أبي بكر بن محمد بن محمود بن سلمان بن فهد شرف الدين

تاريخ الولادة693 هـ
تاريخ الوفاة744 هـ
العمر51 سنة
مكان الوفاةالقدس - فلسطين
أماكن الإقامة
  • بلاد الشام - بلاد الشام
  • دمشق - سوريا
  • القاهرة - مصر

نبذة

أبو بكر بن محمد بن محمود بن سلمان بن فهد، القاضي الكاتب الرئيس البليغ شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن القاضي شهاب الدين، كاتب السر بالشام ومصر وابن كاتب السر بالشام وابن كاتب السر بالشام، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر والده وجده في مكانيهما من حرف الميم.

الترجمة

أبو بكر بن محمد بن محمود بن سلمان بن فهد، القاضي الكاتب الرئيس البليغ شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن القاضي شهاب الدين، كاتب السر بالشام ومصر وابن كاتب السر بالشام وابن كاتب السر بالشام، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر والده وجده في مكانيهما من حرف الميم.
كتب الخط الذي فاق، وسارت بأنباء محاسنه الرفاق، وتسرع ليتعلم لطفه النسيم الخفاق، وأبرزه مثل النجوم الزهر، فما تطلع منه كوكب إلا فاق في الآفاق، أتقن الرقاع ومزجه بالنسخ فجاء بديع المنظر، رائق المرأى قد سمج ورد الخد الأحمر لما تسيج بآس العذار الأخضر، وجود النسخ والثلث فما داناه فيهما كاتب في زمانه، وأبرزهما من القوة والصفاء في قالب يود لو نقطه الطرف بإنسانه، لو عاصره ابن البواب لكان مثل أبيه على بابه، أو ابن مقلة لعلم أنه ما يرضى به أن يكون من أضرابه، أو ابن العديم لعدم رقة حاشيته، وتطفل مع الوزارة لأن يكون من جملة حاشيته، هذا إلى نظم يترقرق زلاله، ونثر يفيء على نهر الطروس ظلاله، قد درب كتابة المطالعة ومهر، وزاد على إتقان أبيه وجده فيهما وظهر، هذا إلى شكل قل أن ترى مثله العيون، أو تقتضى من غير محاسنه ديون، وكرم نفس يخجل الغمائم، ولطف شمائل تفرد بالثناء عليها خطباء الحمائم، وحفاظ ود، ووثوق عهد وسلامة باطن، وبراءة من الخبث الذي تراه وهو في كثير من الناس مباطن.
ولي كتابة السر بدمشق بعد القاضي محيي الدين بن فضل الله، لأن القاضي علاء الدين بن الأثير لما انقطع بالفالج في سنة تسع وعشرين وسبع مئة، طلب السلطان القاضي محيي الدين وولده القاضي شهاب الدين والقاضي شرف الدين وولاه كتابة السر بدمشق، وأجلسه قدامه بدار العدل بقلعة الجبل، وقرأ قدامة القصص ووقع عليها في الدست، ورسم له أن يحضر دار العدل في دمشق، وأن يوقع على القصص بين يدي الأمير سيف الدين تنكز، فهو أول كاتب سر جلس في دار العدل، ولم يكن كتاب السر يجلسون قبل ذلك في الخدمة، فباشر ذلك.
وكان إذا توجه مع نائب الشام إلى مصر يحضره السلطان قدامه ويخلع عليه وينعم عليه، وكان يعجبه شكله كثيراً ويقول لألجاي الدوادار: يا ألجاي، هذا شرف الدين كأنه ولد موقعاً. ويروق له شكله وسمته، ويعجبه لباسه.
فلما توجه مع الأمير سيف الدين تنكز سنة اثنتين وثلاثين وسبع مئة ولاه السلطان كتابة سر مصر، وجهز القاضي محيي الدين وأولاده إلى دمشق، وتوجه القاضي شرف الدين مع السلطان إلى الحجاز، ووقع بينه وبين الأمير صلاح الدين الدوادار، وطال النزاع بينهما وكثرت المخاصمات، ودخل الأمير سيف الدين بكتمر الساقي رحمه الله تعالى بينهما وغيره، فما أفاد، فقلق القاضي شرف الدين وطلب العود إلى دمشق ولم يقر له قرار، فأعاده السلطان إلى دمشق، وطلب القاضي محيي الدين وأولاده إلى مصر وأقرهم على ما كانوا عليه. وكانت ولايته كتابة السر بمصر تقدير ثمانية أشهر، ولما عاد فرح به تنكز وقام له وعاتقه وقال له: مرحباً بمن نحبه ويحبنا وأقام بينه وبين حمزة التركماني الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف الحاء مكانه، فأوحى إلى تنكز ما أوحاه من المكر الخديعة والافتراء، فكتب تنكز إلى السلطان، فعزله بالقاضي جمال الدين عبد الله بن كمال الدين بن الأثير، وبقي في بيته بطالاً مدة، فكتب السلطان إلى تنكز يقول له: إما أن تدعه يوقع قدامك وإما أن تجهزه إلينا، وإما أن ترتب له ما يكفيه، فرتب له ثلاث مئة درهم وثلاث غرائر، ولما أمسك تنكز رسم السلطان أن يكون موقعاً في الدست بدمشق وولده شهاب الدين المقدم ذكره كاتب درج، فاستمر على ذلك إلى أن تولى الملك الصالح إسماعيل، فولاه وكالة بيت المال بالشام مضافاً إلى ما بيده، فأقام في الوكالة سنة أو قريباً منها، ثم إنه توجه إلى القدس للوقوف على قرية يشتريها الأمير سيف الدين الملك ليوقفها على جامعه بالقاهرة، فتوفي رحمه الله تعالى فجأة، لأنه دخل إلى بيت الخلا، فما خرج منه إلا إلى سرير البلى.
ووفاته رحمه الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
ومولده سنة ثلاث وتسعين وست مئة.
وكان رحمه الله تعالى عنده تجمل كثير زائد في أكله وملبسه ومركوبه، وكرم نفس، وفيه تصميم وبسط إذا خلا بمن يثق إليه، وكان فيه خواص، منها أنه يحلق رأسه بالموسى بيده، ويلف شاشة على طاقية من غير قبع فرد مرة ويصلحها بيده، وهي على رأسه ولا ينظر إليها وهي من أحسن ما يكون، وكان شديد القوى ذا همة وبطش.
أنشدني من لفظه لنفسه:
والله قد حرت في حالي وفي عملي ... وضاق عمّا أرجّي منكم أملي
أبيت والشوق يذكي في الفؤاد لظى ... نارٍ تؤجج في الأحشاء ذي شعل
ويصبح القلب لا يلهو بغيركم ... وأنتم عنه في لهوٍ وفي شغل
الله في مهجةٍ قد حثّها أجلٌ ... إن لم يكن صدّكم عنّي إلى أجل
وأنشدني من لفظه لنفسه:
على خدّه الورديّ خالٌ منمّقٌ ... عليه به للحسن معنىً ورونق
وفي ثغره الدرّ النظيم منضّدٌ ... يجول به ماء الحياة المروّق
وما كنت أدري قبل حبّه ما الهوى ... إلى أن تبدّى منه خصرٌ ممنطق
عليه من الحسن البديع دلائلٌ ... تعلّم ساليه الغرام فيعشق
وأنشدني من لفظه لنفسه:
رأت مقلتي من وجهه منظراً أسنى ... يفوق على البدر المنير به حسنا
غزالٌ من الأتراك أصل بلّيتي ... معاطفه النشوى وألحاظه الوسنى
رنا نحونا عجباً وماس تدلّلاً ... فما أرخص الجرحى وما أكثر الطعنا
له مبسم كالدر والشّهد ريقه ... وليس به لكنّه قارب المعنى
وأنشدني يوماً من لفظه لنفسه ملغزاً في ليل:
أيّما اسمٍ يغشى الأنام جميعا ... وإذا فكّرت لي ثلثاه
أن تزل في هجائه منه حرفاً ... لك منه مصحّفاً طرفاه
فأنشدته أنا لنفسي ملغزاً في فيل:
أيّما اسم تركيبه من ثلاث ... وهو ذو أربعٍ تعالى الإله
حيوانٌ والقلب منه نبات ... لم يكن عند جوعه يرعاه
فكيف تصحيفه ولكن إذا ما ... رمت عكساً يكون لي ثلثاه
وأنشدني يوماً لنفسه:
بعثت رسولاً للحبيب لعلّه ... يبرهن عن وجدي له ويترجم
فلمّا رآه حار من فرط حسنه ... وما عاد إلاّ وهو فيه متيّم
فأنشدته أنا لنفسي:
بي غزالٌ لمّا أطعت هواه ... أخذ القلب والتصبّر غصبا
ما أفاق العذول من سكرة العذ ... ل عليه حتى غدا فيه صبّا
وكتب هو إلي وأنا بالقاهرة يطلب مني الحضور إلى دمشق ليجهزني إلى الرحبة موقعاً:
يا فاضلاً فخر الورى بخلاله ... وعلا على أفق العلا بجلاله
فقلوبنا من شوقها جمراتها ... لم يطفها بالدمع فيض سجاله
فاجعل لنا من تبر فضلك فضلةً ... يغنى بها المضرور عند سؤاله
فكتبت أنا الجواب إليه:
شرّف دمشق أن ارتضيت بزورةٍ ... واشف الجوى من كلّ قلب واله
فلقد ملأت ديار مصر فضائلاً ... كم فاض منها النيل عند نواله
إن الكريم هو الجواد على الذي ... قد راح يسأل ما له في ماله
قم في الدّجى حتى الصباح وواله ... بدعا يقوه ببعض حقّ نواله
وأمل بما تمليه أعطاف الورى ... واحمد أبا بكرٍ على أفضاله
واسجع فإنّك ما برحت مطوّقاً ... إمّا بضافي جاهه أو ماله
مولىً غفلت ونمت عن ليل المنى ... فأبى وصيّرها شواغل باله
واستاقها غرّاً إليك وأنت لم ... تحتج إلى تحريكه بسؤاله
والبرّ أفضل ما أتى عفواً ولم ... تقبض يد الراجي حبال نواله
هذا هو الفضل الذي فضح الحيا ... وسما بجدواه على هطّاله
تلهو بنو الآمال عن مطلوبها ... علماً بأن لهم كريم خلاله
كرمٌ يفيض على العفاة سحابه ... ويسحّ وابله على استرساله
لله سعيك في المعالي إنّه ... جعل الثريّا في عداد نعاله
وغدا يجرّ على المجرّة ساحباً ... يوم الفخار الفضل من أذياله
وسعى فأدرك غايةً من أمّها ... قامت ذراريها مقام ذباله
ما عاق نائله عن العافي مدى ... وعدٍ ولا شان العطا بمطاله
يا آل محمودٍ ليهنىء مجدكم ... شرفٌ أناف على الورى بجلاله
أقسمت ما لشبا السيوف إذا مضت ... في يوم معركةٍ جلاد جداله
كلاّ ولم ير قطّ بحراً مدّ من ... أمواهه ما بثّ من أمواله
خطٌّ أظنّ الروض جوّد عندما ... شقّت كمام الزهر تحت مثاله
وتلفّظٌ إن قلت سحرٌ لم يسع ... ني أن يكون حرام ذا كحلاله
وخلائق كالروّض أهدى نشره ... مرّ النسيم على ذوائب ضاله
وسياسةٌ طاش العدوّ لها وقد ... سكن الوليّ وقرّ من زلزاله
فالله يحرس للزمان بقاءه ... ويمتّع الدنيا بفضل كماله
وكتب هو إلي ونحن على الأهرام صحبة الركاب الشريف ملغزاً في القرط:
ما اسم ثلاثيّ ترى ... حلّته مفوّفه
اعمد إلى تركيبه ... فيه وصحف أحرفه
تجد جنىً يبطىء في ال ... عود به من قطفه
واعكسه إن تركته ... من بعد أن تحرّفه
تجد به ذا طرق ... بين الورى مختلفه
أبنه يا من فضله ... يعز من قد وصفه
فكتبت أنا إليه الجواب عن ذلك:
يا سيّداً قد زانه ... ربّ العلا وشرّفه
وقدّر الصّواب في ... أقلامه المحرّفه
وأوضح الفضل لمن ... يطلبه وعرّفه
أبدعت لغزاً حسناً ... صفاته مستطرفة
مثلّث الحروف كم ... ربّع ربّ معرفه
خضرته يانعة ... بهيئةٍ مشرّفه
كم زان أرضاً أقفرت ... ووجنةً مزخرفه
فالثلث منه سورة ... آياتها مشرّفه
بل جبلٌ أحاط بال ... أرض وذاك مغرفه
وانظر لثلثيه تجد ... كليهما في طرفه
بقيت ما جرّ النسي ... م في الرياض مطرفه
في ظلّ سعدٍ يرتقي ... من النعيم غرفه
وكتب هو إليّ أيضاً ملغزاً في حلفا:
يا ماجداً نجهد في وصفه ... وفضله من بعد ذا أوفى
ما اسمٌ إذا ما رمت إيضاحه ... عزّ وعن فكرك لا يخفى
وهو رباعيّ وفي لفظه ... تراه حقاً ناقصاً حرفا
صحّفه واحذف ربعه تلفه ... مدينةً كم قد حوت لطفا
وهذه البلدة تصحيفها ... خلقٌ يفوت الحدّ والوصفا
وإن تصحّف بعضها فهي ما ... زالت ترى في أذنٍ شنفا
وذلك الاسم على حاله ... حرّفه يرجع للصّبي جلفا
لم ير ذا حرب وكم شبّ من ... نارٍ لغير الرّوع ما تطفا
وإن تشأ صحّفه وانظر تجد ... خلقا سويا قطّ ما أغفى
أبنه يا من فكره لم يزل ... يرفع عن بكر النهى سجفا
لا زلت تبدي للورى كلّ ما ... يستوقف الأسماع والطّرفا
فكتبت أنا إليه الجواب عن ذلك:
يا سيّداً ألسن أقلامه ... كم صرفت عن عبده صرفا
ومحسنا ما زال طيب الثنا ... عيه حتى زيّن الصّحفا
ألغزت شيئاً لم يلن مسّه ... فراح إن صحّفته جلفا
ومفردٍ إن ألفٌ عوّضت ... أولاه يرجع بعد ذا ألفا
ونصفه حلّ وإن تحذف ال ... أوّل من أحرفه لفّا
وليس بالبدر على أنّه ... بالليل كم قد نزل الطّرفا
أمامنا في برّ مصر وإن ... صحّفت يصبح بعد ذا خلفا
إن زاحم الشاعر يذكر به ... كشاجماً في الحال والرّفّا
لا زلت ترقى في العلا صاعداً ... ما نظم الشاعر أوقفّا
في ظلّ عيش قد صفا ورده ... وراح بالإقبال قد حفّا
وكتب هو إلي ملغزاً في الهواء:
أيا ماجداً ما دهى فضله ... ونجم مكارمه ما هوى
أبن أيّما اسم خفى منظراً ... وخفّ ويلفى شديد القوى
ولا وزن فيه وفي وزنه ... إذا أنت حقّقت عمداً سوى
فكتبت أنا الجواب إليه عن ذلك:
أيا من تقصّر أمداحنا ... وأوصافنا فيه عمّا حوى
كأنك ألغزت لي في الذي ... غدا وله النشر فيما انطوى
إذا مرّ في الروض خرّت له ... غصون الأراك وبان اللوى
يمدّ ويقصر في لفظه ... فللجوّ هذا وذا للجوى
وكتبت أنا إليه وهو بدمشق، وكنت يومئذ بصفد وقد جهز إلي نقدة ذهب:
يا نسمةً لأحاديث الحمى نقلت ... أملت قضب اللّوى من بعدما اعتدلت
خطرت ما بينها فاعتادها طربٌ ... فرنّحت عطفها بالسكر وانفتلت
فإن تكن فهمت معنى ظفرت به ... فعذرها واضح في كلّ ما فعلت
قد كان للمسك أنفاسٌ تضوع شذاً ... فمذ أتيت بأخبار الحمى خملت
بالله كيف أحبّائي الذين نأت ... بي المنازل عن أقمارهم وخلت
قد كنت أبديت أعذاراً لقلبي فال ... بقاء من بعدهم بالله هل قبلت
وهل عفا الله عنهم حال عهدهم ... فمهجتي ما انثنت عنهم ولا انتقلت
آهاً من البعد آهاً إنّ لي كبداً ... تضرّمت بلغى الأشواق واشتعلت
وأدمعاً إن جرى ذكر الوصال جرت ... شؤونها فتخال السّحب قد هطلت
ومهجةً سئلت لو كان ينفعها ... بأيّ ذنب على التحقيق قد قتلت
وعزمةً عاقها حظّ به ابتليت ... لولاه كانت على المطلوب قد حصلت
أشكو الليالي ومالي في الورى حكمٌ ... يكفّ عنّي عواديها التي اتّصلت
يا دهر هل نهضت منك الجبال بما ... نهضت فيك من البلوى أو احتملت
يا دهر إن عادت الأيام تجمعنا ... غفرت ما علمت مني وما جهلت
وإن ظفرت بلثم الترب بين يدي ... من أرتجي زالت البأساء وارتحلت
ذاك الذي إن علت زهر الكواكب في ... محلّها تلقها عن تربه نزلت
ذاك الذي لا أرى إلاّ سجيّته ... على الهدى والتقى والبر قد جبلت
ذاك الذي خلقت للجود راحته ... ففاقت الغيث إذا يهمى وما احتفلت
أقول إذ عمّني بالتّبر نائله ... هذا إلى السّحب إن جادت وإن بخلت
مكارمٌ فهمت ما أشتكي فهمت ... وهمّة فعلت ما لم يطق فعلت
كم نلت خمس مىءٍ من بعد خمس مىءٍ ... كذا أعدّدّها يوماً وما انفصلت
ماذا ترى في أيادٍ ما أقابلها ... بالشكر إلا أراها وهي قد فضلت
لولا علا شرف الدين التي بهرت ... كانت شموس الندى والفضل قد أفلت
أقلامه الحمر من صون الممالك لو ... تكون سطوتها للبيض ما نكلت
تهتزّ في كفّه من فوق مهرقها ... لأنّها من معاني لفظه ثملت
وكان فيما مضى للسحر ترجمة ... حتى تكلّم أضحت وهي قد بطلت
عبارة هي أندى من نسيم صبا ... مرّت على زاهرات الروض وانصقلت
وأسطر إن أقل مثل العقود فما ... أرى العقود إلى تلك العلا وصلت
واوحشتا لمحيّاه الذي نقصت ... لحسنه طلعة الأقمار إذ كملت
فلست أحسد إلا من تكون له ... عين بمرآه دوني في الورى كحلت
هل الليالي تريني نور طلعته ... فربما غلطت وربما عدلت
يا آل محمود لا ثلّت عروشكم ... ولا ذوت زهرة منكم ولا ذبلت
ولا تزل منكم الأعناق حاليةً ... فإنها إن خلت من فضلكم عطلت
فكتب هو إلي الجواب عن ذلك:
يا فاضلاً منه أقمار العلا كملت ... وعنه آثار أرباب النهى اتّصلت
ومن محاسنه للناس قد بهرت ... ومن مكارمه كلّ الورى شملت
لله درّ قوافٍ قد بعثت بها ... طالت وعنها نجوم الأفق قد نزلت
لقد أطاعتك أنواع البلاغة في ... ما قد أشرت من الترتيب وامتثلت
وما أظنك إلاّ قد بعثت لنا ... خميلةً عندها زهر الدجى خملت
فالله يشكر إحساناً حبوت به ... فمن أياديك أنواء الحيا خجلت
ما إن وعت أذنٌ معنى بلاغتها ... إلاّ وأمست بها الأعطاف قد ثملت
فالزهر قد أطلعت والدرّ قد نظمت ... والزهر قد فتّحت والسحر عنك تلت
شوقي إيك صلاح الدين ما علمت ... بشرحه ألسن الأقلام بل جهلت
وهل يحسّ جمادٌ بالذي فعلت ... بي النوى وعليه أضلعي اشتملت
وما أظنّ النوى أمست تزيد على ... هذا وقد فعلت فينا الذي فعلت
كأنّني بك قد أقبلت منتصراً ... يوماً على فئة بالحق قد خذلت
وقد تراجع فيك الدهر وانقطعت ... عصابة الجور عمّا فيك وانخزلت
فاصبر فما الصبر إلاّ شيمة كرمت ... وما التجلّد إلا رتبة نبلت
والله يبقيك في خيرٍ وفي دعةٍ ... ما حركّ الغصن أعطافاً قد انفتلت
وكتبت إليه:
وفى لها الحسن طوعاً بالذي اقترحت ... فلو رأتها بدور التمّ لافتضحت
كأنما البدر في ليل الذوائب قد ... تقلّدت بالنجوم الزهر واتّشحت
صحّت على سقمٍ أجفانها وكذا ... أعطافها وهي سكرى بالشباب صحت
تفري حشاي وتغنيها لواحظها ... ما ضرّ تلك الصفاح البيض لو صفحت
مهاة حسنٍ أداريها إذا نفرت ... عنّي وأعطفها بالعتب إن جمحت
قد حار في وصف أغزالي العذول بها ... وقال كيف حلت في غادة ملحت
بذلت في وصلها روحي فقد خسرت ... تجارة الحب في روحي وما ربحت
زارت لتمنحني من وصلها منناً ... أهلاً بها وبما منّت وما منحت
أقسمت ما سجعت ورق الحمائم في ... روضٍ على مثل عطفيها ولا صدحت
وكلّما اعتدلت بالميل قامتها ... رأيتها فوق حسن الغصن قد رجحت
وما اكتسى خدّها من لؤلؤٍ عرقاً ... لكنّها وردةٌ بالطلّ قد رشحت
ولي أمانيّ نفسٍ طالما كذبت ... فيها ولو جنحت نحو الوفا نجحت
وربّ ليلٍ خفيف الغيم أنجمه ... أزاهرٌ قد طغت في لجةٍ طفحت
يتلو الهلال الثريّا في مطالعها ... كأنّه شفة للكاس قد فتحت
وللنسيم رسالاتٌ مردّدة ... وجمرة البرق في فحم الدجى قدحت
والزهر قد أوقدت منه مجامره ... فكلما لفحت ريح الصبا نفحت
تحكي نداك الشذا الفياح طيب ثناً ... على علا شرف الدين التي مدحت
سهل الخلائق لا والله ما اغتبقت ... بمثلها عصبةٌ سكرى ولا اصطحبت
مسدّد الرأي لم تقصر إصابته ... عن الهدى إن دنت قصواه أو نزحت
رقى إلى غايةٍ ما نالها أحدٌ ... ولا سمت نحوها عينٌ ولا طمحت
بهمّة لجميع الناس عاليةٍ ... ونيّةٍ لمليك العصر قد نصحت
يدبّر الملك من مصر إلى حلب ... بعزم كاف به الأيام قد فرحت
يستعمل الحزم في كل الأمور فكم ... قد جدّ لمّا رأى بيض الظّبا مزحت
خصّته عاطفة السلطان فهو بها ... يأسو جوانح دهر طالما جرحت
حتى لقد نسخت أيات سؤدده ... آيات من قد مضى من قبله ومحت
يهذي عداه وليس البدر ينكر مع ... محلّه في كلاب الأرض إن نبحت
أضحت على الجود تبني راحتاه وما ... زالت كذاك وما انفكت وما برحت
كانت معاني الهدى والجود قد خفيت ... عنّا وعن مجده الوضّاح قد شرحت
وكان للجود أخبار فمذ رويت ... أنباؤه نسيت هاتيك واطّرحت
لولا الولوع بأن نلقى له شبها ... لما رنت مقلة للشمس إذ وضحت
دعني من الوزراء الذاهين فما ... رأت لواحظهم هذا ولا لمحت
هذا الذي إن تكن آراؤهم فسدت ... فإنها منه بالتأييد قد صلحت
لا زال يرقى ويلقى السّعد مقتبلاً ... ما انهلّت السحب بالأنواء وانسفحت
وما تألق برقٌ ليس يشبهه ... إلاّ دماء أعاديه التي ذبحت
فكتب هو الجواب إلي:
حمائم الأيك في الأفنان قد صدحت ... أم نسمة الزهر في الإصباح قد نفحت
أم روضةٌ دبّجتها كفّ ذي أدبٍ ... غضٍّ لغير صلاح الدين ما صلحت
يا فاضلاً فاق في الآفاق كلّ سنا ... بنور طلعته الغرّاء مذ لمحت
أوحشتنا شهد الله العظيم فكم ... جوارحٌ بسيوف السّقم قد جرحت
فلا رعى الله أياماً حوادثها ... على تفرّقنا قدماً قد اصطلحت
أهلاً بغادتك الحسناء إنّ لها ... محاسناً في بدور التم قد قدحت
أقسمت ما ظفرت يوماً بمشبهها ... قريحةٌ من أخي نظم ولا فرحت
خريدةٌ ولّدتها فكرةٌ قذفت ... بالدر من لجّةٍ بالفضل قد طفحت
فلا برحت ترينا كلّ آونةٍ ... قصيدةً لو رأتها الشمس لافتضحت
وبيني وبينه مراجعات ومكاتبات غير هذه، وقد ذكرت ذلك في كتابي ألحان السواجع.
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).