أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن عثمان جعيط التونسي: من بيت نبيه العلامة الفقيه النبيه الفهّامة النحرير المطلع الخبير النقاد البصير الوزير الخطير، كان كريم الأخلاق طيب الأعلاق عالي الهمة، أخذ عن أئمة منهم محمَّد النيفر الأكبر وعلي العفيف ومحمد الطاهر بن عاشور وتصدى للتدريس وأفاد وأجاد ثم انتظم في سلك الوزارة وتدرج في الخطط النبيهة حتى بلغ الصدارة فهو وزيرها الأكبر وعلمها الأشهر، له شرح على ما دار بين الخليفتين سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وبين سيدنا أبي عبيدة رضي الله عنهم ورسالة في حكم القاضي المالكي بتأبيد حرمة المتزوجة في عدتها بأنه يجري مجرى الفتوى وللحاكم الحنفىِ أن يحكم بخلاف ذلك. مولده سنة 1247 هـ وتوفي على صدارته سنة 1333 هـ[1914 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية_ لمحمد مخلوف
جعيط (1246 - 1333 هـ) (1830 - 1915 م)
يوسف بن أحمد بن عثمان بن قاسم جعيط، الفقيه الكاتب الوزير، ولد بمدينة تونس، وكان والده من العدول الموثقين بالحاضرة من عدول الغابة، وهي خطة نبيهة ينتخب لها صفوة الموثقين من عدول تونس، وجده لأمه هو الكاتب الحاج بالضياف بن عمر العوني رئيس كتبة بيت خزنه دار في دولة الأمير حمودة باشا، والمشهور باختصاصه بالوزير يوسف صاحب الطابع، اتصل اتصالا وثيقا بخاله الوزير الكاتب المؤرخ الشيخ أحمد بن أبي الضياف، فكان المتولي لتربيته وتوجيهه تولي الأب لابنه حتى أنه لم يكن يذكره في رسائله إلا بابني يوسف.
دخل جامع الزيتونة حوالي سنة 1260/ 1844 فأخذ عن شيخ الإسلام محمد بن الخوجة، وانقطع للأخذ عنه رواية ودراية، ولازمه ملازمة المريدين، ثم صاهره على ابنته، وأخذ أيضا عن شيخ الإسلام محمد معاوية، ومحمد بن حمدة الشاهد، وعلي العفيف، ومحمد الطاهر بن عاشور، ومحمد النيفر الأكبر.
وكان له ميل إلى الأدب وربط الصلات بشاعر عصره محمود قابادو، وبصديقه اللغوي الأديب الشيخ سالم بو حاجب، وبالشاعر المؤرخ الشيخ محمد الباجي المسعودي، وبعد إتمام الدراسة بجامع الزيتونة انتصب للتدريس، ولم تطل مدة مباشرته له حتى انتخب لمنصب الكتابة بالوزارة الكبرى، وشجعه خاله الوزير الشيخ ابن أبي الضياف على ولوج باب هذا الوظيف، فدخل كاتبا سنة 1272/ 1856 في أوائل دولة المشير الثاني محمد باشا، وهذه الخطة معدودة في عصره من الخطط العلمية، كما هو شأنها في الأندلس والمغرب الأقصى.
وكانت له اليد الطولى في تحرير القوانين الراجعة إلى أصول عهد الأمان، فكان كاتب المجلس المتكون من شيوخ المجلس الشرعي ورجال من الوزارة وأركان الدولة في ربيع الثاني سنة 1274/ 1858، وفي عهد محمد الصادق باشا باي عند تنظيم الوزارات وأقسام الوزارة الكبرى سنة 1277/ 1861 سمي رئيسا للقسم الرابع الذي هو قسم وزارة الخارجية.
ولما وقع اختيار الوزير خير الدين سفيرا فوق العادة إلى السلطنة العثمانية بعد القضاء على ثورة علي بن غذاهم لتجديد العلائق بين الدولتين، وقع اختيار المترجم كاتبا لهذه المهمة، فسافر صحبة الوزير خير الدين في جمادى الثانية سنة 1281/ 1864، وفي هذه السفارة قابل السلطان عبد العزيز، كما اتصل بالساسة العثمانيين، وسمع محادثاتهم السياسية لا سيما الصدر الأعظم فؤاد باشا، وعاد من هذه الرحلة في شعبان 1281 متقلدا النيشان المجيدي.
واستمر في كتابة الخارجية في طور تحديد الروابط بين القنصليات الأجنبية والدولة التونسية، ونشأ جوّ من التلاعب السياسي والدس الخفي من القنصليات الأجنبية، وزاد الأمر استفحالا وسوءا في وزارة مصطفى بن إسماعيل، وأريد تشكيل الخارجية التونسية بتوجيه معين فصل المترجم عن رئاسة القسم الرابع، ونقل إلى رئاسة القسم الثاني الذي هو قسم الأحكام المدنية أي رئيسا ثانيا مع محمد الباجي المسعودي، وعند ما توفي هذا الأخير في سنة 1297/ 1883 استقل برئاسة القسم الثاني كان رئيسا للدائرة المدنية إلى سنة 1302/ 1888، ثم نقل إلى مجلس الجنايات عند تشكيل أقسام الوزارة في شكل محكمة، ثم صار رئيسا أعلى للدوائر الجنائية ودائرتي الاستئناف المدني والاستئناف الجناحي لمحكمة الوزارة، وهذه الخطط كانت قبل صدور المجلات وقوانين المرافعات فأبان من الكفاءة في فصل القضايا والأنظار الفقهية الدقيقة وتحقيقه لمناط الأحكام ما خلع صيغة القضاء الإسلامي على هيكل العدلية التونسية.
وبعد ارتقاء وزير القلم محمد الجلولي إلى الوزارة الكبرى سمي وزير القلم والاستشارة في 15 محرم 1325/ 1907 ولم يبق طويلا في هذه الوزارة لوفاة الوزير الأكبر محمد الجلولي في ذي القعدة من نفس السنة 1325، فقلد منصب الوزارة الكبرى، وتقلد وسام البيت الحسيني في عهد الملك محمد الناصر باي، وسافر معه إلى باريس في رحلته الرسمية سنة 1330/ 1912، وبالرغم مما حف بوزارته من ظروف داخلية حرجة وأحداث خارجية كبرى، كحوادث الجلاز، ومقاطعة الترامواي، وحرب الطليان بليبيا، واحتلال فرنسا للمغرب الأقصى، واعلان الحرب العالمية الأولى فإنه لم يضعف ولم يلن، وإن قاومه رجال القصر ورجال الادارة وكان الكاتب العام اوريان بلان وراء هذه المقاومة، وهو في هذا الطور العصيب ضعيف البدن، تقدمت به السن.
توفي في ذي القعدة سنة 1333/ 1915 بجبل المنار، ونقل جثمانه إلى تونس، واحتفل بجنازته في موكب ملكي عسكري حضر الملك محمد الناصر، ودفن بالتربة الحسينية.
مؤلفاته:
رسالة في حكم القاضي المالكي بتأبيد حرمة المتزوجة في عدتها بأنه يجري مجرى الفتوى وللحاكم الحنفي خلاف ذلك.
شرح لما دار بين الخليفتين سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر، وبين سيدنا أبي عبيدة بن الجراح
تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة - 42 - للكاتب محمد محفوظ