محمد بن محمد بن أحمد الأغرناطي
أبي عبد الله
تاريخ الوفاة | 758 هـ |
مكان الوفاة | فاس - المغرب |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
الفقيه الكاتب محمد (أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن جزي، أحد أفراد أسرة بني جزي النابغة في دولة غرناطة. بدأ حياته في الأندلس في ظل والده الفقيه المفسر أبي القاسم واشتهر فيهم بالأدب والكتابة بالإضافة إلى مشاركته في العلوم والفنون المختلفة. وقد تعرض لمحنة أيام أبي الحجاج يوسف النصري الذي أمر بضربه بالسياط.) بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله
ابن يحيى بن الأمير أبي بكر عبد الرحمن الثائر بجيان بن يوسف ابن سعيد بن جزيّ الكلبي الأغرناطي، المتوفى بفاس في عام
ثمانية وخمسين وسبع مئة.
[كنيته:]
يكنى أبا عبد الله، وأدركته، ورأيته.
وهو من أهل بلدنا غرناطة. وكان أبوه أبو القاسم محمد أحد المفتين بها، علم الأندلس الصائرة فتياه منها إلى إطرابلس؛ وقتل شهيدا في المعترك في الوقيعة التي كانت للنصارى-دمرهم الله-بطريف على المسلمين في سنة إحدى وأربعين وسبع مئة، بعد أن أبلى بلاء حسنا.
وأبو عبد الله محمد هذا كتب بالأندلس في حضرة ابن عم أبينا أمير المسلمين أبو الحجاج يوسف وله فيه أمداح عجيبة، ولم يزل كاتبا في الحضرة الأحمرية النصرية إلى أن امتحنة أمير المسلمين أبو الحجاج ابن عم أبينا، فقوض الرّحال عن الأندلس واستقر بالعدوة، فكتب بالحضرة المرينية لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان إلى أن توفي بها؛ رحمه الله تعالى.
حاله-رحمه الله-:
طلع في سماء العلوم بدرا مشرقا، وسارت براعته غربا ومشرقا. وسمى بشعره فوق الفرقدين كما أربى بنثره على الشّعرى والبطين، له باع مديد في التاريخ والحساب، واللغة والنحو والبيان والآداب. بصير بالأصول والفروع والحديث، عارف بالماضي من الشعر والحديث. إن نظم أنساك أبا ذؤيب برقته، ونصيب بمنصبه ونخوته. وإن كتب أربى على ابن مقلة بخطه، وإن أنشأ رسالة أنساك العماد بحسن مساقها وضبطه. وهو رب هذا الشأن، وفارس هذا الميدان. ومع تفننه في العلوم فهو في الشعر قد نبغ، وما بلغ أحد من شعراء عصره البحر الذي منه قد بلغ بل سلموا التقدم فيه إليه، وألقوا زمام الاعتراف بذلك في يديه، ودخلوا تحت راية الأدب الذي حمل، إذ ظهر ساطع براعته ظهور الشمس بالحمل.
أنشدني لنفسه: يمدح أمير المسلمين أبا الحجاج يوسف بن أمير المسلمين أبي الوليد إسماعيل عم أبينا بن جدنا الرئيس الأمير أبي سعيد فرج ابن جدنا أبي الوليد إسماعيل ابن الأمير أبي الحجاج يوسف الشهير بالأحمر ابن جدنا أمير المؤمنين المنصور بالله أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر الخزرجي، هذه القصيدة البارعة، وحذف منها الرّاء المهملة :
قسما بوضّاح السّنا وهّاج ... من تحت مسدول الذّوائب داج
وبأبلج بالمسك خطّت نونه ... من فوق وسنان اللّواحظ ساج
وبحسن خدّ دبّجت صفحاته ... فغدت تحاكي مذهب الدّيباج
وبمبسم كالعقد نظّم سلكه ... ولمى حكى الصّهباء دون مزاج
5 وبمنطق تصبو القلوب لحسنه ... أنسى المسامع نغمة الأهزاج
وبمائس الأعطاف تثنيه الصّبا ... فيميس كالخطّي يوم هياج
ومنعّم مثل الكثيب يقلّه ... مستضعف يشكو من الإدماج!
وبموعد للوصل أنجز فجأة ... من بعد طول تمنّع ولجاج
وبأكؤس أطلعن في جنح الدّجى ... شمس السّلافة في سماء زجاج!
10 وحدائق سحب السّحاب ذيوله ... فيها وبات لها النّسيم يناجي
وجداول سلّت سيوفا عندما ... فجئت بجيش للصّبا عجّاج
وبأقحوان قد تضاحك إذ بكت ... عين الغمام بمدمع ثجّاج
وقدود أغصان يملن كأنّها ... تخفي حديثا بينها وتناجي
وحمائم يهتفن شجوا بالضّحى ... فهد يلهنّ لذي الصّبابة شاج
15 إن المعالي والعوالي والنّدى ... والبأس طوع يدي أبي الحجّاج
ملك تتوّج بالمهابة عند ما ... لم يستجز في الدّين لبس التاج
وأفاض حكم العدل في أيّامه ... فالحقّ أبلج واضح المنهاج
هو منقذ العاني ومغني المعتفي ... ومذلّل العاتي وغوث اللاجي
ماضي العزيمة والسّيوف كليلة ... طلق المحيّا والخطوب دواج
20 علم الهدى والنّاس في عمياء قد ... ظلّوا لوقع الحادث المهتاج
غيث النّدى والسحب تبخل بالحيا ... والمحل يبدي فاقة المحتاج
ليث الوغى والخيل تزجى بالقنا ... والبيض تنهل في دم الأوداج
يتقشّع الإظلام إذ يبدو له ... وجه كمثل الكوكب الوهّاج
من آل قيلة من ذؤابة سعدها ... أعلى بني قحطان دون خلاج
25 حيث العلا ممدودة الأطناب لم ... تخلق معالمها يد الإنهاج
والأعوجيّات السّوابق تمتطى ... فتظلّل الآفاق سحب عجاج
والبيض والأسل العوامل تقتضي ... مهج الكماة بأبلغ الإزعاج!
مجد ليوسف جمّعت أشتاته ... أعيى سواه بعد طول علاج
مولاي هاك عقيلة تزهو على ... أخواتها كالغادة المغناج
إنشاء عبد خالص لك حبّه ... -ومن العبيد مداهن ومداج-
آوى إلى أكناف نعماك التي ... ليست إليه صلاتها بخداج
سبّاق ميدان البلاغة والوغى ... لشعاب كلّ منهما ولاّج
جانبت أخت الزّاي منها عامدا ... فأتت من الإحسان في أفواج
فافتح لها باب القبول وأول من ... أهداكها ما يبتغي من حاج!
وأنشدني أيضا لنفسه يمدح أمير المؤمنين المتوكل على الله أبا عنان فارس ملك المغرب
إنّ قلبي لعهدة الصبر ناكث … عن غزال في عقدة السّحر نافث
أضرم النّار في فؤادي وولّى … قائلا: لا تخف، فإنّي عابث!
ورماني من مقلتيه بسهم … ثم قال: اصطبر لثان وثالث!
كم عذول أتى يناظر فيه … كان تعذاله على الحبّ باعث
5 ويمين آليتها بالتّسلي … فقضى حسنه بأنّي حانث
جبر الله صدع قلب عميد … صدعت شمله صروف الحوادث
فهو يهفو إلى البروق ويروي … عن نسيم الصّبا ضعيف الأحادث!
سلبته الأشجان إلا بقايا … من أمان حبالهنّ رثائث
وبكاء على عهود مواض … ملأت صدره هموما حدائث
10 لست وحدي أشكو بلية وجدي ... إنّ داء الغرام ليس بحادث
يا مضيع العهود-والله يعفو ... عنك-أنّى ارتضيت خطّة ناكث؟
غرّني منك والجمال غرور … وظبا اللّحظ في القلوب عوابث
مقل يقتسمن أعشار قلبي … بالرّضى منّي اقتسام الموارث!
كيف غيّرت بانتزاحك حالي … وتغيّرت لي ولست بحارث
15 فرط حبّي وفرط بخلك إلا … أن عينيك بالفتون نوافث
وندى فارس وحسبك رّدا … قول من قال سدّ باب البواعث
ملك البأس والنّدى فهو بالسّيف … وبالسّيب عائث أو غائث!
محرز المجد والثّناء فهذا … سائر في الورى وذلك لابث
أوطأ الشّهب رجله وترقّى … صاعدا في سموّه غير ماكث
فدرار تسري وما لحقته … ونجوم خلف القصور لوابث
وله المقربات لا بل هي العقبان … من فوقها اللّيوث الدّلاهث
مطلعات من كل نعل هلالا … فلهذا تجلو دجا كلّ حادث
إن ترافقن فالجبال الرّواسي … أو تسابقن فالغيوث الحثائث
والمواضي كأنّها قد أعيرت … حدّة الذّهن منه عند المباحث
25 هي نار محّرقات الأعادي … وهي ماء مطهّرات الخبائث
فيردن الوغى ذكورا عطاشا … ثم يصدرن ناهلات طوامث
من معاليه قد رأينا عيانا … كلّ فضل ينصّه من يحادث
خلق كالنّسيم مرّ سحيرا … بالأزاهير في البطاح الدّمائث
في سبيل الإله يقصي ويدني … ويوالي في ذاته ويناكث
30 شرف الملك منه سام وحام … ففدته سام وحام ويافث!
هاكها من بنات فكري بكرا … ليس يسمو لها من الناس طامث
ذات لفظ لا يعتريه اختلال … ومعان لا ينتحيها المباحث
زعماء القريض أبقوا بقايا … كنت دون الورى لهنّ الوارث
من أراد انتقادها فهي (هذي ) … عرضة البحث فليكن جد باحث
وأنشدني-أيضا لنفسه-يمدحه:
لعلّك لي عن حسن عهد مكافئ ... فيسرع نحوي ودّك المتباطئ
فديتك لا يذهب بك البعد للّتي … يسرّ بها منّا حسود وشانئ
كما وسع الإحسان من كان محسنا … أما يسع الغفران من كان خاطئ
وما ضرّ لو ربّ (4) الصّنيعة منعما … وتمّم بالإفضال من هو بادئ
على أنني لم يصرف اليأس ساحتي … وإن راعني خطب من الهجر فاجئ
فكم طالب أمرا تسنّت عواقب … له بعد ما أعيت عليه مبادئ
لئن ريع بالأشجان روعي لطالما … تحامت حماي النّائبات الطوارئ
وإن أمس قد شابت ذوائب لمّتي ... فطعن الهوى في حجر قلبي ناشئ
وليلاء ملء الأفق روعا وظلمة … فلا نظر هاد ولا قلب هادئ
ظللت يعاطيني بها أكؤس السّرى ... حبيب على ما شئت منه ممالئ
ولا صبح إلا وجهه متطلّع … ولا برق إلا ثغره متلألئ
إذا غار منها نجمها وهلالها … بدت غرر من خيلنا ومواطئ
وبيداء لم تفر السّراة أديمها ... ولم تخترقها اليعملات النّواجئ
كأن السّراب الجون في جنباتها … حياض ملاء أو سحاب نواشئ
بعثت لها عزمي وخضت عبابها … كما خضت بحرا لا يرى منه شاطئ
وأجريت ذكر الجود من كفّ فارس ... بها فارتوى في الرّكب من هو ظامئ
وإن امرأ يروي الصّدا ذكر جوده ... لتحسد جدواه الغمام النّواشئ
هو البدر لكنّ السّعود مطالع ... هو البحر لكنّ العلوم لآلئ
لعلياء تمّ الفخر بالعلم والنّدى ... إذا اقتسم العلياء قان وقارى
لئن كان معنى الجود منه مبيّنا ... فلفظ الورى في شكره متواطئ
لك الخير كم هيجاء جلّيت غمّها ... وقد عجز الدّاري وكعّ المدارئ
تطاول فيها المرهفات إلى العلا ... فتعنو لها من هيبة فتطاطئ
تركت بها الأبطال صرعى كأنّهم ... ندامى عقار سكرهم متكافئ
فأطعمت ذؤبان الفلا وهي جوّع ... وروّيت بيض الهند وهي ظوامئ
حسامك مهما نظّم الرّمح ناثر ... ورمحك مهما مزّق السّيف رافئ
رفعت لواء العدل والدّهر جائر ... وأغريته بالجدّ إذ هو هازئ
فنام الرّعايا تحت ظلّ كلأته ... وعزمك يقظان وحزمك كالئ
وأمّن مذعور وأعتب مذنب ... وأغني معتر وقرّب لاجئ
مساع من العلياء وفّيت حقّها ... وربّك عن تلك المساعي مكافئ
ومن إنشانه البارع موريا بالكتب ودفعها لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان فارس بن أمير المسلمين المنصور بالله أبي الحسن علي بن أمير المسلمين السعيد بفضل الله أبي سعيد عثمان بن أمير المسلمين المنصور بالله أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق يهنئه بابلال ولده وولي عهده الأمير أبي زيان محمد من مرض:
ماذا عسى أدب الكتّاب يوضح من ... خصال مجدك وهو الزّاهر الزّاهي؟
وما الفصيح بكليّات موعبها ... كاف فيأتي بأنباء وإنباه
أبقى الله تعالى مولانا الخليفة ولسعادة . . القدح المعلى، ولزاهر كماله التاج المحلّى. تجلى من حلاه نزهة الخاطر، ويسير بعلاه المثل السائر. ويتّسق من ثنائه العقد المنظّم، ويتضح بهداه القصد الأمم، ولا زالت مقدّمات النصر له مبسوطة، ومعونة السعد بإشارته منوطة. وهدايته متكلفة بإحياء علوم الدين، وإيضاح منهاج العابدين. وإرشاده يتولى تنبيه الغافلين، ويأتي من شفاء الصدور بالنور المبين. وميقات الخدمة ببابه مطمح الأنفس، وملخص الجود من كفه بغية الملتمس. قد حكم أدب الدين والدنيا بأنك سراج الملوك، لما أتت عوارفك بالمشروع السّلسل ومعارفك بنظم السلوك. ووضحت معالم مجدك وضوح أنوار الفجر، وزهت بعدلك المسالك والممالك زهو خريدة القصر. فلك في جمهرة الشرف النسب الوسيط، ومن جمل المآثر الخلاصة والبسيط. وسبل الخيرات لها برعايتك تيسير، ومحاسن الشريعة لها بتحصيلك تحبير. وأنت حجة العلماء الذي تقصّر عن تقصي مآثره فطن الأذكياء، إن انبهم التفسير ففي يديك ملاك التأويل، أو اعتاص تفريع الفقه فعندك فصل البيان له والتحصيل. وإن تشعب التاريخ فلديك استيعابه، أو تطاول الأدب ففي إيجاز بيانك اقتضابه. وإن ذكر الكلام ففي انتقائك من برهانه المحصول، أو المنطق ففي موجز أماليك لبابه المنخول. وليس أساس البلاغة إلا ما تأتي به من فصل المقال، ولا جامع الخير إلا ما حزته من تهذيب الكمال. ولذلك صارت حرمتك غاية المطلوب، وحبك قوت القلوب. ولا غرو أن كنت من العلياء درتها المكنونة، فأسلافك الكرام هم جواهرها الثمينة.
بحماستهم أصيبت مقاتل الفرسان، وبجود جودهم تسنى ريّ الظمآن، وبتسهيل عدلهم وضحت شعب الإيمان. وأنت المنتقى من سمط جمانهم، والواسطة في قلائد عقيانهم. عنك تؤثر سيرة الاكتفاء، وعن فروعك السعداء تروى أخبار نجباء الأبناء. فهم لمملكتك العلية بهجة مجالسها، وأنس مجالسها؛ وقطب سرورها، ومطالع نورها. وولي عهدك درتهم الخطيرة، وذخيرتهم الأثيرة.
لا زال كامل سعادته بطول مقامك محكما، وحرز أمانته بالجمع بين الصحيحين: حبك ورضاك معلما! وقد وجبت التهنئة بما كان في حلية برئه من التّيسير، وتهيّأ في استقامة قانون صحته من نجح التدبير.
ولم يكن إلا أن بعدت به عنك المسالك. وأعوز نور طرفه تقريب المدارك. وتذكر ما عهده من الإيناس الموطأ جنابه عند أفضل مالك. فورى من زنده سقط الزند، والتهب في جوانحه قبس الوجد. فامدد له من دعائك الصالح بحلية الأولياء. فظفر لما شارف مشارق الأنوار من حضرتك بالشفاء. وقد حاز إكمال الأجر بذلك العارض الوجيز، وكان له كتشبيه الإبريز. وها هو قادم بالطالع السعيد، آيب بالمقصد الأسنى من الفتح والتمهيد.
يطلع بين يديك طلوع الشهاب، ويبسم عن مفصل الثناء في الهناء بذلك زهر الآداب. فأعد له تحفة القادم من إحسانك الكامل.
واخصصه بالتكلمة من إيناسك الشامل. فهو الكوكب الدّري المستمدّ من أنوارك السّنية، وفي تهذيب شمائله إيضاح للخلق الكريمة الفارسية لا زالت تزدان بصحاح مآثرك عيون الأخبار، وتتعطر بنفحة الزهر من ثنائك روضة الأزهار. وتتلى من محامدك الآيات البينات، وتتوالى عليك الألطاف الإلهيات؛ بمنّ الله وفضله.
والسلام الكريم يعتمد المقام العليّ؛ ورحمة الله وبركاته
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.