محمد ابن والدنا أبي عبد الله
نبذة
الترجمة
أخونا الرئيس محمد ابن والدنا.
[كنيته:]
يكنى أبا عبد الله، وهو أكبر مني سنا، يفوتني بعشرين سنة.
حاله-أكرمه الله-
وصفته في كتابنا «فريد من شعر بني نصر» بما نصه:
هو أحد أبناء الملوك الموصوفين بالبراعة الفائقة، والفصاحة الرائعة المعجبة الرائقة. ممن يشار إلية في فك معميات الأدب، ويلجأ إلى معين فطنته في كشف مغيبات الطلب. متحل من الدين بشعاره المعجب، مترنم بالقرآن ترنما مستحسنا مطرب. إن خط مهرقا فأين منه ابن مقلة في التنميق؛ وإن شعر فما المرقش في التزويق. وإن خطب أنساك بلاغة سحبان؛ أو أنشأ فما العماد وبديع الزمان. وإن شدا مغنيا شغف القلوب وأذهلها، وإن تكلم منشدا خدع العصم في المعاقل وأنزلها. فلو سمعه الموصلي لسلم إليه على ياس، وكذلك ابن شكله إبراهيم بن المهدي صيت آل عباس.
ومع ما حباه الله به من هذه الخصال البديعة؛ التي لا تجتمع إلا في كل ذي نفس ذكية رفيعة، لا تراه إلا مطرقا من الحياء، ولا متكلما إلا في هبات الجزيل من العطاء.
لا يرفع الطّرف إلا عند مكرمة … من الحياء ولا يغضي على عار
إن عقد حبوة خلته رضوى الوقار؛ وإن نطق فكأنما سقي كؤوس العقار: سمت همته الشريفة إلى حب الطاعة، فلم يلف من أبناء الأمراء الزهاد مصادما. وسرت جنود ورعه إلى ميدان الفضائل، فلم تلق له مقاوما.
أيقابل السيل بالوشل، أم يعارض الجد بالفشل؟ ومكارمه قرت بها كلعين. وانتظم في لبه الدهر واسطة زين.
أنشدني لنفسه:
يا نازحا ولعهد الحبّ قد نقضا … لا تستحلّ حراما رمته غرضا
ناشدتك الله هل في العيش منتفع … يوما إذا ما جفا المحبوب أو رفضا؟
ولقي يوما ببعض الأزقة من فاس امرأة بارعة الجمال، وقد لبست ثياب حزن زرق، وهي سافرة عن وجه كالقمر، وهي تلطمه بيديها، ومن حواليها من النساء يرمن أن يبرقعنه فتمنعهن بيديها، فقال بديهة:
ألبسوها ليحجب الحسن فيها … ثوب حزن فزاد حسنا ومعنى
عجبا للسّحاب تستر شمسا … فتقت غيمه شمالا ويمنى!
قال إسماعيل مؤلف هذا الكتاب:
ولما نظمني معهم سلك الآداب، وسلك بي مسلكم شرف الانتساب، ولم أكن ممن قصر عن ذلك المرام، ولا ممن تبدد من ذلك النظام؛ رأيت أن ترك اسمي وعدم إثبات نظمي، ثلة في جمع، ووترا من شفع، وفلا في حسام، وحظا من أسقام. بل كنت في ذلك، من فريق هنالك؛ قاده طبعه إلى تولج هذا الباب، وحداه عقله إلى مطالعة نوع من الآداب.
فمن قولي-لطف الله بي-وكان قد بلغني عن بعض بني عمي بعض القول مما يقبح:
رماني بنو عمّي بزور مزورّ … وما زلت أوفاهم وأحسنهم سمتا
رموني حقدا بالذي لست أهله … وإنّي عن هجر لأكثرهم صمتا
وإنّ جدودي كالجبال رزانة … وما إن ترى فيها اعوجاجا ولا أمتا
وقلت أيضا-خار الله لي-:
يوم بان الظّاعنونا … لا تسل ماذا لقينا
أيّ شوق أيّ وجد … فضح السرّ المصونا
وأشدّ من تشكّى … من بهم جنّ جنونا
فرح الحاسد ممّا … آلم القلب الحزينا
يا فراق الخلّ ماذا … من ولوع لك فينا؟!
كلمّا رمنا بعادا … منك أدنينا الشّجونا
جئت في فعلك هذا … بخلاف المغرمينا!
وقلت أيضأ في مدح ابن عمنا أمير المسلمين الغني بالله محمد المخلوع:
أبى الله إلا أن يمّلكك الدّنيا … ويحمي بك الإسلام إذ حطته رعيا
حميت جناب الله فضلا ولم تزل … تراقب فيه أمر ربّك والنّهيا
وأعززت دين الله لما نصرته … فقد نسخت معنى السماع به الرّؤيا
وسرت لعمري سيرة عمرية … بها قرّعين الدّين واعتزّت العليا
وقد خضعت صيد الملوك لأمركم … وليس لها إلا اتباعكم رأيا
ومن حاد منهم عن مراميك كلّها … يلاقي الرّدى من بعد أن يوسع الخزيا
سقيت بغيث الجود ما كان ما حلا … حنانا وإحسانا فيا حبذا السّقيا
ألا يا عفاة الأرض طرّا تبادروا … إلى جود ملك فضله غمر الدّنيا
هو الفذّ في الأملاك طرّا لأنه … أجلّهم قدرا وأحسنهم هديا
همام إذا ما الروع عبّ عبابه … وأبدى عليه النّقع من نسجه زيّا
ولاحت بروق الهند وامتلأ الفضا … بصلصال رعد الطبل أعظم به شيّا
وطأطأت الأرماح تدمى أنوفها … وأحكم طير النّبل مرسله الرّميا
أراك محيّا تاليا سورة الضّحى … وقلبا على الأعداء قد ركب البغيا
على فضله قد أصفق الناس مثلما … على ملكه حتما تطابقه الفتيا
بنى حرما للمكرمات تحجّه … عفاة الورى أكرم بمورده ريّا
وأذهب بالتقوى القبائح كلّها … وبدّد بالرّشد السفاهة والغيّا
وأدرك بالعزم الذي أعجز الورى … وجاء بما أعيى سواه وإن أعيى
تعزّز منه الدين لما أقامه … ولم يشك منه الملك وهنا ولا وهيا
كفيل بتيسير الأماني وضامن … عن الدّهر ألا يمنع السائل الرّعيا
غدا المدح صعبا في سواه وإنه ... غدا فيه سهلا إذ لداثره أحيى
أفاض على العافين طرّا مواهبا ... بأفضاله وعدا لهم منه مأتيّا
حلفت يمينا برة ليس في الدنيا ... مليك سواه للمعالي سعى سعيا
أبناء نصر حزتم بمليككم ... فخارا بما يلفى مدى الدّهر مخفيا
أشاد لكم ملكا وعزّا مؤبّدا ... فلا زال مأثورا-مدى الدّهر-مرويا
لنا الله كم حزنا به من مفاخر ... تنافى بها عنّا العنا في الورى نفيا
تسامت به العلياء منه بقربنا ... إليه وأضحى فعلنا منه مرضيا
فيا فخر أملاك الدّنى والذي حوى ... لعمر المعالي الحزم والعزم والرّأيا
نموت بتشييد المفاخر مثلما ... شأوت ملوك الأرض طرّا بلا ثنيا
منعت به الباغين بالعدل رحمة ... فليس يخيف الذيب في قفره الظّبيا
وقتّلت أهل الشّرك في عقر دارهم ... وأبت ولم تترك بأحيائهم حيّا
وملك النّصارى ذلّ قسرا لعزّكم ... يعاود في سلم له النشر والطّيا
ولولا ظباك القاهرات لملكه ... لما كان نحو الحقّ مستمعا وعيا
فلا زلت يا أسمى الملوك مؤيّدا ... ولذّت لك البقيا وطاب لك المحيا
وقلت أيضا:
سهرت فيمن جفنه نائم … وذبت فيمن جسمه ناعم
ظبي ظبا عينيه فعّالة … بالقلب ما لا يفعل الصّارم
يستلّ من مقلته صارما … للصّبر مني أبدا صارم
ينشأ عن عينيه سكر الهوى … فكلّنا من ثمل هائم
يهزأ بي كأنّه جاهل … بما ألاقي وهو العالم
شكوته ما بي من حبّه … من وله لعلّه راحم
فظلّ والجسم غدا ناحلا … ودمع عيني أبدا ساجم
يضحك في الحبّ وأبكي أنا … الله فيما بيننا حاكم!
وقلت أيضا فيه :
هاجت لبعدك لوعة وغليل … والقلب بعدك واله مخبول
يا نازحا نزح الكرى لفراقه … رفقا فعقد تصبرّي محلول
وابعث ولو بالطّيف في سنة الكرى ... ليزورني في النّوم عنك رسول
فاسأل نجوم اللّيل تخبر قصّتي ... فالنّجم عن سهري بك المسؤول
فإلى متى قلبي مروع بالنوى … فلقد رثى لي حاسد وعذول
قد هام قلبي في هواك (وإنني) … دنف على جمر الغضا مجعول
يا ملبسي ثوب السّقام، تعطّفا … يوما بصب من نواك عليل
فلقد قضى أهل الغرام ديونهم ... وغريم حسنك في الهوى ممطول!
أدركت من سرّ الغرام حقيقة ... ما نالها قيس الهوى وجميل
إنّ الذّين جمالهم بجمالهم … سارت إلى نحو الأراك تميل
وغدت تجدّ السّير لمّا شاقها … من نحو رامة إذخر وجليل (لإذخر: حشيش طيب الريح، واحدتها إذخرة، وهي شجرة صغيرة. الجليل: نبت الثمام، ضعيف «يحشى به خصاص البيوت».)
أقوت معاهد حيّهم منهم كما … ملحوب أقوى ربعه المأهول (يشير إلى بيت عبيد بن الأبرص:
أقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات فالذنوب
وملحوب: اسم ماء لبني أسد، والقطبيات والذنوب مواضع لهم أيضا.)
لا عيش بعدهم يلذّ وإنّهم … روح الحياة لهائم والسّول
عللّت قلبي باقترابهم فلم … ينفع مشوقا بالنوّى التّعليل
يفنى الزّمان وما قضيت لبانتي … يا ليت شعري هل لديك سبيل؟
هملت نجيعا أدمعي يوم النّوى … وقد استقلّت للوداع حمول
وسرت ركائب لوعتي منثالة … والوجد هاد والغرام دليل
يا راحلين عن المشوق لشدّ ما … خلّفتموه وقلبه متبول
يهوى على مرّ الزّمان حديثكم … وكثيره فيكم لديه قليل
أمّا الحبيب فلا يملّ حديثه … وحديث من أبغضته مملول!
لكنني آوي إلى حرم الذي … ما إن له في المالكين عديل
من شيّد العلياء بعد عفائها … وأنال ما قد كلّ عنه منيل
من لم يزل يرعى الإله وعقله … عند المشورة شامه وطفيل
ملك إذا ركب المطهّم طالبا … لعداته فعدوّه مغلول
ملك إذا ما صال يوما صولة … كادت لها شمّ الجبال تزول
سائل عن وثباته وثباته … يوم الكريهة والذّوابل غيل
تخبر بما أعيى الفوارس كلّها … وحديثه في الصالحات يطول
أجرى مياه العدل في أحكامه … وأقاد صعب الدهر فهو ذلول
قد روّض الإمحال جودا مثلما … قد شيّد العلياء وهي طلول
ملك القلوب محبّة ومهابة … ولسيفه في الدارعين صليل
ساد الملوك بنسبة سعديّة … ففخارها أبدا له التّفضيل
وسما بها فوق السّماك وإنّه … لا يعتريه في الهياج ذهول
بعلى المعلّى جدّه سعد الرّضا … مولي النّدى، قد أفصح التّنزيل
حامي الرّسول وسيّد الأنصار من … صحب الرّسول وسيفه مسلول
أعطى أمير المسلمين وقد سطا … بالمعتدين ووعده مفعول
وطلب مني الفقيه الشريف محمد بن أحمد الحسني (لقاضي الفقيه أبو القاسم محمد بن أحمد الشهير بالشريف الغرناطي، ويعرف بالسبتي أيضا؛ وسيترجم له المؤلف في الورقة) المدني رسالة ذي الوزارتين الفقيه الكاتب أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الخطيب الأندلسي، التي كتب بها عن ابن عمنا السلطان أمير المسلمين الغني بالله أبي عبد الله محمد المخلوع، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ معرفا بجهاده الروم ونصره عليهم وأخذ بلادهم. فبعثت بها إليه، وكنت قد صححتها بيدي، وطغى القلم في لفظة وهي الأغوار بالواو فجعلت مكان الواو دالا مهملا جاء منه «الأغدار».
فلما وقف على ذلك كتب عليه طرة ينبهني على نسياني ويعتذر، فجاوبته بقولي:
حبوت جنابي يا سليل محمّد … بعذراء ما أسنى سناها وأعجبا
بدت شمسها في هالة السّعد مثلها … تضوّع رّياها من المسك أطيبا
فلا زلت تسديها على الخلق نعمة … ولا زلت تسمو في الفضائل منصيبا
وصلت-أعزك الله-عقيلتك السالبة للعقول، الخارجة بنظمها البديع، المسكت للبديع عن الحد والمعقول. وهي من الأصل الوسيم والفضل الجسيم، ترفل في حلل؛ وتنتمي بنسبها العلي، وحسبها النبوي في أشرف الحلل.
إلى السّادة الأخيار أبناء هاشم … بني الحجر والبيت العتيق الممجّد
هم آل خير الخلق أحمد والألى … بهم عزّ دين الله في كلّ مشهد
فقبّلتها ألفا، ولم أرض-دهري-غيرها إلفا. وقلت لها مرحبا بذات
الجزالة، وأخت غزالة والغزالة. والبارعة الجمال والفارعة ذرى الإجمال.
ومصرح الناظر ومسرح المناظر. وبنت سليل الرسول، ومنتهى الأمل بالسول: الرافعة من شأني، والخافضة في طلق الفصاحة، وميدان الصباحة، من جاراني وماشاني. التي أذهبت عني الأتراح وتسربلت لها ثياب الأفراح.
وأزاحت الكرب، وامتلأ بها دلو السرور إلى عقد الكرب. وزدت بها أنسا.
وكلفت بحسنها الذي لا أنسى. نفرت عن جلي عذرك فقبلته. وتأملت على سطرها مرور يدك فقبلته. وقلت إن سيدي صدر المجالس، والتحفة التي ألقاها الدهر إلى المجالس. ما صدرت منه تلك الطرة لتعريض، ولا لأن يظهر علمه الطويل العريض؛ بل ليصلح ما طغى به لسان اليراعة، وذلك مما وهبه الله من فائق الحكمة ورائق البراعة. فما الظبية الوعساء، ولا العزة القعساء عندي بأبدع من تنبيه معظّمي العذب الشمائل، المزدهي عرف عرفانه بزهر الخمائل، تهديه الصبا والشمائل. فلا زال في صعود سيدي علم البلاد، والنحرير الذي أسلم وجهه لبلاغته وسلم لفصاحته الصاحب بن عباد. ما عطرت رياض الحزن غب سواكب المزن الرياح النواسم، وأومضت في حندس الليل بروق الثغور البواسم، والسلام.
وقلت أيضا، معزيا لابن عمنا الرئيس أبي الوليد إسماعيل بن الأمير أبي سعيد فرج:
لا تجز عنّ أبا الصّدق الأمير على … يحيى سليلك؛ في الباقي لك الخلف
كان الذي قد مضى نجما فغاب ومن … بقي بدور-لعمري-ما بها كلف
مثلك-أعزك الله-لا يذكّر عند المصيبة، إذ سهام صبرك مسددة مصيبة.
وايم الله لقد فجعت لرزئك في نجلك، وعظم فقده عندي من أجلك. ومهما أمرّ بناديه، أتفجع فأناديه:
(إذا ما دعونا الصّبر بعدك والبكا … أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر
فإن ينقطع منك الرجاء فإنّه … سيبقى عليك الحزن ما بقي الدّهر)
والله يجزل بمصابه أجرك؛ ويرفع-بالصبر عليه-في الدارين ذكرك.
والسلام.
وقلت أيضا:
-وبعثت بها إلى ابن عمنا أبي الوليد هذا رحمه الله تعالى-وكل ما في رسالتي هذه من الأبيات هي نظمي-:
أكاتبكم يا أهل ودّي وبيننا … كما حكم البين المشتّ فراسخ
فأما منامي فهو عنّي مشرّد … وأما الذي بالقلب منكم فراسخ
الأخ الوفي الذي لا ارتياب في صحة إخائه، وابن العم الصفي الذي لم يشب الكدر صفو صفائه، والولي الحفي الذي يشهد خالس محبته بحسن ولائه.
الذي صحح وداده الاختيار، وصرف عنان المحبة إليه الاختيار. المبرز في إحراز غاية الإعجاب والإعجاز، الواحد الذي به فخار صدور القوافي والأعجاز، المنزهة حقائق عزائمه الصادقة عن شوائب المجاز. الذي كان له سعد بن عبادة أبا، واكتسب من المعالي ما امتنع عن غيره وأبى.
واعترف له بالفضل من أهل عصره أعلامه؛ وأطاعته في الحرب سيوفه، وفي الكتب أقلامه. إنسان عين الكمال، وفلذة كبد المجد الباهر الإجمال.
سلام عليكم من مشوق متيّم … أخي حرق رقّ الجماد لما يلقى
يكفكف دمع العين مهما ذكرتم … وقد كاد أن يفنى لرؤيتكم شوقا
براه الهوى واستأصل السقم جسمه ... وغيّره نأي الحبيب فما أبقى
ينادي إذا ما الليل أرخى سدوله ... يسرّكم يا أهل ودّي أن أشقى؟
لئن سرّكم هذا فراحة مهجتي ... إذا قيل إني متّ من أجلكم عشقا!
خذوا مهجتي بالرّفق أهل مودّتي ... وليس من الإنصاف أن أسأل الرّفقا
أنا المغرم المضننى بحبّ جمالكم ... فرقّوا لملهوف غدا لكم رقّا
كتبته-أعزّك الله-والدّموع سواجم. والقلب ممّا اعتراه واجم؛ لما أجد من التّوق إلى حسن مزاحكم، ومن الألم من طول انتزاحكم.
وبعد فإني أصرف إليك عنان المعاتبة، لعدم المراسلة والمكاتبة. وقد أضرّ بي الأسى والتّبريح، حتى صرت أبعث السلام مع الريح. فلا أدري:
أملل صدّك عن جوابي أم أردت أن يقضي عليّ جوى بي فارفق بملهوف تضطرم أحشاؤه لوارد الأغراض، ويرضى بكلام المحبوب وإن لم يكن عن تراض. فلو أنّ ما به بالصّخرة الصماء لذابت، أو بالليلة الظلماء لا نجابت. قسما بمحبّتك التي تيّمتني، وفضائلك العميمة التي ملكتني. لولا أمنيات نفس بالوصال نعلّلها، واستئناس بلقياك نؤمّلها؛ لعدم ما بقي من خيال الجسد، ولذاب الفؤاد من جمرة الكمدوإلى كم نار شوق جوانحي أوريتها، ودموعا سواجما على الخدين أسلتها فهذه حالي يرقّ لها الجلمود، ويذوب لها الجمود. فأحي مهجتي من إماتة الشوق بألفاظ أسكن إليها، ورسائل اعتمد عند تأجج نار الشوق عليها. وأنا-وان تباعدت المساكن والأشباح، فقد تقاربت منا القلوب والأرواح. والصبر عليك قد ارتحل، والجفن بالسّهاد لا بالإثمد اكتحل. فلو رأيت حالي من ذلك، لعلمت أني في أشدّ المهالك».
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.