أمير المؤمنين المتوكل على الله فارس رحمه الله
أبو عنان المريني (729 - 759) فارس بن أبي الحسن علي ولاه أبوه مدينة تلمسان، ثم بويع بالملك سنة 749 في حياة أبيه لما جاء الخبر بوفاته، واستتب له الامر سنة 752 بعد وفاة والده ومن أعماله إعادة إخضاعه لبني زيان ملوك تلمسان، وللحفصيين أصحاب قسنطينة وتونس. وقد توفي مخنوقا على يد وزيره الحسن ابن عمر الفودودي. اشتهر أبو عنان بحب العلوم والآداب، وإثابة أهل العلم، ومناظرتهم. وكانت له عناية بجمع الكتب وبناء المدارس.
[كنيته:]
يكنى أبا عنان. ورأيته، وكنت في حضرته بفاس تحت إيالته، وسيب إنعامه مدة حياته. وأعطى عني صداق ابنة عمي حين تزوجتها، محبة منه إلي-رحمه الله تعالى-.
وكان كمثل أبيه سمتا وهديا، و ضخامة الملك واتساع البلاد. ملك من السوس إلى إطرابلس وبلاد إفريقية مدة. وحين ارتحل إلى أرض إفريقية من فاس ليملكها في عام ثمانية وخمسين وسبع مئة سرت معه، فأتاحني من العطايا ما قرت به عيني، ولم أزل معه تحت بره، حتى فرق الدهر بيننا بموته، رحمه الله.
حاله-رحمه الله-:
هو الملك العالم بالمفروض والمندوب. الهمام الذي لم يزل لأذيال الشهامة سحوب. من أشرقت ببهائه، وظهر بظهور روائه، غياهب الظلم. ونجم بتدقيق ذكائه، وتحقيق آلائه، مأثور العلم والكرم. فلا جهة من جهات البر إلا عم علمه لديها، ولا ناحية من نواحي الفقر إلا غطى كرمه عليها. وكانت الملوك تبجله، ومقصده تعجله ولا تؤجله؛ لما كان أسدهم الهصور، وفارسهم المنصور.
ومن قوله في الحكمة:
وإذا تعرّض للرّياسة خامل … جرت الأمور على الطّريق الأعوج!
وكنت يوما جالسا معه بمقعد ملكه من المدينة البيضاء من فاس فدخل عليه رجل من المنخرطين في سلك المتصلحين، فلما نظر إلى المتصلح قال بديهة:
تراهم في ظواهرهم كراما … ويخفون المكيدة والخداعا!
وأخبرني الفقيه الإمام المفتي المدرس قاضي الجماعة بفاس، وقاضي الحضرة المرينية المدينة البيضاء أبو عبد الله محمد القرشي المعروف بالمقري ، بفتح الميم، كنت يوما عند أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان، فقال لي يا أبا عبد الله، كنت يوما بقصري، وكان في يدي تفاحة، فحضرت عليّ جارية من جواري، كنت أحبها حبا مبرحا فأرميتها بالتفاحة، وقلت على البديهة:
خذها إليك هدّية … من كفّ ملك مالك
يبدي العطايا دائبا … ويبيد شمل الفاتك
قال في روضة النسرين: ومن شعره الحلو:
رمى تصوب حبي ... حبي تصوب رميي
نهى تقاصد خلي ... خلي تقاصد نهيي
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.
فارس بن علي بن عثمان بن يعقوب المريني، أبو عدنان، المتوكل على الله:
من ملوك الدولة المرينية بالمغرب. ولد بفاس الجديدة (المدينة البيضاء) ونشأ محبوبا في قومه، لفضله وعلمه، وولاه أبوه إمارة " تلمسان " ثم ثار على أبيه، وبويع في حياته (سنة 749 هـ ولما مات أبوه (سنة 752 هـ استتب أمره، فبدأ بإخضاع بني عبد الواد (وكانوا أمراء زناتة، بتلمسان) فقاتلوه فظفر بهم ودخل تلمسان. وانتظم له أمر المغرب الأوسط. وعصاه أخ له يدعى " أبا الفضل " فأرسل إليه من قاتله في جبل " السكسيوي " وجبال " المصامدة " من بلاد السوس، فاعتقل وحمل إليه فسجنه أياما ثم أمر بخنقه في محبسه (754 هـ وقصد إفريقية سنة (758 هـ فانتزع قسنطينة وتونس من أيدي الحفصيين. وبدت له ريبة في إخلاص بعض قواده، فعاد إلى فاس، وقتلهم.
ومرض أياما فدخل عليه وزيره الحسن بن عمر الفودودي فقتله خنقا، لسبب يطول شرحه.
وقد ذكره السلاوي في الاستقصا، وقال فيه: كان جهوريّ الصوت، في كلامه عجلة، عظيم اللحية، تملأ صدره، فارسا شجاعا يقوم في الحرب مقام جنده، فقيهاً يناظر العلماء، كاتبا بليغا شاعرا، له آثار من مدارس وزوايا .
-الاعلام للزركلي-