … ساجعة أنلوذها؟ ؟ ؟ مخضل
ومما قاله وهو متعلق بأستار الكعبة فى بعض السّنين:
يا ظاهرا جلب الألباب ظاهره … وباطنا جذب الأرواح باطنه
ومقيما بقلب لا براح له … ما خاب قلب محبّ أنت ساكنه
فاعطف على دنف ذابت حشاشته … مما يعانيه أو مما يعاينه
[وما ذكرت له إلا شكى وبكى … وانهلّ بالدمع من عينيه هاتنه
هذا حديث هواه بثه وبدا … للناس مرتبه فى الحبّ كامنه ]
وله أيضا:
إلى الله أشكو ما ألاقى وإنه … بحالى عليم وهو يرحم عنده
فما خاب من يرجو من الله ما يشا … ولا فصل إلا وهو يوجد عنده
فطب واغتبط وافرح بكل مؤمّل … فعمّا قريب ينجز الله وعده
وله أيضا:
أود من الدنيا صديقا موافقا … وفيّا بما أرضاه يرضى وينشرح
فإن لم أجد أعرضت عن كل كائن … وقلت لقلبى قد خلا الكون فاسترح
ونظمه أكثر من هذا.
توفى سنة 3 أو 994 فيما أخبرنا به، والله أعلم بذلك.
ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ‍)