عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد الخطيب البعلي التاجي
تاريخ الولادة | 1046 هـ |
تاريخ الوفاة | 1116 هـ |
العمر | 70 سنة |
مكان الولادة | بعلبك - لبنان |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
عبد الرحمن بن تاج الدين بن محمد بن أبي بكر بن موسى بن عبده الولي الكبير المدفون في جبل الأقرع من أعمال انطاكية المترجم في در الحبب في أعيان من دخل حلب للعلامة شمس الدين محمد الحنبلي الحلبي وهذا المترجم هو الشيخ الخطيب المعروف بالتاجي الحنفي البعلي العلامة البارع الفاضل المحقق كان عالماً فاضلاً هماماً بليغاً أديباً في غاية من الجرأة ذا وقار واعتبار وعقل تام وله في الأمور وأبناء الزمان اختبار ولد في بعلبك في سنة ست وأربعين بعد الألف وقرأ الكثير على الشيخ عبد الباقي وعلى السيد محمد البرزنجي وغيرهما وأخذ عن الشيخ إبراهيم الكوراني المدني والشيخ محمد بن سليمان المغربي والشيخ حسن العجيمي المكي واقرأ الدروس الخاصة والعامة وطلب لخطابة دمشق لما انحلت عن العلامة الشيخ علاء الدين الحصكفي مفتي الحنفية وخطب بها مدة وكان حسن الصوت له المعرفة التامة في ألحان الموسيقى وكان ذا ثروة ودنيا ولذلك أنشد فيه الأديب الشيخ رجب الحريري حين وعده بارسال شيء من العسل ولم يوف الوعد قوله
يا شبه قارون في مال وفي سعة ... وياسمي الذي للمرتضى قتلا
إني عجبت لمثلي كيف صاغ له ... من أرقم ذات سم يطلب العسلا
ولما دفعهما إليه أجابه بأحسن جواب حيث قال له أنت كالحدأة سلاحها لسانها ورجب المذكور كان أعجوبة دهره في الشعر له باع في أقسام الشعر خصوصاً الهجاء وله فيه نوادر عجيبة وكان مكثاراً بديهاً وترجمه الأمين في تاريخه ونفحته وذكر أنه كان حمصي الأصل دمشقي المولد وتوفي بحلب في سنة احدى وتسعينوألف وكان صاحب الترجمة له رتبة الصحن المتعارفة بين الموالي وله توجهات إلى حلب وصحب الجد الكبير الاستاذ الشيخ السيد مراد وأخذ عنه الطريقة النقشبندية وله محبة أكيدة مع الشيخ العارف الكبير الشيخ عبد الغني النابلسي ويجري بينهما مطارحات أنيقة يجئ ذكر بعضها وكان له شعر في غاية البلاغة ومقاطيع ذكرهم في ديوانه المشهور وفي آخر عمره توجه لدار الخلافة في الروم لأجل ما وقع لولده الآتي ذكره إن شاء الله تعالى واجتمع بشيخ الاسلام المولى فيض الله وأمره بالتوجه معه إلى أدرنة لقضاء مآربه فتوجه معه وأنشده له قصيدة آخرها فارحم مشيبي يا همام فانني جاوزت للسبعين حداً مذعناً فأنا له منه ما تيسر ثم لما رجع منها بعد أن تزوج بامرأة أخيه العالم البارع المتوفي بقسنطينية واستقام فيها مقدار سنتين دخل بعلبك مريداً التوجه إلى داره بدمشق فأدركه الحمام وترجمه الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه أديب سامي القدر متوقد كالقمر ليلة البدر حسن المحاضرة بالانشاء وارف الظلال والأفياء يجري على طرف لسانه ما ينطق الدهر باستحسانه وهو أخ لك في الغرض جوهر أخلاقه لا يشوبه عرض وفيه لوذعية تحبيه وبشاشة تزلفه وتقربه وبيني وبينه صحبة ألحمتها الآداب وسدتها ومودة ربطتها موافقة القلبين وشدتها وهو اليوم طلق الشعر ثلاثاً ونقض غزله أنكاثاً وتخلص لعلم ينفعه في الحال ولمآل ويجدد له في الله كل ما تعوده من أماني وآمال وقد أثبت له من أوائل شعره كل بديع الوصف زاد على الجوهر في الشفافية والرصف انتهى ما قاله ومن شعره ما كتبه للاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي بقوله
تذكرت أيام الصبابة والصبا ... وعيشاً مضى ما كان أهنى وأطيبا
زماناً به كانت يد الدهر برهة ... تقمصني ثوب السعادة مذهبا
سقى الله ذاك الشعب غيث مدامعي ... إذا الغيث يوماً عن مغانيه قطبا
مغان بها كان أئتلاف مسرتي ... واقبال عيشي بالأماني أخصبا
منازل فيها للبدور مطالع ... على أن فيها للسحائب مسحبا
أقمت بها بين البشاشة والقري ... وإن شئت قل بين المحبة والحبا
وكم سيق من نعمي إلي ونعمة ... وكم قيل لي أهلاً وسهلاً ومرحبا
أبيت أجر الذيل تيهاً ورفعة ... ولا أرتضي غير السماكين مضربا
ويجمعنا بين العشائين جامع ... نسائر فيه الصحب شرقاً ومغربا
ونقصد للروض الوريف الذي له ... علا منزل زاد اعتلاء لنطربا
يطار حناها كالجمان قصائداً ... جواد بها في حلبة السبق ماكبا
وتنبعث الأفكار في كل شذرة ... تخال بجيد الدهر عقداً مذهبا
ويوماً ترانا حول مرجة جلق ... نؤم رياض الزاهدين أولى النبا
مجالس أنسى لست عنها براغب ... وكيف أرى عن جنة الخلد مرغبا
حوت كل فتك اللحاظ ممنع ... بصفحة خديه المحاسن كتبا
فما روضة غناء ذات جداول ... سعين بها كالصل يطلب مهربا
علاها لتغر يد البلابل في الحمى ... شؤون تذود الهم إن شاء أو أبى
وقد نسجت أيدي الربيع مطارفاً ... مدبجة والأفق أضحى مقطبا
وقام خطيب الطير فوق منابر ... يقول انهضوا فالراح قد راق مشربا
بأحسن مرآى من شمائله وقد ... تثنى فأزري بالرماح وأعجبا
وشيخهم لم أنسه أدروى لنا ... أحادي الا أنها كلها هبا
وليلة سعد ما سعدت بمثلها ... مدى الدهر في تلك المعاهد والربا
أعانق للآمال قداً مهفهفاً ... والثم ثغر اللأماني أشنبا
فذاك زمان كل عيش به رضى ... وكل نسيم هب من صبوتي صبا
وكنت أرى أن الزمان مساعدي ... فشمت به برق الأماني خلبا
فبينا تراني باسم الثغر ضاحكاً ... إذا بي أعض الراحتين تلهبا
متى تجمع الأيام شملي بجلق ... وألقي بها عبد الغني المهذبا
فتى فضله لو قابل الشمس راعها ... فتصفر أما خجلة أو تهيبا
سليل الأولى سادوا علي ونباهة ... وعلماً وحلماً وافتخاراً ومنصبا
إذا جال في بحث أتاك بمعجز ... وحل عويص المشكلات وأطنبا
بفضل أبيه العالمون شواهد ... ولكن رأينا الأبن قد فضل الأبا
هذا مأخوذ من قول بعضهم
وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علت برسول الله عدنان عودا
أخا الود مالي عن ودادك مذهب ... على أن قلبي لم يجد عنك مذهبا
وقد علم الرحمن من أنا عبده ... بأن ودادي عن ودادك ما صبا
وشخصك لا ينفك يسري به لنا ... خيال إذا آب الظلام تأوبا
أقلني أقلني إنني بقصيدتي ... شكوت لترئى لا شدوت لتطربا
ودم وابق في عز وأمن ممنعاً ... لدي غبطة ما أظهر الأفق كوكبا
ثم ان الاستاذ كتب له الجواب من الوزن والقافية بقوله
فؤاد لتلقاء الأحبة قد صبا ... يطارح بالأشواق من نحوهم صباوجفن لفرط النوح جفت دموعه ... وقلب على نار البعاد تقلبا
وصب محته البين حتى كأنه ... وقد برحت أيدي السقام به هبا
سقى الله عهداً بالمسرة ماضياً ... وساعات أنس رقت فيهم مشربا
زمان اجتماع الشمل حيث يد الهوى ... تناولنا كأس السرور محببا
ودوح الأماني بالشبيبة مورق ... يرف ظلالاً حيث عيشي أخصبا
أو يقات كنا نمتطي الليل أدهما ... إلى اللهو حتى نركب الصبح أشهبا
وداعي الأسى والهم عنا بمعزل ... نحاول عنه للمسرة مهربا
وقد رمقت عين الربيع ومعطف ... الحدائق يزهو كلما هبت الصبا
وللطير في الأفنان صدحة وامق ... تذكر من يهوى فزاد تلهبا
كأن امتداد النهر منساب أرقم ... تلقف من ظل الأراكة عقربا
كأن غصون البان خطية القنا ... يصول بها جيش النسيم على الربا
كان زهور الدوح فنج بعضها ... كواكب أفق طالعات وغيبا
وقد بكر الساقي بكأس مدامة ... فحيا وداعي اللهو ينتظر النبا
وطاف بها شمساً لها الخد مشرق ... إذا كان قد أمسى لها الفم مغربا
وهذا المعنى كثير ومنه قول المتنبي
يا صاحبي أمزجا كأس المدام لنا ... كيما يضئ لنا من أفقهاً الغسق
راح إذا ما نديمي هم يشربها ... أخشى عليه من اللآلآء يحترق
لو راح يحلف إن الشمس ما غربت ... في فيه كذبه في وجهه الشفق
ومنه قول بعضهم
أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... وبدا الساقي المحيي مشرقا
فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا عودا
عقار تفوق الورد في اللون والشذا ... كأن عليها فت كفك زرنبا
كميت بها جبت الهموم كأنني ... تمطيتها قيد الأوابد سلهبا
ينا ولنيها تارة من بنانه ... وفي فمه طوراً فارشب أطيبا
ثملت فلم أدر بها أم لأنني ... أصخت لنظم اللوذعي تأدبا
همام له في ذروة المجد رتبة ... ترى النجم منها لأبن غرباء أقربا
وباع إذا مدت أقل بنانه ... تناول من أفق السموات كوكبا
فصيح بليغ ساد إذ شاد للتقى ... مناراً به تقضي الهداية مأربا
وأصبح في وجه الفضائل غرة ... جلت من دياجي المدلهمات غيهبا
أقول وقد أهدى إلي رقائقاً ... بها طائراً لاذ كأرشب فشببا
أروضة فضل جادها صيب الذكا ... فهش محياها نباتاً وأعشبا
أم الخود زارتنا على غير موعد ... تبيح لنا ذاك الجمال المحجبا
وقد سحبت ذيل الدلال ملاحة ... وأعرب باهي الوجه منها فأعربا
أم الشمس من أفق المعالي تلألأت ... أم البدر وافى بالسحاب منقبا
أم النسمة المعطار أهدت لنا شق ... روائح هاتيك الحدائق والربا
أم البارق النجدي هاج وبعضه ... غرامي فلولا مدمعي كان خلبا
لعمرك ما عقد الجمان تلدت ... به الغيد ما روض المسرة أخصبا
وما بهجة الحسن المصون بناظر ... المشوق أسالت مدمع العين صيبا
وما قاصرات الطرف نيطت خدودها ... على مثل هالات البدور وأهيبا
بأعذب لفظاً من قواف قد اقتفت ... لنا أثر الكندي وابن طباطبا
ورقت فراقت في خروق مسامعي ... وغنى بها شادي السرور فأطربا
أتتنا بأبكار المعاني رقيقة ... وقد لبست ثوب البلاغة مذهبا
فحرك مني لطفها كل ساكن ... وأوقد من جمر القريحة ما خبا
اليك فخذ مني جواب ابن مسرع ... من الدهر لولا أن يعق لأطنبا
خواطره شتى وعنك بباعه ... قصور وقد عزت أمانيه مطلبا
بأي لسان أم بأي قريحة ... يجازيك شرقاً في القريض ومغربا
دع العتب وأصفح عن زخارف فكرة ... إذا ما جواد النظم جال بها كبا
ودم في سرور ما هفت نسمة الحمى ... وغيث على الأغصان ساجعة الربا
وللمترجم مؤرخاً بناء قصر للأمير عمر الحرفوشي سنة سبع وسبعين وألف
أرواق مجد تحته لك مقعد ... أم صرح سعد بالنجوم ممرد
أم هذه نعم الأمير أباحها ... للواردين فطاب منها المورد
نعم من الباري نرى أظهارها ... مما يؤكد شكرها ويؤيد
عمر الأمير الندب من غمر الورى ... احسانه الصافي فكل يحمد
ليث يريك البرق في يوم الوغى ... عضب يجرده وطرف أجرد
من أسرة سادوا الورى بمكارم ... غرو آلاء لهم لا يخمد
أعني الحرافشة الكرام ومن لهم ... عز يذل له الأعز الأصيد
يا أيها المولى الأمير ومن على ... آرائه عقد الخناصر تعقد
قد كان هذا القصر قفراً خالياً ... وبه البناء حكاية تستبعد
فجعلت منظره بهياً رائقاً ... وتركت فيه العندليب يغرد
وإذا تأملت البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
فتهن قصراً شيدته هم ... تعلو على هام السماك وتصعد
أبديت فيه للعيون بدائعاً ... في الحسن تصدر عن علاك وتورد
ولذاك ثغر السعد قال مؤرخاً ... قصر زهى للأمير مشيد
وقال في وصف عطار
وعطار يفوح العطر منه ... كمسك ضاع في ثغر شنيب
كأن الوجنة الحمراء منه ... منقطة بحبات القلوب
وله في صدر كتاب
ما انفك عن وده يوماً كما علم ... الرحمن من عبده ذاك الذي كتبا
ولم يحل عن غرام صح منه كما ... لان يرى وجهك الميمون مرتقبا
وللمترجم أيضاً
ومن عجب أن العيون فواتر ... تقاد لها شم الأنوف وتخضع
وأعجب من ذا إنني الليث يتقي ... سطاه وإني بالغزال مروع
وأعجب من هذين عذب رضابه ... وبي ظمأ عن ورده كيف أصنع
وأعجب من هذي العجائب كلها ... يباعدني والغير يدني ويمنع
وقال من قصيدة أولها
بابي أهيف كظبي غرير ... صال فينا بسيف لحظ شهير
قده غصن بانة يتثنى ... فوق دعص من تحت بدر منير
ألف الصد والنفار دلالاً ... ما عهدناه بالألوف النفور
أسرتني ألحاظه النجل عمداً ... يا لثار المتيم المأسور
أي ذنب جنيت في الحب حتى ... صرت في العاشقين دون نصير
عاذلي تركك الملامة أحرى ... لو تحريت كنت فيه عذيري
لو تراه وقد أدار عذاراً ... مثل وشي الطراز فوق الحرير
لعلمت الغرام إن كنت خلواً ... وعذرت العميد عذر بصير
ورشقت الزلال من ريق فيه ... رحت منه بسكرة المخمور
زار في غفلة الرقيب فأحيى ... ميت هجر بسعيه المشكور
أوضح الفرق واستكن بفرع ... فأرانا الصباح في الديجور
بات سكري منه بكأس حديث ... طيب أنفاسه لها كالعبير
ريقه العذب لي مدام ونقلي ... لثم خد بوجهه المستنير
ثم وسدته اليمين وبتنا ... في نعيمي مسرة وحبور
ليلة بالعفاف سربلها الده ... ر فكانت كغرة في الدهور
بدرها رام أن ينم فارجع ... ناه منا بنفثة المصدور
ونجوم السماء منظومة السم ... ط كنظم الجمان فوق النحور
وسهيل يلوح طوراً فطوراً ... يتحامى كخائف مذعور
والثريا قد آذنت بانقضاء ... الليل تومي بنا بكف مشير
تشبيه الثريا كثير ومنه قول ابن سكرة الهاشمي
ترى الثريا والغرب يجذبها ... والبدر يهوى والفجر ينفجر
كف عروس لاحت خواتمها ... أو عقد در في الجو ينتثر
ومثله قول أبي القاسم على جلباب
وخلت الثريا كف عذراء طفلة ... مختمة بالدر منها الأنامل
تخيلتها في الأفق طرة جعبة ... مكوكبة لم تعتلقها حمائل
وقال ابن رشيق
والثريا قبالة البدر تحكي ... باسطاً كفه ليأخذ جاما
وكانت وفاة المترجم في سنة عشر ومائة وألف في بعلبك وسيأتي ذكر محمد شمس الدين ويحيى ولديه رحمهم الله تعالى
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل.