حيدر بن قرأبيك الشيخ العالم الفاضل الزاهد العابد الموصلي الشافعي كان له في العلوم اليد الطولى ولد سنة أربع وسبعين وألف وطلب العلم وقرأ وجد واجتهد وحصل جملة صالحة من جميع الفنون الشرعية والآلية وكان قد سافر إلى البصرة وأخذ الطريقة الرفاعية هناك عن آل السيد يوسف وفتح الله عليه فتحاً ربانياً وأفاض عليه فيضاً لدنيا وكان منعزلاً عن الناس منقطعاً للعبادة لا يعاشر أحداً من الناس ولا يذهب إلى أحد وكان ينسج الثياب ويكتسب الحلال وعاش غير محتاج وما عهد لأحد عليه منه بل كل من صحبه كان له عليه المنة وسافر إلى حلب وعاد ماشياً وعرض عليه بعض التجار الركوب فأبي والناس تشهد بولايته وله كرامات وأحوال واضحة ظاهرة عند أهل الموصل واشتهر ذكره وظهر أمره وبعد صيته وتوفي في سنة تسع وستين ومائة وألف ودفن بالموصل وكان سنه اذ ذاك خمساً وتسعين سنة وقبره الآن يقصد للزيارة ويرجى لقضاء الحاجت رحمه الله تعالى ونفعنا ببركاته في الدنيا والآخرة
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل
حيدر بن قره بيك
أحد المشايخ والصلحاء:
سراج المساجد، الذي هو في الكمال كالماء القراح البارد، العالم الكبير، الذي ماله في الفتوى نظير. وهو لسان الحق، والسبب الرائع المطلق. ماء القدس، وحقيقة الأنس. سباق الغايات ومبادئ النهايات. مرآة الوجود، ومرائي الحق والشهود. عين الحقائق المطلق عن العوائق. الزاهد النبيل، والعابد الذي ليس له مثيل، مع علم وفضائل، تزين هام الأقران والأماثل. صبح بلدنا ونهارها، وألمعي ديارنا ومغوارها، الذي تباهت به التقوى، وباهت به الصلاح والبلوى. فهو عمود الدين، وركنه القوي المتين. وهو بركة هذه الديار، الذي عليه المعول والمدار.
أفنى عمره بالوحدة ولم يألف إلى أحد، وانقطع عن الناس
سوى الكمال والرشد:
كن بذئب صائدا مستأنسا ... وإذا أبصرت إنسانا ففر
عاش فريدا، ومات سعيدا. فلا زالت شآبيب الرحمة تحفه وبرود الرضوان تلفه، وسحائب الألطاف تزفه.
ترجم له صاحب منهل الاولياء فقال: الشيخ الزاهد حيدر بن قره بيك. كان شيخا ورعا زاهدا، صاحب احوال وخوارق وتجريد، وعزلة عن الناس. وله علم وافر، وفضل غزير. يكتسب ويأكل من كسبه الحلال، ولا يأخذ من أحد شيئا. وظهرت بركته على شيخنا السيد موسى الحدادي، فانه قرأ عليه في أول طلبه للعلم مدة وأنتفع به.
وقبره يزار. وكان اللائق ذكره مع أصحاب المراقد المنورة. ولكن ذكرته مع العلماء لانه فيهم معدود، وبينهم مشكور محمود.
ومات سنة نيف وستين بعد الالف.
وترجم له صاحب الدر المكنون في حوادث سنة ثلاث وستين ومائة والف فقال: وفيها توفي الولي التقي العارف بالله، حيدر بيك بن قره بيك الموصلي، وكان صاحب تيمار، فخلع نفسه منه واشتغل بالعلم والعمل. فكان ورعا زاهدا وكان يتكسب بالحياكة ويأكل من كسبه
-وترجم له محمد بن مصطفى الغلامي في شمامة العنبر وذكر قصصا وحكايات ولكنه لم يذكر شيئا من شعره، وانه كان ينفق على نفسه وعلى الفقراء من خابية وجدها كانت مدفونة في مؤخر مقامه رأى والده في منامه يخبره بمكانها فعثر عليها. وانه قد فرش داره احسن فرش وكانت له وصيفة تخدمه.
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الثاني-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص15-16