أحمد بن إسحاق بن جعفر العباسي أبي العباس

القادر بالله

تاريخ الولادة336 هـ
تاريخ الوفاة422 هـ
العمر86 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق

نبذة

أَحْمَد أمير المؤمنين القادر باللَّه بْن إِسْحَاق بْن جَعْفَر المقتدر باللَّه بْن أَحْمَدَ المعتضد باللَّه بن أَبِي أحمد الواثق بالله بْن جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه بْن مُحَمَّد المعتصم بالله بْن هارون الرشيد بْن مُحَمَّد المهدي بن عبد الله المنصور بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّه بن الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب، يكنى أَبَا الْعَبَّاس.

الترجمة

أَحْمَد أمير المؤمنين القادر باللَّه بْن إِسْحَاق بْن جَعْفَر المقتدر باللَّه بْن أَحْمَدَ المعتضد باللَّه بن أَبِي أحمد الواثق بالله بْن جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه بْن مُحَمَّد المعتصم بالله بْن هارون الرشيد بْن مُحَمَّد المهدي بن عبد الله المنصور بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّه بن الْعَبَّاس بْن عَبْد المطلب، يكنى أَبَا الْعَبَّاس:
تقلد الأمر وبويع لَهُ بالخلافة بعد أن قبض على الطائع لله.
فحدثني الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر. قَالَ: ولد القادر بالله فِي سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فِي صفر أو شهر ربيع الأول- شك الْحَسَن فِي ذلك- وَحَدَّثَنَا الأمير أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن عِيسَى بْن المقتدر بالله: أن مولد القادر بالله فِي يوم الثلاثاء التاسع من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين.
قال الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر: وتقلد القادر بالله- يعني الخلافة- يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.
حَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن عُثْمَان الصيرفي: أن أم القادر بالله يمنى مولاة عبد الواحد بن المقتدر، قَالَ: وكانت من أهل الدين والفضل والخير، وتوفيت يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان وصلى عليها القادر بالله فِي داره، ثم حملت بعد صلاة العشاء الآخرة من ليلة السبت الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة في الطيار إلى الرصافة فدفنت هنالك.
رأيت القادر بالله دفعات، وَكَانَ أبيض حسن الجسم، كث اللحية طويلها مخضبا، وَكَانَ من الستر والديانة وإدامة التهجد بالليل، وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عَنْهُ، وعرف بها عند كل أحد، مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد. وَكَانَ صنف كتابا فِي الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد فِي كتابه فضائل عُمَر بْن عَبْد العزيز، وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن. وَكَانَ الكتاب يقرأ كل جمعة فِي حلقه أصحاب الحديث بجامع المهدي، ويحضر الناس سماعه.
وتوفي القادر بالله فِي ليلة الاثنين الحادي عشر من ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ودفن ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء فِي دار الخلافة، بعد أن صلى عَلَيْهِ أبنه أمير المؤمنين القائم بأمر اللَّه ظاهرا، وعامة الناس وراءه، وكبر عليه أربعا، ولم يزل مدفونا فِي الدار حتى نقل تابوته وحمل فِي الطيار ليلا إِلَى الرصافة فدفن بها، وذلك ليلة الجمعة لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وشاهدت ذلك فكان مبلغ عُمَر القادر بالله ستا وثمانين سنة وعشرة أشهر وواحدا وعشرين يوما وكانت مدة خلافته إحدى وأربعين سنة وثلاثة أشهر! ولم يبلغ هَذَا القدر في الخلافة غيره.
أخبرنا على بن أبي على حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَدَ بْن محمّد المقرئ المعدّل حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بن على الشّيبانى حدّثنا أبي حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن مراد عَنْ سالم الأعمى عَنْ أَبِي سلمة عَنْ مُحَمَّد بْن سيرين. قَالَ قَالَ عَبْد اللَّه بْن عباس: يلي من ولدى السفاح، ثم الثاني المنصور على الأعداء، ثم الثالث المهدي، ثم الرابع الجواد ببذله، ثم ذكر رجالا.
ثم قال: أَنْبَأَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَدَ بْن عُمَر الْمُقْرِئ حدّثنا محمّد بن عبد الله الشافعي حدّثنا معاذ بن المثنّى حدّثنا مسدد حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي يونس قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى أن أَبَا الخلد حدثه- وحلف عَلَيْهِ- أنه لا تهلك هَذِهِ الأمة حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة.
ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

 

 

 

القادر بالله:
الخَلِيْفَةُ أبي العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بن المقتدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ. وَأُمُّه اسْمُهَا: تمني.
مولده سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَتْ أمه فِي دَوْلته، وَقَدْ عَجزَتْ سنة تسع وتسعين وثلاث مائة.
وَكَانَ أَبْيَضَ كثَّ اللِّحْيَة يَخْضِبُ ديِّناً عَالِماً متعبِّداً وَقُوْراً مِنْ جِلَّة الخُلَفَاءِ وَأَمثلِهِمْ. عَدَّه ابْنُ الصَّلاَح فِي الشَّافِعِيَّة. تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بشر أحمد بن محمد الهروي.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مِنَ الدِّين، وَإِدَامَةِ التهجُّدِ، وَكَثْرَةِ الصَّدقَاتِ عَلَى صفَةٍ اشتُهِرَتْ عَنْهُ. وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأُصُوْلِ، ذَكَرَ فِيْهِ فضل الصَّحَابَةِ، وَإِكفَارَ مَنْ قَالَ: بِخَلْقِ القُرْآنِ. وَكَانَ ذَلِكَ الكِتَاب يُقرأُ فِي كُلِّ جُمُعَة فِي حَلْقَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَيحضُرُه النَّاسُ مُدَّة خِلاَفته، وَهِيَ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سنَةً وَثَلاَثَة أَشهر.
قُلْتُ: قَامَ بِخِلاَفته بهَاءُ الدَّوْلَةِ كَمَا تقدَّم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، وَاسْتقدمُوهُ مِنَ البَطَائحِ فَجَهَّزَهُ أَمِيْرُهَا مهذِّبُ الدَّوْلَةِ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ، وَحمَّله مِنَ الآلاَتِ وَالرخت بِمَا أَمكن، وَأَعطَاهُ طَيَّاراً فَلَمَّا قَدِمَ وَاسِطَ، أَتَاهُ الأَجْنَادُ، وَطَلَبُوا رسمَ البَيْعَة، وَهَاشُوا، فوعدهُم بِالجَمِيْلِ، فرضُوا، فَكَانَ مُقَامُه بِالبَطيحَة أَزيدَ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَقَدِمَ، وَاسْتَكْتب أَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن أَحْمَدَ عَارض الدَّيْلَم، وَجَعَلَ أُسْتَاذَ دَارِه عَبْد الوَاحِدِ الشِّيْرَازِيَّ وَحلفَ هُوَ وَبهَاء الدَّوْلَة كُلّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ثُمَّ سَلْطنه.
وَذكر مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيُّ، أَنَّ القَادِرَ كَانَ يَلْبَسُ زيَّ العَامَّةِ، وَيَقْصِدُ الأَمَاكنَ المُبَارَكَةَ. وطلب من أبي الحسن بن القزويني أَنْ ينفّذ لَهُ مِنْ طعَامه، فَنفَّذ باذِنجَاناً مقلُواً بخلٍّ وَبَاقِلَّى وَدِبْساً، فَأَكل مِنْهُ وَفَرَّق، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَائتَيْ دِيْنَار فَقبِلَها. ثُمَّ طلبَ مِنْهُ بَعْدُ طعَاماً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ زبَادِي فرَاريج وَدجَاج وَفَالوذج، فتعجَّب الخَلِيْفَةُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لم أَتكلَّفْ، وَلَمَّا وَسِّع عَلِيّ وَسعتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعجبه، وَكَانَ يَتَفَقَّدهُ.
وعَمِلَت الرَّافِضَة عيدَ الْغدير، يَعْنِي: يَوْم المُؤَاخَاة، فثَارتِ السُّنَّةُ، وَقووا، وَخَرَّقُوا عَلَمَ السُّلْطَانِ. وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَصُلِبَ آخرُوْنَ، فكفّوا.
وفِي هَذَا القُرب طَلَبَ أَمِيْرُ مَكَّة أبي الفُتُوْحِ العَلَوِيُّ الخِلاَفَةَ، وَتَسَمَّى بِالرَّاشد بِاللهِ، وَلَحِقَ بِآل جَرَّاح الطَّائِيّ بِالشَّامِ، وَمَعَهُ أَقَاربه، وَنحوٌ مِنْ أَلفِ عَبْدٍ، وَحَكَمَ بِالرَّمْلَةِ، فَانزعج العَزِيْزُ بِمِصْرَ، وَتلطَّف بِالطَّائِيين، وَبَذَلَ لَهُم الأَمْوَالَ، وَكَتَبَ بِإِمَارَةِ الحَرَمَيْنِ لاِبْنِ عَمِ الرَّاشدِ، فَوهَنَ أمْرُ الرَّاشدِ، فَأَجَارَه أبي حَسَّانَ الطَّائِيّ، وَتلطَّف لَهُ حَتَّى عَادَ إِلَى إِمرَة مَكَّة.
وَفِيْهَا اسْتولَى بزال على دمشق، وهزم متوليها منيرًا.
وَنقَصَ التَّشَيُّع مِنْ بَغْدَادَ، وَاسْتضرَت الأُمَرَاءُ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَة، وَقهروهُ حَتَّى سَلَّم إِلَيْهِم أَبَا الحَسَنِ ابْنَ المُعَلِّم الكوكَبِي، فَخُنق، وَعَظُمَ القَحْطُ ببغداد.
وَفِي سَنَةِ 383: تَزَوَّجَ القَادِر بِاللهِ سُكَيْنَة بنْت الْملك بهَاءِ الدَّوْلَة، وَاسْتفحل البلاَءُ بِالعَيَّارين بِبَغْدَادَ، وَلَمْ يَحجَّ أَحَدٌ مِنَ العِرَاقِ.
وَمَاتَ فِي سَنَةِ 87: فَخرُ الدَّوْلَة عَلِيُّ بنُ ركنِ الدَّوْلَةِ بنِ بُوَيه بِالرَّيّ، وَوزَرَ لَهُ ابْنُ عَبَّاد. وَكَانَ شَهْماً شُجَاعاً، كَانَ الطَّائِع قَدْ لَقبه ملك الأُمَّة عَاشَ ستاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً. وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَترك أَلفِي أَلف دِيْنَار وَثَمَان مائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَمِنَ الجَوَاهِرِ مَا قيمتُهُ ثَلاَثَة آلاَف أَلف، وَمِنْ آنيَة الذَّهبِ مَا وَزنُهُ أَلفُ أَلفٍ، وَمِنْ آنيَة الفِضَّةِ مَا وَزنه ثَلاَثَة آلاَفِ أَلفٍ، وَمِنْ فَاخر الثِّيَابِ ثَلاَثَة آلاَفِ حِمْل. وَكَانَتْ خَزَائِنهُ عَلَى ثَلاَثَة آلاَف وَخَمْسِ مائَة جَمَل.
وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ: هَلَكَ تِسْعَة مُلُوْك: صَاحِبُ مِصْرَ العَزِيْزُ، وَصَاحِب خُرَاسَان، وَفخر الدَّوْلَة المَذْكُوْرُ، وَصَاحِب خُوَارَزْم مَأْمُوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَاحِب بُسْت سبكتكين وغيرهم.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ: ظَهَرَ بسِجِسْتَان معدِنُ الذَّهَب.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ: عَقَدَ القَادِرُ بولاَيَةِ العَهْدِ لابْنِهِ الغَالِبِ بِاللهِ، وَهُوَ فِي تِسْعِ سِنِيْنَ، وَعجَّل بِذَلِكَ، لأَن الخَطِيْبَ الوَاثِق سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَافتعل كِتَاباً مِنَ القَادِر بِأَنَّهُ وَلِيُّ عَهْدِهِ. وَاجْتَمَعَ ببَعْضِ المُلُوكِ فَاحْتَرَمَه، وَخطَبَ لَهُ بَعْدَ القَادِر، وَنفَّذ رَسُوْلاً إِلَى القَادِرِ بِمَا فَعَل، فَأَثْبتَ فِسْقِ الوَاثِقِيّ، وَمَاتَ غَرِيْباً.
وَكَانَ الرَّفضُ عَلاَنيَةً بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَة. وَلَقَدْ أَخَذَ نَائِبُهَا تمصُولُت البَرْبَرِيُّ رَجُلاً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فطيفَ بِهِ عَلَى حمَارٍ: هَذَا جزَاء مَنْ يُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعمرَ، ثُمَّ قُتِل.
وفِي هَذَا الْحِين ظَهَرَ أبي ركْوةَ الأُمَوِيُّ، وَالتفَّ عَلَيْهِ مِنَ المغَاربَة وَالعَرَب خَلْق، وَحَارَبَ وَلَعَنَ الحَاكِمَ، فَجَهَّزَ الحَاكِمُ لِحَرْبِهِ ستّةَ عشرَ ألفًا، فظفروا به وقتل.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَة: عَمِلَ ابْنُ سَهلاَن سوراً مَنِيعاً عَلَى مشهدِ عليٍّ.
وَافتَتَح مَحْمُوْدُ بنُ سُبُكْتِكِين فتحاً عَظِيْماً مِنَ الهِنْد.
وفِي هَذَا الوَقْتِ انبثَّتْ دُعَاةُ الحَاكِمِ فِي الأَطرَافِ، فَأَمر القَادِرُ بِعَمَل مَحْضرٍ يتضمَّنُ القَدْحَ فِي نَسَبِ العُبَيْدِيَّة، وَأَنَّهُم منسوبُوْنَ إِلَى دَيصَان بن سَعِيْدٍ الخُرَّمِيّ، فَشَهِدُوا جَمِيْعاً أَنَّ النَّاجمَ بِمِصْرَ مَنْصُوْر بن نزَار الحَاكِم حَكَمَ الله عَلَيْهِ بِالبوَارِ، وَأَنَّ جدَّهُم لَمَّا صَارَ إِلَى الغَرْب تسمّى بِالمَهْدِيّ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُوَ وَسَلَفُهُ أَرجَاسٌ أَنجَاسٌ خوَارجُ أَدْعيَاء، وَأَنْتُم تعلمُوْنَ أَنَّ أَحَداً من الطَّالبيين لَمْ يتوقفْ عَنْ إِطلاَقِ القَوْلِ بِأَنَّهُم أَدعيَاء، وَأَنَّ هَذَا النَّاجمَ وَسلفه كفَارٌ زَنَادقَة، وَلِمَذْهَب الثَّنَوِيَّة وَالمَجُوْسِيَّة معتقدُوْنَ، عطَّلُوا الحُدُوْدَ، وَأَباحُوا الفروجَ، وَسفكُوا الدِّمَاء، وَسبُّوا الأَنْبِيَاءَ، وَلعنُوا السَّلَفَ، وَادَّعَوُا الربوبيّة، وَكَتَبَ فِي الْمحْضر الشَّرِيْف الرَّضِيّ، وَالشَّرِيْف المُرْتَضَى، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، وَابْن الأَزْرَق العَلَويون، وَالقَاضِي أبي مُحَمَّدٍ بنُ الأَكفَانِي، وَالقَاسِم أبي القَاسِمِ الجَزَرِيّ، وَالشَّيخ أبي حَامِدٍ الإِسْفَرَايينِي، وَأبي مُحَمَّدٍ الكَشْفُلِيُّ، وَأبي الحُسَيْنِ القُدورِي، وَأبي عَلِيٍّ بنُ حَمَكَان.
وَوَرَدَ عَلَى الخَلِيْفَة كِتَابُ مَحْمُوْد أَنَّهُ غَزَا الكُفَّارَ، وَهُم خَلْقٌ مَعَهُم سِتّ مائَة فيل، وَأَنَّهُ نُصر عَلَيْهِم.
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ: اسْتُبيحَ وَفْدُ العِرَاقِ، وَقلَّ مَنْ نَجَا، فيُقَال: هلكَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَتُسَمَّى وَقعَة الفرعَاء. فَسَارَ ابْنُ مَزْيَد، وَلحِقهُم بِالبريَّة، فَقَتل مِنْهُم مَقْتَلَةً، وَأَسَر أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ كِبَارهُم، فَأُهلكُوا بِبَغْدَادَ.
وَبَعَثَ ابْنُ سُبُكْتِكِين إِلَى القَادِرِ بِأَنَّهُ وَردَ إِلَيْهِ الدَّاعِي مِنَ الحَاكِمِ يدعُوهُ إِلَى طَاعته، فَخرَّق كِتَابَهُ، وَبَصَق عَلَيْهِ.
وَمَاتَ فِي حُدُوْدِهَا أَيلَك خَانُ صَاحِبُ مَا وَرَاء النهرِ الَّذِي أَخَذ البِلاَدَ مِنْ آلِ سَامَانَ مِنْ بضْع عَشْرَة سَنَةً، وَكَانَ ظَالماً مَهِيْباً، شَدِيدَ الوطْأَة. وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُغَانَ ملكِ التُّرْك حُرُوبٌ، فَوَرِثَ أَخُوْهُ طُغَانُ مملكتَه، وَمَالأَه ابْنُ سُبُكْتِكِين، فتحركتْ جيوشُ الصينِ لِحَرْبِ طُغَانَ فِي أزيد من مائة ألف خركاة، فالتقاهم طغان، ونصره الله.
وَمَاتَ بهَاءُ الدَّوْلَة أَحْمَد بن عضد الدَّوْلَة، وَتسلطن ابْنه سُلْطَان الدَّوْلَةِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَجَلَسَ القَادِرُ لِذَلِكَ، وَقبَّل الأَرْضَ فَخر الْملك الوَزِيْر، وَقرأَ ابْنُ حَاجِب النُّعْمَان الْعَهْد، وَعَلَّم عَلَيْهِ القَادِر، وَأُحْضرت الخِلَعُ وَالتَّاجُ وَالطَّوقُ وَالسِّوَارَانِ وَاللوَاءانِ فعقدهُمَا الخَلِيْفَةُ بِيَدِهِ، وَأَعطَى سيفاً لِلْخَادم، فَقَالَ: قَلَّدْه بِهِ فَهُوَ فَخرٌ لَهُ وَلِعَقبه، وَبُعِثَ بِذَلِكَ إِلَى شِيرَاز.
وَفِيْهَا أَبطَلَ الحَاكِمُ المنجِّمِين مِنْ ممَالكِهِ، وَأَعتق أَكْثَر مَمَالِيْكه، وَجَعَلَ وَلِيَّ عَهْدِهِ ابْن عَمِّهِ عَبْد الرحيم ين إِليَاس، وَأَمر بِحَبْس النِّسَاءِ فِي البُيوتِ، فَاسْتمرَّ ذَلِكَ خَمْسَة أَعْوَام، وَصلُحت سيرتُه، لاَ أَصلَحَه الله.
وَمَنَعَ بِبَغْدَادَ فَخرُ الْملك مِنْ عَمَل عاشوراء.
ووقعَت القُبَّة الَّتِي عَلَى صخرَة بَيْت المَقْدِس، وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين خُوَارَزم، وَوقَعَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الشِّيْعَةِ وَالسُّنَّة فِتَنٌ عُظْمَى، وَاشْتَدَّ البلاَء، وَاسْتضرت عَلَيْهِم السُّنَّة، وَقُتِلَ جَمَاعَة.
وَاستتَابَ القَادُر فُقَهَاءَ المُعْتَزِلَة، فَتبرَّؤَا مِنَ الاعتزَال وَالرَّفضِ، وَأُخذت خُطُوطهُم بذلك.
وَتَزَوَّجَ سُلْطَان الدَّوْلَة بِبِنْت صَاحِب المَوْصِلِ قِروَاش.
وَقُتِلَ الدُّرْزِيّ الَّذِي ادَّعَى ربوبيَّة الحَاكِم.
وَامتَثَل ابْنُ سُبُكْتِكِين أَمرَ القَادِر، فَبَثَّ السُّنَّة بِممَالِكه، وَتهدَّد بِقَتْلِ الرَّافِضَة وَالإِسْمَاعِيْليَّة وَالقرَامطَة، وَالمشبِّهَة وَالجَهْمِيَّة وَالمُعْتَزِلَة. وَلُعنُوا عَلَى المنَابِرِ.
وَفِيْهَا: أَعنِي سنَة تِسْعٍ، قَدِمَ سُلْطَان الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ.
وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين عِدَّةَ مدَائِن بِالهِنْدِ. وَوَرَدَ كِتَابهُ فَفِيْهِ: صَدَرَ العَبْدُ مِنْ غَزْنَة فِي أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَانتُدِبَ لتنفيذِ الأَوَامرِ، فرتَّب فِي غَزْنَة خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارس، وَأَنهضَ ابْنه فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَشَحنَ بَلْخ وَطَخَارُسْتَان بِاثْنَيْ عشرَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل، وَانتَخَبَ ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل لصحبه رَايَة الإِسْلاَم. وَانضمَّ إِلَيْهِ المُطَّوِّعَةُ، فَافْتَتَحَ قِلاعاً وَحُصوناً، وَأَسلم زُهَاء عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَأَدَّوْا نَحْو أَلف أَلف مِنَ الوَرِق، وَثَلاَثِيْنَ فيلاً. وَعِدَّةُ الهَلكَى خَمْسُوْنَ أَلْفاً. وَوَافَى العَبْدُ مَدِيْنَةً لَهُم عَاينَ فِيْهَا نَحْوَ أَلف قَصْر، وَأَلفَ بَيْتٍ لِلأَصْنَام. وَمَبْلَغُ مَا عَلَى الصَّنَم ثَمَانيَةٌ وَتِسْعُوْنَ أَلف دِيْنَار، وَقَلَع أَزيدَ مِنْ أَلفِ صنم. ولهم صنم معظَّم يُؤرخون مُدَّته بجهَالتهم بِثَلاَث مائَة أَلْف سنَة، وَحصَّلنَا مِنَ الغَنَائِم عِشْرِيْنَ أَلْف أَلف دِرْهَم، وَأَفْرَدَ الخُمْس مِنَ الرَّقيق. فَبلغ ثَلاَثَةٌ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَاسْتعرضنَا ثَلاَث مائَة وَسِتَّةً وَخَمْسِيْنَ فِيلاً.
وَنفذت مِنَ القَادِر باللهِ خِلَع السَّلْطنَة لقوَام الدَّوْلَة بولاَيَةِ كَرْمَان.
ونَاب بِدِمَشْقَ عَبْد الرَّحِيْمِ وَلِيُّ عهْدِ الحَاكِمِ.
وَقُتِلَ بِمِصْرَ الحَاكِمُ وأراح الله منه سَنَة إِحدى عَشْرَة.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: أَقبَلَ الْملك مشرِّف الدَّوْلَة مصعِّداً إِلَى بَغْدَادَ مِنْ نَاحِيَة وَاسِط، وَطَلَب مِنَ القَادِرِ بِاللهِ أَنْ يخرُجَ لتلقِّيه، فتلقَّاهُ فِي الطَّيَّار وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِملكٍ قَبْلَه، وَجَاءَ مَشرِّفُ الدَّوْلَة، فَصَعَدَ مِنْ زبزبه إِلَى الطَّيَّار، فَقبَّل الأَرْض، وَأُجلس عَلَى كُرْسِيّ، وَكَانَ موت مُشرِّف الدَّوْلَة بن بهَاء الدَّوْلَة فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ، فنُهِبَتْ خَزَائِنه. وَخُطب لجلاَلِ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الأُمَرَاء عَدَلُوا إِلَى الْملك أَبِي كَاليجَار، وَنوَّهوا باسمِهِ، وَكَانَ وَلِيَّ عهد أَبِيْهِ سُلْطَان الدَّوْلَةِ فَخُطِبَ لِهَذَا بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَت العَمْلاَت بِبَغْدَادَ جِدّاً، وَاسْتبَاحَ جلاَلُ الدَّوْلَةِ الأَهْوَازَ فَنَهَبَ مِنْهَا مَا قيمته خَمْسَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَأُحرقت فِي أَمَاكن، وَدثرت.
وَمَرِضَ القَادِرُ بِاللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَلَس لِلنَّاسِ، وَأَظهرَ وَلاَيَة الْعَهْد لوَلَده أَبِي جَعْفَرٍ.
وَكَانَ طَاغيَةُ الرُّوْم قَدْ قَصَدَ الشَّام فِي ثَلاَث مائَة أَلْف، وَمَعَهُ المَالُ عَلَى سَبْعِيْنَ جَمَّازَة، فَأَشرَفَ عَلَى عسكرِه مائَةُ فَارس مِنَ الأَعرَابِ، وَأَلفُ رَاجلٍ فَظَنُّوا أَنَّهَا كَبْسَةٌ، فَلَبِسَ ملكُهُم خُفّاً أَسوَد لكِي يختفِي، وَهَرَبَ فنُهِبَ مِنْ حوَاصِله أَرْبَع مائَة بغل بِأَحْمَالهِا. وَقُتِلَ مِنْ جَيْشه خَلْقٌ، وَأَخَذَ البُرْجُميُّ اللِّصُّ وَأَعوَانُه العَمْلاَت وَالمخَازن الكِبَار، وَنهبَوا الأَسوَاق، وَعَمَّ البلاَء، وَخَرَجَ عَلَى جلاَل الدَّوْلَة جندُهُ لِمَنْع الأَرزَاق.
وفِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، مَاتَ القَادِرُ بِاللهِ فِي أَوَّلِ أَيَّام التَّشْريق. وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه القَائِمُ بِأَمرِ اللهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَربعاً. وَدُفِنَ فِي الدَّارِ، ثُمَّ بَعْد عَشْرَة أَشهر نُقل تَأبيتُه إِلَى الرُّصَافَة، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً سِوَى شَهْرٍ وَثَمَانيَة أَيَّام وَمَا عَلِمْتُ أَحَداً مِنْ خُلفَاء هَذِهِ الأُمَّة بَلَغَ هَذَا السِّنّ، حَتَّى وَلاَ عُثْمَان، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

 

 

القادر بالله أبو العباس أحمد بن إسحق بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر بن محمد بن هرون الرشيد الهاشمي البغدادي الشافعي، الخامس والعشرون من الخلفاء العباسية، المتوفى في ذي الحجَّة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، عن سبع وثمانين سنة. بويع له بالخلافة بمباشرة بهاء الدولة أبي نصر سابور مدبّر الأمور بعد خلع الطائع في رمضان 381 وكان قد هرب من الطائع ثلاث سنين، فدخلها للبيعة، لكن ليس له من الخلافة إلا اسمها والأمور بيد بهاء الدولة إلى أن مات البهاء، وكان من خيار الخلفاء والعلماء، كثير الصدقة، حسن الاعتقاد، أبيض، كثَّ اللحية، كثير التهجد وله كتاب في الأصول على مذهب أهل السنة، ذكر فيه فضائل الصحابة وتكفير المعتزلة [والقائلين بخلق القرآن] وكان يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي ويجتمع الناس لسماعه مدة خلافته ولم يعمر أحد منهم قبله هذا العمر ولا بعده وكانت خلافته إحدى وأربعين سنة ودفن بالرصافة وكان يخرج من داره في زي العامة فيزور قبور الصالحين، ثم تولى بعده ولده القائم. ذكره جمال الدين وغيره.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

 

أحمد بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق ابن المتوكل ابن المعتصم بن الرشيد العباسى، بويع بعد خلع الطائع، و استمر إلى أن توفى فى الحادى عشر من ذى القعدة سنة اثنين- و قيل: ثلاث- و عشرين و أربعمائة، فكانت مدته إحدى و أربعين سنة، و يقال: ثلاثا و أربعين سنة و ثلاثة أشهر و أحد عشر يوما.
- الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء/ علي بن عبد القادر الطبري -.

 

 

 

 

أَحْمد بن إِسْحَاق بن جَعْفَر بن أَحْمد بن أبي أَحْمد بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد بن هَارُون أَبُي الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه

وجده جَعْفَر هُوَ المقتدر بن المعتضد بن الْمُوفق بن المتَوَكل بن المعتصم بن الرشيد
مولده فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
وَأمه تمنى مولاة عبد الْوَاحِد بن المقتدر
بُويِعَ بالخلافة عِنْد الْقَبْض على الطائع فِي حادى عشر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وثلاثمائة
وَكَانَ أَبيض كث اللِّحْيَة طويلها يخضب شَيْبه
وَقد تفقه على أبي بشر أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الشَّافِعِي
قَالَ الْخَطِيب كَانَ من الدّيانَة وإدامة التَّهَجُّد وَكَثْرَة الصَّدقَات على صفة

اشتهرت عَنهُ وصنف كتابا فِي الْأُصُول كَانَ يقْرَأ كل جُمُعَة فِي حَلقَة أَصْحَاب الحَدِيث بِجَامِع الْمهْدي
وَاسْتمرّ فِي الْخلَافَة إِلَى أَن مَاتَ
مُدَّة خِلَافَته إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَلَاثَة أشهر
توفّي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ حادي عشر ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَصلى عَلَيْهِ وَلَده الْخَلِيفَة الْقَائِم والخلق وَرَاءه وَكبر أَرْبعا
وعاش الْقَادِر سبعا وَثَمَانِينَ سنة إِلَّا شهرا وَثَمَانِية أَيَّام

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

 

أَحْمد أَمِير الْمُؤمنِينَ [336 - 422] 
الْقَادِر بِاللَّه، ابْن إِسْحَاق بن المقتدر بِاللَّه جَعْفَر بن المعتضد بِاللَّه أَحْمد بن الْمُوفق بِاللَّه أبي بن أَحْمد جَعْفَر المتَوَكل على الله بن مُحَمَّد المعتصم بِاللَّه بن هَارُون الرشيد بن مُحَمَّد الْمهْدي بن عبد الله الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب.
يكنى: أَبَا الْعَبَّاس.
بُويِعَ لَهُ بالخلافة بعد الْقَبْض على الطائع لله فِي شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَثَلَاث مئة.
وَكَانَ من خِيَار خلفاء بني الْعَبَّاس وَأَحْبَارهمْ.

ودرس على أبي بشر أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ الْمَعْرُوف ب: الْعَالم، أحد الْفُقَهَاء الْأَعْيَان الشافعيين.
ذكره أَبُو بكر الْخَطِيب الْحَافِظ فَقَالَ: رَأَيْت الْقَادِر بِاللَّه دفعات، وَكَانَ أَبيض، حسن الْجِسْم، كث اللِّحْيَة، طويلها، يخضب، وَكَانَ من السّتْر والديانة وإدامة التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ وَكَثْرَة الْبر وَالصَّدقَات على صفة اشتهرت عَنهُ، وَعرف بهَا عِنْد كل أحد، مَعَ حسن الْمَذْهَب، وَصِحَّة الِاعْتِقَاد، وَكَانَ صنف كتابا فِي الْأُصُول ذكر فِيهِ فَضَائِل الصَّحَابَة على تَرْتِيب مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث، وَأورد فِي كِتَابه فَضَائِل عمر بن عبد الْعَزِيز، وإكفار الْمُعْتَزلَة والقائلين بِخلق الْقُرْآن، وَكَانَ الْكتاب يقْرَأ كل جُمُعَة فِي حَلقَة أَصْحَاب الحَدِيث بِجَامِع الْمهْدي، ويحضر النَّاس سَمَاعه.
حكى الْخَطِيب أَن مولده كَانَ فِي شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، ووفاته فِي ذِي الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَأَرْبع مئة، وَصلى عَلَيْهِ ابْنه أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله ظَاهر وَعَامة النَّاس وَرَاءه، وَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا، فَكَانَ مبلغ عمر الْقَادِر بِاللَّه سِتا وَثَمَانِينَ سنة وَعشرَة أشهر وأحدا وَعشْرين يَوْمًا، وَكَانَت مُدَّة خِلَافَته إِحْدَى وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر، وَلم يبلغ هَذَا الْقدر فِي الْخلَافَة أحد غَيره.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-