الفقيه الكاتب القاضي الخطيب:
محمد بن أحمد الحسنيّ
(أبو القاسم محمد بن أحمد، الشريف الحسني، أصله من سبتة، ونزل غرناطة. (ولد 697، وتوفي 760، وقيل 761). واشتهر بالشريف الغرناطي لطول ملازمته إياها وتوليه القضاء زمانا بها، وتكليفه بالكتابة والخطابة. كان في رؤوس القضاة والكتاب الشعراء. شهد له تلامذته ومعاصروه بالفضل والتقدم إلى ديانة وتصاون. وقد توفي في غرناطة وهو على قضائها.)
[كنيته:]
يكنى أبا القاسم، وأدركته، ورأيته.
ونسبه: هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم بن عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن ناصر بن جنون بن القاسم بن الحسن بن الحسن بن إدريس بن الحسن بن محمد بن علي ابن أبي طالب، كرم الله وجوههم.
وهو من أهل سبته، وارتحل عنها إلى غرناطة، فاستكتبه في الحضرة السلطانية أمير المسلمين أبو الوليد إسماعيل عمّ أبينا بن جدّنا الرئيس الأمير أبي سعيد، وجعله من كتّاب الإنشاء، ثم قلّده القضاء والخطابة بغرناطة.
وولي أيضا بمالقة من مدن الأندلس، وثغر بحري هام لدولة غرناطة، على شاطئ البحر المتوسط. القضاء ثم ولي أيضا القضاء بغرناطة ثانية في دولة ابن عمّنا أمير المسلمين الغني بالله أبي عبد الله محمد (المخلوع).
حاله-رحمه الله-:
احتوى على جمل من الآداب رائقة، وطرائق في الإنشاء فائقة.
وشعره يشبّه بالنّجوم لو نظمت سلكا، ويجري مع النّفوس فيملكها ملكا. وحصّل من علم البيان مفيده وعجيبه، ومعرفة باللّغات الغريبه.
وقوّة نفس في استخراج المعمّى، ولو أنفذ فيه الملغز مرمى. وتفنّن في جميع العلوم، والمعرفة منها بالمجهول والمعلوم، وثقوب ذهن في الآداب والفهوم
فمن قوله يتغزّل:
دعيني من مقال العاذلين … وخلّي بين تهيامي وبيني
ومن يك سائلا فلديّ حب … سلوّ القلب منه غير هين
علقت، فمقلتي للنوم حرب … بأعزل، وهو شالي المقلتين!
مليح الدّلّ شاقت كلّ قلب … شمائله، وراقت كل عين
جنى وحمى فلم أطلب بثأري … محاجره ولم أتقاض ديني
أهيم بخدّه وبمبسميه … فأنسب بالحمى والأبرقين
عقدت مع الغرام فبعت فيه … وقاري والتّصبر صفقتين
وهمت بناعم العطفين فيه … عذاب الصبّ، عذب المرشفين
تدير عليّ عيناه كؤوسا ... كأن سلافها من رأس عين
10 فأحلف بالمحصّب والمصلّى … وأعلام الصّفا والمأزمين
لأنتصرنّ بالأجفان حتّى … تكون دموعها في الحبّ عوني
وحين تعرّفوا كلفي وقلبي … يصون السرّ عنهم كلّ صون
كففت المقلتين ليشهدا لي … فجرّحت الدّموع الشّاهدين!
فلو أبصرت ناظري المعنّى … وماء الدّمع فوق الوجنتين
15 بصرت بوردتين يسحّ منها ... سكيب القطر فوق بهارتين
إذا أعرضت أعرض كلّ صبر ... وآذن نوم أحداقي ببين
ولم تبأ الرّياض بحسن زيّ ... ولم تزه الرّبا بكمال زين
كأن نسيمها ممّا أقاسي … تهبّ عليلة بالأبردين
كأن الزّهر غبّ سما بكته … لما أبدى حمام الشاطئين
20 أهيج لها الهوى وتهيجه لي … فنلفى في الهوى متطار حين
وقد هاج الحمام الوجد قبلي … لتوبة عند بطن الواديين
بعيشك هل ترى ثاني وحيد … يرى بك ثالثا في النّيّرين؟
وهل يدنو من الآمال صب … بعيد بين هدب النّاظرين؟
فإن يكن الجمال حباك ملكا … وأيّد ناظريك بحاجبين
25 فما أرضى لملكك أنّ كسرى … وقيصر في مقام الحاجببين
وإنّ أقلّ حظ يبتغى من … رضاك يفي بملك الحارثين
تخبّرني وفي عطفيك لين … فعالك أنّ قلبك غير لين!
وأعرف في لحاظك ما رأت في … ظبى الثّقفيّ قاتلة الحسين
وألقي في الهوى بيدي ومالي … على فتكات لحظك من يدين
30 علام الغبّ عنّي؟ لا أغبّت … بك الخيرات هامية اليدين!
ولا جرت الريّاح عليك إلا … صبا وسقى محلّك كلّ جون
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.