بكتمر سيف الدين الحاجب

تاريخ الوفاة728 هـ
أماكن الإقامة
  • دمشق - سوريا
  • صفد - فلسطين
  • غزة - فلسطين
  • القاهرة - مصر

نبذة

بكتَمُر الأمير سيف الدين الحاجب. كان أولاً أمير آخور، ثم قَدِم دمشق وتولّى بها شد الدواوين في أيّام الأفرم، ولم يكن لأحد معه كلام في صَرف ولا في عزل. ثم وُلّي الحجوبيّة، وتوجّه إلى صفد كاشفاً على الأمير ناهض الدين عمر بن أبي الخير والي الولاة. ومُشد الدواوين بصفد، ونزل بالميدان، وكان معه القاضي معين الدين بن حشيش وحَرّر الكشف ودقّقه.

الترجمة

بكتَمُر الأمير سيف الدين الحاجب.
كان أولاً أمير آخور، ثم قَدِم دمشق وتولّى بها شد الدواوين في أيّام الأفرم، ولم يكن لأحد معه كلام في صَرف ولا في عزل. ثم وُلّي الحجوبيّة، وتوجّه إلى صفد كاشفاً على الأمير ناهض الدين عمر بن أبي الخير والي الولاة. ومُشد الدواوين بصفد، ونزل بالميدان، وكان معه القاضي معين الدين بن حشيش وحَرّر الكشف ودقّقه، حتى قال فيه القاضي زين الدين عُمَر بن حلاوات موقّع صفد:
يا قاصداً صَفَداً فًعُد عن بلدةٍ ... مِنْ جَوْر بكْتُمر الأمير خرابُ
لا شافعٌ تُغني شفاعته ولا ... جانٍ له ممّا جناه متابُ
حَشْرٌ ومِيْزان ونَشْرُ صحائفٍ ... وجرائدٌ معروضةٌ وحسابُ
وبها زبانية تحثّ على الوَرى ... وسلاسلٌ ومقامعٌ وعقاب
ما فاتهم من كل ما وعدوا به ... في الحشر إلا راحمٌ وهّابُ

قلتُ: وهذه أبيات لسبط التعاويذي معرفة في ديوانه وأولها:
يا قاصداً بغداد جز عن بلدةٍ ... للجور فيها زخرةٌ وعباب
وهي سبعة عشر بيتاً قالها في الوزير ابن البلدي، فأتى ابن حلاوات بالبيت الأول وليس للفاء في فعد محل.
وكان الأمير سيف الدين خبيراً بالأمور، بصيراً بحوادث الدهور، طويل الروح في الأحكام لا يمل من تطويلها، ولا يهابُ ما يأتي به الخصوم في تهويلها، لو قعد في الحكم الواحد بين اليهودي والأمير ثلاثة أيام، لم يلحقه سأمّ ولا يصدّه احتشام، مع معرفة تامة، وخبرة بالسياسة عامة، لم ير مثله في حقّ أصحابه، ولا أذكر منه لهم في حالتي بعده واقترابه، يفكر في مصالحهم وهم غُيب، ويتفقدهم أبداً، ومن جفاه عتب عليه وعيب، نفع بجاهه جماعةً كثيره، ووفّر عليهم أموالاً أثيره، إلا أنه كان مبخلاً، ساقط الهمة في ذلك وإن كان مبجلاً، له متاجر وأملاك، وسعادة لا تدور على مثلها الأفلاك، وله أموال كالبحر العجاج، أو التراب الذي تثير الريح منه العجاج، ومع ذلك فله قدور تكرى للحمص والفول، وغير ذلك من العدد والآلات التي يعتري الشمس منها أفول.
ولم يزل على حالهِ إلى أن ملأ التراب عينه، واقتضى الأجل منه دينه، وذلك في سنة سبع وعشرين وسبع مئة.

ولما قدم السلطان من الكرك إلى دمشق ولاه الحجوبية ودخل مصر وهو حاجبٌ، ثم أخرجه نائباً إلى غزة، فأقام بها قليلاً في سنة عشر وسبع مئة، ثم إنه طلبه إلى القاهرة وولاّه الوزارة بالديار المصرية عوضاً عن الصّاحب فخر الدين بن الخليلي في شهر رمضان سنة عشر وسبع مئة، ثم إنه قبض عليه في سنة خمس عشرة وسبع مئة مستهل شهر ربيع الأول لما قبض على أيدغدي شقير، وبقي في الاعتقال مدة سنة ونصف، وأخذ لهُ من ماله شيئاً كثيراً، ثم إنه أفرج عنه وجهزه نائباً إلى صفد في سنة ست عشرة وسبع مئة وأنعم عليه بمئة ألف درهم، فأقام بها عشرة أشهر، ثم طلبه إلى مصر وكان من جملة أمراء المشور، وإذا تكلم السلطان في المشور لا يرثد عليه غيره لما عنده من المعرفة والخبرة.
أخبرني الأمير شرف الدين حُسين قال: إذا جلسنا للمشور ما فينا أحد يعترض على السلطان ويرد عليه ويقول: جيد، أو ما هو جيدّ إلا بكتمر الحاجب. قلتُ له: فأنتم ما تقولون؟ قال: مهما قاله قلنا: هذا هو الرأي المبارك.
وكان قد تزوج ابنة الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك، وعمرَ له بمصر داراً ظاهر باب النصر على القاهرة، وعمّر هناك مدرسة إلى جانبها، وفي آخر أمره سُرق له مال كثير من خزانته ادّعى في الظاهر أنه مبلغ مئتي ألف درهم، وكان في الباطن على ما قيل سبعُ مئة ألف أو أكثر، فما جسر يتفوّه خوفاً من السلطان، وكان الأمير سيف الدين قدودار والي القاهرة، فرسم السلطان له بتتبع هذه العملة، فيقال إن بكتمر الساقي والوزير مغلطاي الجمالي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش عاملوا في الباطن عليه، فشرعوا يُحجفون عن المتهمين، فإذا قال السلطان للوالي: أيش عملت في عملة الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب؟ يقول القاضي فخر الدين: يا خوند لعن الله ساعة هذه العملة، كل يوم يموت الناس تحت المقارع، وإلى متى يُقتل المتهم الذي لا ذنب لهُ، ثم إنه في آخر الحال وقف الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب في دار العدل وشكا وتضور، فأحضر السلطان الوالي وسبهُ، وأظهر غضباً عظيماً، فقال: يا خوند، اللصوص الذين أمسكتهم وعاقبتهم أقرّوا أن سيف الدين بخشي خزنداره اتفق معهم على أخذ المال وجماعة من ألزمه الذين في بابه، فقال السلطان للجمالي الوزير: أحضر هؤلاء المذكورين، عاقبهم. فأحضرهم وعاقبهم وعصر هذا بخشي: وكان عزيزاًعنده قد زوجه ابنته وهو واثق بعقله ودينه وأمانته فقال بخشي: يا خوند أنا والله الذي تحت يدي لأستاذي ما يدري ما هو فما أخلي غيري يأخذ معي ما أردت أن أسرقه.
ولما بلغ الأمير سيف الدين بكتمر عصر بخشي وجماعته علم أن ماله قد راح، فحصل له غيظٌ وغم وغبن، فمات فجأة من الظهر إلى العصر.
وكان حريصاً على اقتناء الأملاك وإنشاء العمائر في كل مدينةٍ بالقاهرة والشام بحيث إنه له في كل مدينة ديوان له مباشرون. وقلتُ أنا أشير إلى كثرة أمواله:
وصاحب أشأم من قاشر ... من شؤمه يفتقر الصاحبُ
يذهب ما قد حازَ من عينه ... لو أنه بكتمُر الحاجبُ

أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).

_________________________________

بكتمر الْحَاجِب كَانَ شاد الدَّوَاوِين بِدِمَشْق ثمَّ ولي الحجوبية وَكَانَ خَبِيرا بالأمور طَوِيل الرّوح فِي الْأَحْكَام نَاب فِي غَزَّة ثمَّ ولي الوزارة بعد فَخر الدّين عمر ابْن الخليلي فِي سنة 710 ثمَّ قبض عَلَيْهِ بعد خمس سِنِين ثمَّ ولي نِيَابَة صفد ثمَّ أُعِيد إِلَى إمرة بِالْقَاهِرَةِ وَاسْتقر فِي أُمَرَاء المشورة وَكَانَ لَا يُجيب النَّاصِر فِي ذَلِك أحد قبله وَلَا يعْتَرض عَلَيْهِ أحد غَيره وَتزَوج بنت آقش نَائِب الكرك وَعمر دَارا ظَاهر بَاب النَّصْر ومدرسة وَكَانَ كثير المَال جدا فَيُقَال أَنه سرقت لَهُ عملة فَادّعى فِي الظَّاهِر أَنَّهَا مِائَتَا ألف دِرْهَم وَيُقَال أَنه كَانَ فِي الْبَاطِن أَضْعَاف ذَلِك فَشكى ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فرسم للوالي يتتبع ذَلِك فطال الْأَمر إِلَى أَن مكر الْوَالِي فَقَالَ السُّلْطَان يسلم لي خزنداره بخشي وَأَنا أخرج المَال وَكَانَ بخشي عَزِيزًا عِنْد بكتمر قد زوجه بنته فأحضر بخشي فَسَأَلَهُ السُّلْطَان عَن الْقِصَّة فَقَالَ يَا خوندانا وَالله المَال الَّذِي لأستاذي عِنْدِي مَا يدْرِي هُوَ كم قدره فَمَا الَّذِي يحوجني إِن أمكن غَيْرِي أَن يسرق مِنْهُ فتسلمه الْوَالِي وعصره فَبلغ ذَلِك بكتمر فَحصل لَهُ قهر فَمَاتَ فجاءة بَين الظّهْر وَالْعصر وَذَلِكَ فِي سنة 728 وَكَانَ بكتمر أَولا من مماليك طرنطاي النَّائِب فترقى إِلَى أَن أعطَاهُ الْمَنْصُور لاجين إمرة عشرَة ثمَّ طبلخاناة ثمَّ اسْتَقر أَمِير آخور فِي سنة 97 إِلَى أَن عزل فِي سنة 701 ثمَّ نقل إِلَى الحجوبية بِدِمَشْق ثمَّ ولي شدّ الدَّوَاوِين ثمَّ أُعِيد إِلَى الحجوبية فَلَمَّا تحرّك النَّاصِر من الكرك سَار مَعَه فولاه نِيَابَة غَزَّة فِي الْمحرم سنة 710 ثمَّ طلب إِلَى الْقَاهِرَة وَولي الوزارة بعد صرف خَلِيل وَاسْتقر خَاصّا فَخر الدّين ابْن الخليلي ثمَّ صرف بعد 5000 ثمَّ قبض عَلَيْهِ وسجن فِي سنة 15 وصودر على مائَة وَعشْرين ألف دِينَار وَخَمْسمِائة ألف دِرْهَم ثمَّ أفرج عَنهُ فِي شَوَّال سنة 719 وَاسْتقر فِي نِيَابَة صفد ثمَّ عَاد الْقَاهِرَة سنة 718

-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-