صاحبنا الأمير الحاج يوسف بن عمر بن يعقوب ابن الأمير عامر بن أمير المسلمين يغمراسن بن زيّان.
[كنيته:]
يكنى: أبا يعقوب. ورأيته، وصحبته بفاس، في حضرة ملوك بني مرين. وارتحل إلى المشرق فحجّ وقفل إلى المغرب. وقد تبرّع في العلوم حتى جاء نسيج وحده. فلما بلغ إلى جهة بسكرة (بسكرة: ذكرها صاحب «الاستبصار في عجائب الأمصار:173» وتحدث عن مركزها الزراعي والحضاري وظهورها في مدن الزاب وقراه. ونقل ياقوت «في معجم البلدان» عن الحازمي أنها تضبط بكسر الباء والكاف، وعن غيره بفتحها؛ وقال: فيها نخل وشجر وقسب جيد. وكانت بسكرة مركزا رئيسا في دولة الموحدين، ثم تنازعها الحفصيون ومتغلبون من بني زيان وبعض القبائل العربية المنتشرة. وحصلت في أيدي بني مزني مددا من الزمن في القرنين السادس والسابع. وفي عهد أبي عنان المريني ظهر يوسف بن مزني الذي شايع المرينيين فعقد له أبو عنان على بسكرة عاصمة بلاد الزاب وما يلحق بها من بلاد ريغة وواركلي. قال ابن خلدون في تاريخه (6:412) إنه قام بالأمر بعد يوسف ابنه أحمد «وهو لهذا العهد-وقت تأليف ابن خلدون كتابه-أمير على الزاب بمحل أبيه من إمارته». وبسكرة اليوم من مدن القطر الجزائري، ولا زالت تحتفظ بأهميتها الزراعية والتجارية.) من بلاد الزاب بايعه من هنالك من الأعراب، وقدموا به ملكا إلى بسكره، فوقع بينه الحرب وبين أميرها أبي يعقوب يوسف بن مزني. ثم قبض عليه وسيق لابن مزني، فعفا عنه، وخلّى سبيله. ثم خرج بجهة المديّة على ابن عمه أمير المسلمين المتوكل على الله أبي حموّ ملك تلمسان وبويع هناك. ثم تخلّى عن الأمر من غير منازع، وقصد إلى ابن عمه أبي حمّو المتوكل على الله فخيّره أن يقيم معه بتلمسان، أو يعبر البحر إلى الأندلس، فاختار الأندلس. فعبر البحر إليها، واستقرّ بغرناطة؛ فأحسن نزوله ابن عمّنا أمير المسلمين الغني بالله أبو عبد الله محمد المخلوع. ثم عبر البحر إلى العدوة فاستقر بحضرة ملوك بني مرين من فاس، فأكرم مثواه أميرها أمير المسلمين أبو فارس عبد العزيز. ثم ارتحل عنها وقصد إلى جهة سجلماسة، فبويع هناك، وأقام أشهرا ملكا، وقتل رحمه الله.
[32/ أ] حاله-رحمه الله تعالى-:
هو علم الأملاك، وواسطة الأسلاك، وإنسان عين المفاخر، المتلفّع من الدين بردائه الفاخر. قرأ العلوم ودرسها، وشيّد الفضائل وأسسها. وحصل من علم الحدثان على طائل. وحاز من الفصاحة ما أسكت به الأواخر والأوائل.
وتحلّى في منصّة الجمال وحيدا، وترفع في مراقي الكمال صنديدا.
أنشدني لنفسه-رحمه الله-:
رعى الله أيّاما تقضّت وحيّاها … بأنس حبيب كان أنس محيّاها
وردّ ليالينا التي سلفت لنا … وحيّى فؤادا لا يملّ لذكراها
وحيّى الرّبوع الدارسات بفقد من ... تملّك قلبي والحشاشة أفناها!
وكانت ليالينا ينافرها الكرى ... فعاد الكرى من بعد ذا يتلافاها
ليال قطعنا الوصل عذبا بقربها ... فواحسرتا ما كان ألطف معناها
تملّك قلبي قلب هيفاء إذ هفا ... بتذكارها يوما، دعته فلبّاها
فلولا محيّاها لما صرت مغرما ... ولا صار قلبي-للصّبابة-يهواها
ولا سكبت عيناي منّي دموعها ... ولا ذقت فرط الحبّ والوجد لولاها
فقد صار قلبي مستهاما بحبّها ... وعاد فؤادي والها يتمنّاها
ولما أتى حادي رحال نياقها ... سباني لمّا أن حدا بمطاياها
سرت حين سرّت عن فؤادي همومه ... وأودى بقلبي شوقها عند مسراها
وصرت حزينا ذا غرام وذا ضنى ... أسائل عنها زندها وخزاماها
فيا سائلي عن شرح حالي أما ترى ... نحولي وسقمي والدّموع ومجراها
لقد خطّت الآماق من فوق وجنتي ... سطورا فمن شاء الحقيقة يقراها
فلا تكثروا فيها الملام فإن لي ... فؤادا على طول النّوى ليس ينساها!
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.