وفيهَا فِي تَاسِع صفر توفّي الشريف الْفَاضِل القَاضِي حُسَيْن الْمَالِكِي وَمن غَرِيب الِاتِّفَاق تَارِيخ يَوْم مَوته كَانَ تَارِيخا لَهُ فَتقدم أَنه مَاتَ فِي تَاسِع صفر وَجَاء تَارِيخه تسع فِي صفر رَحمَه الله وَكَانَ من أَعْيَان أهل مَكَّة وفضلائها وأجودها ورؤسائه لم يخلقه مثله وحزن النَّاس على مَوته ولبعض الْفُضَلَاء من أهل مَكَّة هَذَا التخميس على الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين ... لهفي عبى بدر الْوُجُود وسعده ... ومغيبه تَحت الثرى فِي لحده ... مَاتَ الْحُسَيْن الْمَالِكِي بمجده ... يَا دهر بِعْ رتب الْعلَا من بعده ... بيع الهوان ربحت أم لم تربح ... وَافْعل مرادك يازمان كَمَا ترى ... وارفع من الغوغاء وَحط ذَوي الذرى ... لَا تعتذر لِذَوي النهى عَمَّا جرى ... قدم وَأخر من أردْت من الورى ... مَاتَ الَّذِي قد كنت مِنْهُ تسخى ...
وَكَانَت لَهُ عقيدة فِي الصَّالِحين وَقيل سَببهَا أَن أمه كَانَت تعتقد بالولي الشهير الشريف عبد الله بن الْفَقِيه أَبَا علوي فَمَرض وَلَدهَا هَذَا مَرضا شَدِيدا أشرف مِنْهُ على الْهَلَاك فطلبت من الشريف حصل الشِّفَاء لَهُ والحت فِي ذَلِك وَكَانَ عِنْده الشَّيْخ الصالحعبد الله بن عمر العمودي فَقَالَ السَّيِّد عبد الله للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن عساك تنحمل عَنهُ فَإِن النَّاس يَنْتَفِعُونَ بِبَقَائِهِ فَمن ذَلِك الْوَقْت ابتدأت العافة فِي القَاضِي وَمرض الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن من وقته وَمَات بعد أَيَّام وَشهد جنَازَته القَاضِي الْمَذْكُور رَحمَه الله
قلت وَحكى الشَّيْخ مُحي الدّين بن عَرَبِيّ رَحمَه للهتعالى فِي كِتَابه الفتوحات المكية عَن بعض شُيُوخه إِن امْرَأَة من بَنَات الْمُلُوك مِمَّن كَانَ النَّاس يَنْتَفِعُونَ بهَا وَكَانَ لَهَا اعْتِقَاد فِي هَذَا الشَّيْخ فتوجهت إِلَيْهِ ليدْخل عَلَيْهَا وَالْملك الَّذِي هُوَ زَوجهَا عِنْدهَا فَقَالَ إِلَيْهِ ثمَّ نظر إِلَيْهَا وَهِي فِي النزع فَقَالَ الشَّيْخ أدركوها قبل أَن تقضي فَقَالَ لَهُ الْملك بِمَاذَا فَقَالَ بديتها اشتروها فجيء إِلَيْهِ بديتها كَامِلَة فتوقف النزع الوكرب الَّذِي كَانَت فِيهِ وَفتحت عينيها وسلمت على الشَّيْخ فَقَالَ لَهَا الشَّيْخ لَا بَأْس عَلَيْك وَلَكِن ثمَّ دقيقة بعد أَن حل الْمَوْت لَا يُمكن أَن يرجع خائبا فَلَا بُد لَهُ من أثر وَنحن قد أخذناك من يَده وَهُوَ يطالبنا بِحقِّهِ فَلَا ينْصَرف إِلَّا بِروح مَقْبُوضَة وَأَنت إِذا عِشْت انْتفع بك النَّاس وَأَنت عَظِيمَة الْقدر فَلَا نفديك إِلَّا بعظيم عِنْدِي من هَذَا الْمَوْت ولي بنت هِيَ أحب النَّبَات الي أَنا أفديك بهَا ثمَّ رد وَجهه إِلَى ملك الْمَوْت وَقَالَ لَا بُد من روح ترجع بهَا إِلَى رَبك هَذِه ابْنَتي تعلم محبتي فِيهَا خُذ روحها بَدَلا من هَذِه الرّوح فَإِنِّي قد اشْتَرَيْتهَا من الْحق وباعني إِيَّاهَا وَابْني جعلك حق مجيئك ثمَّ قَامَ وَخرج إِلَى بَيته وَقَالَ لابنته وَمَا بهَا بَأْس يَا بنية هبيني نَفسك فَإنَّك لَا تقومي للنَّاس مقَام زَيْنَب بنت أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي الْمَنْفَعَة فَقَالَت يَا أَبَت أَنا بحكمك قد وَهبتك نَفسِي فَقَالَ للْمَوْت خُذْهَا فأخذهافماتت من وَقتهَا انْتهى
وَلما ابتنى القَاضِي حُسَيْن بنته وَجعل فِي التخريجة قَالَ صَلَاح الدّين الْقرشِي فِي ذَلِك أَبْيَات مِنْهَا ... مَا عرش بلقيس وَمَا مِقْدَاره ... مَا تخت كسْرَى وَالَّذِي مثله أَنا نَادِر وَالْحكم لي ولمالكي وَمن الْعَجَائِب نَادِر وَالْحكم لَهُ
وَله أَيْضا تَارِيخ بَيت أنشأه القَاضِي ... شرف العلى لَك منزل يَا بدر فِيهِ فاحلل
فالسعد قَالَ مؤرخاً ... للبدر أشرف منزل ...
وَلما ولي قَضَاء الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَ الأديب مامية الانقشاري فِي تَارِيخ ذَلِك الْعَام ... طيبَة طابت بحسام الْأَحْكَام ... كم مظلوم خوفًا بَات يخفي ريبه
والرعايا لما شكروا من عدله ... قلتفي عدله دَامَ قَاضِي طيبه
ومدحه بَعضهم بِأَبْيَات مِنْهَا ... إِنْسَان عين إِنْسَان من ... سادوا وشادوا المكرمات الطوَال
من جوده والعزم أَو حلمه ... أَو نسب أشرف أَو خِصَال
كالبحر وَالسيف ووسع العطا ... وَالشَّمْس والبدر وَمَاء الزلَال
لَوْلَا الَّذِي كَلمه الْمُخْتَار ... وزاده فِي الْمجد مَا لَا ينَال
مَا كَانَ قد صيره نَاظرا عدلا ... على الْبَيْت العديم المنال
والحرمين الْبَالِغين النهى ... أنعم بهَا مرتبَة لَا تزَال
وَهُوَ الْحُسَيْن الحسني الَّذِي ... فاق الورى فِي الْجُود نسل الرِّجَال ...
وَكتب إِلَيْهِ بَعضهم يهنئه بقدوم رَجَب ... يَا حُسَيْنًا يَا شريفاً ... فِي علاهُ لَا يُشَارك
عش وَدم واهن بِشَهْر ... من فَتى وافا جوارك
ذَاته قد أرخته ... رج شهر مبارك
وَمن شَرعه وَقد أهْدى إِلَيْهِ القطب الْحَنَفِيّ سمكًا ... يَا أَيهَا القطب الَّذِي ... بِوُجُودِهِ دَار الْفلك
لَو لم تكن بَحر الندى ... مَا جَاءَنَا مِنْك السّمك ...
-النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.
حسين المكي: حسين ابن القاضي حسين المكي المالكي، المشهور بالكرم بمكة المشرفة قيل: كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني. مات في تاسع صفر سنة تسعين بتقديم التاء وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى
ـ الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة.